- أنهيت منذ أيام قراءة كتاب عطب الذات للدكتور المحترم برهان غليون والذي حاول فيه جاهدا سرد وقائع الحراك الثوري السوري منذ لحظاته الاولى و حتى تاريخ نشره للكتاب واضعا يده على الجراح ، كاشفا لمحطات النجاح والفشل، معريا للأدوات التي ساهمت بشكل مباشرا أو غير مباشر في أنحراف ذلك الحراك السياسي السلمي عن سكته المباشرة التي هدف الوصول اليها الى طرق أخرى وعرة ملبدة بغيوم الطائفية و الصراعات الاهلية و الدينية والايديولوجية و الاجندات الاقليمية والدولية وقد كان – من وجهة نظري الشخصية – موفقا وصادقا وشفافا في الاشارة الى أغلب تلك الوقائع و الاحداث التي عاصرها كرئيس للمجلس الوطني السوري والى السلبيات التي رافقت عمل كافة الفعاليات و المؤسسات السياسية السورية المعارضة مشيرا بواقعية و صدق الى مكامن الخلل التي أفشلت ذلك الحراك السياسي الذي علق عليه الكثير من السوريين كثيرا من الأمل.
- استطاع الدكتور غليون في عطب الذات ان يكشف لنا الكثير من الاسرار التي كنا نجهلها و يوضح لنا بمنطقية سلسة الاخطاء المقترفة طيلة تلك السنين و يعري بشجاعة الجهات التي تطفلت على الحراك السياسي الثوري- فيما بعد- و الطعنات التي غرستها في جسمه .
- رغم صحة أغلب المعلومات التي تضمنها عطب الذات الا أنه تضمن كذلك بعض الأخطاء والمعلومات المجانبة للحقيقة والواقع والتي سأكتفي بذكر المتعلق منها بموقف –ابناء جلدتي – الكرد بالحراك السياسي الثوري السوري تاركا البقية لمقالات اخرى سأعمل عليها تباعا فقراءة ونقد عطب الذات يحتاج الى اكثر من دراسة او بحث او مقال.
- بحث الدكتور غليون في الفصل الثالث من عطب الذات المعنون / من الانقسام الى الفوضى / في دور الكرد في الثورة السورية ضمن فقرة الانشقاق الكردي بالصفحة (168) موجزا دورهم الثوري ببعض الجمل والعبارات القليلة التي أشارت الى فعاليات خجولة وقليلة لا تتجاوز الخروج ببعض التظاهرات في بعض المدن ذات الغالبية الكردية ودور تيار المستقبل الكردي وزعيمه مشعل التمو و موجها لهم مجموعة من الاتهامات المبطنة منها على سبيل المثال :
- جزمه بأن انقسام القوى الرئيسية في المعارضة وعجزها عن العمل على اجندة واحدة قد شجع بعض الاحزاب والقوى السياسية الكردية على الاستثمار في الأزمة التي فجرتها الانتفاضة من اجل تطبيق اجندتها الخاصة …الخ دون ذكره المعطيات و القرائن التي تجيز وتبرر ذلك اليقين ونفي صفة الوطنية و الثورية عن بعض الأحزاب الكردية واتهامها بالانتهازية و الاتجار بالثورة السورية لصالح اجندات انفصالية بكلام مرسل غير مؤيد بأدلة ووقائع من شأنها ان تؤكد صحة ماأنتهى اليه يقينه رغم مشاركة الحركة الكردية بكافة ألوانها وتياراتها بالحراك الثوري منذ اللحظة الأولى ورغم تمسكها المطلق بثوابت اصرت انها لن تحيد عنها تحت اية ذرائع ومنها على سبيل المثال المحافظة على وحدة الاراضي السورية .
- اتهامه الاحزاب الكردية بالتزمت_ منذ بدء المحادثات_ واتخاذها لمواقف جامدة لا تقبل النقاش وبأقصى مطالب ممكنة كما لو أنها أرادت أن تحل القضية برمتها بخطوة واحدة أو أن حاجة المجلس الوطني الى مشاركتها ستفرض عليه القبول بكل ماتريده..الخ وهذا اتهام مبطن لها بالانتهازية السياسية ،غير مبرر وما مشاركتها لاحقا في الائتلاف السوري لقوى المعارضة و دعمه له ورفضها الانسحاب منه رغم كل الضغوط التي تعرضت لها من الشارع الكردي نتيجة للاجندات التي فرضت عليه من بعض القوى الاقليمية والدولية الا تأكيدا على بطلان ذلك الاتهام ومجانبته للحقيقة والواقع فأصرارها المحافظة على حقوق تراها أساسية و لايمكن الانتقاص منها ضمن اطار الحل السوري العام شيئ و ابتزاز شركاؤهم لفرض اجندات خاصة تضر بالصالح السوري العام أو بمسار الثورة شيئ آخر تماما.
- نفيه تطرق المناقشات مع المجلس الوطني الكردي الذي ضم الاحزاب المؤيدة للثورة – بعكس الاتحاد الديمقراطي الكردستاني-الى أي موضوع يتعلق بالثورة وخطتها ومصيرها ودور الكرد فيها ولا اثارة اي مسألة لها علاقة بالقضية العامة السورية وكان النقاش يدور بأكمله حول مطالب كردية …ألخ بالقدر الذي أصابنا بالذهول و خيبة الأمل من هذا الاتهام بالسطحية و الأنانية و انتفاء الحس الوطني الذي ترفضه الحركة الكردية بشكل خاص والشارع الكردي بشكل عام لمجانبته حقيقة تمسك المجلس الوطني الكردي بأهداف الثورة السورية بشكل عام والنضال من أجل تحقيقها منذ اللحظات الأولى و اصراره على توازيها مع الاهداف الخاصة التي سعى اليها باعتباره ممثلا لشريحة واسعة من الكرد وهو ما أكد عليه في كل المؤتمرات و الاجتماعات السياسية الدولية التي رافقت العملية السياسية وكان من الأجدر على الدكتور غليون ابراز محاضر جلسات الاجتماعات التي يؤيد اتهاماته على أقل تقدير كي يقنع القارئ بها.
- شكك في أن يكون رئيس اقليم كردستان بعيدا عن الاستراتيجية الكردية القومية التي تحدثنا عنها في الفقرات السابقة كونه من تولى بعد أقل من شهر من تشكيل المجلس الوطني السوري مهمة توحيد الاحزاب الكردية القريبة منه وانبثق عنه ائتلاف كردي باسم المجلس الوطني الكردي ندا للمجلس الوطني السوري وكان برزاني من دون شك المهندس الرئيسي لسياسة هذا الائتلاف الكردي واتهمه بتشجيعها المبالغة في مطالبها والاقتداء بالنموذج العراقي على أمل ان يحوز الكرد السوريون المرتبطون به على أقليم مستقل أو شبه مستقل في شمال سورية ربما يسمح بالمستقبل بالحصول على منفذ على البحر المتوسط يمكن الاقليم الكردستاني من الاستقلال الكامل عن العراق وفي أطار هذا المشروع عمل على تدريب قوة بيشمركة من الضباط والمتطوعين الكرد السوريين لاستخدامهم في القتال قبل أن يقطع عليه حزب الاتحاد الديمقراطي بمساعدة النظام السوري ثم الامريكيين الطريق وهي اتهامات متعددة و خطيرة وتفتقر للسند القانوني أو الدليل المنطقي كونها تفيد ضمنا بتآمر السيد مسعود البرازني على وحدة سورية والعراق بالاتفاق مع الحركة السياسية الكردية من جهة و تحمل تناقضا كبيرا من خلال اعتبار غير مباشر لحزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري بمقاومة هذه النزعة الانفصالية والحفاظ على وحدة سورية من جهة أخرى وهذا ما لا يقبله منطق أو يستسيغه عقل.
- يعود الدكتور غليون ليؤكد أن المشكلة لم تكن في وجود الأجندة القومية الكردية بشكل متميز ومستقل عن الأجندة الديمقراطية السورية التي كانت تشغل الانتفاضة الشعبية فقد كان هذا أمرا واقعل ومعروفا من قبل المعارضة وهذا ما كنا نردده دائما لمحاورينا ….ألخ بل جاءت المشكلة من اختراق الحركة الكردية من قبل قوى خارجية وسعيها الى استخدامها لتحقيق أجندة خاصة بها لا علاقة لها بسورية ومشكلتها وثورتها ومصيرها هي اجندة حزب العمال الكردستاني أي انه يصر على عدم وطنية الاجندة الكردية و ابتعادها عن الاجندة الوطنية الخاصة بالمعارضة السياسية الاخرى لغايات في نفس يعقوب وأرتهانها لاجندات اخرى تضمر الشر للسوريين و للكيان السوري على نحو اشعرنا بخيبة أمل كبيرة فواقع حال العلاقة بين المجلس الوطني الكردي و حزب الاتحاد الديمقراطي طيلة السنين الماضية و نضال المجلس ضمن مؤسسة الائتلاف مع بقية الاحزاب الاخرى يشيان بمجانبة وجهة نظره للحقيقة واسترسالها في اتهامات لا تمت للواقع بصلة.
- ختاما نود ان نؤكد ان غايتنا من هذا النقد الذي نستوسم فيه الايجابية هو الاضاءة على بعض الحقائق المغيبة عن فكر الدكتور غليون_ الذي نحترمه و نثق بنواياه _ كالتضحيات التي قدمها الكرد في انتفاضة عام 2004 عندما وقفت غالبية الشعب السوري ضدهم_ مع الاسف _دفاعا عن النظام و مساهمات الحركة السياسية الكردية الدائمة في العمل السياسي السوري المعارض منذ تولي البعث السلطة في سوريا وما نجم عنه من اضطهاد و سجن و حرمان من الجنسية و منع التملك ..الخ من القوانين الاستثنائية التي عانوا منها بصفة خاصة وعملهم الدؤوب لاحقا ضمن اعلان دمشق و هيئة التنسيق وأغلب الفعاليات السياسية السورية المعارضة والتأكيد على ثورية و اخلاص السوريين الكرد الذين فرض عليهم القدر و تواجدهم الجغرافي والطبيعة الجيوسياسية للمنطقة بشكل عام ضرورة الاثبات المتكرر لوطنيتهم واخلاصهم واحترامهم للجغرافية السورية لكل شركائهم في الوطن وان ذاتهم الوطنية لا عطب فيها .
فرنسا في 14/5/2020
المحامي محمد علي ابراهيم باشا