الصراع والدوافع سر وجود الحياة و ديمومتها و بدونها تكون الحياة شللاً و مللاً في حلقة مفرغة , تنتهي في نقطة البداية , و يكون الصراع حميداً مفيداً اذا ما تم في خانة خدمة الانسانية و بالطرق المشروعة , و لكنها تكون ضاراً ومدمراً للنفوس والمجتمعات اذا ما كانت على اهداف خبيثة فاسدة التي لا تأتي بالنفع و الخير لأحد .
الصراع والمنافسة موجود منذ وجود الانسان بل، وتوسعت دائرتها لتشمل كل المخلوقات, و لكن ايضاً بصور مختلفة عن بعضها البعض, وانتشرت بين بني البشر وتحولت من اسلوب وطريقة لتأمين الحياة الى هدف يكون نهايتها الاقصاء والابتعاد عن الطريق السوي, وعمت الى كل الدوائر والمؤسسات والدول, أي كل ما يتحكم به هذا الانسان الذي خلق في احسن تقويم، ولكنه يحيد عن الطريق احياناً .
العراق دولة من دول العالم التي شهدت وتشهد وسيشهد اكبر عدد من الصراعات بحكم طبيعة شعبها وتكوينها وموقعها الجغرافي وتاريخها وثرواتها, بل انها باتت مشاهد يومية, لا يمكن الخلاص منها بسهولة, والشعب هو الضحية في كل ذلك, ويمكننا ان نسميها (دولة الصراعات) فهي تؤثر وتتأثر بكل ما يجرى في المنطقة من احداث ويكون لاعباً في الكثير منها .
إن قراءة متأنية للمشهد العراقي في الوقت الحالي وتحليله قدر الامكان, نرى بأنه، هناك جملة من الصراعات تمارس على أرضها وتدفع بها الى الهاوية وعدم الاستقرار وتجعل منها فريسة سهلة لمن أراد ذلك, لأن هذه الصراعات تصيب في جهاز مناعتها وتضعفها بحيث لا تتمكن من صد الهجمات من الاجسام الطفيلية, ومن هذه الصراعات الواضحة للقاصي والداني عى سبيل المثال لا الحصر :-
- صراع الاحتجاجات الشعبية السلمية, شهد العراق مرات ومرات خروج المظاهرات الشعبية لتطالب الحكومة بحقوقها وسرعان ما كانت تتلاشى وتنتهي بالاستجابة الى مطاليبها او استخدام العنف معها, ولكنها في هذه المرة تختلف هذه الاحتجاجات عن سابقتها في التنظيم والاهداف والاصرار, فأنها لم تعد سلمية من جانب المتظاهرين ولا من جانب الحكومة , فأدى الصراع الى قتل المئات وجرح الالاف ولا تزال مستمرة, اذن نحن امام صراع داخلي نتيجة فقدان الثقة بين الشعب والحكومة جعل منهم في جبهة لا تقبل الحوار ولا ترضى إلا بحل الحكومة والبرلمان وتغيير النظام السياسي، وبأختصار انهاء الهيمنة الايرانية عليها والمتوقع هو مزيد من سفك الدماء والعنف .
- الصراعات المسلحة, شهدت الساحة العراقية صراعات مسلحة دموية سواء بين الحكومة العراقية والجماعات الارهابية بعد تحريرها عام 2003 ،او صراعات تتمثل في الحروب بالوكالة لأطراف خارجية نفعية كل همها تحقيق مصالحها دون ادنى اعتبار للشعب العراقي, ومنها الصراع القائم بين احزاب و جماعات موالية لإيران واخرى ترتبط بالسعودية او تركيا او امريكا, كل همهم توسيع دائرة الهيمنة و النفوذ, وهذا ما يسقط الصفة الوطنية من هؤلاء الجماعات التي تعمل وفق اجندات خارجية رغم ادعاءاتها المتكررة للوطنية والعراقية .
- الصراع الداخلي, هذا النمط من الصراع يوجد عند وجود جماعات سياسية وعسكرية داخل العراق وتعمل بشكل مستقل عن الحكومة او انها لا تخظع لسيطرتها ولا تعمل بأوامرها، منها فصائل الحشد الشعبي والمليشيات الاخرى الذي اطلق يدها, بل انها اكثر نفوذاً وتأثيراً من الحكومة نفسها على الرغم من وجود القوانين والانظمة التي تنظم عملها وتحدد صلاحياتها ولكنها دون جدوى .
- الصراع الاخر وليس الاخير، هو الصراع القائم بين الحكومة الاتحادية و حكومة اقليم كوردستان على الموازنة وقوات البيشمركه والمناطق الكوردستانية خارج الاقليم (المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور العراقي لسنة 2005) وغيرها من الملفات العالقة، وان حركة الوفود وزياراتها المتكررة من والى بغداد مؤشر الى خطورة هذا النمط من الصراع ولم يخرج الحلول المقترحة من كونها حلول ترقيعية و وقتية سرعان ما تظهر الى السطح مرة ثانية اكثر تعقيداً, هذه الصراعات واخرى كثيرة منها الصراع السني السني والشيعي الشيعي والسني الشيعي و الكوردي مع العربي، وصراع المرجعيات لا غنى عنها وما اكثرها، فالسني يرى نفسه يعاقب على سنوات حكمه وطريقة تعامله مع الاخر والشيعي يجد في الحكم احقيته والكوردي يرى نفسه مظلوماً من هذا وذاك .
كل هذه الصراعات يتجه بسفينة العراق الى المتاهات في ظل الامواج العاتية التي لا ترحم ولا تعرف اتجاهاتها بالضبط إلا مارحم ربي والابواب مفتوحة لكل الاحتمالات , نتمنى الامن والاستقرار لها .
7/12/2019