الكرد إمة الشعر وستبقى-  بيار روباري

 

لا أبالغ، إن قلت إن الشعر هو ديوان الكرد وتاريخهم الشفهي والوعاء الثقافي الذي حافظ على نقاوة اللغة الكردية وديمومتها. لقد إطلعت على الشعر العربي والفارسي والإنكليزي والفرنسي والأسباني والهولندي والروسي والتشيكي والألماني بدرجات متفاوتة، ويمكنني القول بأن الإمة الكردية واحدة من الإمم، التي تعشق الشعر وتمارس كتابته بأشكاله المتعددة منذ الاف السنين، وخاصة ذو الملمح الحزين وهذا بتاريخ الكرد والظلم الذي وقع عليهم، والشعر الوطني الثوري المتفجر، والصوفي ذو الملمح الديني، والغزلي المطعم بلمسات جنسية خفيفة. وتمحور الشعر الكردي الكلاسيكي حول ستة مناطق رئيسية وهي:

1- الحب والعشق.

2- الوطن والشرف.

3- التضحية والبطولة.

4- الظلم والإستغلال.

5- الفلسفة والحكمة.

6- الجمال وطبيعة كردستان.

 

يعتبر الشاعر بابا روخ همداني (توفي عام 841م)، أقدم شاعر كردي حسب رأي أكثرية المؤرخين والمهتمين بتاريخ الشعر الكردي. لقد كتب “بابا روخ همداني” الشعر باللغة الكردية. والشاعر بابا طاهر الهمداني (ولد عام 1010م)، يعد أول شاعر كردي، قام بتدوين الرباعيات الشعرية باللغة الكردية، ويعتبره الكثيرين أبو الشعر الكردي، وتناول في قصائده الغزل والحكمة بكثافة. ومن بعده تأتي الشاعرة الكردية المرموقة «ريحان خانم لورستاني» التي نظمت القصائد أيضآ على شكل رباعيات، ويبدو كانت ذلك شبه موضة في ذاك الوقت.

 

ولكن من حيث الأهمية والغزارة، يعتبر الشاعر “علي الحريري” (المولود سنة 1009م) هو مؤسس المدرسة الشعرية الكردية الكلاسيكية، ولشاعرنا الراحل ديوان زاخر بالقصائد الجميلة، وكتب المثنويات الشعرية والرباعيات حتى قبل شاعر فارس الكبير عمر الخيام. وقد ظهرت شاعرات أخريات غير السيدة لورستاني نسبة إلى إقليم لورستان في شرق كردستان، ومنهن: الشاعرة المروفة ولزا خانم جاف، والشاعرة داية خه زاني سركتي.

 

ومن شعراء الكرد الكلاسيكيين الأخرين اللامعين والمرموقين أحمد خاني رمز الثقافة الكردية، والشاعر الكبير ملا جزيري وفقي تيران ونالي وأخرين كثر، وهؤلاء المبدعين لا يقلون عظمة وشأنآ عن كبار الشعراء حول العالم. وأنا واثق لو أن السيد خاني كان فرنسيآ لأخذ شهرة ومكانة مرموقة أكثر من شكسبير دون أدنى شك. ومن هنا علينا نحن الكرد أن ندرك عندما تنهض الإمة فهي تنهض في المجالات، وتعلو مكانة شعرائها وأدبائها معها، والعكس أيضآ صحيح.

 

لكن يبقى الشاعر “أحمدي خاني” (1650 – 1707)، من أعظم شعراء الكرد على الإطلاق، ولهذا لقب بأمير الشعراء الكرد، وبات رمزآ للثقافة والأدب الكردي دون منازع، وجميع المثقفين الكرد الحاليين والسابقين يكنون حُبآ وإحترامآ كبيريين لهذا العملاق، الذي يضاهي عمالقة الشعر الروسي والإنكليزي والفارسي والعربي والألماني. وكان الراحل يتقن عدة لغات منها العربية والفارسية والتركية. فخاني نظم ملحمته الشهيرة “مم وزين” في /2600/ بيت شعري من أجمل وأروع ما يكون، والتي برأي كانت بداية للمدرسة الشعرية الرومانسي الكردية.

 

أكثرية الشعر الكردي الكلاسيكي القديم كان شفهيآ، ولا يدون للأسف الشديد، ولذا لا نملك الكثيرمنه اليوم إلا القليل القليل، ما تغنى منه على ألسنة المغنين في تلك الحقب الماضية، وإنتقل مع الأجيال وإستمر الى يومنا هذا. في المقابل، دون الفرس كل أدابهم، وحافظوا عليها وقامو بترجمتها الى اللغات العالمية، ولهذا إستطاعوا نشره في المنطقة والعالم، ويكون له صدآ وتأثيرآ إيجابيآ لدى الشعوب الأخرى، بينما بقيا الأدب الكردي سجين المجتمع الكردي البسيط ولم يستطيع أن يتطور، وبرأي هذا يعود إلى عدم وجود دولة كردية، كي يستطيع الأدب أن يتطور في ظلها، ويرعاها ويدعمها.

 

والنقطة الثانية التي لا بد من الإشارة إليها هنا، وهي أن الكرد كانوا لفترة طويلة جدآ محتلين من قبل غزاة متعددي الجنسيات، ومازالوا للأن محتلين للأسف الشديد. وهذا لعب دورآ سلبيآ كبيرآ على مسيرة وتطور الأدب الكردي بكافة فروعه، وهذا بسبب محاربة المحتلين للغلة الكردية ومنعها من الإستخدام، وفرض لغتهم على الكرد في كل مرحلة. ففي مرحلة الإحتلال الفارسي فرضوا لغتهم على الكرد رغم تخلف لغتهم عن اللغة في تلك الفترة. وبعد الإحتلال العربي لكردستان فرض العرب لغتهم على الكرد مثلما فرضوا دينهم الهمجي. ومع بزوج الدولة العثمانية وتقاسمها لكردستان مع الدولة الصفوية، فرضوا لغتهم على الكرد ومازال هذا الوضع مستمرآ للأن.

 

وبسبب غياب الدولة المركزية، لم تستطع أن تتوحد ويكون هناك لغة موحدة وأبجدية واحدة يستخدمها الكرد في جميع أنحاء كردستان، وغياب المدارس والمعاهد اللغوية والبحوث والكتب، وبالتالي تخلفت اللغة الكردية عن مواكبة الحضارة البشرية وتراجعت للخلف بسبب هذا الواقع المؤلم والمرير الذي مر به الكرد ووطنهم كردستان عبر 2500 الف عام منذ سقوط الدولة الميدية على يد المقبور “كورش“.

ومع كل ذلك صمدت اللغة الكردية في وجه كل الحملات الشرسة، التي إستهدفتها بهدف القضاء عليها وبالتالي القضاء على هوية الشعب الكردي وصهره في البوتقة الفارسية والعربية والتركية. ولكن كل المحاولاتوالحملات  الفاشية فشلت، وحافظة اللغة الكردية على نقاوتها وصفائها أكثر من اللغة الفارسية والتركية والعربية على حدٍ سواء.

 

وفي العشرين السنة الأخيرة، قفذت اللغة الكردية خطوات كبيرة في مجال إحياء المصطلحات الكردية التي إندثرت بسبب الإهمال ومنع تداول اللغة الكردية لفترة طويلة، ووضع مصطلحات جديدة تثري اللغة لكي تستطيع أن تواكب التطور العلمي والأدبي والفكري الجاري في العالم. وظهر جيل جديد من الشباب والشبات الكرديات، المتحمسين للغتهم وأدابها وتراثهم وأثارهم القديمة، وهذا محل فخر وإعتزازٍ وفرح كبير، ولكن ليس كافي والمطلوب هو المزيد ثم المزيد حتى نلحق بالركب البعيد.

 

الشعر الكردي إستمر مع الأجيال عبر الغناء من قبل المغنين في كل مرحلة، وهكذا إنتقل من جيل لجيل، حتى وصلنا نحن، إلى حين بدأ الكرد يدركون أهمية الكتابة قبل مئة عام ويزيد، حيث أخذوا يدونون تاريخهم بأنفسهم وأدابهم وفي مقدمته الشعر والقصة.

ومن خلال ممارسة كتابة الشعر حافظ الكرد على ذاكراتهم التاريخية، كونهم لم يكتبوا تاريخهم بأنفسهم، وبذات الإسلوب حافظوا على مضامين أهم الملاحم البطولية في تاريخم النضالي الطويل وقصص العشق والهيام كملحمة:

1- Mem û Zîn.  2- Xec û Siyabend.  3- Derwêşê Avdî û Edûl.  4- Ferhad û Şêrîn.

5- Kela Dimdimê.  6- Memê Alan.  7- Zembîlfiroş û Xatûnê.  8- Cebelî.

 

أنا واحد من اولئك الشعراء، الذين يدعون بأن الشعر واحد في كل أصقاع العالم. لأن الإنسان هو الإنسان، ومشاعره واحدة، حتى لو إختلفت ثقافاتهم وألوان بشرتهم. فتحت الجلد كلنا متشابهين ولا نتخلف عن بعضنا بشيئ. الذي يختلف من شاعر لأخر هي درجة موهبته ومدى تمكنه من اللغة أو اللغات التي يكتب بها، إضافة البيئة التي تربى فيها وعاش لأنها هي التي تحدد رؤيته للكون ولمن من حوله من أشياء وأفكار. والشيئ الأخر هو الإسلوب والشكل الذي يكتب به الشاعر قصائده.

 

وهناك مبدعين كرد كثر ولأسباب موضوعية وذاتية معينة، أبدعوا في لغات أخرى غير لغتهم الأم، وباتوا أعلامآ باللغات التي كتبوا بها، وهذا ليس مقتصر فقط على الشعر. ومن هذه الأسماء اللامعة: الشاعر أحمد شوقي – مصر وبسبب تفرده لقب بأمير شعراء العرب. ولدينآ محمد تيمو ومحمود تيمور أيضآ من مصر. والشاعر بلند الحيدري – العراق. والشاعر جميل صدقي الزهاوي وشاعر العراق الأول معروف الرصافي.

والشاعر أبو قاسم اللاهوتي – إيران، يعتبر أحد أعمدة الشعر الفارسي. وغيرههم الكثيرين في الواقع. أما في وقتنا الراهن هناك باقة الشعراء الكرد المعاصرين الممتازين، والعديد منهم يكتب بأكثر من لغة. شخصيآ، أنا متفائل بمستقبل الشعر الكردي، وليس لدي أي تخوف على مستقبله، وخاصة في ظل تطور اللغة الكردية، وعودة الكثير من الشعراء لحضن لغتهم الكردية الجميلة.

 

02 – 05 – 2020