منذ سقوط الدكتاتورية و تمر الحكومات المتعاقبة على العراق دون ارادة الاكثرية لو تفحصنا جيدا الشعب العراقي و نظرته و اهدافه و ارادته و مستوى وعيه الجمعي و ما مرر به منذ نشوء دولته, فالشعب لم يختر سلطته مهما كانت ملكية اوجمهورية, رغم الشكليات التي اعتمدتها السلطات العراقية كافة منذ تاسيسها, اي منذ تاسيس الدولة على ايدي اجنبية مغرضة و هادفة و مخططة ليجب ان يكون عليه مستقبل هذه الدولة بعد اتفااقية سايكس- بيكو لحين وصولنا الى القرن الواحد و العشرين.
بعد الانقلابات و القتل والسحل و البيان رقم واحد و انتظار ما ياتي بعد كل تغيير دون معرفة الجوهر الحقيقي لكل سلطة مسيطرة دون اي تغيير جذري ملموس في جوهر الحكم، حتى وصلت الحال الى اعتى مرحلة و ما شهده الشعب العراقي من الويل في حياتهم لم يكن له المثيل في اية بقعة اخرى في العالم في عصره. و اعتقد البعض ان ما حصل له يمكن ان يكون عبرة لتُتخذ درسا عميقا منها مهما كانت سطلته الجديدة كل بعد اخرى, و ان تراجعت و حكمته حتى الملكية. و لكن ما حصل لم يكن في بال احد ان يفعل المحتلون الخقيقيون الكثيرون بمن هم يعتبرونه جارا او صديقا او شقيقا كذلك من جاء بعيدا ليضفي حساباته على حساب هذا الشعب المغدور اصلا.
اليوم وبعد كل ما شهده الشعب العراقي فيما لم يتصور ان يحصل, و اخيرا وصل الى انتخاب حكومة مماثلة لما قبلها جوهرا و بتغييرات شكلية دون المساس بالنظام و الارضية التي برزت هذه السلطة و انبثقت منها الموجود حاليا في هذه الدائرة المغلقة التي لا يمكن فتحها بسهولة. و لكن السؤال الذي يطرح دائما بعد مجيء كل حكومة، ترى هل ستنجح ولو نسبيا ام مصيرها الفشل كسابقاتها او تكون افشل من قبله و يمكن الوصول الى الحضيض بنسبة اكثر من غيرها.
و للجواب عن هذا لابد من التعمق في اسباب الوصول الى الحالة و ماهو دور الشعب و سماته و وعيه و مستواه الثقافي العام الذي يمكن ان يحتسب له سواء موقع قوة او نقطة ضعف له، و الحكومة و العقلية التي تحكم ليس الا نابعة من مجموع العقلية العامة للشعب و منبثق منها و لا يمكن تصور تايان الاعجاز منها. ان تكلمنا عن كل ذلك فيطول الامر، و لكن لابد ان نقول باختصار، ان النظرة الواقعية على المشاكل المستعصية الطويلة الامد التي تفرز منها المشاكل الثانوية و ايمان المتنفذ لحلها ,المعلوم ان الاصرار على انهاء الخلافات ليس بسهل الا اذا توفرت الخصائص المتميزة للقائد الذي ينبري بقوة للتوصل الى الحلول الجذرية بعيدا عن تجنب التعقيدات او تاجيلها او الاعتماد على الحلول الترقيعية. النظام و القانون بيد من ينفذه و يمكن ايجاد كافة النوافذ للوصول الى الحلول باي قانون مناسب و ما فيه العراق من السند الدستوري يمكن ان يدفعه الى خير العمل, و من ينادي الى اعادة النظر به ليس الا من يحن الى الماضي او يريد الاستناد على ايديولوجيته و افكاره البالية ليست الا.
الابتعاد عن المثاليات و بعض الشعارات التي اعتمدتها الحكومات السابقة او الافكار التي قضى عليها الزمن و لم تعد مناسبة لهذا العصر، الالتزام بالواقعية في التعامل مع الموجود دينيا، مذهبيا، قوميا، ثقافيا، تاريخيا و جغرافيا بعيدا عن خداع النفس بايديولوجيات و خيالات و افكار بالية ليس لها اية قيمة لو استندت مقارنة مع الموجود على ارض الواقع. اي ان هناك شعوب و مكونات و و اديان و مذاهب و طرق و عقليات و طبقات مختلفة غير منتظمة في بنية العراق, اي ليس هناك ضبط و ربط مطلوب كما هو حال شعب متجانس و اهدافه معروفة في اطار دولة. و بناءا عليه يجب ان يعتمد اي مهتم الخطوط العريضة لما يفيد و يناسب المرحلة و حدود السلطة التي يمتلكها و امكاينة تطبيق ما يريد و تحقيق الاولويات التي يجب تسلسلها و تناسبها مع الفترة التي يمكن ان ينفذها المتنفذ.
يجب ان نقول بداية، ان الارضية التي جاءت بالكاظمي كاعلى سلطة في الدولة في هذه المرحلة هي نفسها مكما جاءت بما قبلها و لكن بظروف باجواء سياسية داخلية وخارجية مختلفة, بحيث ان الاجماع اشبه بالكلي عليه يعتبر عاملا مساعدا لتحقيق اهدافه و ان كان تنفيذ مهامه ليس بالسهولة و انما يمكن ان نتوقع بقدر من النجاح و ان كان صعبا. فالاولويات التي يهتم بها يمكن ان تكون قاعدة اما ترسخ العمل المستقبلي او تعبر بها المرحلة دون الانتقال الى مرحلة مغايرة تماما كما يتمناها الجميعلان العقبات تفرض الاهتمام بالاقصر. القضايا الشائكة الاساسية التي تفرض نفسها, هي كيفية تقارب المكونات قوميا كانت ام دينيا و مذهبيا في اطار الدستور و الالتزام به دون الالفتات لمن يظن ان الدستور هو سبب المشاكل، و من ثم تجنب الدخول في معمعة السفطسطات التي تريدها الجهات المتعددة له من اجل تغطية الفساد و الانتماءات و الوفاء لما يتبعون من الجهات التي تحركهم لمصالح ضيقة الافق. اي الاهتمام سياسيا بما يجري من اجل تخفيف اثار الوضع الاقتصادي الصعب الذي ينتظر العراق بكل تاكيد. و من اولى المهمات هو تجسيد التفاهمات التي يمكن ان تُبنى بها القاعدة الراسخة للتعايش و من ثم استئصال المشاكل العصيبة التي تمكنت من الشعب العراقي بكل مكوناته خلال العقود التي تلت انبثاق هذه الدولة, و يمكن ان يتحقق هذا بمراحل متتالية .
اي مهمة الكاظمي في هذه المرحلة هي اعادة نسبة معقولة من الثقة بين الاطراف و من ثم وضع حجر الاساس للمراحل القادمة, و في مقدمة ما يفرض نفسه و من صالحه ان يلتفت اليه في كل لحظة هو الطبقة المسحوقة الكادحة بعيدا عن مصالح الاحزاب، لانهم يمكن ان يساندوه بعد ان يلمسوا منه الخير و هم من يمكن ان يزيحوا اي حزب كان لو اعتبروه عائقا لمسيرة حياتهم. و هناك امور يومية تنفيذية لابد ان يعتمدها و يدخل في تفاصيل اداء الواجبات التي لا يسع هنا ذكرها بشكل خاص. فاول المهام هو الننظيم و الاستناد على الشعب و ان جاءت بشكل معلوم الا انه يمكن ان يتجنب اضغوطات بتغيير المسار كليا و الاعتماد على الشعب بشكل مباشر و ان كان الوزراء من حصص الاحزاب, فهم لهم شخصيتهم و عقليتهم و يمكن ان تيفردوا في تنفيذ مهامهم عن من جاء بهم و هذا يقع على عاتق الكاظمي ان يزرع فيهم هذهالروحية و يلح عليها منذ ان يلتقي بهم في الجلسة الاولى لسطلته الحكومية, ولو نجح بنسبة و حتى قليلة جدا في هذا المضمار فسوف ينبي قاعدة راسخة لبناء مرحلة جديدة للخروج من سطوة الاحزاب قريبا.