حكايات من شنكال (زهير كاظم عبود، كريف الأيزيدية الطيب)- مراد سليمان علو

 

 الطيبةُ طبع، والطبعُ هو الغالبُ في الإنسانِ رغم صراعه مع مؤثرات البيئة السلبية التي قد تؤثر عليه وتعديه، وهذا الرجل الإنسان من طيبته قرّر في يوم ما أن يطيّب آلام الآخرين، فما وجد آلاما تضاهي آلام الأيزيدية ظاهرا وباطنا، سرّا وعلنا، فوضع يده على الجرح وأصابع اليد تمسك القلم، فطاب نفسا حين علم إن نفوسنا تطيب للحقيقة؛ لأنه في حقيقته كان الباحث عنها دوما.

وهذا الأسمر الجنوبي الطيب القادم من نواحي (أوروك) لابد إنه طيب الأعراق، كيف لا وهو حفيد السومريين الذين كان ديدنهم زرع الحبّ ونشر المحبة بين الناس. نعم، أجداده كانوا من المطيّبين.

إنه يملأ الذاكرة بما كان يتمناه القلب طويلا من كتابات فيها موسيقى خفية نابعة من ملامسة قلمه (الباركر 21) لأوتار الحقيقة، فعندما تقرأ له ينتابك شوق للقاء أشياء كنت قد سمعت عنها فتلتقيها وجها لوجه برؤى صافية تتخيل نفسك تشرب من (كانيا سبي). بصحبة ابتسامة (البابا جاويش).

وبالتأكيد ليست كتاباته خيالية بل إنها تؤكد بهاء الفلسفة الأيزيدية وغبطتها في احتواء الخير والشر معا، وإمكانية الصلح بينهما، طالما إنهما من مصدر واحد؛ ليكون المكان أكثر بهجة والصلح بين الخير والشر هو إخماد الشر بالاعتراف به كشرّ فينزوي خانسا ويعمّ الخير المتوارث في الطبيعة وداخل الإنسان.

لم نكن نتوقع نحن الأميّون في قرانا الوادعة هذه الكميّة من الحقد والتدليس من قبل الآخرين فقط لأننا نحبّ اللون الأبيض، والمفاجأة كانت أكبر بالنسبة لنا حين انبرى حكيم كهذا لإحقاق الحق ووضع النقاط على الحروف، ثم تبعه آخرون فقد أصبح قدوة لغيره.

ويعرف الباحث الأمين جيدا إن التعليل ليس أفضل أداة لكشف الحقيقة وهكذا شدّ العزم وأخذ الأمر بخيال عاشق وحلم طفل وما يحتاجه هو أن يروي هذا الحلم الجميل ويسرد وقائعه من ساعة انبثاقه ومرورا بأوقات عصيبة حاول فيها الجهل والجاهلون تجاهله حينا وخنقه وطمسه في أكثر الأحيان وإلى لحظات الحرية والخلاص.

يأسرك بأسلوبه الصافي والتحليل المنطقي ويفرض الحقيقة على الواقع وهنا تكمن لذة قراءة كتاباته فهو يكتب حروف الحقيقة حتى تستقيم الكلمة لتنير درب من يريد السير في هذا الاتجاه وكأنه سحر مثقل بحلاوة تين (سنكال) وهو بهذا لم يعبأ يوما بالتهاويل التي أرادت أن تفتح طريق الشك والعبث أمام كل باحث، يبصر ما وراء التهاويل في رحلة فكرية لا تقل روعة عن فكر أي مبدع فذ.

عادة يكون حديث المثقفين غير حديث العامة إلا عندما يتعلق الأمر بالحديث عن فضيلة القاضي والباحث (زهير كاظم عبود) فقد عرف هذا المؤرخ باطلاعه على الظلم الواقع على الأيزيدية من خلال قراءته كتابات أناس أكل الحقد والكراهية قلوبهم وخلت من الحبّ للآخرين فأبى إلا أن يساهم برفع الحيف عن هؤلاء البسطاء، وكذلك رفع الحيف عن أقدم ديانة توحيدية في التاريخ واثبات ذلك بأسلوب أو بآخر وهو بذلك يبهج الفكر الإنساني الذي يقرّ بأن الأديان كلها إنما طرق تؤدي إلى الله.

وحسنا فعلت المديرية العامة لشؤون الأيزيدية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان العراق وبالتعاون مع الباحث الصديق (حسو هورمي) من هولندا في يوم الجمعة المصادف 15/11/2013 بإقامة فعاليات في قاعة المؤتمرات بفندق (الكابيتول) في العاصمة أربيل لتكريم هذا الباحث تثميناَ للجهود التي بذلها في تنقيب وتوثيق وأرشفة ما يتعلق بالأيزيدياتي، حضرت هذا التكريم بدعوة كريمة من القائمين على الاحتفال وقدمت قصيدة بهذه المناسبة.

وبما انه صديق الكل فقد قرر أن يصبح صديقنا أيضا وهي فلسفته المفضلة، إنشاء الصداقة مع الآخرين ومنحهم الحبّ وهو على يقين بأنهم سيضاعفون له مكيال الحبّ الذي لا يقاس أبدا بالمكاييل.

يبقى له سابق جهده وفضله وسامق علمه ونبله وما (زهير كاظم عبود) إلا قارورة من الأطايب تفوح منه أريج الحقيقة، فلا تلوموني إن عصرت فجر الأربعاء بعضا من شقائق النعمان فوق طيبه!

سابقا ونتيجة ظروف البادية السيئة وسوء ظن الجيران في بداية تأسيس الدولة العراقية لم تسنح الفرصة للطلبة الأيزيدية أن يكملوا تعليمهم؛ ليفهموا ما يجرى حواليهم أما اليوم فلابد أن الملك فيصل فخور بتفوّق هذا المكون الأصيل ولا شك أنه الآن يتلمّس سدارته البغدادية ويقول باسما: أنهم يجيدون العربية أفضل من العرب أنفسهم.