*
المشكلة ان الكورد على العموم مندفعون بالعاطفة الساذجة وسرعة التصديق ما يدفعهم الى تصديق كل الوعود الشفهية المقدمة اليهم بكلام معسول من اي مسؤول ذي شأن امريكي اوربي روسي وغالبا ما ينسى او يجهل المسؤولون من الساسة والقيادة ان الكلام الشفهي كالعملة بلا غطاء
حسنا…كم من مرة زارهم وزير الخارجية الامريكي الاسبق في اربيل وتباحث معهم حول المشاركة في التحالف الدولي للقضاء على الدواعش ، وشاركت القوات الكوردية وقدمت التضحيات الجمة ومن ثم وبعد نكسة الاستفتاء تبين لهم انهم كانوا متوهمين وغير مصدقين بأن الامريكان سيديرون عنهم ظهورهم في اشد الاوقات حرجا وسيبعيهم دونالد ترمب الى الحكومة العراقية بأبخس الأثمان وعلى حين غرّة!
واليوم يزور نائب الرئيس الامريكي اقليم كوردستان لتعلو اصوات بعضهم كسفين دزه يى وغيرهم من السياسيين الحزبيين ويقومون بعرض عضلاتهم والتباهي بالمنجزات والدور الذي تلعبه حكومتهم على الاصعدة المحلية والدولية.
وقد كتب سياسي مخضرم على صفحته في الفيسبوك: [[زيارة نائب الرئيس الأمريكي الى أربيل و خاصة في خضم هذا الوضع الحرج الذي تمر بها عموم المنطقة تأكيد على أهمية دور اقليم كوردستان على كل الأصعدة الداخلية و الاقليمية . رغم انف الحاقدين.]]
ألا سأل هذا االسياسي الحزبي نفسه اولا: متى لم يكن الوضع حرجا في المنطقة؟
فقد كانت الاوضاع حرجة في المنطقة منذ الأزل.
ومن ثم قوله (تأكيد على اهمية دور الاقليم!!!)…الا سأل نفسه مرة اخرى: وهل اهمية دور الاقليم جديدة؟ الاقليم هام ولكن هل هناك دوام وضمان لهذه الاهمية؟ وماذا عن الغد؟
(وماذا لو سقطت الحكومة العراقية الحالية وحل محلها نظام سني تابع للسعودية؟)
سعودية صدام والانفال وحلبجة والقبور الجماعية!!
فإضعاف داعش أدى الى تقليل أهمية غربي كوردستان، و أنتهاء أيران الاسلامية و العراق الشيعي سيضعف أقليم كوردستان و شرقي كوردستان وحتى غربي كوردستان.
انه عصر المصالح وبس !!
فهل يعيد نظام عراقي جديد موالي لامريكا والخليج وضع كوردستان الى الوراء بالتحديد الى عام 2003 أو أبعد الى عام 1974؟ وماذا لو تنازل الامريكان لبغداد ضد الكورد لقاء صفقة تماما كما تتنازل أمريكا الان لتركيا ضد الكورد في غربي كوردستان مقابل صفقات اسلحة والكشف عن مكان الارهابيين. وحتى الغرب فاي تنازل من قبل الاتراك لهم فسيكون على حساب الأكراد.
ومن ثم يقول الصديق المحترم : (…رغم أنف الحاقدين) ومن هم الحاقدون؟ العراقيون؟ الكورد الطالبانيون الأسديون؟ أو برهم صالح ومن لف لفه من الكورد المستعربين؟
فقلما يسبق الحقد الكوردي على بني جلدته حقدَه على ابغض اعدائه التقليديين!
ومن ثم التأثر بالمظاهر دون تحليل الوقائع على أرض الواقع والنظر الى البعيد..مجرد ان هناك دعايات تقول ” ان بوش الاب سيدافع عن الأكراد في حال اي هجوم من جانب النظام البعثي على المنطقة الكردية في شمال العراق، فالكل يصدق!!”
أتذكر ذلك اليوم الذي حلقت فيه طائرات بوش الأب( صديق الاكراد) ومروحياته فوق سماء كوردستان كيف وصلت صيحات الاهالي الى عنان السماء!
“حاجي بوش حاجى بوش.” وبعدها تبين لهم انها كانت طائرات صدامية بعد ان حصل هذا على الضوء الاخضر الامريكي لقمع الانتفاضة وما عقبتها من هجرة الملايين.
الى متى البساطة والضآلة في التفكير؟ والحمية غير المبررة؟
فجأة الكل يمتدح بأمريكا ، والثناء على ترمب على لسان كل كوردي. وفجأة الكل يشتم بترمب ويندد به. ما هكذا يفكر النبهاء وذوو التفكير السليم.
الف مرة كتبت ترمب ليس أمريكا وأمريكا ليست ترمب.
الشعب الامريكي والسينات-مجلس الشيوخ- الامريكي والكونغرس الامريكي كلهم – عدا عن محجبتين لقيطتين- وكذلك كبار الضباط الامريكان كلهم مع الشعب الكوردي
وبعد فترة قصيرة عادت القوات الأمريكية تحت ضغط اصدقاء كوردستان.
تصعد الحماوة عند الكوردي فجأة ستين درجة وتنخض وفجأة الى ستين تحت الصفر!!
ومن ثم السياسة الناجحة تعني قبل كل شئ استغلال الفرص بذكاء ومكر وفطنة
فالاتراك يستغلون انشغال الامريكان والغرب والمنطقة بايران والعراق ولبنان وذلك من أجل تنفيذ مخططهم التاريخي في احتلال اجزاء من كوردستان والتوغل في اراضي كوردية بحتة بشتى الحجج وعقد الصفقات السرية مع كل من العملاقين وذلك لتنفيذ مآربهم البعيدة في محو الهوية القومية الكوردية والقضاء على اية محاولة تحررية منهم، ومنافسة القوتين في الاستحواذ على قطع من كعكعة الشرق الفوضوى المنهك..
*
ومن ثم هناك خلل آخر وهو الاعتماد على القوى الكبرى( كليا ) ، فهذا الأمر يعتبر أبو المصائب.
فهذه هي روسيا:
مقابل رشوة قدمها التركي للروسي الثعلب رشوة مغلفة بغلاف شراء صواريخ اس 400، اباح للتركي استعمال حتى الاسلحة المحظورة ضد اهالي المدن والقرى الكوردية.
*
وهذه هي امريكا وعلى لسان الرئيس الاسبق رونالد ريغن:
“هكذا قدر الأكراد، حيث الدول الغربية إستعملوا الأكراد للوصول إلى غاياتهم، فالأكراد هم كالنيران وعلينا إشعال هذه النيران متى نشاء وفي الوقت المناسب.”
وبناء على كل ما سبق:
على الكورد عدم التضحية ولا المشاركة باي نشاط ضد الانظمة القائمة في ايران وتركيا وسوريا والعراق بل ان وجود انظمة تطرفية ومهددة المصالح اوربا وامريكية ومتذبذبة بقيادات غير موثوقة بهم، هو سر اهتمام العالم بكوردستان وذلك لحاجتهم الى خدماتهم ، وحالما تنتفي الحاجة سيتخلون عنهم ويديرون ظهورهم لهم.
وعلى الكورد استغلال هذه الفرصة وطلب خدمات مقابل خدمات..بأسلوب كرة القدم المعروف: هات وخذ
اولا هات…ثم خذ..
*
الكل يتلاعب بالكورد لأن الكورد لقمة سائغة معتمدة متوكلة كليا على القوى الخارجية في بقائها. هذه في عصر فيه البقاء للأقوى. ولن تكون هناك أية قوة الا في التوحد والتراصف والتآلف.
(القوة في الاعتماد على النفس والاتفاق والتوصل الى صيغة عمل مشترك وبرنامج سياسي اقتصادي مشترك ، ونهج سياسي وستراتيجية عسكرية مشتركة، واقامة علاقات متينة مع الدول الغربية وتبادل الزيارات لشرح المطالب واستقدام الشركات الغربية للعمل في كوردستان والتنقيب عن النفط وما الى ذلك من اغراءات، في مقابل الدعم المالي والتسليحي …وما الى ذلك من امور..وكل هذا بضمانات وعقود موقعة على الورق.
وقبل كل شئ التنازل لبعضهم البعض…فالتركي ركع للروسي من اجل مصلحة بلاده..واعتذر منه..
فهي اما الحياة معا او الموت فُرادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا – وإذا افترقن تكسرت أفرادا
*
فرياد
24 -11- 2019
شكرا كثيرا للاخ العزيز فرياد على هذا المقال الرائع والجميل و ذو التحليل والرؤية الصائبة في عين الحقيقة.
السياسة هي فن الممكن , و ان سر النجاح والفشل فيها تعتمد على النتيجة بالدرجة الاولى, بينما اداوات التعامل هي المواثق والعهود الكتابية بين الاطراف و ليس العهود الشفوية والاعلامية. وان سر استمرارية النظرة السياسية وفرضها على الواقع هي في المنافع المكتسبة.
تحياتي Rezan
ولك كل التقدير لتعليقك الواقعي وثنائك الجميل هذا ما جاد به العقل حاليا ولو ان السياسة شئ اشبه بالخرافة ووهم لأن كل ما قلت عنها اليوم قد يتلاشى غدا ان استجد موقف جديد يناقض التحليلات المسطورة في المادة المنشورة هذه.
الحقيقة ان السايكولوجية الكوردية تستحق العناية لدورها في التعامل مع كثير من القضايا الراهنة والمصيرية والتي لها عمق في تأريخنا العميق…وكذلك السوسيولوجية علم الاجتماع– أجزم بأن العفوية في القرار والحماوة وسرعة التصديق والسذاجة والضحالة في التفكير هي التي أوصلت الشعب الكوردي اليتيم الى هذا الوضع الاليم…راجعي التأريخ..اسباب (معظم) النكسات والكوارث التي حلت بكوردستان هي نتيجة هذه الميزات والكروموسومات الغريبة في الجينة الكوردية…تحت يدي بحث مستفيض حول هذا الموضع يحتاج الى التنقيح…ربما يصبح المادة التالية على هذه الصفحات الموقرة ولك المحبة والوداد ودمت رافع الرأس كالطود الشامخ