محبة بالشاعر محمد الماغوط …..قدمت له هذه الكلمات …..اني كتبت عن الماغوط شيء لايرتقي لما يشبع طموحي بل شيء للتعريف به وباشعاره المحددة ، لان لو لاحظنا التراث للشاعر فهو شبيه بالبحر يمتلك الشاعر تراث ضخم من الكتابات والاقوال والاشعار والمقالات وكل شيء طرحه دون ان يجعل للكلمات حدود، تضامنا” مع الاغتراب والتحدي ..
ولد الشاعر والاديب محمد الماغوط في محافظة حماة بسلمية ١٩٣٤ وتلقى تعليمه في دمشق وكان الفقر هو احد الاسباب الرئيسية التي جعلته يترك المدرسة في سن مبكر .
يتميز اسلوبه بالجراءة وطرح القضايا التي يبتعد عنها بقية الادباء والشعراء ، ويمتلك روح تمرد كبير باشكالها المختلفة من جهة وحبه واخلاصه للجنس البشري من جهة اخرى .وكانت عذاباته لاتنتهي مما جعله ينبوع سخريه مرير وسحري ينتقد ويتساءل ويتمرد ، وان التمرد بدأ معه منذ صغره ، حيث اعتقل عدة مرات ، وفي السجن تعرف على الشاعر ادونيس ويوسف الخال الذي احتضنه بعد خروجه من السجن في مجلة شعر ، وتعرف على سنية صالح ومن خلال العلاقة الثقافية تزوجها ونال الماغوط جوائز عديدة ورحل عن عمر يناهز ٧٢ سنة بعد اصابته بمرض السرطان تاركا دموعا حزينة على الوطن الذي احبه ، وحزنه على مستقبل معاناة شعبه .
اعماله
——–
حزن في ضؤ القمر شعر
غرفة بملايين الجدران
الفرح ليس مهنتي
العصفور الاحدب مسرحية
المهرج مسرحية
الارجوحة رواية
ضيعة تشرين مسرحية
غربة
كاسك ياوطن مسرحية
حكاية الليل مسلسل تلفزيوني
وين الغلط. “. “
الحدود فيلم
التقرير
شقائق النعمان مسرحية
وادي المسك. مسلسل
ساخون وطني مقالات نقدية
خارج السرب مسرحية
سياف الزهور نصوص حرة
المسافر فلم
شرفة عدن نصوص جديدة
البدوي الاحمر. “. “
وعشرات المقالات والمقابلات والامثال والحكم
اعجابي به منذ سنوات طويلة ، شاعر واديب ومفكر ، فريد من نوعه ، عصامي الثقافة لم يدرس في جامعة او في السوربون ولم يمتلك ناصية لغة اجنبية يقرأ بها ، لكنه فرض نفسه على جيل كبير في عموم الدول العربية واثر فكريا على مثقفين في عموم البلدان ، ويقوم بدراسته العشرات من اصحاب الدراسات الاكاديمية ، لم يفرض نفسه على احد بل كل الانظار الاكاديمية اتجهت اليه وفي مجال الصروح العلمية تدرس اشعاره وكتاباته ، وكانت الحكومات تخافه لقوة تحريضه وقوة اداته المتميزة في التأثير على الشعوب في مواجهة الحكومات الفاسدة ، واعجب به اقطاب الشعر الحر امثال انسي الحاج ويوسف الخال وادونيس ، وقد وصفوه هو صانع الصورة العميقة التي تابعها شرائح واسعة من القراء وكانت براعة ماغوط اقتناص الصورة العميقة من باطن المألوف الدارج ، ومن تراث الحزن التلقائي الدائم ، حيث يقول في الظل والهجيرمن شعره :
كل حقول العالم
ضد شفتين صغيرتين
كل شوارع التاريخ
ضد قدمين حافيتين
حبيبتي
هم يسافرون ونحن ننتظر
هم يملكون المشانق
ونحن نمتلك الاعناق
هم يملكون اللالي
ونحن نملك النمش والتواليل
هم يملكون الليل والفجر والعصر والنهار
نحن نملك الجلد والعظام
هم يملكون الاوسمة
ونحن نملك الوحل
هم يملكون الاسوار والشرفات
ونحن نملك الحبال والخناجر والان
هيا لننام على الارصفة ياحبيبتي
ويبقى النص الشعري الاصيل لدى ماغوط بشكله الجديد الفني مع مرور الزمن ، حيث يقول :
اريد ان اهز جسدي كالسلك
في احدى المقابر النائية
ان اسقط في بئر عميق
من الوحوش والامهات والاساور
لقد نسيت شكل ضؤ القمر ورائحة الاطفال
ان احشائي مليئة بالقهوة الباردة
والمياه العمياء
وحنجرتي مفعمة بقصاصات الورق
وشرائح الثلج
ايها الماء القديم
ايها الماء النيء…… كم احبك
وينفعل الماغوط في هجائه للحكام العرب ، حيث يقول
لقد أعطونا الساعات واخذوا الزمن , أعطونا الأحذية واخذوا الطرقات , اعطونا البرلمانات واخذوا الحرية , أعطونا العطر والخواتم واخذوا الحب , اعطونا الاراجيح واخذوا الأعياد , أعطونا الحليب المجفف واخذوا الطفولة , أعطونا السماد الكيماوي واخذوا الربيع , أعطونا الحراس والإقفال واخذوا الأمان ,أعطونا الثوار واخذوا الثوره” ……
فهو شاعر ومفكر سياسي يتمازج الفكر والادب والسياسة في كتاباته ،
وفي الجوانب الفكرية له اقوال لايترددفي طرحها رغم كل الضوابط حيث يقول في مجال الاشخاص المتميزين في المجتمع ….. احد اقواله هو :
لا تكن متفوقًا في عالمٍ منحط، لأنك ستكون بقعة عسل في عالمٍ من الذباب. ستفنى، ويبقى الذباب .
واعتبر الشاعر البحريني أن الماغوط نجح في الجمع على أرض واحدة بين الليل والنهار، بين الأمل واليأس، بين مرارة الهزائم وغضب العاجز، ليقدم صورة لما يعانيه الإنسان العربي من بلاء من سياسييه ومثقفيه وجنده وشرطته وأجهزة إعلامه مكثفا ذلك البلاء الكثير الوجوه في بلاء واحد هو فقدان الحرية.
و أن الماغوط دخل غاضبًا ومتمردًا على كل أنواع القيود، ليس القوافي والأوزان وحسب، بل قيود الحياة نفسها، هذه الحياة التي لفظته باكرًا خارج جدرانها ليجد نفسه صديق الأرصفة الأزلي وأمير التسكع.
وإذا كانت جماعة “شعر” عدته مجرد بدوي سوف ينشد بضعة مواويل ويمضي، فقد أخطأت الحساب. ذلك أن الماغوط لم يكف عن الحداء والسخط أبدًا، متجاهلاً كل الأطر التي كانت تتحكم بمشروع الحداثة إذ لم يكن لديه مانيفست سوى أبجدية الجوع والصراخ والحزن، وحين أحس بأن باب مجلة “شعر” ضيق على منكبيه، هجر رفاق الدرب دون عودة أو ندم عائدًا إلى أرصفته ومقاهيه وعتباته الأولى ليحلق مثل نسر في الفضاء ثم يلتقط طرائده من حطام الحياة اليومية ومن دماره الروحي ومن حزنه التاريخي الذي لم ينضب أبدًا. لقد ظل متمرسًا بأدواته نفسها وبمعجمه الهجائي وبنبرته نفسها ولم تغيره الشهرة ولا الاستقرار، بل ازداد ضراوة وضجرًا وكأنه لم يغادر غرفته القديمة التي شهدت آلامه وأوجاعه الأولى، تلك الغرفة الصماء “غرفة بملايين الجدران” وكأنه لم يغادر أيام التسكع والتشرد والخواء، وما زال يردد “اختصاصي الوحيد الحرية” و”الفرح ليس مهنتي”.
الواقع أن الماغوط هجا الأوطان والعواصم، المدن والغرف والسجون، التاريخ والبشر جميعًا. ركض عمره بوحشة الأنهار وطيش العصافير. كانت النار مشتعلة في ثيابه وأجنحته ومحركات الروح.
بعض من إقتباسات و أقوال محمد الماغوط حيث يقول :
اتحاد الكتاب لا يقرر موهبتي كشاعر
ووزارة الصحة لا تقرر لياقتي كرياضي
ووزارة الزراعة لا تقرر مؤهلاتي كفلاح
ووزارة الأوقاف لا تقرر أهليتي كمؤمن
ووزارة الدفاع لا تقرر كفاءتي كجندي
ونظام المرور لا يقرر طريقي أو اتجاهي
ونقابة الفنانين لا تقرر ميولي في المجالات الأخرى
ومحاكم أمن الدولة لا تقرر وطنيتي أو عمالتي
ومختار الحارة لا يقرر حسن سمعتي وسلوكي
******
الكل يريد أن يخرجني عن طوري !
وها أنا أخرج عن طوري ومن بيتي
فماذا جنيتم ؟
*******
ليل .. نهار
شروق.. غروب
مطر.. غبار
جبال.. وديان
شوارع.. منعطفات
سطوح.. خنادق.. استحكامات
شعر..
نثر..
مسرح..
تبادل تهم ودموع وزيارات واتهامات واشتباكات ومماحكات !
وعندما أتعب أضع رأسي على كتف قاسيون وأستريح
ولكن عندما يتعب قاسيون على كتف من يضع رأسه ؟
احببت هذه القصيدة للشاعر وهي …….
حزن في ضؤ القمر
أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها
أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر
خذني إليها
قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر
فأنا متشرّد وجريح
أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده
من أعماق النوم أستيقظ
لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم
لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر
قل لحبيبتي ليلى
ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين
أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها
انني ألمح آثار أقدام على قلبي .
دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه
وأنا راقدٌ في غرفتي
أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره
من قلب السماء العاليه
أسمع وجيب لحمك العاري .
عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده
والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا
ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح
تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ
ورياحُ البراري الموحشه
تنقلُ نواحنا
إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس
ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ
نبكي ونرتجف
وخلف أقدامنا المعقوفه
تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه …
وافترقنا
وفي عينيكِ الباردتين
تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله
أيتها العشيقةُ المتغضّنة
ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر
أنتِ لي
هذا الحنينُ لك يا حقوده !
. .
قبل الرحيل بلحظات
كتبت قصيده
عن الليل والخريف والأمم المقهوره
وتحت شمس الظهيرة الصفراء
كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ
وأترك الدمعه
تبرق كالصباح كامرأة عاريه
فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه
وقربَ الغيوم الصامتة البعيده
كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره
تندفع في نهر من الشوك
وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه
تحدقُ بي
بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .
. .
يا نظراتِ الحزن الطويله
يا بقع الدم الصغيرة أفيقي
إنني أراكِ هنا
على البيارقِ المنكَّسه
وفي ثنياتِ الثياب الحريريه
وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام
تحت سمائك الصافيه
أمضي باكياً يا وطني
أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف
والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين
كامرأتين دافئتين
كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني
إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول
تحت أظافري العطريه
يقبعُ مجدك الطاعن في السن
في عيون الأطفال
تسري دقاتُ قلبك الخائر
لن تلتقي عيوننا بعد الآن
لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه
سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده
كالسحابةِ التي لا وطن لها .
. .
وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل
أيتها الشبابيكُ الارجوانيه
انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب
عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..
جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،
أودُّ أن أموتَ ملطخاً
وعيناي مليئتان بالدموع
لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر
فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه
في طفولتي ،
كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب
وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه
أما الآن
وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح
انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع
اشتهي جريمةً واسعه
وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،
إلى بلادٍِ بعيده ،
حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،
وفتاةٌ خلاسيه ،
تسهرُ وحيدةً مع
مسافر دائما مع الغربة والحزن والقلب الصامت وهو يبني كلماته التي تخترق الحاجز الصوتي ، والنجوم السارحة بقوة الكلمات الرهيبة ففي قصيدة المسافر يقول …….
بلا أمل ..
وبقلبي الذي يخفقُ كوردةٍ حمراءَ صغيره
سأودِّع أشيائي الحزينةَ في ليلةٍ ما ..
بقع الحبر
وآثار الخمرة الباردة على المشمّع اللزج
وصمت الشهور الطويله
والناموس الذي يمصُّ دمي
هي أشيائي الحزينه
سأرحلُ عنها بعيداً .. بعيداً
وراء المدينة الغارقةِ في مجاري السلّ والدخان
بعيداً عن المرأة العاهره
التي تغسل ثيابي بماء النهر
وآلاف العيون في الظلمه
تحدق في ساقيها الهزيلين ،
وسعالها البارد ، يأتي ذليلاً يائساً
عبر النافذةِ المحطَّمه
والزقاقُ المتلوي كحبلٍ من جثث العبيد
سأرحلُ عنهم جميعاً بلا رأفه
وفي أعماقي أحمل لك ثورةً طاغيةً يا أبي
فيها شعبٌ يناضل بالتراب ، والحجارة والظمأ
وعدة مرايا كئيبه
تعكس ليلاً طويلاً ، وشفاهاً قارسةً عمياء
تأكل الحصى والتبن والموت
منذ مدة طويلة لم أرَ نجمةً تضيء
ولا يمامةً تصدحُ شقراء في الوادي
لم أعدْ أشربُ الشاي قرب المعصره
وعصافيرُ الجبال العذراء ،
ترنو إلى حبيبتي ليلى
وتشتهي ثغرها العميقَ كالبحر
لم أعد أجلس القرفصاء في الأزقه
حيث التسكع
والغرامُ اليائس أمام العتبات .
فأرسل لي قرميدةً حمراء من سطوحنا
وخصلةَ شعرٍ من أمي
التي تطبخ لك الحساء في ضوء القمر
حيث الصهيلُ الحزين
وأعراسُ الفجر في ليالي الحصاد
بعْ أقراط أختي الصغيره
وأرسل لي نقوداً يا أبي
لأشتري محبره
وفتاه ألهث في حضنها كالطفل
لأحدثك عن الهجير والتثاؤب وأفخاذ النساء
عن المياهِ الراكدةِ كالبول وراء الجدران
والنهود التي يؤكل شهدُها في الظلام
فأنا أسهرُ كثيراً يا أبي
أنا لا أنام ..
حياتي ، سوادٌ وعبوديةٌ وانتظار .
فأعطني طفولتي ..
وضحكاتي القديمة على شجرةِ الكرز
وصندلي المعلَّقَ في عريشة العنب ،
لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري