تحلیل نفسیإجتماعی
١٧ حزیران ٢٠٢٠
شراء الذمم بتعریفه السیاسی “هو إتفاق بین شخص وشخص آخر أو حزب أو كتلة أو جمعیة معینة علی قیام الشخص الأول بالإنسحاب من حزبه أو كتلته مقابل منفعة معینة بهدف التقلیل من ثقل و وزن تلك الجهة التی ینتمی إلیها هذا الشخص” *. وقد أثبتت هذه الظاهرة سلبیتها سیاسیا، وهی علة قدیمة تتواجد منذ تواجد المصالح والمنافع والمطامع الشخصیة، خاصة فیما یتعلق الأمر بالغرائز الأساسیة كحب المال والجنس والسیطرة. و هی علة موصوفة فی التأریخ ولازالت تعتبر كذلك لكونها لیست من الصفات الحمیدة للشخص بل تظل هذه العلة إلی یومنا هذا تعتبر صفة شاذة للإنسان عندما یبلغ به الطمع الذاتی وحب التملك والسیطرة أعلی درجاته بحیث یعجز الشخص تحت وطأة العلة أو المرض عن التمییز بین ما یجنیه من منفعة شخصیة آنیة وما یفقده من القیم الإنسانیة النبیلة كالحب والوفاء والإخلاص.
لنأتی إلی تعریف هذه الصفة المریضة للشخص من وجهة نظر الصحة النفسیة لهذا السلوك الإنسانی الشاذ. و هو شاذ لكونه لا ینسجم مع الحیاة الحرة السعیدة للفرد ولایعكس تمتعا نفسیا لإشباع الغرائز الإنسانیة بصورة صحیة سلیمة. وهذا السلوك الهدام یأتی من أفكار هدامة واعیة أو غیر واعیة تولدت لدی الفرد عند مروره بمراحل النمو خلال الطفولة تتسم بالتعرض للحرمان والإهمال والتعدی وسوء المعاملة. وهذه الأفكار التعسفیة تولد بدورها مشاعر سلبیة أساسها یرتكز علی تربیة مبنیة علی الخائات الثلاث (الخوف والخجل والخطیئة) وهی لاتزال تستعمل كركائز أساسیة لتربیة الطفل فی المجتمعات الجماعیة والدینیة كما هو الحال فی مجتمعنا فی أقلیم كوردستان العراق، وأۆكد هنا علی أقلیم كوردستان العراق لكونی تربیت وترعرعت ومررت خلال طفولتی ودراستی بتلك المراحل فلمستها وتعرفت علیها وهضمتها منذ نعومة أظافری فتكونت لدی الصورة الواضحة لكیفیة تكون شخصیة الفرد فی هذا المجتمع بعد أن أكملت دراستی كطبیبب إخصائی فی الصحة النفسیة للطفل فی المجتمع السویدی المتطور الذی إستطاع أن یتفادی الحربین العالمیتین الأولی والثانیة دون أن یشارك فیها، وهو مجتمع كرس قواه للتطور بدلا من التدهور، وإرتقی بعلمه ونظامه الإجتماعی خاصة فیما یتعلق بصحة الطفل وتربیته لیس من وجهة نظری فحسب بل حسب التقییم السنوی للمنظمات والجمعیات العالمیة فی هذا الإختصاص منذ إنتهاء الحرب العالمیة الثانیة، فأصبح تطور هذا المجتمع بعیدا عن الحروب والكوارث محل ثقة العالم المتحضر فی جمیع العلوم وخاصة الصحیة والتربویة والإجتماعیة منها.
إذا مالسبب فی تفشی سیاسة شراء الذمم فی مجتمعنا وماعلاقة ذلك بالتحزب؟ لقد مرت فترة طویلة من الزمن علی عبور المجتمع العشائری فی كوردستان نحو التطور المدنی. فهو بطبیعته لیس مجتمعا جامدا أو رافضا للتطور، ولا منعزلا أو بعیدا عن المدنیة والتمدن. ولكنه إبتلی بسیاسة عنصریة للقومیات العربیة والتركیة والفارسیة وهی فی أوج تطورها العرقی حیث أتت بسلطات شوفینیة ركزت طاقاتها علی تجسید إحتلال كوردستان فتغلغلت بأجهزتها السریة والعلنیة فی عملیات غسل الدماغ والحروب النفسیة التی كانت ولاتزال تعتبر محاربة الكورد وكوردستان من أهم أهدافها. فتكونت لدی الكورد أحزاب سیاسیة علی نمط أحزاب محتلی كوردستان، ووقعت تحت تأثیرها لتنفیذ مصالحها التی إندمجت مع مصالح سلطات الإحتلال. نتیجة لذلك بقیت القیم العشائریة والدینیة والطائفیة تلعب دورها فی هذا التجسید السلبی بالإعتماد علی سلطات الإحتلال وإستیراد ما تقوم تلك السلطات بتصدیرها إلی كوردستان بحیث أصبح الشعب فی كوردستان مستهلكا لها ومعتمدا علیها دون أن یستطیع التخلص منها لكونه یرتبط بتلك السلطات من خلال أحزابه بعلم أو بدون علم.
فما هو الحل إذا؟ لایمكن حل مشكلة بمشكلة أخری. فسیاسة التحزب التی أنتجتها سلطات الإحتلال لایمكنها أن تحل ظاهرة شراء الذمم السیئة الصیت لكونهما متلازمتان فی صنع وتسویق أدوات إحتلال كوردستان. تكوین شخصیة سلیمة للفرد هو الحل الوحید لإنقاذ شعب كوردستان من التسییس المدعوم من قبل سلطات الإحتلال. تبدأ عملیة تكوین الشخصیة السلیمة بتربیة الطفل وتكتمل بعد سن البلوغ. منذ تكوین الطفل فی بطن أمه یمكن تغذیته نفسیا وجسدیا بالعلم والمعرفة اللازمة لوضع البنیة الأساسیة لخلایا الدماغ لكی یتمتع الطفل بالأجواء المناسبة لتكوین الخلایا المجهزة بالعلم والمعرفة الضروریة لتكوین الشخصیة السلیمة عند البلوغ. وهی الشخصیة المعتمدة علی الذات والمبنیة علی أسس الحریة والتسامح والشعور بالمسۆلیة والثقة بالنفس.
*عبدالله جعفر كوڤلی. شراء الذمم.. حل سيئ وخطوة واجبة.
August 02-2018 Kurdistan 24
أحيي فيك هذه الفكرة وهي بقدر اهميتها بقدر قيمة المجتمع الشرق اوسطي الذي سوف لن يغفو من هذه الامراض الا بقدرة قادر. فمتى ما تغيرت مناهج التدريس نحو الوطنية الحقة وليس الانتهازية المقيتة والحزبية الرخيصة. ومتى ما تم انشاء رياض اطفال بمربين اصحاء نفسياً. ومتى ما أخذ المعلم والمربي في الروضة (بشكل اساسي)، دورهم من غير تأثير السياسة الحزبية عليهم ومن ثم الاهتمام بتربية الطفل من خلال تربية الام الصحيحة وفهم دورها الطبيعي بعزل الذكورية المقيتة وتسلطها على المجتمع عندها ستجد الكثير من التغيير الذي تتمناه.
المشكلة كبيرة مادامت الاحزاب هي التي تسلط وليست السياسة. فالسياسة والسياسيون ياتون للحكم عن طريق تقديم المشاريع النهضوية وليس بالميليشيات والمال والسلطة وبالتالي ينجحون في التعامل مع الحالات مهما كانت لانها تمتلك المناورة في التعامل مع المعطيات. ولكن كيف يتطور مجتمع يخضع لسلطة شخص هو (السلطة وهو البنك وهو الامن وهو الاستخبارات وبيده توزيع المال والمسئوليات وهو عبارة عن فلتر يمر من خلاله كل المجتمع). فالحال لن يصلح وان العلة هي جماعية وليست مقتصرة وانما العلة بأنه لا يتعظ احد من تجربة سابقه. وتقبل تحياتي.
شكرا جزیلا سید علی سیدو رشو علی ما تقدمت به من تفهم ووعی وإدراك لتلك الفكرة التی لخصتها فی مقالتی هذه. أفهم التشاۆم الذی تستنتجه فی تعلیقك الكریم عندما نربط الحل بتربیة الطفل لأن ذلك یستغرق زمنا طویلا ویتطلب كوادر تربویة واعیة وآباء وأمهات لهم إدراك سلیم ومعرفة جیدة وعلم كاف لتوفیر التربیة الصحیحة للطفل لكی یتمتع بمقومات تكوین الشخصیة السلیمة عند البلوغ. ولكننی رغم فهمی لهذ الإستنتاج المنطقی لاأنسی بأن جوهر الطفل نقی فی طبیعته حیث تتوفر فی جیناته المقومات الضروریة لتكوین شخصیة سلیمة إذا لم یمر خلال النمو بتربیة هدامة كالتی تسود فی مجتمعنا بالبقاء علی الخائات الثلاث. لأن هذه التربیة القدیمة قد عفی علیها الزمن فی المجتمعات المتطورة فهی لم تعد تستطیع البقاء كعلم یدرس أو عادة تمارس أو تقلید یتم إقتباسه بین الأجیال. لذلك تسیر هذه التربیة بخطی حثیثة نحو الزوال حتی وإن طال الأمد. فإن كنا نۆمن بالعلم والمعرفة علینا أن نثق بقانون داروین فی تطور الأجناس. فهذه التربیة المبنیة علی الخائات الثلاث لم تعد صالحة للبقاء بل هی فی طریقها للإضمحلال حتی ولو لم تتوفر تلك الكوادر والمربیون الذین نتمناهم. فعفویة البقاء للأصلح كافیة لو ترك الطفل لإستعمال قدراته المكمونة دون برامج علمیة مدروسة ومخططة من أجل تكوین الشخصیة السلمیة. هذه هی التوقعات المحتملة المبنیة علی التحلیل العلمی وفق العلم الحدیث. وهذا ما یبعث علی التفاۆل و یبشر بالخیر.