أيها الموت، يا ذاتي الغريقة في حياتي ..
بك أتباهى بعد الرحيل ..
تحولت أيامي إلى هناء ..
لا أريد منك المزيد ..
فلقد أصبحت لي أجنحة..
أسمو بها عاليا وبعيدا عن الجميع.
في عصر يوم الثلاثاء المصادف 8/7/2014 أقدمت امرأة شابة من (سيباية شيخ خدر) على الانتحار.
هذه الحالة جعلتني استغرق في ظاهرة الانتحار أكثر، رغم بحثي المتواصل وقراءاتي المستمرة عنها.
الفلسفة النفعية ـ من رواد هذه الفلسفة الانكليزي بينثام ـ تستوجب الحكم على الأمور الأخلاقية بالنتائج وتشبهها في الطريقة النظرية أسلوب الإدارة بالأهداف، وهذا أمر مذهل لو تأمناه، فبدلا من تناول الأسباب علينا أن نقلب المعادلة، ونبحث عن النتائج أولا فقد نجد ما نبحث عنه كما في حالات الانتحار الشائعة عندنا مثلا.
هل الانتحار هو الحل؟
يبدو إن الناس تلجأ إليه حتى قبل أن يكون الحلّ الأخير لمشاكلهم!
وهل الانتحار يعقّد المشكلة أكثر أم إنه يعتبر مخرجا (ما) للمشاكل العالقة؟
كتبت العديد من النصوص والقصص القصيرة والمقالات عن الانتحار وهذه الحالة دفعتني للكتابة مجددا رغم وجود قضايا أخرى قد تكون ملحة أكثر كوضعنا الأمني الحساس في هذه الفترة الحرجة والترقب والخوف من المجهول.
المرأة المنتحرة برصاصتين من مسدس زوجها كانت حامل! وهي كذلك أم لطفل أجمل من القمر.
لماذا انتحرت هذه السيدة الشابة؟
ولماذا قتلت معها جنينها الذي لم ير النور بعد؟
ولماذا تركت أبنها الغض خلفها ورحلت دون رجعة ولم تهتم بدموعه وصرخاته؟
أسئلة ستتوالد في أذهاننا جميعا كما تتوالد دوائر الماء في بركة هادئة عندما نرمي عليها بحجر فجأة. سنسأل الكثير من الأسئلة كلما مرت ذكرى انتحارها في بداية مربعانية صيف حار خالي من الكهرباء وأشياء أخرى كثيرة هنا في (سيباى). أسئلة لن يجيد طرحها غير أبنها في كلّ ذكرى وكذلك أسئلة ستمرق كالسهم في ذهن الزوج الناحب الذي ما فتئ يقول: ” …لو كنت أدري.”
يقول سيغموند فرويد: “غريزة الرغبة في الموت كامنة في العقل الباطن للإنسان وهي غريزة تقع جنبا إلى جنب مع غريزة حبّ الحياة وهذه الغريزة تدفع بالفرد للانتحار”، وهذا أمر غريب حقا في السلوك الإنساني فلماذا لا تدفعه غريزة حبّ الحياة بالتشبث بالحياة بدلا من وداعها!
عندما نتخذ قرارا لنقدم على أمر مهم نريد في دواخلنا التعرف على المزيد من الأسرار، فربما أرادت هذه الشابة أن تعرف أسرار الموت بعد أن كشفت خدع الحياة فأنهت حياتها ولم تعرف المسكينة إن كل الأسرار تكمن في الاستمرار بالحياة ولكن الحياة في قلبها وقلب جنينها كان يبحث عن الموت في روحيهما فالتقوا جميعا في ظلام القبر.
ليس من المجدي نقل تفاصيل الوضع الاجتماعي للأسرة أو العلاقات المتوترة بين أفرادها والحالة النفسية التي كانت تمر بها كما هو حال معظم الأسر في (شنكال) وقراها وسآتي على ذكر أحوال بعض العوائل في (سيباى) كأنموذج نتيجة الظرف القاهر الذي تمر به المنطقة بصورة عامة.
كلما يمر مجتمع ما بمرحلة مصيرية أو انتقالية تحدث فيه ظواهر تدعو إلى القلق وفي المجتمعات المتمدنة تأخذ الحيطة والحذر من أجل دراستها والتخلص من سلبياتها في أسرع وقت ممكن، وبما إننا قد حبانا الله بعدم وجود من يهتم بنا في الحالات الاستثنائية وعند الحاجة (وربما حتى في الأوقات الاعتيادية) فتتأزم الأمور أكثر وتكثر المشاكل الاجتماعية وعندها أصغر قشة هي التي تسبب الانتحار بين الناس لعدم قدرتهم على التحمل أكثر.
جار لي لدية أربعة أبناء وكلهم متزوجون ولديهم أطفال وثلاثة منهم كانوا في الجيش جنودا تطوعوا فيه من أجل الراتب ليس إلا، وبعد الأحداث الأخيرة فجأة وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل لا يجدون ثمن الخيار والطماطة. ولا يخفى على اللبيب إن اختفاء الخيار والطماطة من البيت يؤدي إلى التذمر ثم إلى الشجار. بين الأطفال أولا وبعدها بين النساء، وأخيرا بين الأب والأبناء والذي حدث لهذه العائلة أنهم تفرقوا جميعا (عزلوا) عن بعضهم البعض وخرجوا من البيت وبقي الأب والأم لوحدهما. الأب متقاعد والأم مريضة. وحتى مسلسل (زرق ورق) الرمضاني التافه لن يرسم البسمة على وجوههم من جديد.
عائلة أخرى كبيرة وفيها العديد من الأبناء (العاطلين) طبعا تفرقوا أيضا بعد ما أصبحت (الكفخة) بفلس.
وعائلة أخرى (الكنة) زعلانة وراحت إلى بيت والدها.
ويبدو لي ومن خلال ملاحظاتي كلما كان عدد أفراد العائلة كبيرا كلما كثرت مشاكلهم ولا تحل هذه المشاكل إلا بالخصام وبتطبيق حركات (جون سينا) لأن الجيل الحالي لا يعرف (عكسية) المصارع العراقي الذائع الصيت (عدنان القيسي) ومن ثم الفراق بين الأخوة للأبد.
وعوائل أخرى خرجوا بأسمالهم البالية للبحث عن رزق أشح من الماء البارد في هذا الحرّ اللاهب.
وهذه العوائل الكريمة فقط على مدّ نظري وقوّة سمعي. وطبعا هنالك العديد غيرها في (سيباى) وأخواتها بالرضاعة من القرى المجاورة وهم ليسوا بأفضل حال من تلك التي ذكرتها.
يقول صديقنا جبران خليل جبران:
“…أي عقاب تنزلون بذلك الذي يقتل الجسد مرّة، ولكن الناس يقتلون روحه ألف مرة”.
فحتى لو بحثنا عن النتائج أولا وأرحنا ضميرنا سنعود للبحث عن الأسباب ثانية وسنعد قائمة بالذين تقع عليهم اللائمة.
المقالة أعلاه كتبت قبل الفرمان وهذا واضح من مجريات أحداثها وعليّ أن اضيف لها بعد الفرمان بسبعة سنوات لا يزال الوضع كما هو بل أسوأ بكثير.
ويمكن تقسيم المرحلة إلى قسمين نسبة على ظاهرة الانتحار ففي السنوات الثلاث الأولى من الفرمان اختفت الظاهرة تماما فقد كان الناس مشغولين بالذين في قبضة (داعش) من أناث وذكور وأطفال وشيوخ وبعدها شحذوا الهمم وبدأوا بصفحة جديدة تتلاءم والظروف التي تحيط بهم ولكن لم يطيل الأمر حتى بتنا نعيش القسم الثاني من مرحلة بعد الفرمان، فبعد الجزع والصبر الذي لا حدود له واستنفاد الحيل وتردي الأوضاع وعدم رؤية حلول في الآفاق وانتشار اليأس والبطالة وظهور امراض نفسية شتى ووو رجعت ظاهرة الانتحار وبقوة هذه المرة.
لا شك إنك ستدرك خلال قراءتك إن المقالة قديمة، ولكن لا يزال الانتحار هو سيّد الموقف إن تشابكت المشاكل في رأس الفرد، ومن الحالات التي تألمت لها مؤخرا انتحار الفتى (أنو خدر علو) فقد سبق لي أن كتبت عن أبيه البطل وذكرته في كتابي (وجها لوجه مع داعش) أما (أنور) فقد كتبت قصّة قصيرة لرحيله وهي بعنوان (لا تبكي يا أمي) ضمن مجموعتي القصصية الثانية (تعويذة محارب الجبل) ولا أدري متى سأنشر هذه الكتب ليقرأها الناس.
مقال مؤلم والله هو المعين ..للاسف الشديد المجتمع الشنكالي برمته يعيش تحت خط الفقر وعسر العيش بعد الفرمان المخطط والا كان شنكال ملاذ للفقراء والذين ضاقت بهم الدنيا واليتامى سابقا من اهل الولات والدنانيه والهويريه وكل من يكون دخيلا عندهم طبعا من كرمهم وجودهم العالي الذي لا يوجد عند كل بني البشر والانسان الشنكالي من كرمه لا مانع لديه أن يقسم قوت اطفاله بينه وبين اي واحد محتاج وعسير العيش طبعا هذا الذي اقوله من خلال تجربتي معهم . وكل ما نقول نرجع إلى اصل الكلام هو فقدان القاءد الحنون مع بالغ تحياتي لك ولصوت كردستان
شكرا لمداخلتك أخي الكريم (خدر)..