سورية من انهزام العدوان الى شاطئ العنفوان – عبد الخالق الفلاح

التحركات الاستفزازية لقوات اردوغان الاخيرة تهديد  الغاية منها خلخلت استقرار المنطقة و ورقة يحاول فيها النظام في تركية حماية المجموعات الارهابية المدعومة منها واعادة هيكلتها ولعل ليبيا سوف تكون البقعة التالية لنقلهم لها وتعمل على اطالة الوقت في بقائهم وضاقة الارض السورية بهم بعد ان بات من المؤكد ان المساحة المحصورة التي تؤيهم  قاب قوسين من الانتهاء في اتون خط السقوط  الاخر والانتصارات صارت على الابواب وستعود الى ما كانت عليه في المستقبل القريب و الفرصة متاحة اكثر من قبل لتعود من جديد الى ماكانت عليه من عنفوان وشكلت الانتصارات التي تحققت على كل  جغرافيتها في انهزام العدوان و قرب  نهاية ما تبقت من المجموعات  التي اخذت تتشبث بقشرة لانقاذها من الموت الذي لاريب فيه في ادلب اخر معاقلها او الهروب وهي في حالة تقهقر مستمر اثر الضربات المتتالية التي تلقتها على ايدي القوات السورية المدعومة من محور المقاومة وروسيا وسيتم القضاء عليها في القريب العاجل وولدت الأرضية الضرورية  لدمشق للانتقال إلى  باب الاعتراف بانهزام العدوان ولتجبرهم الحوار معها وهي مرفوعة الرأس.

لقد اضحت العديد من إلاشارات  توحي الى الانفتاح وتتواتر أنباء في الصحافة الإقليمية والعالمية ما تؤيد ذلك ، وعن لسان رئيس الجامعة العربية السابق عمر موسى في احتمال رجوع سوريا قريباً إلى عضويتها في الجامعة العربية بعد أن علقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 اثر الاحتجاجات ضد قمع المجموعات المجرمة لعصابات القاعدة وداعش  بعد ان اباحت الارض و الدولة ، والمدعومة من الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الخليجية والاقليمية وبعد التقدم العسكري للجيش السوري والمتحالفين معه والذي مكنها من استعادة السيطرة على الجزء الاكبر من اراضيها واعلان تحريرها “رغم ان الجامعة العربيّة بصُورتها الحاليّة باتت هيكلًا عظمياً تقوده دول معينة  بالمُقارنة مع ما كانت من معايير القِيادة سابقاً لها، وتقارب اعضائها من الدول فيما بينهاعند الحقب الماضية والتي كانت تقوم على أساس الاخوة واحترام الدول المجاورة وتوثيق العلاقات معها ،والتعاون على مُحاربة مشروع الكيان الإسرائيلي واستيطانه  المدعوم غربيًّا والسعي للتطبيع بدل ذلك والتي اصبحت البعض من الدول تهفوا اليها والعلاقة معها .

 الحديث باستِحياء عن عودة سورية هذه الأيّام ينطلِق من مُنطلق اعتراف أصحابها بالفشل من أخراجها عن ثوابتها الوطنية  وقيمها التاريخية والحضارية ويعني حُدوث مُتغيّرات كثيرة  والتي قدمت الالاف من ابنائها شهداء دفاعاً عن أرضه وعرضه لمواجهة التنظيمات الإرهابية التي استباحت أرضها ومواجهة الدول الداعمة لها وأصحاب المنابر الإعلامية التي كانت تبث سموم الفكر المتطرف وايقنت الان انها لا يمكن توظيفها في خدمة مشاريع التّفتيت الإسرائيليّة والأمريكيّة”. التطورات الخطيرة التي حصلت في محيط سوريا ما هي إلا بسبب تداعيات الانقسام العربي والوقوع في حضن الاستكبار الغربي  في حين ان بعض الدول انهارت مؤسساتها وانتهكت سيادتها لعمالة قادتها ودخلت في سوق النخاسة وغدت مهددة في وحدة ترابها الوطني واحست ان لا  سبيل إلا بالعمل على عودة النظام العربي الإقليمي قبل الانهيار التام وقطع رمقها فما حدث أمامها لازال يوحي الى بذور أزمات مستدامة يرويها هذا الانقسام .

لا شك ان استنهاض العمل الجماعي بات حاجة ملحة للحفاظ على الحقوق وتحقيق الحضور والاحترام وسط عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، وهو ما أدركته أمم أخرى وعملت من أجله وحققت لدولها حضوراً مميزاً كما هي الحال مع دول الجيران العربي مثل باكستان والهند والجمهورية الاسلامية الايرانية ودول اخرى بعيدة كسنغافورا والكوريتين واليابان …الخ  و لا يجوز لأي خلاف أو تباين مهما كان حجمه أن يخلق فجوة بين الأشقاء والاصدقاء و التجارب أثبتت خطورة ذلك السلوك السياسي وتهديده لأهم القضايا .

ان الانتصارات في سورية قوّضت جهود الرئيس التركي اردوغان  ووضعته في حرج اشد يصعب الخروج منها إلأ خاسراً واستمرار تقويض أسس الديمقراطية داخلياً  وقدرت المعارضة على الاحتجاج وتجاوز الحواجز والقيود التي وضعها النظام ووسط معارضته للعدوان الذي يصفونه بأنه تهور كلفه غاليا  وهو ما يشير لوجود اتجاهات لتغير التوازنات السياسية في تركيا لصالح المعارضة مع صعود قيادات سياسية قادرة على الحشد والرفض الشعبي لسياسات احتكار السلطة وتسييس القضاء وملاحقة المعارضين وخارجياً

ساهمت في إعلان العديد من الدول من التقارب معها والاستعدادلإعادة فتح سفاراتها ولا يمكن لهذه الخطوة أن تكون قد تمت دون الاعتراف بالضوء الأخضرالمنتصر يلوح في الافق وفشل المؤامرات لتقسيم المنطقة وهذا التحول الدبلوماسي يؤكد ان الدور العربي في سوريا القوية الان أصبح أكثر ضرورة تجاه التغول الإقليمي التركي بتدخله السافر في شؤونها وباصطفافه ودعمه لجماعات الارهاب السياسي التي باتت مرفوضة شعبيا على نطاق أوسع و لم يكن يتوقع موقفا اقليمياً مماثلا من العدوان على المناطق السورية الحدودية المتاخمة مراهنا على الأرجح على بقاء هذه العصابات التكفيرية .

من هذا الباب تسعى بعض الدول العربية  اليوم عبر حضورها في سورية  إلى تفعيل دورها وأن تكون الخيارات حاضرة وأن تساهم إيجابا تجاه إنهاء ملف الحرب وتعزيز فرص السلام والاستقرار للشعب السوري”وعلى ضرورة إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع سورية ، باعتبارها الحل الوحيد للأمن والاستقرار فيها وإن العديد من الزيارات من شخصيات أمنية بارزة أجريت إلى دول إقليمية من أجل بحث قضايا أمنية تهم  جميع الاطراف. وتكمن المشكلة في الانفتاح الإقليمي على دمشق وباتت هناك قناعات في عواصم هذه الدول العربية بأن سوريا الأكثر قوة، والأكثر استقرارًا هي أفضل ضمان لإبطاء التغلغل التركي وتوسعه في المنطقة على الرغم من أن هذا التحول الجديد سيخلق تحديًا لدمشق عندما يتعلق الأمر بعلاقاتها وحملت رسائل تطمينية لعودة العلاقات العربية بدعم من دول التحالف الروسي مع محور المقاومة هذه المرة على ضرورة دعم جهود الحل السياسي لإنهاء الأزمة.  وقد ساهم الانسحاب الذي اعلنته القوات الأمريكية  من سوريا بقرار من

 الرئيس دونالد ترامب في وقت سابق إعادة توزيع الأوراق. ولعب هذا الإعلان المفاجئ لصالح سورية بعد ان احست واشنطن انها لا تستطيع عمل شيئ امام الشعب السوري ومحورالمقاومة التي وقفت بل استطاعت تحرير الكثير من المدن والقصبات من ايدي قوى الشر  مما دفع القوات الكردية في الشمال العودة الى الصف الوطني خشية من الاعتداءات التركية واستغلالها الظرف الحالي وسلسلة الأحداث  لصالحها وتؤشر بأن تغييرا سيطرأ على العلاقات بين السلطات العربية وسوريا، وأعتقد أنها ليست سوى البداية لتعزيزالنجاح وأن يخرجوا بقرارات تدعم مسيرتهم وتقوي عزيمتهم في تربية الأجيال على المفاهيم الإنسانية، وحينها الأعداء سوف لن يستطيعوا أخذ ما عجزوا عنه في الحرب من خلال البوابات المختلفة  السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بات من الصّعب تجاهلها والقَفز عليها، لكل من أراد الحديث عن الموضوعيّة والعقلانية .

   عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي