حديقة عدن صحتها ومكان وجودها- بيار روباري

 

عندما يقول الكرد إن بلدهم كردستان، هي جنة الله على الأرض، يسخر البعض منهم ويعتبرون ذلك مجرد محبة زائدة من قبلهم بهدف تعزيز الروح المعنوية لدى الشعب الكردي، ويربطون ذلك مع حرمان الكرد لفترة طويلة من دولة قومية خاصة بهم.

ولكن هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم يومآ، بالتوقف عند ذلك الكلام والبحث عن حقيقته ومدى جدية إن كان ذلك صحيحآ أم مجرد شحط عاطفي. والأسوء من هذا هو إنضمام بعض الكرد وخاصة المتأسلمين منهم إلى هذه الجوقة.

لن أطيل عليكم وسأحيلكم إلى ما ورد في التوراة نصآ وأكثر التفسيرات إعتمادآ من قبل غالبية المفسرين. والتوارة يعتبر كتاب مقدس ومنزل من عند الله، حسب قول وإيمان الديانتين المسيحية والإسلامية على حدٍ سواء. ولا أظن هناك مؤمن مسيحي ومسلم يمكن له أن التشكيك برواية التوارة، وإلا جرى التشكيك في روايات الإنجيل والقرأن أيضآ. لأن كلا الديانتين مأخوذتين عن الديانة اليهودية وهي بدورها مأخوذة عن الزرادشتية.

ورد في الكتاب المقدس:

ذكرت جنة عدن في الكتاب بعد سفر التكوين، في اش 51: 3 وحز 28: 13 و31: 9 و16 و18 و36: 35 ويوئيل 3:2.

اسم جنة عدن:

يقول الكتاب المقدس: “وغرس الرب الإله في جنة عدن شرقًا” (تك 2:8)، مما يدل على أن الجنة لم تكن جزءًا محدودًا من عدن. ومما جاء في الترجمة السبيعنية وما تلاها من ترجمات نهجت على نهجها، يُفهم أن كلمة “عدن” أشبه في لفظها بكلمة تعنى “بهجة” أو “لذة”، ولكن غالبية العلماء الآن يعتقدون أن كلمة عدن ليست اسم على، ولكنها اسم مشتق من السومرية “عِدين” بمعنى سهل أو أرض منبسطة.

 

أي أن الجنة كانت في أرض منبسطة، ولأنها كانت في أرض عدن، سميت الجنة “بجنة عدن” (تك 2: 15، 3:23، و24، حز36:35، يؤ2:3). كما يقال عنها “جنة الله” (حز 28:13، 31:9)، “وجنة الرب” (تك 13:10، إش 51: 3). والكلمة في العبرية هي “جنة ” كما في العربية، وقد ترجمتها السبعينية إلى “فردوس” (إش 51:3) نقلًا عن الكردية بمعنى بستان.

 

أنهار جنة عدن:

 

                      خريطة نهري دجلة والفرات

 

وكان يخرج من عدن (أي السهل) ليسقي الجنة. ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس (تك 2:10). وكلمة “رؤوس” يمكن أن تُفهم على عدة وجوه فقد تعنى بداية فرع يأخذ من النهر كما في الدلتا، أو نقطة اتصال رافد يصب في النهر، ولعل المعني الأخير هو الأرجح وأسماء هذه الروافد الأربعة التي يبدو أنها كانت تأتى من خارج الجنة هي “فيشون” (تك 2:11)، و”جيحون” (تك 2:13)، و”حداقل” (تك 2: 14)، و”الفرات” (تك 2:14).

والاثنان الأخيران معروفان، هما نهر دجلة والفرات. “أما نهرا ” فيشون وجيحون” فتختلف حولهما الآراء وتتنوع، من الظن أن المقصود بهما نهر النيل ونهر السند على الترتيب إلى الظن فإنهما رافدين من روافد نهر الدجلة فيما بين النهرين. فليس من السهل تحديدهما على وجه اليقين.

 

محتويات جنة عدن:

كانت الجنة أرضا خصبه صالحه للزراعة حيث ان الرب أخذ “أدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها” (تك 2:15) وكان بها “كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل” (تك 2:9)، وكانت في وسط الجنة ” شجرة الحياة” (تك 2: 9) التي كان من يأكل منها ” يحيا إلى الأبد” (تك 3:22)، كما كان بها ” شجرة معرفة الخير والشر” (تك 2:9) التي نهي الله أدم وحواء عن الأكل منها (تك 2:17، 3:3). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس الكتاب المقدس والأقسام الأخرى).

 

وتتشعب الآراء كثيرًا بخصوص هذه الشجرة، فيرى البعض أنها شجرة معرفة الصواب والخطأ ولكن من العسير افتراض أن أدم لم يكن يملك المعرفة من قبل، وإذا لم يكن يملكها، فانه بذلك يكون قد مُنع من اكتسابها ويربط البعض الآخر هذه المعرفة الدنيوية التي يكتسبها الإنسان بالنضج، والتي يمكنه ان يحسن استخدامها أو يسيء استخدامها تعني المعرفة الشاملة أي معرفة كل شيء ولكن مما يتعارض مع هذا أن أدم بعد أن أكل منها لم يكتسب هذه المعرفة الشاملة. ويرى آخرون أن شجرة معرفة الخير والشر ” لم تكن سوى شجرة عادية اختارها الله لتكون اختبارا أدبيا للإنسان الذي سيحصل على معرفة اختيارية ” للخير” اذا استمر في الطاعة و” للشر” إذا سقط في العصيان كما كان في الجنة  ” كل حيوانات البرية وكل طيور السماء” (تك 2:19 و20).

 

الأراضي المجاورة لجنة عدن:

تذكر ثلاث مناطق بالارتباط بالأنهار، فنقرأ أن نهر ” حداقل ” هو الجاري شرقي أشور” (تك 2:14) والعبارة تعني -حرفيًا- “الجاري أمام أشور” مما قد يعني أنه ” يجرى بين أشور والمشاهد “وكلمة” أشور” قد تعني ولاية أشور، التي بزغ نجمها في بداية الألف الثانية قبل الميلاد، أو مدينة أشور التي هي الآن قلعة ” شرجات “على الضفة الغريبة لنهر دجلة بين نهري الزاب الأعلى والزاب الأسفل، وكانت أقدم عواصم أشور والتي ازدهرت – كما تدل الحفريات الأثرية – في أوائل الألف الثالثة قبل الميلاد -على الأرجح- على جانبي الدجلة – فالأرجح أن المقصود بأشور هنا (تك 2:11) التي يجرى الدجلة شرقيها. ثم إن نهر “جيحون” يوصف بأنه “المحيط (أو الذي يتلوي) في جميع أرض كوش” (تك 2: 13). وكوش في الكتاب المقدس تشير عادة إلى “إثيويبا” وكثيرًا ما أخذت على هذا الاعتبار هنا، ولكن توجد منطقة إلى الشرق من نهر الدجلة كانت تسمى بهذا الأسم، وإليها ينسب “الكاشيون” الذين ظهروا في الأف الثانية قبل الميلاد، ولعل هذه المنطقة هي المقصودة هنا “بكوش”.

 

ونهر فيشون “الذي يوصف بأنه” المحيط بجميع أرض الحويلة حيث الذهب. وذهب تلك الأرض جيد. هناك المقل وحجر الجزع” (تك 2:11 و12) وحيث أن ” المقل ” يفهم منه عادة أنه “صمغ عطري” وهو أحد الحاصلات التي تتميز بها الجزيرة العربية، كما أن المرتين الأخريين اللتين تذكر فيهما ” حويله ” كاسم مكان (تك 25: 18، 1 صم 15:7) تشيران إلى مناطق في شبه الجزيرة العربية (الرجا الرجوع إلى مادة “حَويلة” هنا في موقع الأنبا تكلا).

 

******

 

إلى هنا إنتهى ما ورد في التوارة وتفسيره من قبل المختصين المهتمين بذلك. ولكن هناك أمور وردت في تفسير هذا النص، غير صحيحة وبحاجة إلى توضيح وشرح أيضآ، وخاصة فيما يتعلق بكلمة “عدن وبستان” وأسماء النهرين الأخرين وموقعهما الحالي.

إضافة إلى ذلك علاقة مضمون “التوارة” ككتاب ديني بملحمة “كَلكَامش” والتي تُعد أقدم الأعمال الأدبية العظيمة، وثاني أقدم النصوص الدينية المتبقية من تلك الفترة، بعد نصوص الأهرام الدينية، وعلاقة ذلك بمجيئ اليهود إلى كردستان أيام الإمبراطورية الأشورية الدموية كعبيد لخدمة تلك الإمبراطورية.

 

تتحدث رواية التكوين في التوارة، عن الجنة باعتبارها مكانا حقيقيا موجودآ على الأرض بعكس الإسلام الذي تحدث عن تلك الحديقة بكلام مبهم ولم يحدد مكان الجنة وأشار الى وجودها في السماء الثالثة. ولكن الفرق بين الديانتين هو أن التوارة حدد مكان الحديقة بوضوح لا لبس فيه، ووصفها وصفآ محددآ وسمت أسماء الأنهر التي تجري فيها.

توصل المفسرون والمختصين إلى أن نهرين من الاربعة المذكورة في سفر التكوين هما: نهر ‏الفرات ودجلة، وكليهما موجودين ومعلومان وينبعان من شمال كردستان،‏ وبعض منابعهما متقاربة لبعضهما البعض للغاية. ووصف الكتاب المقدس في (تك4:2-17) هذا المكان الجميل، الذي بدأ فيه حياة البشرية على كوكب الأرض وسمته “بحديقة عدن”.

 

منطقيآ وعلميآ لا يمكن أن يكون موقع نهري “فيشون وجيحون”، خارج منطقة نهري دجلة والفرات، وخاصة أن النهرين الثالث والرابع يعتبران فروعآ للأول والثاني أو أقل منهما أهمية من حيث وفرة المياه وطول الأنهر. فكيف يكون النهرين الرئيسيين في ميزوبوتاميا (كردستان) اليوم، ويكون النهرين الباقيين في الحبشة كما إدعى البعض. أو في السعودية والهند أو جنوب ايران الحالية؟ إنظروا إلى المسافة الجغرافية التي تفصل المنطقتين عن بعضهما البعض.

لقد حاول الكثير من الباحثين المهتمين بالموضوع البحث عن باقي الأنهار في المنطقة عبر التاريخ، وكانت هناك آراء كثيرة في هذا الصدد.  فالبعض أعلن أن المقصود بالنهرين فيشون وجيحون هو نهر النيل، وآخرون قالوا أنه نهر الهندوس. ولكن هذه التخمينات لا تتفق مع ما يذكره الكتاب المقدس، لبُعد المسافة بين هذه الأنهار وبين نهري دجلة (حداقل) والفرات.  وإقترح البعض أن اسم نهر “كوخا” في جنوب غرب إيران، حيث كان هذا النهر يصل قديمًا بالخليج الفارسي مع نهري الفرات ودجلة.

 

إلى أن أتى العالِم والباحث الألماني “دلتش” واكتشف في بابل قائمة بأسماء الأنهار القديمة التي كانت معروفة وقتئذ، فوجد من بينها أسماء “فيشانو” وهو القريب من “فيشون”، و”جيجانو” وهو متشابه مع “جيحون”.  ووجد أنهما كانا قريبين جدًا من دجلة والفرات.

إضافة إلى أن كلمة “عدن” كلمة سومرية حسب ما ورد في التفسير ذاته، فإذآ تحددت المكانة الجغرافية لحديقة عدن وأنهرها الأربعة. وبحسب دراسة جغرافية المنطقة والوصف الذي وصفه التوراة للمنطقة المعنية، يكون النهر الثالث هو نهر “الخابور” والرابع نهر ” الزاب”، حسب ما لدينا من أنهر معروفة في المنطقة.

 

وإذا أمعنا النظر في وصف التوراة بشكل جيد، وأخذنا بعين الإعتبار المساحة التي يشملها هذه الأنهر الأربعة، لتوصلنا إلى إستنتاج مفاده: أن منطقة “حديقة عدن” تمتد من شرق نهر الفرات غربآ إلى جنوب بحيرة اورميا شرقآ، وهذا يشمل عمليآ قسمآ كبيرآ من أراضي كردستان بل مركز كردستان، وبالتالي فحديقة عدن تعني حقيقة أرض كردستان ليس غيرها. والحديقة ليست من شروطها أن يكون أرضها سهلآ . هذاا الكلام غير صحيح لأن هذه الحديقة الربانية واسعة وتشمل الأنهار والبحيرات ولا يمكن للأنهار تتدفق إذا كان الأرض سهلآ ومستويآ. فإذآ لا بد من جبال ووديا وسهول تعم هذه الحديقة. ولا ننسى عندما حلى الطوفان بالمنطقة صعد نوح إلى سطح جبل جودي هو أيضآ موجود بكردستان.

 

وكلمة الحوريات التي أتى على ذكرها القرأن، والمرتبطة بالجنة هي ببساطة النساء الهوريات الجميلات نظرآ لطبيعة كردستان الخلابة التي كانت مليئة بالغابات والأنهار والبحيرات وما زالت، التي وجد فيها الغرباء جنة مقارنة ببلدانهم. والجنة هي مرادفة لكلمة الحديقة وتصغيرها جنينة. هذا إلى جانب المناخ المعتدل الذي يسود أجواء كردستان. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السومريين إستعاروا كلمة (أدن)، من أهل المنطقة وليست سومرية الأصل.

 

لكن البعض ولأسباب سياسية وعنصرية، حاول وبشكل غير علمي ومنطقي، ربط “حديقة عدن” بالعراق الحالي ومن ثم القول أن العراق بلد عربي. وهذا مخالف لحقائق التاريخ، التي لا تحتاج للكثير من البحث لأنه لا يوجد في التاريخ بلد إسمه العراق. وحتى مدينة بغداد الحالية بناها الكرد، وكلمة بغداد ذاتها كلمة كردية، ولا علاقة لها باللغة العربية، وهي مأخوذة عن لفظة (باغ) الكردية والتي تعني الحديقة. وفي اللغة الكردية القديمة كان تعني الإله. وهكذا يكون معنى كلمة بغداد “مدينة الإله أو حديقة الإله. وكلمة الإله بالروسي والجيكي “بوخ أو بوه” من ذات المصدر أي من كلمة (باغ).

 

بالنسبة لليهود ومن بعدهم العرب، كانت بلاد الكرد تعتبر لهم جنة مقارنة ببلدانهم وشيئآ يشبه الحلم. حتى الأن عندما يزور العرب أماكن جميلة كسويسرا مثلآ يصفونها ويقولون أنها جنة، ونفس الشيئ يفعله العراقيين عندما يزورون إقليم جنوب كردستان.

بهذا الشكل أيضآ جاءت تسمية مدينة دمشق وما حولها، حيث سماها العرب “بالشامة”، كونها كانت واحة خضراء في محيط صحراوي، وكون كل ما كان يقع جنوب منطقة دمشق كانت عبارة عن منطقة خالية من الشجر والخضار، ولذا شبهوا دمشق بشامة الوجه، ومن هنا جاءت تسمية “بلاد الشام” وهي تسمية مجازية ولا علاقة لها بأصل الشعب وأهل البلاد.

 

هناك مصطلحين أساسيين ” بستان وفردوس”، الذين يشكلان جوهر قصة هذه الحديقة، إذا توقفنا عند أصلها اللغوي، لفهمنا حقيقة الموضوع برمته وأكد صوابية ما ذهبنا إليه أنفآ، وهو أن كردستان هي المقصودة بحديقة عدن.

بستان:

لفظة كردية معربة وتعني أرض الورود. وهي كلمة مركبة من لفظتين الأولى (بهين) وتعني الرائحة أي رائحة الورد. والثانية (ستان) وتعني الأرض وهنا بمعنى أرض الورد. وفي اللغة يجوز تأليف الكلمات من كلمة كاملة ومقطع من الثانية، وهذه خاصية من خواص اللغة الكردية وجميع اللغات النهدو- أوروبية أي أنها لصقية، وهذه الخاصية غير موجودة في اللغات السامية كالآكادية، السريانية، العبرية والعربية.

Bihên + stan –> bistan

فردوس:

لفظة كردية معربة وتعني البستان الجامع، أي يشمل على كل شيئ وبكلام أخر أمهات البساتين. وأخذها اليونانيين عن الفرس. وهي مؤلفة من لفظتين الأولى (پيرا) بمعنى الحديقة الخاصة وفق باللغة الكردية القديمة. واللفظة الثانية هي (ديسا) وتعني السياج. وهكذا يكون معنى الكلمة كاملة، الحديقة المحمية بالحائط. أي حصتك المحمية أو المحروسة.

Para (parast + dêyso (dîwar) –> paradêyso

ومن إطلع على مضمون قصة التوراة حول التكوين، وقرأ محلمة كَلكَامش المعروفة يعلم علم القين بأن اليهود أخذوا تلك الملحمة ونسبوها لأنفسهم بعد إدخال بعض التعديلات عليها وإستخدام الأسماء اليهودية لعناصر وأشخاص الملحمة.

******

موقع حديقة عدن حسب القرأن:

ورد في تفسير القرطبي عن هذه الآية ما يلي:  في جنات عدن أي في دار إقامة. يقال: عدن بالمكان إذا أقام به، ومنه المعدن. وقال عطاء الخراساني: جنات عدن هي قصبة الجنة، وسقفها عرش الرحمن جل وعز. وقال ابن مسعود: هي بطنان الجنة، أي وسطها. وقال الحسن : هي قصر من ذهب لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل، ونحوه عن الضحاك . وقال مقاتل و الكلبي : عدن أعلى درجة في الجنة، وفيها عين التسنيم، والجنان حولها محفوفة بها، وهي مغطاة من يوم خلقها الله حتى ينزلها الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن يشاء الله.

وورد في تفسير الطبري:  قيل: جنات عدن، لأنها بساتين خلد وإقامة، لا يظعن منها أحد،وقيل: إنما قيل لها جنات عدن ، لأنها دار الله التي استخلصها لنفسه، ولمن شاء من خلقه، من قول العرب: ((عدن فلان بأرض كذا))، إذا أقام بها وخلد بها، ومنه ((المعدن))، ويقال: ((هو في معدن صدق))، يعني به: أنه في أصل ثابت.

حسب بعض المفسرين المسلمين، إن جنة عدنٍ تقع فوق السماوات، بالإستناد إلى قول الله تعالى في سورة النجم: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى*عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى*عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)،[7] وظاهر قول الله سبحانه أنّ الجنّات ليست على الأرض بل فوق السماوات، ولقد ثبت في السنة النبوية أنّ سدرة المنتهى فوق السماء. وكذلك ففي السنة الشريفة العديد من الأحاديث التي تصف الجنة تثبت أنّ الجنة فوق السماوات، ففي البخاري يقول النبي: (إنَّ في الجنةِ مئةَ درجةٍ، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِه، كلُّ درجتيْنِ ما بينهما

كما بين السماءِ والأرضِ، فإذا سألتم اللهَ فسلُوهُ الفردوسَ، فإنَّهُ أوسطُ الجنةِ، وأعلى الجنةِ، وفوقَه عرشُ

الرحمنِ، ومنه تَفجَّرُ أنهارُ الجنةِ).[8] ولقد أورد ابن القيم في كتابه حادي الأرواح قولاً عن ابن عباس

رضي الله عنه يقول فيه: الجنة في السماء السابعة، ويجعلها الله حيث شاء يوم القيامة، وجهنم في الأرض السابعة، كما روى ابن المنذر عن عبد الله أنّه قال: الجنة في السماء الرابعة، فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث يشاء [9[.

وصف جنة عدن وفق القرأن:

إذا كانت الجنة جائزة الله سبحانه لعباده المؤمنين المستحقين للأجر والثواب، فإنّها لا شكّ تضاهي بعظمتها عظمة الخالق مالك الملك جل شأنه، وإنّ من يقف على أوصاف الجنّة وجمالها يكاد لا ينتهي

من تعداد حسنها وبهائها، بل إنّها كما قال النبي عن الله عز وجل:

(أعدَدتُ لعِبادي الصَّالحين ما لا عَينٌ رأَتْ، ولا أذُنٌ سمِعَت، ولا خطَر على قلْبِ بشَرٍ، ذُخرًا، بَلْهَ ما أُطْلِعْتُم عليه، ثمَّ قرَأ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،[10] فكل ما يخطر على قلب الإنسان من تخيل لجمالها يظل أقل من حقيقتها حين يراها.[11] ولقد وصف الله تعالى حجم الجنات في كتابه الكريم فيقول: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.

******

 

إنظروا معي إلى هذا التناقض الواضح والصريح بين الديانتين اليهودية والإسلامية حول موقع “حديقة عدن” وشكلها، مع أن المسلمين يعتبرون التوارة كتاب مقدس ومنزل من عند الله. التوارة يحدد بشكل دقيق موقع حديقة عدن وهي تقر بوجدها على الأرض، ووصفها يطابق الحقائق على الأرض، وسمت الأنهار بأسماء محددة معلومة، بينما تحدث بكلام عام لا لون له ولا طعم ولا مضمون واضح. جعل من ذلك شبحآ يحوم فوق رؤوس البشر، وكل واحدٍ يتخيلها حسب خصوبة خياله ورغباته.

 

السؤال هنا: كيف لهذا التناقض في شأن مهم للغاية وحساس لهذه الدرجة؟ ونحن نعلم أن ألاف البشر، يقتلون أنفسهم من أجل الفوز “بحديقة عدن” وعدد من الحوريات. المفروض أن كلا الكتابين جاءتعلى لسان الله على الأقل حسب أتباع هاتين الديانتين. فكيف يتحدث الله كل بشكل مغاير عن الجنة ويقع في هذا الخطأ؟ وحسب ما نعلم هو معصوم عن الخطأ.

الحقيقة إن ما ورد في القرأن والتفسير مجرد كلام في الهواء، كان هدفه ترغيب الناس وتشجيعهم للقتال، والمشاركة  في حروب محمد التوسعية، وخدمته مشروعه القومي المغلف بثوب ديني. وبالفعل قد نجح في تجنيد الاف الرجال عن طريق وعدهم بتلك الجائزة التي سماه الجنة ومعها 70 حورية. أما في الحقيقة لا وجود لجنة في السماء.

 

لذلك أقول لأبناء شعبنا الكردي، أنتم محظوظين، كونكم تعيشون في أجمل بقعة خلقها الله على الأرض، وسمى بلدكم كردستان بحديقة عدن أو حديقته بالأحرى. فعليكم تحرير هذه الحديقة الغناء المقدسة من براثن المحتلين الأتراك والفرس والعرب، وحتى من بعض حاكم الكرد المستبدين، لتبقى حديقة للجمال والحرية والثقافة والتعددية.

 

منذ أكثر من ثلاثين عامآ، وأنا أجادل من حولي المثقفين واولئك المؤمنين بشيئ إسمه الجنة والنار بالمفهوم المتعارف عليه بين عامة المسلمين والمسيحيين. وكنت أقول لهم على الدوام التالي: “لا يمكن للإله إن وجد، أن يحرق أبنائه في النار هذا مستحيل؟ فإذا كان هناك من إله، لا بد أن يكون كله حب وخير“. وللغرابة قبل حوالي أكثر من عام أصدر الفتيكان تصريحآ رسميآ باسم البابا الحالي بعدم وجود شيئ إسمه الجنة والنار!!

26 – 02 – 2020

————————————————————————————————-

Çavkanî: المصادر

1- Tewrat.

 التوراة: ترجمة عربية عمرها أكثر من ألف عام – 2007

د. سهيل زكار

2- Quran. Çapa Medînê – 2010.

3- Gibson, Walter S. Hieronymus Bosch. New York: Thames and Hudson, 1973. p. 26. ISBN 0-500-20134-X.

4- Brown, John Pairman (2001). Israel and Hellas, Volume 3. Walter de Gruyter. ISBN 9783110168822.

5- Cohen, Chaim (2011). “Eden”. In Berlin, Adele; Grossman, Maxine (eds.). The Oxford Dictionary of the Jewish Religion. Oxford University Press. ISBN 9780199730049.

6- Curtius, Ernst Robert (1953). European Literature and the Latin Middle Ages. Princeton UP. ISBN 978-0-691-01899-7. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

7- Davidson, Robert (1973). Genesis 1-11 (commentary by Davidson, R. 1987 [Reprint] ed.). Cambridge, Eng.: Cambridge University PressISBN 9780521097604.

8- Mathews, Kenneth A. (1996). Genesis. Nashville, Tenn.: Broadman & Holman Publishers. ISBN 9780805401011.

9- Smith, Mark S. (2009). “Introduction”. In Pitard, Wayne T. (ed.). The Ugaritic Baal Cycle, volume II. BRILL. ISBN 9004153489.

10- Speiser, E.A. (1994). “The Rivers of Paradise”. In Tsumura, D.T.; Hess, R.S. (eds.). I Studied Inscriptions from Before the Flood. Eisenbrauns. ISBN 9780931464881.

11- Stordalen, Terje (2000). Echoes of Eden. Peeters. ISBN 9789042908543.

12- Swarup, Paul (2006). The self-understanding of the Dead Sea Scrolls Community. Continuum.

السومريون/ تاريخهم – حضارتهم وخصائصهم. صمويل نوح كريمر -13

ترجمة: الدكتور فيصل الوائلي عام 1973.

-14 الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) ت: التركي

المؤلف: محمد بن أحمد الأنصاري

الناشر: مؤسسة الرسالة

سنة النشر: 2006

-15 جامع البيان في تفسير القرآن – تفسير الطبري

المؤلف: محمد بن جرير الطبري

eee;;vv;;eee

7 Comments on “حديقة عدن صحتها ومكان وجودها- بيار روباري”

  1. منذ أكثر من ثلاثين عامآ، وأنا أجادل من حولي المثقفين واولئك المؤمنين بشيئ إسمه الجنة والنار بالمفهوم المتعارف عليه بين عامة المسلمين والمسيحيين. وكنت أقول لهم على الدوام التالي: “لا يمكن للإله إن وجد، أن يحرق أبنائه في النار هذا مستحيل؟ فإذا كان هناك من إله، لا بد أن يكون كله حب وخير“. وللغرابة قبل حوالي أكثر من عام أصدر الفتيكان تصريحآ رسميآ باسم البابا الحالي بعدم وجود شيئ إسمه الجنة والنار!!
    عكس ماتدعي انت هناك ربما مئات مرات وصف الله تعالى الجنة والجحيم في كل من توراةۖ والانجيل فالأقل بابا مايشاء هذا لا ينكر ليس هناك في الاخرة حساب
    مبارك أنت أيها الرب الرحوم! | تفسير مزمور 103 – تفسير سفر المزامير، المزمور المائة والثالث – شرح العهد القديم
    النفس من الحياه الابديه ومن الانحدار الي الهلاك والجحيم رابعا اننا كللنا بمواهب عظيمه وهي ان نصير… كانت اراده الله لكنك رفضت هذه الاراده فقد اعدك في الجنه لكي تعمل وحدد لك ما تعمله وان كان لم يمزجه بالتعب..
    2-
    2) إشعياء 53 – تفسير سفر أشعياء الأصحاح الثالث والخمسون – شرح العهد القديم
    صوره المجد التي خلقه الله عليها اذ كان الانسان في الجنه يعكس مجد الله لانه كان يري الله ومنظر المسيح علي الصليب… نسل للمسيح غنيمه للمسيح وابدا لن يكون الملكوت فارغا والجحيم مملوءا وهذا ما راه القديس يوحنا اللاهوتي رو..
    3-
    مقتطفات من إنجيل برنابا
    مقتطفات من انجيل برنابا مكتبه الكتب المسيحيه كتب قبطيه المكتبه القبطيه الارثوذكسيه … 45000 سنه وان حجم الارض مع حجم كل السموات بالنسبه لحجم الجنه يساوي نقطه او حبه رمل ط وصف الجحيم ص 205 الي ص 208…
    4-
    تحضير روح صموئيل النبي – حول إمكانية تحضير الأرواح – الملك شاول و العرافة في إصعاد الروح (الجان في المسيحية، هل يوجد جن؟
    تحضير روح صموييل النبي حول امكانيه تحضير الارواح الملك شاول و العرافه في اصعاد الروح الجان في المسيحيه…
    5- التأديب بالقحط والحاجة إلى مياه الروح | تفسير إرميا 14 – تفسير سفر إرميا الأصحاح الرابع عشر – تفسير العهد القديم
    التاديب بالقحط والحاجه الي مياه الروح تفسير ارميا 14 تفسير سفر ارميا الاصحاح الرابع عشر تفسير العهد… ويقدمها بجوار عرشه الملوكي يقيمك الله لا لتحفظ الجنه بل لتصير مواطنا سماويا لا تعود تبصر اوديه او.
    6_ 6) صورة مُرَّة للدمار | تفسير أيوب 18 – تفسير سفر أيوب الأصحاح الثامن عشر – تفسير العهد القديم
    صوره مره للدمار تفسير ايوب 18 تفسير سفر ايوب الاصحاح الثامن عشر تفسير العهد القديم تفسير … انها مسكونه فيخرج كما مع ابويه الاولين ادم وحواء من الجنه هكذا يطرد من حجال العريس السماوي حيث لا موضع له ويبقي…
    حزقيال 24 – تفسير سفر حزقيال الأصحاح الرابع والعشرون – شرح العهد القديم
    حزقيال 24 تفسير سفر حزقيال الاصحاح الرابع والعشرون شرح العهد القديم شرح الكتاب المقدس العهد… مجد الله ويفرحوا امامه ويفرح هو بنا وهكذا كان ادم في الجنه 2 Â Â Â الاصحاحات 2 24 راينا الخراب نتيجه…

    https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/31-Sefr-Hazkyal/Tafseer-Sefr-Hazkial__01-Chapter-24.html

    9) زوجة صالحة أمينة – كتاب أبونا تادرس أو القديسة ثيؤدورة الإسكندرية التائبة
    زوجه صالحه امينه كتاب ابونا تادرس او القديسه ثيودوره الاسكندريه التايبه مكتبه الكتب… القديم ابانا ادم الذي كان في الفردوس متنعما وطرد من الجنه كان الشاب من عادته ان يحضر كثيرا لزياره زوجها حتي…

    https://st-takla.org/books/youssef-habib/st-theodora/wife.html

    10) النظرة البيضاء والنظرة السوداء – كتاب حياة الفضيلة والبر
    النظره البيضاء والنظره السوداء كتاب حياه الفضيله والبر مكتبه الكتب المسيحيه كتب قبطيه… مع الظلمه؟ شجره معرفه الخير والشر كانت وسط الجنه ويراها ابوانا ولا تعثرهما فلما اختلفت النظره اليها…

    https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/righteousness/white.htm

  2. حتى تعليق علي برزان أقتطف نفس المقطع ؛ منذ أكثر من ثلاثين عاما ……. يا بيار يا روباري ، لا أناقش ما تكتب وتعتقد ولكن أنت أثبت أنك ( كردي أصلي ) لأنك عنيد جدًا ف ثلاثين عامًا لم تتغير أفكارك ولن تتغير مستقبلا ……. ف هنيئا لك جنتك و لكن لم تتحفنا برأيك الجهنمي ( الذي لاتؤمن ب جهنم ) ما هي مكانة مسعود وأولاده وأحفاده ….. هل هو مع الصديقين والصالحين و ليتك تخبرنا بهم وتشخصهم ……

    1. الى الاخ العزيز ابراهيم المحترم

      فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (اولائك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23)أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ (25فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)

      قوله ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ )… الآية. يقول: فهل عسيتم كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله, ألم يسفكوا الدم الحرام, وقطَّعوا الأرحام, وعَصَوا الرحمن
       ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )  أنه قال:رسول الله ص  ” خَلَقَ اللّهُ الخَلْقَ, فَلَمَّا فَرغ مِنْهُمْ تَعَلَّقَتِ الرَّحِمُ بِحَق الرَّحْمَنِ فَقالَ مَهْ: فَقالَتْ: هَذَا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ, قالَ: أَفمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ, وَأصِلَ مَنْ وَصَلَكِ؟ قالَتْ: نَعَمْ, قالَ: فَذلكِ لَكِ”.
      اقرءوا إن شئتم ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) وقد تأوّله بعضهم: فهل عسيتم إن توليتم أمور الناس أن تفسدوا في الأرض بمعنى الولاية, وأجمعت القرّاء غير نافع على فتح السين من عَسَيتم , وكان نافع يكسرها عَسِيتم.
      والصواب عندنا قراءة ذلك بفتح السين لإجماع الحجة من القرّاء عليها, وأنه لم يسمع في الكلام: عَسِيَ أخوك يقوم, بكسر السين وفتح الياء; ولو كان صوابا كسرها إذا اتصل بها مكنّى, جاءت بالكسر مع غير المكنّى, وفي إجماعهم على فتحها مع الاسم الظاهر, الدليل الواضح على أنها كذلك مع المكنّى, وإن التي تَلِي عسيتم مكسورة, وهي حرف جزاء, و ” أن ” التي مع تفسدوا في موضع نصب بعسيتم.

      وقوله ( أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يفعلون هذا, يعني الذين يفسدون ويقطعون الأرحام الذين لعنهم الله, فأبعدهم من رحمته فأصمهم ، يقول: فسلبهم فَهْمَ ما يسمعون بآذانهم من مواعظ الله في تنـزيله ( وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) يقول: وسلبهم عقولهم, فلا يتبيَّنون حُجج الله, ولا يتذكَّرون ما يرون من عبره وأدلته.
      أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24
      قيل….. ما من آدميّ إلا وله أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه, وما يصلحه من معيشته, وعينان في قلبه لدينه, وما وعد الله من الغيب, فإذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه, وإذا أراد الله به غير ذلك طَمسَ عليهما, فذلك قوله ( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ).
      إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ (25
      وقوله ( الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: الشيطان زين لهم ارتدادهم على أدبارهم, من بعد ما تبين لهم الهدى
      فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27
      كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعصت الأرواح في أجسادهم ، واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب ، كما قال : ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ) الآية [ الأنفال : 50 ] ، وقال : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم ) أي : بالضرب ( أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ) [ الأنعام : 93 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم )
      أم حسبوا أن لن يظهر الله عداوتهم وحقدهم
      والله اعلم
      علي بارزان

  3. يا ايها الإخوة الكرام يرجى نشرها بالكامل ان أمكن ومسبقآ ومهما يكن قراركم انا شاكر لكم والسلام عليكم جميعآ

    ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ ﴾

    أيها الإخوة الأكارم ، حينما يشعر المؤمن أن الله يتولاه بالرعاية ، والحفظ ، والتأييد ، والمعالجة ، فليطمئن قلبه ، ولتطب نفسه ، لأنه مطموع فيه ، ومطلوب إليه أن يقبل على الله عز وجل ، أما حينما يعصي الإنسان الله عز وجل ، والله عز وجل لا يعاقبه فهو في حالة صعبة جداً ، في حالة ميؤوس منها ، لذلك إذا شعرت أن الله يتابعك وأن الله يدقق عليه ، وأنك حينما زلت قدمك جاء العلاج ، وحينما غفلت جاء التذكير ، وحينما قصرت جاءت بعض المصائب فهذه بادرةٌ طيبة جداً ، لأنك مؤهل لأن تكون مؤمناً خالصاً .
    ﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ ﴾

    الجنة محض فضلٍ ، والنار محض عدلٍ :
    2 ـ الدنيا دارٌ دنية ، والآخرة دار المقامة الأبدية :

    لقد سمح لنا أن ندخل هذه الدار ، دار المقامة ، الله عز وجل سمى الدنيا الحياة الدنيا ، وقد نغفل أحياناً عن معاني الكلمات ، حياة دنيا ، والآخرة حياة عليا ، دنيا في كل شيء ، دنيا في مدتها ، والإنسان حتى يستقر يحتاج إلى أربعين سنة ، وهذا في أحسن الظروف حتى يتزوج ، ويكون له بيت معقول ، ودخل معقول ، وسيلة نقل ، مركز مرموق ، ومعترك المنايا بين الستين والسبعين ، معنى هذا أنه بقي له نصف المدة ، نصف المدة إعداد ، ونصف المدة قطف ثمار ، ولا تخلو حياة الإنسان في النصف الثاني أو في الثلث الأخير من منغصات .
    الله سماها حياة دنيا ، حياة دنيا في مدتها ، دنيا في متاعبها ، لذلك قال سيدنا علي : <> .
    ﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ ﴾
    الإنسان العاقل أيها الإخوة هو الذي ينقل اهتمامه وكل أهدافه إلى الدار الآخرة ، لأنها دار المقامة ، والدار الآخرة مهيأة لإسعادك ، أما هذه الدنيا فمهيأة كي تعرف الله فيها ، مهيأة للعمل صالح ، مهيأة للاختبار ، مهيأة للابتلاء ، تبتلى بالفقر ، تبتلي بالغنى ، بالصحة ، بالسقم ، كل شيء في الدنيا فيه ابتلاء .
    ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾
    إذاً : الدنيا كلها دار حزن ، والآخرة كلها دار نعيم .
    ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ(34)الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ ﴾

    3 ـ الجنة محض فضلٍ ، والنار محض عدلٍ :

    لذلك قال علماء التوحيد وعلماء العقيدة : الجنة محض فضل ، بينما النار محض عدل ، إذا دخل الإنسان النار فبعدل الله ، وإذا دخل الجنة فبفضل الله ، وعمله مفتاح للجنة ، وليس ثمن الجنة ، وشتان بين المفتاح و الثمن ، كبيت يساوي ثلاثون مليونًا مفتاحهيساوي خمسا وعشرين ليرة ، فإذا كان معك مفتاح البيت شيء ، وإذا كنت قد دفعت الثمن فشيء آخر ، فالجنة بفضل الله ، والعمل الصالح مفتاح للجنة .
    ﴿ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ﴾

    لذلك قال علماء التوحيد وعلماء العقيدة : الجنة محض فضل ، بينما النار محض عدل ، إذا دخل الإنسان النار فبعدل الله ، وإذا دخل الجنة فبفضل الله ، وعمله مفتاح للجنة ، وليس ثمن الجنة ، وشتان بين المفتاح و الثمن ، كبيت يساوي ثلاثون مليونًا مفتاحهيساوي خمسا وعشرين ليرة ، فإذا كان معك مفتاح البيت شيء ، وإذا كنت قد دفعت الثمن فشيء آخر ، فالجنة بفضل الله ، والعمل الصالح مفتاح للجنة .
    ﴿ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ﴾

    اما أهل الجنة يقولون……… وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾
    (سورة فاطر)
    هؤلاء الذين قالوا : هم أهل الجنة ، حينما دخلوا الجنة قالوا : الحمد لله ، يعني أن كل شيء ساقه الله لهم في الدنيا إذا أوصلهم إلى الجنة فملخص العلاقة بينهم وبين الله في الدنيا والآخرة أن الحمد لله ، وأهل الجنة يمتلئ قلبهم امتناناً وشكراً لله عز وجل ، فإذا ساق الله للإنسان في الدنيا بعض الشدائد ليعينه على نفسه ، ليحمله على طاعته فهذه نعمة باطنة .
    إنأهل الجنة حينما يرون الجنة وما فيها من نعيم مقيم ، وحينما يرتاحون من عناء الدنيا ، من القلق ، من الخوف ، من توقع المصائب من الكِبَر ، من المرض ، حينما يصلون إلى الجنة يقولون : الحمد لله ، لكن هذه الكلمة لسان حالهم ، نحن نستمع في الدنيا إلى آلاف الأشخاص ، وهم يقولون : الحمد لله ، قد تصبح هذه الكلمة جوفاء لا معنى لها ، تقول له : كيف الصحة ، يقول : الحمد لله ، يقولها وهو ساهٍ لاهٍٍ ، ولكن هذه الكلمة حينما يقولها أهل الجنة يقولونها بكل وجودهم ، قال تعالى :
    ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾

    2 ـ الدنيا أحزان بعضها فوق بعض :

    وكأن الله جل في علاه لخص الدنيا كلها بأنها حزن في حزن ، وما من مرحلة من مراحل الحياة إلا وفيها أحزان لا تنقضي ، إن كان في التعليم ، في الزواج ، في تزويج البنات ، في معاملة الأصهار ، في العمل التجاري ، والحياة هكذا جعلت ، وهكذا صممت ، فقد أوحى ربك إلى الدنيا أن تشددي وتمرري ، وتكدري ، وتضيقي على أولياءِ حتى يحبوا لقائي .
    هذه الدنيا تلخص بالحزن ، والآخرة تلخص بالسرور ، فشتان بين من يؤثرها على الآخرة فيخيب ظنه ، وشتان بين من يؤثر عليها الآخرة فيسعد في الدنيا والآخرة ، تسعد بها متى ؟ إذا عرفتها ، إذا عرفتها أنها مبنية على النقص ، إذا عرفتها أنها مبنية على الحزن ، إذا عرفت أنها مبنية على الابتلاء ، إذا عرفتها أنها دار مرور ، وليست دار مقر ، إذا عرفتها أنها دار تكليف ، وليست دار تشريف ، إذا عرفتها أنها دار عمل وليست دار جزاء .
    لذلك أجمل كلمة تقال في شرح هذه الآيةخطبة النبي عليه الصلاة والسلام : (( إن هذه الدنيا دار التواء ـ وسل أيَّ إنسان شئت : هل تخلو حياة الإنسان من بعض المتاعب ، من بعض النقص ، من بعض الهم ، من بعض الحزن ـ إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، من عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء )) .
    [ ورد في الأثر ]
    ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ(34) ﴾

    فلذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول :
    ﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ(35) ﴾
    وَالَّذِينَ كَفَرُوا
    الآن إليك مشهداً آخر من مشاهد أهل النار ، الصورة المقابلة ، وربنا عز وجل يريدنا أن نتجه إليه رغباً ورهباً ، أحوال أهل الجنة ترغبنا في الجنة ، وأحوال أهل النار تخوفنا منها ، والإنسان أحياناً ينطلق إلى الله عز وجل حينما يجتمع في قلبه رجاء وخوف ، الرجاء وحده يدعو إلى التقصير ، والخوف وحده يدعو إلى اليأس ، فلابد من أن يمتلئ قلب المؤمن بالخوف تارةً ، وبالرجاء تارةً أخرى ، وقد يدل على ذلك الحديث الذي ورد في الأحاديث القدسية : (( قال ، يا رب ، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحبَّ عبادي إليَّ تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب ، إنك تعلم أني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي ))
    هؤلاء الذين قالوا : هم أهل الجنة ، حينما دخلوا الجنة قالوا : الحمد لله ، يعني أن كل شيء ساقه الله لهم في الدنيا إذا أوصلهم إلى الجنة فملخص العلاقة بينهم وبين الله في الدنيا والآخرة أن الحمد لله ، وأهل الجنة يمتلئ قلبهم امتناناً وشكراً لله عز وجل ، فإذا ساق الله للإنسان في الدنيا بعض الشدائد ليعينه على نفسه ، ليحمله على طاعته فهذه نعمة باطنة .

    علي بارزان

  4. الاخ علي المحترم … كلام جميل جدا ونابع من صميم ضميرك الانساني الطيب ، ،ولكن اخي علي بارزان اذا هو الله واقصد اله الاسلام بالذات يهدي من يشاء ويظل من يشاء فما هو ذنبي و ذنب الاخرين وبموجب النصوص القرانيه والتي لا حصر لها وعلى سبيل المثال …ايه ٩٩ سوره يونس و ايه ١٦ ال ١٧ سوره الكهف …. لو شاء ربك لامن كل في الارض جميعا افانت تكره الناس حتي يكون مؤمنيين ….. من يهديه الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له وليا مرشدا …. وبالمناسبه حتى الرسول لا يعرف مستقبله بعد الوفاه وبموجب الايه ،،،،، والله لا ادري ماذا يفعل الله بي وبكم مع تحياتي لصوت كردستان والكاتب روباري واجمل تحياتي لك اخ بارزان وصدقني احب اسلوبك الطيب والخلوق وشكرا

  5. تحية اخوية صميمة نقية خالصة لاخي Kheder المحترم
    لكل عمل خواتمه كما تعلم التلميذ اخر السنة اما الناجح ام الراسب
    خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)المطففين
    لا يغررك اخي من يصلي ويصوم ويحج ويبني المدارس والمستشفيات ويساعد الفقراء وغير ذالك من العبادات الظاهرية المهم الدوافع الباطنية عند الله تعالى
    ويقول رسول الله ص…… قال: إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.……وبالعكس صحيح من يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعما أهل الجنة فيدخلها اي يدخل الجنة……نستنتج من كل هذه المهم من جاء الى الله بقلب سليم هذا المهم اهم من كل العبادات
    لكل انسان وجهين الظاهري المكشوف والباطني لا يعلمه الا بالمعاشرة والمكاشفة والمصارحة
    يا اخي إنما الأعمال بالنياة …والذي ينوي بناء مشروع الإنساني لابد أن هناك احاسيس الخير والشر سببين الظاهري والباطني يدفعه لقيام بعمله هذا ……ولا يعلم علم الغيب الا الله التعالى
    لا تأخذني اخي إن تساؤلاتك تدور حول من يعلم العلم الغيب لايعلمه الا الله تعالى
    كما سئل من قبل ماتشبه تساؤلاتك فنفى الله ذالك نفيآ قاطعآ حتى قال هاتوا برهانكم والا لماذا ما اصر الله تعالى وحث الانسان على العمل……؟؟ مثلا…اخي خدر المحترم كما سئل من قبل …… سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)الانعام
    القول في تأويل قوله : قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ (148)
    62 } { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى * أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا *وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى }
    إلى آخر السورة يقول تعالى: { أَفَرَأَيْتَ } قبح حالة من أمر بعبادة ربه وتوحيده، فتولى عن ذلك وأعرض عنه؟
    فإن سمحت نفسه ببعض الشيء، القليل، فإنه لا يستمر عليه، بل يبخل ويكدى ويمنع.
    فإن المعروف ليس سجية له وطبيعة بل طبعه التولي عن الطاعة، وعدم الثبوت على فعل المعروف، ومع هذا، فهو يزكي نفسه، وينزلها غير منزلتها التي أنزلها الله بها.
    { أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى } الغيب ويخبر به، أم هو متقول على الله، متجرئ على الجمع بين الإساءة والتزكية كما هو الواقع، لأنه قد علم أنه ليس عنده علم من الغيب، وأنه لو قدر أنه ادعى ذلك فالإخبارات القاطعة عن علم الغيب التي على يد النبي المعصوم، تدل على نقيض قوله، وذلك دليل على بطلانه.
    { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ } هذا المدعي { بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } أي: قام بجميع ما ابتلاه الله به، وأمره به من الشرائع وأصول الدين وفروعه، وفي تلك الصحف أحكام كثيرة من أهمها ما ذكره الله بقوله: { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } أي: كل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا
    { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى } في الآخرة فيميز حسنه من سيئه، { ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى } أي: المستكمل لجميع العمل الحسن الخالص بالحسنى، والسيئ الخالص بالسوأى، والمشوب بحسبه، جزاء تقر بعدله وإحسانه الخليقة كلها، وتحمد الله عليه، حتى إن أهل النار ليدخلون النار، وإن قلوبهم مملوءة من حمد ربهم، والإقرار له بكمال الحكمة ومقت أنفسهم، وأنهم الذين أوصلوا أنفسهم وأوردوها شر الموارد، وقد استدل بقوله تعالى: { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } من يرى أن القرب لا يفيد إهداؤها للأحياء ولا للأموات قالوا لأن الله قال: { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مَا سَعَى } فوصول سعي غيره إليه مناف لذلك، وفي هذا الاستدلال نظر، فإن الآية إنما تدل على أنه ليس للإنسان إلا ما سعى بنفسه، وهذا حق لا خلاف فيه، وليس فيها ما يدل على أنه لا ينتفع بسعي غيره، إذا أهداه ذلك الغير له، كما أنه ليس للإنسان من المال إلا ما هو في ملكه وتحت يده، ولا يلزم من ذلك، أن لا يملك ما وهبه له الغير من ماله الذي يملكه.
    وقوله: { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى } أي: إليه تنتهي الأمور، وإليه تصير الأشياء والخلائق بالبعث والنشور، وإلى الله المنتهى في كل حال، فإليه ينتهي العلم والحكم، والرحمة وسائر الكمالات.
    { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } أي: هو الذي أوجد أسباب الضحك والبكاء، وهو الخير والشر، والفرح والسرور والهم [والحزن]، وهو سبحانه له الحكمة البالغة في ذلك،
    { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } أي: هو المنفرد بالإيجاد والإعدام، والذي أوجد الخلق وأمرهم ونهاهم، سيعيدهم بعد موتهم، ويجازيهم بتلك الأعمال التي عملوها في دار الدنيا.
    { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ } فسر الزوجين بقوله: { الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } وهذا اسم جنس شامل لجميع الحيوانات، ناطقها وبهيمها، فهو المنفرد بخلقها، { مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } وهذا من أعظم الأدلة على كمال قدرته وانفراده بالعزة العظيمة، حيث أوجد تلك الحيوانات، صغيرها وكبيرها من نطفة ضعيفة من ماء مهين، ثم نماها وكملها، حتى بلغت ما بلغت، ثم صار الآدمي منها إما إلى أرفع المقامات في أعلى عليين، وإما إلى أدنى الحالات في أسفل سافلين.
    ولهذا استدل بالبداءة على الإعادة، فقال: { وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى } فيعيد العباد من الأجداث، ويجمعهم ليوم الميقات، ويجازيهم على الحسنات والسيئات.
    سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)الانعام
    القول في تأويل قوله : قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ (148)
    هناك ايات واحاديث كثيرة نكتفي لهذا الحد وشكرآ لكم
    علي بارزان

  6. الى السيد الكاتب المحترم

    وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37)يونس

    هذا بيان لإعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، ولا بعشر سور، ولا بسورة من مثله، لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته، واشتماله على المعاني العزيزة الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة، لا يكون إلا من عند اللّه، الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وأقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين، ولهذا قال تعالى: { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه} أي مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند اللّه ولا يشبه هذا كلام البشر، ولكن تصديق الذي بين يديه} أي من الكتب المتقدمة ومهيمناً عليه، ومبيناً لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل، وقوله: { وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} أي وبيان الأحكام بياناً شافياً كافياً لا مرية فيه من اللّه رب العالمين، كما تقدم في الحديث (فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم) أي خبر عما سلف وعما سيأتي، وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه اللّه ويرضاه. وقوله: { أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين} أي إن ادعيتم وافتريتم وشككتم في أن هذا من عند اللّه، وقلتم كذباً إن هذا من عند محمد، فمحمد بشر مثلكم وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن فأتوا أنتم بسورة مثله، أي من جنس هذا القرآن، واستعينوا على ذلك بكل من قدرتم عليه من إنس وجان، وهذا هو المقام الثالث في التحدي، فإنه تعالى تحداهم ودعاهم إن كانوا صادقين في دعواهم أنه من عند محمد، فليعارضوه بنظير ما جاء، ولسيتعينوا بمن شاءوا، وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك ولا سبيل لهم إليه، فقال تعالى: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} ، ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه، فقال في أول سورة هود: { أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين} ، ثم تنازل إلى سورة، فقال في هذه السورة: { أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين} ، وكذا في سورة البقرة، وهي مدنية تحداهم بسورة منه، وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبداً فقال: { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار} الآية. هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى من هذا الباب، ولكن، جاءهم من اللّه ما لا قبل لأحد به؛ ولهذا آمن من آمن منهم بما عرف من بلاغة هذا الكلام، وحلاوته وجزالته وطلاوته وإفادته وبراعته، فكانوا أعلم الناس به وأفهمهم له وأشدهم له انقياداً. ولهذا جاء في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه اللّه إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً) وقوله: { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله} يقول: بل كذب هؤلاء بالقرآن ولم يفهموه ولا عرفوه { ولما يأتهم تأويله} أي ولم يحصلوا ما فيه من الهدى ودين الحق إلى حين تكذيبهم به جهلاً وسفهاً، { كذلك كذب الذين من قبلهم} أي من الأمم السالفة، { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} أي فانظر كيف أهلكناهم بتكذيبهم رسلنا ظلماً وعلواً وكفراً وعناداً، فاحذروا أيها المكذبون أن يصيبكم ما أصابهم، وقوله: { ومنهم من يؤمن به} الآية، أي ومن هؤلاء الذين بعثت إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن ويتبعك وينتفع بما أرسلت به، { ومنهم من لا يؤمن به} بل يموت على ذلك ويبعث عليه، { وربك أعلم بالمفسدين} أي وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه. ومن يستحق الضلالة فيضله، وهو العادل الذي لا يجور، بل يعطي كلا ما يستحقه تبارك وتعالى وتقدس
    علي بارزان

Comments are closed.