تتباهى القرى
بهجرة الصعاليك
وتذوب ابتسامة آب
في حرّ النهار
الخبز المصنوع في تنّور بابلي
يورثني أرقا
أنا شاعر البيوت الطينية
وريث سيزيف
أبحث كلّ يوم
في رماد تنور أمّي عن ابتسامة.
ربمّا النصّ أعلاه يتفق ومعظم الحكايات الشنكالية التي بين دفتي هذا الكتاب ومنها حكاية (زياد) ذو الثماني سنوات والذي لا يعرف معنى أسمه ولا والده (خلف) لا يعرف لماذا أطلق على ابنه هذا الاسم. فكلّ خلف في نظرنا هو أبو زيدان. زياد. زيد.. مثلما كلّ سليمان هو أبو داوود وحسن أبو فلاح وأحمد هو أبو شهاب.. الخ من الأسماء والألقاب المعدّة لنا سلفا.
عند قبولي في جامعة الموصل وفي السنة الدراسية الأولى من سنوات الحصار والجوع وقبل أن التقي بمجاميع أو كروبات الطلبة الأيزيدية ونتعرف على بعضنا كنت على يقين بأنهم سيسمّونني (أبو ليلى) لأن اسمي هو (مراد) تيمنا بالمطربة والممثلة (ليلى مراد) ودون أن يشاهدوا لها فلم (غزل البنات) أو يسمعوا لها أغنية (أنا قلبي دليلي) فاتخذت لنفسي اسم (أبو بسمة) ثم لا حقا وبعد الزواج اطلقت اسم (بسمة) على أولى بناتي، وبعد هذه النكتة في جامعة الموصل وبسنوات عديدة وفي مهرجان أدبي سلمّ عليّ أحد أولئك الأصدقاء وقد منّ عليه كريفه بول بريمر بمنصب مدير ناحية الشمال بحرارة وهو يكرر على مسامعي (أبو بسمة) وبعد أن جلس هو في الصف الأمامي وجلست مع صديقي في الوسط حتى سألني صديقي: لماذا لا يناديك بأبو (حسن) وكيف يعرف بأن لك طفلة اسمها (بسمة). فقلت له إنما هلاوسه هذه من آثار الحصار أيام التسعينات، وطبعا ظن صاحبي بأنني أنا الآخر أهلوس.
و(زياد) الحبيب كلّ صباح يحمل دلوا بلاستيكيا ويطرق أبواب جيرانه. جيرانه الذين على يمينه، وجيرانه على يساره. جيرانه من أمامه، ومن خلفه. وتاهت على حفيد ” ملك الجهات الأربع ” جهاته، يدوخ الطفل كلّ صباح ولم يعد يعرف يساره من يمينه، ولا يعرف إن كان لايزال في فترة الصباح الأولى من يومه أو إن الصباح مضى كما ستمضي طفولته وهو يحاول في كلّ صيف لاهب أن يجمع بعض الثلج لأخوته الصغار.
أعذروا جيران هذا الصغير لأنهم لا يلبّون طلبه كلّ يوم وبسرعة ويرجع أحيانا خالي (السطل). أعذروا الجيران قبل أن تلوموهم فليس كلهم لديهم الثلج ليعطوه للعزيز (زياد) لكسر حدّة هذا الحرّ.
أجل، سرّنا الصغير هو إن بعض جيرانه منافسون له وبدورهم هم في بحث دائم عن الثلج يطوفون في جهاتهم الأربع فليس الجميع يملك ثلاجة او مجمّدة في بيته، وسيستمر عيد طوافة الثلج في (سيباى) لدورات انتخابية قادمة، وكل صيّف وثلجكم بارد.
لا شك بأن الأمر في المخيمّات الآن لا يختلف عما كان عليه في (سيباي) بالنسبة للعزيز (زياد) وأمثاله في العشيرة والمجتمع.