مقدمة :
لقد كتبت هذا المقال بتأريخ السادس عشر من الشهر الخامس لعام [ 2017 ] ونشرته على صفحة التواصل الإجتماعي [ الفيس بوك ] بعنوان : [ إستقلال كردستان ؛ الدولة الكردية ] ، لكني غيَّرتُ العنوان الى العنوان أعلاه ، حيث أعتقد بأنه أكثر ملائمة لمحتوى المقال . كنت أنوي مراجعة المقال ثم نشره في المواقع الإلكترونية ، أما لتسارع الأحداث والقضايا وتزاحمها وكثرتها بالمنطقة نسيتُ ذلك .
هذا المقال كما يبدو بوضوح جاء تحريره عقب إعلان رئيس إقليم كردستان – العراق السابق مسعود بارزاني عزمه على إجراء الإستفتاء لإستقلال الإقليم وتأسيس الدولة الكردية . في هذا الشأن نشط السيد مسعود بارزاني وحزبه كثيراً على الصعيد الإعلامي والسياسي والجماهيري في الإقليم وتمكن من ضمِّ الغالبية الساحقة من الأحزاب الكردية وقادتها الى فكرته الإستفتائية بآستثناء حراك الجيل الجديد بقيادة زعيمه السيد شاسوار عبدالواحد ، حيث أعلن منذ البداية بأن الظروف الداخلية للإقليم والإقليمية بالمنطقة ، مضافاً الدولية غير مساعدة لإجراء إستفتاء الإستقلال للإقليم ، وسيكون مآله الفشل .
علاوة على موقف ورأي شاسوار عبدالواحد فإن العديد من المثقفين والكتاب الكرد في داخل الإقليم كما خارجه أيضاً عارضوا فكرة الإستفتاء في توقيتها الذي حدده مسعود بارزاني ، وذلك للظروف غير المناسبة جداً من جميع النواحي ، بل المخالفة وهي معروفة للمراقبين والمتابعين والمُلِمِّين بالسياسة الدولية والقضية الكردية ، بخاصة في إقليم كردستان – العراق .
أما السياسة الدولية فقد أعلنت هي الأخرى عن معارضتها لفكرة الإستفتاء التي طرحها مسعود بارزاني لإستقلال إقليم جنوب كردستان الذي يخضع رسمياً للجغرافيا العراقية مذ إتفاقية سايكس – بيكو البريطانية – الفرنسية لعام [ 1916 ] من القرن الماضي والى اليوم ، حيث بموجبها تم تجزيء كردستان الى أربعة أجزاء وإلحاق كل جزء منها بدولة مجاورة للكرد وكردستان ، وهذا لا يعني إلاّ إقامة حظرٍ دوليٍّ شاملٍ على قيام الدولة الكردستانية في كردستان وحرمان الشعب الكردي من الإستقلال كحقٍ طبيعيٍّ ومشروعٍ له أسوة بجميع الشعوب والقوميات في العالم كما تُقرُّ بذلك القرارات والمواثيق الدولية لمنظمة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان .
في هذا الشأن أيضاً أعلنت الأنظمة المجاورة لكردستان ، بخاصة تركيا وإيران مخالفتهم الشديدة للإستفتاء ، مع إعلانهم بأنهم لا يرفضونه وحسب ، بل إنهم سوف يجهضونه بجميع الوسائل والطرق ، لأنه – أي الإستفتاء – يهدد أمنهم الوطني وسيادتهم الوطنية على حد قولهم .
مثلما أثبتت الأيام القاسية والمريرة بعد الإستفتاء إن إستفتاء مسعود بارزاني لإقليم كردستان – العراق عام [ 2017 ] لم يكن مشروعاً سياسياً مدروساً بعناية ودقة ، بل إنه آنبثق لثلاثة عوامل غريبة ، هي :
الأول : تحقيق التاريخانية لشخصه بأنه أولُ زعيمٍ كرديٍّ طرح عملياً فكرة الإستفتاء الإستقلالية لإقليم كردستان – العراق ، وبهذا فإنه سيصبح رئيساً للإقليم مدى الحياة . وهذا خطاٌ صارخُ ، ذلك إن أول زعيمٍ كرديٍّ حاول عملاً وقولاً تحقيق إستقلال كردستان كان ملك كردستان الشيخ محمود الحفيد البرزنجي [ 1881 – 1956 ] ، وبالفعل فإنه عام [ 1919 ] أسس المملكة الكردية في إقليم كردستان وعين نفسه ملكاً عليها وشكل مجلس الوزراء وأصدر الطوابع البريدية بآسم المملكة الكردية ورفع علم كردستان على الدوائر والمباني الحكومية للملكة الكردية وجعل اللغة الكردية لغة رسمية لها ، ثم كاتب وناشد عصبة الأمم المتحدة والدول في العالم الإعتراف الرسمي بالمملكة الكردية في كردستان أسوة بالقوميات والشعوب الأخرى في العالم . لهذا فإن الزعيم الكردي التاريخي وملك كردستان الشيخ محمود الحفيد لا غيره إطلاقاً يُعتبر بمثابة جورج واشنطن للإستقلال والدولة الكردستانية في إقليم كردستان – العراق .
الثاني : تجذير الزعامة والقيادة والرئاسة العائلية – العشائرية في إقليم كردستان – العراق ، وذلك بجعلها أمراً واقعاً في الإقليم ، حيث بعده سيتسلَّمُ نجله مسرور الزعامة والقيادة والرئاسة العامة بعده وهكذا دواليك ، مع إنه على الصعيد الحزبي فإن الزعامة والرئاسة الحزبية لم تخرج أبداً من داخل العائلة – العشيرة البارزانية منذ تأسيس حزبهم بإسم : [ الحزب الديمقراطي الكردستاني ] في عام [ 1946 ] من القرن العشرين المنصرم وحتى يومنا هذا ، فهي كانت ومازالت حكراً عليهم وحصرية في عائلتهم ! .
الثالث : ردُ فعلٍ على السياسة العراقية إزاء الإقليم ، حيث أوقفت الحكومة العراقية تمويل الإقليم بذريعة تصديره وبيعه النفط بصورة غير قانونية .
فرص إستقلال إقليم كردستان – العراق :
على أساس ردود الأفعال ، أو على أساس توظيف الإستقلال الكردي وآستغلاله شخصياً وعائلياً وحزبياً ، وبغياب مشروع وطني مستند على دراسات واقعية للأوضاع المحلية الداخلية والإقليمية والسياسة الدولية لا يمكن قيام وبناء الدولة الكردستانية في كردستان . ذلك إن قيام دولة كهذه هي بأمس الحاجة الى تحقق عوامل وشروط أساسية ، في مقدمتها التوافق التام بين القادة والأحزاب السياسية الكردية ، مع الضرورة القصوى لوجود خلفية إقتصادية ومالية قوية وضخمة .
لقد تحققت نسبة كبيرة الجانب الإقتصادي والمالي لإقليم كردستان – العراق ، وذك منذ عام [ 2004 ] ، ولغاية [ 2014 ] ، حيث قيام الإقليم بتصدير النفط وغيره من الموارد وأعمال التجارة والإستثمارات المالية . أما بسبب عوامل تتعلق بالإستبداد والفساد والضعف الإداري والحكومي والمحسوبيات والمنسوبيات والحزبية والعشائرية ، ولعدم وجود رؤى مستقبلية ، وخطط ودراسات دقيقة إستشرافية للمستقبل لم يتم بناء قاعدة إقتصادية ومالية قوية ليوم الإستقلال لإقليم جنوب كردستان المنشود .
فالفترة الممتدة من تحرير غالبية مناطق إقليم كردستان – العراق عام [ 1991 ] من القرن الماضي ، والى عام [ 2003 ] ، حيث سقوط حكم حزب البعث العربي الإشتراكي في العراق كانت هامة ومصيرية جداً لو تم إستغلالها بشكل مدروس . بالحقيقة كان العقدان المذكوران عقدان تاريخيان ذهبيان لإقليم كردستان – العراق كي يُؤمِّن لقادمات الأيام قاعدة مالية كبيرة ، وذلك لإدارة الحكم والحكومة والشعب إدارة جيدة ومنظمة ، وفي إطار العدالة الإجتماعية وقيمها ، لكن للأسف حصل العكس للعوامل السالفة الذكر ، حيث تم إعلان إفلاس الحكم والحكومة الكردية في الإقليم ، ثم رافق ذلك خلافات حادة وتطورات داخلية سلبية على صعيد البرلمان والرئاسة والأحزاب الكردية الحاكمة في الإقليم ، بخاصة الحزبان الحاكمان لبارزاني وطالباني . حتى على الصعيد العسكري لم تكن حكومة الإقليم تُوَلِّي الإهتمام اللازم والجيد به ، وقد ثبت ذلك واضحاً خلال هجوم تنظيم داعش على الإقليم في عام [ 2014 ] وآحتلاله لكثير من أراضيه ومدنه وقراه وقصباته ، بل أصبح على مقربة من العاصمة أربيل نفسها ، ولربما آحتلها لولا تدخل الطيران الأمريكي الذي أوقف الزحف الداعشي ، هذا بالإضافة الى المجازر الدموية التي آرتكبها تنظيم داعش بحق الكرد ، بخاصة إزاء الإيزيديين الكرد وآختطافه للآلاف من النساء والبنات لهم ، بحيث مازال مصير الكثير منهن مجهولاً الى اليوم .
لذلك ليس صواباً في ظل أوضاع داخلية مضطربة وهشة من شتى النواحي التفكير في إجراء إستفتاء للإستقلال ، علاوة للعامل الخارجي < السياسة الدولية > الذي لا بد من إشتراطه وتوفره كتأييد وداعم للإستفتاء ، بخاصة الدول العظمى التي تتمتع بحق النقض في منظمة الأمم المتحدة ، ثم الغريب هو أمر آخر وهو الإستهانة بالقوى الإقليمية ، في مقدمتها تركيا وإيران .
أفكار حول إستقلال كردستان :
حول إستقلال كردستان وقيام الدولة الكردية المفترضة تدور عنها الكثير من التساؤلات والإفتراضات التي يصعب الإجابة عليها بشكل دقيق ، فالقضية الكردية ضمن الواقع الحالي لكردستان والسياسة الدولية ليست قضية واحدة متواجدة في بلاد واحدة ، فهي قضية واحدة من حيث الأصل التاريخي تجزأت على أربعة بلدان مجاورة أخرى ، وهي : تركيا ، إيران ، العراق وسوريا . وهذه الدول المتقاسمة لأجزاء كردستان متفقة فيما بينها على عدم قيام دولة كردية في أيِّ جزء من أجزاء كردستان . لهذا يمكن القول بكل ثقة إن التقسيم السايكس – بيكوئي البريطاني – الفرنسي لعام [ 1916 ] من القرن العشرين المنصرم لكردستان قد تم لكي لا تقوم أيَّ قائمة إستقلالية لقيام دولة كردية للشعب الكردستاني في كردستان بالمستقبل ، فتقسيم سايكس – بيكو قد أسقط كردستان على المستويين الجغرافي والسياسي والعالم الخارجي . إننا نجد ذلك واضحاً للثورات والحركات الكردية ، فهي كلما آقتربت من النصر فإنها سقطت ، أو تعثرت بفعل الدول الأربعة المتقاسمة لأجزاء كردستان ، مضافاً تأييد العامل الدولي لتلكم الدول . عليه واضح جداً بأن السياسة الدولية لم ترفع حتى اليوم الحظر الذي أقامته لقيام الدولة الكردستانية ، وكما يبدو فإن هذا الحظر مازال قائماً ، وذلك بالرغم من النضالات الجبارة والتضحيات الكبيرة للشعب الكردي .
هل هناك مؤشر لقيام الدولة الكردية :
بالرغم مما ورد أعلاه قد يكون في نهاية النفق بصيص أمل لضوء خافت برأيي لقيام دولة كردية في كردستان ، وليس معلوم بالدقة أين ستبدأ ، أي من أيِّ جزء من كردستان سيبدأ قيام تلك الدولة ، كما إننا لا نعلم كيف ستكون الدولة وشكلها وتفاصيلها الديموغرافية والجغرافية والسياسية ..؟ .
معلوم إن هذه الدولة الكردية المفترضة لا تقوم إلاّ بموافقة السياسة الدولية وقيام نظام دولي جديد ، بخاصة في منطقة الشرق الأوسط ، فالكرد لوحدهم ، وفي ظل التوازن المفقود بينهم والدول المتقاسمة لأجزاء كردستان ليس بمقدورهم تحقيق الإستقلال . ذلك إن إستقلال كردستان بحاجة الى تغيير الحدود الدولية الرسمية الحالية في المنطقة لشعوبها وبلدانها ، لأن إستقلال الكرد وكردستان يتطلب توافقاً دولياً للقوى العظمى في العالم . شخصياً لا أعتقد بأنه سيُسمح للشعب الكردي من توحيد الأجزاء الأربعة لكردستان في وطن واحد ، وبلاد واحدة تضم دولة واحدة موحدة له .
إقليم كردستان – العراق والإستقلال :
إن جنوب كردستان الملحق بالعراق ، هو الجزء الكبير الثالث لكردستان من حيث المساحة والسكان بعد شمالها وشرقها إذن ، هل بالإمكان في ظل العوامل المذكورة والسياسة الدولية تحقيق إستقلاله ، وذلك بمعزل عن الأجزاء الأخرى لكردستان ، وماذا ستكون مصائرها ، هل سيتم فيما بعد إستقلال إقليم كردستان – العراق توحيد سائر الأجزاء في كيان سياسي وجغرافي وطني واحد للشعب الكردستاني ..؟
برأيي هذا الأمر غير قابل للتحقيق لأسباب متعددة ولعوامل مختلفة ، حيث أبرزها وأهمها السياسة الدولية . تأسيساً على ماورد إن فرص الإستقلال السياسي وقيام الدولة الكردية المستقلة في كردستان هي ضئيلة سواءً في جزء واحد ، أو إنها ستضم تضم جميع الأجزاء ، والأخيرة ، أي دولة كردية تضم جميع أجزاء كردستان قد تكون محالاً .
بدايةً الإستفتاء كان إجراءً بهلوانياً إعتاد الإقليم بين الحين والحين اللجوء إليها , للتغطية على الفشل المستمر في السياسة , أما الإستقلال الحقيقي الذي كان في اليد في 2003 فقد مات في 2007 في مؤتمر أربيل , ولا سبيل للتفكير فيه إلا ّ بعد تغير نظام الحكم الديني في إيران إلى نظام قومي ويتعاون معه الكورد , وهذ مستحيل
كان في تعاون الكورد مع الشيعة برئاسة المالكي بعض الأمل في الفيدرالية الحقيقية وهذه أيضاً ماتت وشبعت موتاً
الآ، هناك أمل ضعيف للغاية بتقسيم العراق فيكون للكورد فرصة غير معلومة في الإستقلال , لكن هذا لن يحدث أبداً وإذا حدثت فتركيا ستحتل كوردستان وتضمها إليها
أما الإحتجاج بضم الأجزاء الأربعة وإلاّ لا , فهذا كذبٌ قبيح ممكن لأي جزء أن يستقل إذا شاء وكانت له صدق وإخلاص في النضال