يوجد في العالم حاليا اكثر من اربعة آلاف دين وطائفة وكل دين او طائفة يدعي بأنه هو على الطريق الصحيح وعلى الاقل هناك اكثر من اثنين وسبعين مذاهب وطوائف اسلامية وهكذا في باقي الاديان، وهنا لا يفهمن احدكم بأنني ادافع عن دين معين ولكنني سأكتب بشكل مختصر عن استفزازات اردوغان في العالم واعلانه بشكل صريح حرب ثقافية معلنة ضد التراث المسيحي .
لم يعد خافيا على احد بأن شراسة وهجومية اردوغان بات يتناسب طردا مع الزمن وطردا مع عدم محاسبته من قبل المجتمع الدولي فهو يقوم بشكل يومي باراقة دماء الابرياء وخاصة القرويين الكورد الساكنين على حدود سايكس- بيكو المصطنع اعتبارا من ئافرين ومرورا بالخط الشمالي وحتى كاني ديوار، وهكذا تماما في باشوري كوردستان بل وحتى في العمق وقصف مخيمات الازداهيين في مخمور وغيرها. وهكذا اصبح أردوغان كالثور الهائج في حلبة الصراع في احدى ساحات اسبانيا، وها هو يهاجم ليبيا بعد سوريا ويسبب ويخلق المشاكل والاستفزازات على الحدود اليونانية والقبرصية ويبحث عن الثروات الباطنية في المكان الذي يحلو له حتى وان كان خارج حدود دولة تركيا وسط استنكار وعدم موافقة الدول المعنية، اضف الى ذلك استخدامه ورقة اللاجئين كسيف ديموقليس على رأس اوربا، وآخر استفزازاته التي سوف لن تنته هو قيامه بتحويل الكنيسة السابقة والمتحف الحالي هاكيا صوفيا الى مسجد في قلب قستنتينوبل.
فعلا انها حرب ثقافية ضد الثقافة والتراث المسيحي في كل انحاء العالم، واهداف اردوغان هنا واضحة وهو اصطياد عدة عصافير بحجر واحد ومن هذه الاهداف هو اهانة الغرب والعالم المسيحي مفاده بأنني استطيع اهانتكم واهانة رموزكم الثقافية وهي قضية سيادية داخلية ولا علاقة لكم ولا ليونسكو بها.
من المعروف بأن الكنيسة او المتحف المذكور هو أكبر رمز مسيحي ثقافي وتراثي للمسيحيين الارثوذكس وهو كالفاتيكان تماما في العالم. تلك الكنيسة كان على مدار 1123 سنة أهم مكان للمسيحيين الارثوذكس للعبادة والقيام بالفعاليات السياسية، وهنا تم تتويج 89 من الأباطرة وتعيين 125 من البطاركة اعتبارا من أثينا ومرورا بكل دول العالم وحتى موسكو، انه فعلا امر مرعب واهانة لتاريخ كل هؤلاء واهانة لكل شخص بغض النظر عن دينه يريد المحافظة على القيم الثقافية والتراثية، وهكذا هو اردوغان يريد طمس المعالم الثقافية والحضارية لكل الحضارات الاخرى ليبرهن للعالم بأن المغول لوحدهم كانوا هنا وأكبر دليل على قولي هذا هو قيامه ببناء السدود على نهري دجلة والفرات ليغمر المياه حضارة حسنكيف وغيرها والتي تتجاوز اعمار تلك الحضارات أكثر من ستة آلاف سنة.
أحد الاهداف الاردوغانية الأخرى من قيامه بهذا العمل الشنيع هو ادعاء مناصريه وخاصة من الاخوان المسلمين بأن اردوغان هو خليفة المسلمين ويتنبأون بصحوة اسلامية كبيرة على يده مدعين بأنه نذير لتحرير المسجد الاقصى في القدس، حتى أن دعائهم في المساجد الاخوانية الآن هو بأن ينصر الله اردوغان ويقضي خليفتهم على استبداد الصليبيين.
الهدف الاهم بالنسبة لأردوغان هو صرف النظر عن الازمات الداخلية سواء أكانت سياسية او اقتصادية او ازمة جائحة كورونا او غيرها، وذلك عن طريق غسله للعقول والدماغ الساذجة واستغلال عواطف الكورد والاتراك والعرب وغيرهم من المسلمين في سبيل زيادة شعبيته التي باتت في الحضيض منذ قيامه باشعال النيران في اكثر من الف مكان في العالم.
على الغرب والعالم المسيحي أن يدرك بأن تحويل تلك الكنيسة الى جامع اسلامي هو بمثابة عدوان واضح على الغرب وان لم يتم محاسبته سيلقى الغرب أسوأ من ذلك على يد اردوغان.
شهد العالم هذه السنة ما قام به اردوغان اثناء الاحتفال بغزوة القسطنطينية التي سموها فتح القسطنطينية، حيث ان الاحتفال بدأ بتاريخ 29 أياربقراءة السورة رقم 48 وهي سورة الفتح في كنيسة هاكيا صوفيا، وبنفس الوقت تماما بدأت تركيا بالحفر للاستكشاف عن الغاز والنفط في المياه البحرية اليونانية بواسطة احدى سفنها التي تسمى بالفاتح، انه استفزاز واهانة كبيرة لاوربا ولكل مسيحي في العالم.
الابتزاز الاخير لاردوغان سيشجعه على المزيد منها عندما يقف المجتمع الدولي متفرجا عليه، فهذه الحرب الثقافية ضد التراث المسيحي كانت ثمرة ترك الحبل على الغارب له عندما تدخل في روزئافا وسوريا واحتل الاراضي والمدن هناك بالاضافة الى احتلاله لجنوب كوردستان، واستهدافه للسفن الفرنسية بطريقة استفزازية في شمال افريقيا والبحر الهوري ميتاني، وابتزازه لاوربا ب ( سلاح الهجرة واللاجئين) ليدفعوا له المليارات والا فأنه سيفتح الحدود ويرسل الملايين من اللاجئين الى اوربا، وهذا ما دفع بالرئيس الفرنسي في الايام الماضية بالقول ( لدى الناتو الآن مشكلة مع تركيا ) .
مواقف الاتحاد الاوربي والدول الاخرى حتى الآن لا تتجاوز سوى التصريحات الفارغة وبمثابة الزوبعة في الفنجان وأقوى تلك التصريحات الكلامية جاءت من النمسا واليونان حيث انها تهدد تركيا بعواقب وخيمة وعلى سبيل المثال قال المتحدث باسم الحكومة اليونانية ستيليوس بيتاساس أن الرئيس التركي ( ارتكب خطأ تاريخيا) . ووصف الاتحاد الاوربي وروسيا وامريكا القرار بأنه مؤسف، واعربت الكنيسة الارثوذكسية الروسية عن رعبها كما أعرب البابا فرنسيس عن أسفه قائلا ( أفكر في القديسة صوفيا وهذا يؤلمتي كثيرا )، علما بأن البابا نفسه أهدى أردوغان قلادة السلام والشجاعة والبطولة قبل نحو عامين اثناء هجوم واحتلال تركيا لمدينة ئافرين الكوردية الروزئافايية .
ان سلسلة الاستفزازات هذه استدعت المواقف اللفظية حاليا من السياسين الاوربيين من المستوى الرفيع مثل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل ووزير الخارجية النمساوي شالنبرغ ووزير خارجية لوكسمبورج جان أسيلبورن وغيرهم حيث ان جميعهم تقريبا حذروا من وضع خطير للغاية من ( السيء للغاية ) ، حيث ان انقرة لا تهتم بالقانون الدولي في البحر الهوري-ميتاني وتعاكس القانون الدولي، وفعلا كل هذه الممارسات والاستفزازات وخاصة قضية هاكيا صوفيا تبين بشكل واضح بأن أنقرة توجه ضرباتها بشكل مباشر ضد تحالف الحضارات وتبعد بذلك تركيا عن الاتحاد الاوروبي.
أما بالنسبة لأردوغان فالأمر سيان عنده وهو يشعر بالزهو نظرا لاحتلال عدوانه الثقافي في عناوين كبريات الصحف العالمية، ويشعر بقرارة نفسه بل ويعلنها صراحة جماعة الاخوان المسلمون بأنه وريث الفاتح للقسطنطينية، السلطان محمد الثاني، باعتباره منتصرا على المسيحية وكراعي وخليفة للمسلمين.
بتحويل هاكيا صوفيا الى مسجد يقوم اردوغان بوعي وعن سابق اصرار اثارة التوترات بين الأديان لزيادة انصاره في تركيا وبين كل المسلمين في العالم.
بالتأكيد كما الكورد وغيرهم واليونانيين لم يقبلوا حدودهم طواعية ونتيجة لذلك فالعلاقات التركية اليونانية كانت ولا تزال مسمومة جدا، ونتيجة لبحث تركيا الغير قانوني عن الغاز والنفط في المياه البحرية اليونانية وقضايا الهجرة تفكر اليونان الآن جعل مسقط رأس أتاتورك في سالونيكي متحفا للانتقام من الابادة الجماعية للبونتيون الاغريق في وقت الجمهورية التركية. يتذكر العالم وخاصة اليونانيون أنه عشية الحرب الكونية الاولى، كان 44 بالمائة فقط من سكان القسطنطينية البالغ عددهم آنذاك 1,1 مليون نسمة من المسلمين، و 23 بالمائة من الروم الأرثوذكس و18 بالمائة من المسيحيين الأرمن ونسبة لا بأس بها من الكورد وباقي القوميات. وتم طرد معظم العناصر الغير التركية أو قتلهم وقدر المؤرخون عدد القتلى في الابادة الجماعية للبونتكوس اليونانيين بين 300000 و 360000 بالاضافة الى مجازر السيفو السيئة الصيت ضد الأرمن والسريان. وللتذكير يعيش اليوم في اسطنبول أكثر من 17 مليون شخص ومنهم فقط حوالي 2500 شخص يوناني كأقلية صغيرة.
بالنسبة لأردوغان فان مجازر السيفو ضد الارمن واليونانيين والقتل المنظم والممنهج للمسيحيين هي ( أكاذيب الغرب ) وهو يهدد منذ سنوات بأنه ( لم نقبل طواعية حدودنا ) وصرح لمرات عديدة بشأن توسع تركيا قريبا حيث لا يتوانى في اجتماعاته الكثيرة بالقول ( يجب أن نكون أينما كان أسلافنا ).
والغريب في مواقف الدول الاوروبيه تجاه كل ذلك بأنها تساعد أردوغان على التوسع في الخارج، ويلعب اللاجئون هنا دورا رئيسيا في سبيل ذلك على سبيل المثال مساهمتهم مع تركيا في تمويل بناء المساجد التي تتحول الى أوكار للدعاية الاردوغانية الاخوانية وسط تصريحات أردوغان الصريحة بضرورة أن تكون أوروبا مسلمة من البلقان الى ألمانيا. وهنا يردد لمرات عديدة قصيدة ضياء جوكالب ( المساجد ثكناتنا، مآذننا حرابنا )، اذن فهو ينظر الى نفسه بأنه مجاهد ومقاتل ثقافي ديني ومسؤول عن توسع الجغرافية الاسلامية.
لقد انكشرت العثمانية الجديدة عن أنيابها بتحويل الكنيسة الى الجامع علما بأن الامر كان واضحا للكثيرين قبل هذا العدوان الاردوغاني، وأقل ما يمكن قوله في هذا المجال هو قول اردوغان الشبه دائم وتصريحه حول الفتوحات ( فتح البوابات الى فيينا لشعبنا )، وفي دول البلقان التي يسيطر عليها المسلمون يطبق أردوغان سياسة الامبراطورية العثمانية بحذافيرها وبوسائل سهلة وبسيطة، منها على سبيل المثال المنتديات الثقافية والترويج للدين الاسلامي فمثلا عند زيارته لكوسوفو قال أردوغان بأن كوسوفو كانت تركيا وتركيا كانت كوسوفو وشعار أردوغان المعروف هو ( التاريخ ليس فقط ماضي للأمة، بل هو أيضا دليل للمستقبل) . وهكذا هو يرى بكل تأكيد بأن تحول هاكيا صوفيا الى مسجد هو المستقبل المشرق الاسلامي بعينه.
سيف دين عرفات – ألمانيا في 17 / 7 / 2020 م.