اللحية والشارب في الثقافة الأيزيدية الاجتماعية وكذلك في الأدب الديني، لهما مكانة خاصة؛ ربما لأنهما من أهم العلامات الفارقة التي تميز الرجل عن المرأة عن بعد. والبعض يتمسك بعادة المحافظة عليهما معا أو بالشارب وحده، وبالنسبة لبعض رجال الدين فهو فرض وليست عادة.
كان الفرد الأيزيدي مستعدا للتضحية بحياته إذا تطلب الأمر في سبيل المحافظة على شواربه؛ لذلك قيل قديما بما معناه: إذا حشرت شعرة من شاربك بين أسنانك قم بكسر سنك لتخليص تلك الشعرة! ولا يخفى أن شعيرات الشارب كلما كانت طويلة ومهملة ولا يعتنى بها تعلقت بين الأسنان أكثر وهذا القول دليل على الحرص المتزايد للمحافظة على شعر الوجه من لحية أو شارب بل التباهي بذلك، عكس الفريق الذي يحبذ التخلص من شعره بدلا من الاحتفاظ به وحجتهم في ذلك إن الجنة لو كانت معدّة للمشعرين، فسيدخلها التيس أولا، وربما جميع أنواع المعيز قبل أي مخلوق آخر.
كان الرجل إذا أمسك بشاربه وتعهد بشيء أوفى ولا ينكث وعده وقد يقسم به، ولا يقسم به كذبا وإذا أراد العدو أن يذلّ الأيزيدي عمد إلى قصّ أو حلق شاربه كما فعل الفرس بأسرانا في حرب الخليج الأولى، فبعد أن عاد القسم الأكبر منهم عندما انتهت الحرب أول جملة قالوها بعد السلام والعناق والتقبيل والبكاء:
” لقد حلقوا شواربنا عنوّة”. وكانوا يشعرون بالخجل والضعف والإهانة وتغرورق عيونهم بالدموع. لا شك إن البعض مستعد للاحتفاظ بشاربه بل التضحية بالكثير من اجل المحافظة عليه وما يترتب على ذلك من سمعة حسنة وسيرة طيبة لشخصه ولعائلته ولعشيرته وخاصة في بعض القرى والأرياف والتي لا تزال تحافظ على روح العشيرة وطبعها، وهناك قصّة تروى عن أحد شباب (آل حمو) من طبقة (الفقراء) في (كرعزير) كان قد تخرّج من الدراسة الإعدادية وقبل في كلية الشرطة ولكنه لم ينخرط فيها لأن قوانينها تمنع الملتحين من الدراسة فيها ففضّل الاستغناء عن منحته الدراسية للمحافظة على لحيته وكسب بذلك احترام وتقدير رجال الدين ووجهاء العشيرة من وجهة نظره الشخصية.
قد نكون ورثنا هذه العادة من البدو نتيجة جيرتنا لهم فالبدوي بدون لحية أو شارب يعتبر ناقص رجولة أو ربما تأثرنا برجال الدين بطريقة أو بأخرى لذلك نجدهم إلى جانب أنصار الشوارب في صراعهم مع خصومهم الذين لا يكتفون بتخفيفها في الوقت الحاضر بل يعمدون إلى ضربها (صفرا) وهناك قصّة تروى عن آمر أحد أفواج الجيش الحديث والذي ما أن نقل إلى وحدته الجديدة حتى أمر أن تكون أفراد حمايته من الأيزيدية حصرا فقد كان قد خبرهم في حروب ومعارك ومواقف سابقة وما أن التقى بهم حتى صرخ على رأس عرفاء الوحدة قائلا:
“قلت لك أريد جنود أيزيدية”. فأجابه ر. ع. و: “ولكنهم أيزيدية يا سيدي”. فرّد عليه الآمر:
“أيزيدية! وأين شواربهم”؟ قبل سنوات استمتعت بالاطلاع على موضوع كاريكاتوري في مجلة (ألف باء) عن دورة الشوارب في الحياة حيث إن المسؤول الإداري شواربه عقربية الشكل أمام موظفيه صباحا وتشبه ذيل الفار أمام الزوجة مساء.
في بعض المجتمعات يعتبر إطلاق الشوارب واللحى موضة تظهر وتختفي حالها حال الموضات الأخرى، وتوجد أندية للحى والشوارب بوسع المرء الانضمام إليها والمشاركة في بطولاتها المحلية والعالمية، أما الموضة عندنا فكانت تخفيف الشارب قبل سنوات والآن حلقها بعد أن كان الفرد يحتفظ بشاربه ربما خوفا من طرده من مجتمعه المنغلق نوعا ما والتنكر له، وهناك أندية يمنع الدخول إليها لغير (أبو الشوارب).
الموضة الحديثة عند الشباب، وكما كانت تغني أنوار عبد الوهاب بصوتها الملائكي (كَصّة المودة) هي إطلاق اللحية والشارب معا إلى أن يفرجها الله.
*******
الاخ مراد المحترم.. المقال جميل وعالي جدا وواضح من الجوانب التاريخيه والتقليديه بالاظافه علىاحتواءه نكهات من الفكاهة ..الحقيقه توقفت عند جزءيه بسيطه في المقال وجنابكم لم تعطوها اهميه وانتم أصح وادرى منا به إلا وهي دور الشوارب في المساءل الروحيه .وهذا قمه المعرفه… في تجربتنا وما لاحظناه بأن اللحية والشارب تجلب المال والدولارات والثراء لبعض الناس على حساب السذج علما انهم عديمي الضمير والوجدان ،،،،،،، اتذكر عندما كنا شبابا نزور ايام الاعياد صيفا وخريفا في اماكن ما اقدس منه لدى مجتمعنا ونرى في بعض الاحيان اناس من المعوقين الشياب الارامل تشحذ وهذا من حقهم يطلبون المساعده من ابناءهم واخوتهم في هذا المكان الذي يسمى بالمقدس. ،.ولكنهم بالمقابل هم مكروهين ومحاربين من قبل أولئك الملتحين الاقوياء اللذين يديرون امور العتبات ويقولون لا احد ينافسنا إلا هؤلاء الغربان الشحاذين ..ودمت سالما وتقبل تحياتي والشكر لصوت كردستان
طابت أوقاتك بخير أخي (خدر)
نوهت في المقالة بأن اطلاق الشارب واللحى فرض على بعض رجال الدين ..لا أرغب في الغوص عميقا مع رجال الدين فتأهم برأي المسائل الأجتماعية والعدالة الأجتماعية. لا يخلو دين من رجال يحاولون استغلاله لمصالحهم الخاصة . برأي الدين الأيزيدي مرن جدا وقادر على مواكبة التمدن بدليل ما نحن فيه الآن من آفاق وحريات لا تمنحها بقية الأديان لمعتنقيها.. أنا مع رجل الدين الذي يفهم جوهر الفلسفة الأيزيدية النابعة من الطبيعة ولا يأمر الناس ب أفعل هذا ولا تفعل ذاك..
تحياتي لك وإلى الحكاية القادمة
استاذ مراد المحترم…في تعليقي لمقالتكم السابقه ((الجنون والفقر))انا لم اقصد الشوارب أن كان ذلك الشاب المتسول حالقا شواربه وان لم يحلق والقصد من كلامي كل الناس تساعد فقراءها عن طريق الذي ما تسمى بالمعابد سوى أن كان في الكنيسه أو الجامع او غيرها ولكن الخيرات والمساعدات التي تاتي الى معابدنا تذهب إلى بطون الاثرياء الملتحين وهل هي هذا رساله اقدم دين وعندما تجادلهم يقولون هذا خارج وذبحه حلال انه من المنافقين
من ضمن المشاريع الشبابية الرائدة في بداية الفرمان كان مشروع (الألف دينار) نجح نجاحا باهرا في البداية ثم تلكأ ومنع الشباب من الأستمرار فيه .
الفرمان فرز ظواهر اجتماعية سلبية كثيرة ومعها جاءت بعض الحلول وكانت مفاجأة كبيرة للناس ولكن لأسباب عديدة فشلت المساعي تناولت هذه الفلسفة الأخلاقية الفريدة ببعض تفاصيلها في كتابي(وجها لوجه مع داعش) وارجو ان اجد ناشرا لأصدره ..
المجتمع الأيزيدي والكردي بصورة عامة محب للخير ولا اظن في السنوات المقبلة سيجوع أحد وهو يسكن بينهم .. تحياتي لكم