الصناعة العراقية حضور الفساد وغياب الرؤيا – عبد الخالق الفلاح

كانت الصناعة العراقية رائدة منذ خمسينيات القرن الماضي وكانت تدر مبالغ اضافية في ميزانية الدول واما اليوم فهي مريضة لانها تعتمد على  النفط فقط  بنسبة  اكثر من 95% فيجعل الاقتصاد العراقي تابعا للاقتصاد العالمي ومعرض الى تداعيات ازمات دولية متكررة وذلك لكونه اصبح اقتصادا ريعيا، يعتمد بشكل اساس على انتاج وتصدير النفط الخام، وجعل الموازنة العامة للعراق ” التي تمثل توجيهات الحكومة وأهدافها الاقتصادية والاجتماعية التي تنوي تحقيقها خلال السنة المالية و العمود الفقري للمحاسبة ، وفي ضوء التشريعات ذات الطابع المالي ” تتأثر بشكل كبير بانخفاض اسعارهذه الطاقة المهمة التي وصلت الى بنسبة 65% هذا العام ، مما يعني ازمة كبيرة في الميزانية العامة لعام 2020 التي لم ترى النور لحد الان مقارنة بالعام الماضي بسبب التأخير في تشكيل الحكومة التي استغرقت وقتا طويلا ، و ولد خفض الاسعارعجزاً شهرياً قدره 4 مليارات دولار مخصصة فقط لدفع الرواتب والحفاظ على استمرارية عمل الحكومة ويمثل ضربة موجعة لها لعدم قدرتها بأقل تقدير على تغطية الموازنة التشغيلية واين منها حل المشاكل الكبيرة والمتجذرة في الدولة و مصير الخريجين الجدد و مشكلة البطالة ومشكلة الخدمات الأساسية الكهرباء والماء والمجاري والطرق والمواصلات والسكن اللائق للمواطن.

بهذا سوف تزداد الهزات الاقتصادية وهو ما سيضطرالحكومة إلى البحث عن دائنين للاقتراض من الخارج أو الداخل رغم تأثيراته السلبية، في حين ان الصناعة كانت تمثل المصدر الثاني لها سابقاً ورفدت ميزانية الدولة ودعمتها بالمال بنسبة جيدة ووزارة الصناعة فشلت خلال السنوات السبعة عشر الماضية بسبب عدم ادارتها بقيادة حريصة بعيدة عن الشبهات ولازالت تعاني من عدم تطورها وتلكؤها في تشغيل اغلب الشركات المنتجة المتوقف للفساد الإداري والمالي وسيطرة المنتفعين على مفاصل الوزارة بعد سلمت المصانع والمعامل التابعة للوزارة إلى شركات فاشلة نفعية وضعيفة وخرجت منها قرارات خاطئة وسط غياب الرؤيا والوضوح في استثمار المصانع او كفاءات جيدة لكن مسلوبة الارادة لتدخل جهات سياسية بعرقلة عملها بالقطاعات المهمة كمعمل البتروكيماويات والحديد والصلب بالإضافة معمل الورق التي تعد من القطاعات الضرورية للبلد وشهدت وتشهد إخفاقات مختلفة  في الوقت الحالي  .

اما الميزانيات العمومية فمنذ سنوات عاشت مراحل متعثرة وهي من أبرز الملفات التي على حكومة رئيس الوزراء الجديد، مصطفى الكاظمي صياغتها وارسلها الى مجلس النواب في اقرب فرصة  واطالة تأخير الارسال ما يمييز هذا العام اكثر من السنوات السابقة حيث سوف ننتهي من الشهر السادس والميزانية لم تظهر للوجود ، لعدم تطبيق قاعدة وحدتها، وعدم الالتزام بسنويتها، والقصور في التخطيط لها وإعدادها، والتعارض بين التوجه نحو معايير المحاسبة الدولية والاساس المتبع بموجب التشريعات المحاسبية ، والقصور في الإبلاغ المالي عنها، ونتائج تنفيذها، كل هذه الحواجز تعرقل انجاز الموازنة  بالشكل الصحيح بكل مراحلها الأربع، “مرحلة الاعداد والتحضير ، ومرحلة الإقرار ، ومرحلة التنفيذ ،مرحلة الرقابة عليها من قبل الرقابة المالية والتي يمكن التعامل معها بعقلية اقتصادية وبشكل مؤقت و هناك عدة سيناريوهات أو طروحات للتعامل مع هذه الأزمة من بينها تخفيض الإنفاق على المشاريع الثانوية، ووقف تسديد القروض الدولية للعراق من خلال تحرك سياسي ودبلوماسي بالتراضي مع تلك الدول، فضلا عن فرض نظام ادخار إجباري على اصحاب الرواتب العالية دون اصحاب الدرجات الفقيرة والمتوسطة   على ان لا تؤثر على ميزانيات هذه العوائل والتقليل من السفر الغير الضرورة لرئاسات الثلاثة والوزراء والمسؤولين واعضاء مجلس النواب وتحجيم مصروفاتهم على ان لا تزيد عن 20% من مجموع المصروفات السابقة .

العراق لا يخفى على احد يحتل موقعاً جغرافي من الاهمية الاقتصادية والاستراتيجية في الدراسات الدولية ومثل  قلب المنطقة وحلقة وصل بين القارات من ناحية الطرق الجوية و لو نظرنا لهذا الموقع العميق له جغرافياً لتضح ان له اطول الحدود البرية مع هذه الدول وهي من السمات والخصائص الجغرافية التي تميزه مع دول الجوار من الناحية التجارية والتي تواجه اليوم تحديا هاما يتمثل بصعوبة تسويق البضائع المصنعة محليا الى الاسواق الدول الاخرى و أضحى البحث عن ايجاد المنتجات العراقية في أسواق البلاد  جزء من الخيال لعدم حماية الدولة للمنتج المحلي و ضغوط المنتجات المستوردة الرديئة خلافاً لشروط البنك الدولي عند اعطاء المنح والذي حدد شروطاً قاسية منها أن تكون مواصفات المواد التي نتعاقد على شرائها ذات جودة عالمية، وأن تدخل الشركات المحلية سواء كانت تابعة للقطاع الخاص أو العام في تنافس مع الشركات الأخرى وفق مبدأ الجودة والتنافس على الأسعار ولكن كيف تتنافس الصناعة الضعيفة هذه وهي يراد لها ان تكون مشلولة  اساساً ولا وجود لها اصلاً  .

لقد كانت الصناعة العراقية تشكل ثقلا في حجم الدخل القومي، والأفضل بالمقارنة مع دول الجوارفي تلك السنوات ، واليوم خلا العراق من أي مصانع رصينة في مجال المنتجات النفطية والالبان والملابس والزيوت والدهون وصوابين الغسيل والمفروشات وتوقفت غالبية مصانع الغزل والنسيج  المشهور في البلاد في حين ان 90% من جميع ما يلبسه العراقيون أو يلتحفون به وما ياكلونه هي منتجات أجنبية فقط ولو كشفنا فقط عن حجم الاستيراد العراقي للمحاصيل الزراعية، للاعوام القليلة الماضية لشهدنا استيراد محاصيل زراعية لا تقل قيمتها عن 12 مليار دولار كل عام، رغم التراجع في السنتين الاخيرتين بسبب وفر الامطار التي منى الله بها علينه ولعلة الاسبب الاساسي هو عدم وجود استراتيجية  صناعية و زراعية لدى الدولة ، والافتقار الى سياسة التسويق  وصناعة التعليب التي تحتاجه الكثير من المنتجات الصناعية وتؤدي إلى ان يتم  تصدير المحاصيل الزراعية بواسطتها.

ان لرفع المحتوى الحقيقي لقطاع الصناعة في العراق والفرص المتاحة في تحسين اقتصاد العراق، في الامكان وضع الأساس للنمو والتنوع لضمان مستوى معيشي ذي مقاييس عالية للشعب العراقي ويمكن اعادة هيكلية وزارة الصناعة  و الشركات التابعة لها  للعمل في بيئة السوق التنافسي وخصخصتها معتمدة على الاستثمار في هذه الشركات اما عن طريق المشاركة أو الايجار أو القروض المسهلة و المنح من الأهداف البعيدة المدى للتنمية الصناعية والأدوار التي يبحث عنها العراق لتحقيق التنمية والاقتصاد يمكن العمل عليها بمساعدة التكنولوجيا المتطورة لتحقيق النوعية الجيدة للحياة في العراق و الفرص الاستثمارية في العراق وخصخصة الشركات المملوكة للدولة وتقديم التسهيلات الضرورية للقطاع الخاص يمكن العمل عليها لو اخلصت النوايا،ولكن أن الفساد الإداري والمالي المستشري من اعلى الهرم الى اسفله منذ عام 2003 اذ تحول الاقتصادي العراقي من اقتصاد شمولي تديره الدولة وتحكمه قرارات السلطة المركزية ، الى اقتصاد يعتمد على الية السوق، التي تمنح القطاع الخاص دور القائد للنشاط الاقتصادي فضلا عن الانفتاح وتحرير التجارة. وساهم في تدمير القطاع الصناعي في العراق ومن مصلحة الدولة اعداد برامج متكاملة وسريعة لاعادة هيكلة الوزارة في اول الامرلتخطيط استراتيجية عملها وضخها بعقول نيرة وخيرة وكفوءة اصحاب خبرة بسرعة وابعادها عن المحاصصة والاحزاب السيئة التي لم تجنى من ورائها سوى الحنظل والخراب والعبث و انهاء العديد من العقود مع شركات غير الرصينة وغير المنتجة وفيها شبهات فساد واضحة، ثم اطلاق عقود جديدة وفق رؤية جديدة مع شركات قوية وبشروط تخدم المصلحة العامة وتعتمد على نقل التكنلوجيا وخطوط الانتاج وتدريب العمال ،والحاق بالدول المجاورة على الاقل واعداد البرامج التي تؤدي الى انتعاش الصناعة العراقية بعد ان اصبح العراق سوقًا استهلاكيًا كبيرًا ونهمًا، مما يثير العديد من الابهامات و علامات الاستفهام عن الأسباب الحقيقية وراء الكثير من الكوارث التي تحصل بين حين واخر وتشهدها البلاد. إن الوضع الاقتصادي مقلق ومبهم خصوصا وأنه يمر بظروف سياسية مهبطة نتيجة اختلاف الكتل السياسية على المناصب ، وعدم تحقيق المطالب التي تلبي  حاجات المواطن ولا  يتم معالجة الوضع المؤسف هذا إلأ بنظرة جدية  للاقتصاد وتغيير أسلوب إدارة الدولة بشكل يليق بمقدرات وقيمة العراق .

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي