هل يمكن أن ينتهي عرق ما أو إنتهى عبر التاريخ؟-   بيار روباري

 

 

أسباب تناولي لهذا الموضوع وعرضه للنقاش، في الحقيقة عديدة ولكن سأكتفي بسرد إثنين منها:

– أولآ، أنني كثيرآ ما أسأل هذا السؤال من قبل بعض القراء في صفحتي الفيسبوك.

– ثانيآ، هناك عطب في عقول الكثيرين من أبناء منطقتنا منطقة الشرق الأوسط، وهذا العطب كان خلف ظهور التعصب القومي والعنصرية تجاه الأخرين، وهذا مصدر خطر على أصحاب هذا الفكر المقيت وعلى كل أبناء المنطقة وقد عانينا منه نحن الكرد كثرآ.

 

التساؤل بحد ذاته مشروع ومهم، وبرأي معرفة الإجابة عليه أهم. وليس عندي أدنى شك أنه خطر على بال الكثيرين منكم، إن لم يكن على بال الجميع. ولهذا الخاطر أسبابه، ولا يحدث إعتباطيآ. وقد يتسرع البعض بكم ويقول:

يا إستاذ الإجابة واضحة، ولا تحتاج لجهد ومعرفة بالتاريخ وهذا غير صحيح على الإطلاق.

وقد يرد هذا القائل ويقول:

أين السومريين؟ أين الفينيقيين؟ أين الميتانيين؟ أين الهوريين؟ أين الكنعانيين؟ وأين … وأين …؟

 

أنت على حق يا عزيزي، 100% في طرح هذا السؤال وتقول: أين إختفت هذه الشعوب؟ هل إبتلعتها الأرض أما الله أخذها إلى عنده فجأةً؟

وفكرة هذه المقالة، هي الإجابة على هذا السؤال الهام، ومعالجة الموضوع من جميع جوانبه، وتبسيطه كي يتمكن أقل الناس ثقافة يفهم المقالة ويستفيد منها بعد قرأتها قرأة متأنية.

 

تاريخ الأعراق عبر التاريخ، يؤكد لنا وبشكل قاطع لا لبس فيه، أنه لم يحدث أن إختفى عرقٌ بشري نهائيآ من وجه الأرض. وعودة إلى السؤال الذي طرحته على لسان السائل:

أين السومريين؟ أين الفينيقيين؟ أين الميتانيين؟ أين الهوريين؟ أين الكنعانيين؟ وأين … وأين …؟

 

عزيزي السائل أطمئنك، لم يختفي العرق السومري ولا الفينقي ولا الميتاني ولا الهوري ولا سواهم من الأعراق، من عن وجه البسيطة. إذآ ما الذي حدث؟

الذي حدث أنه جرت في التاريخ تدافع، وحروب، وصراعات، خاضتها الشعوب ضد بعضها البعض، لأهداف وأسباب عديدة، منها إقتصادية وسياسية، وحب السيطرة والنفوذ وتشكيل العالم، وفق رؤية وتصور شخص معين يقود إمبرتطورية مثلآ، أو دولة ذات قدرات عسكرية معتبرة، أراد صاحب هذه الرؤية تحقيقها حلمه على الأرض، ومن أجلها خاض حروب وصراعات، وفي النهاية حدث ما حدث لبعض الأعراق والشعوب، ومنها تلك الشعوب التي وردت أسماءها في السؤال.

 

ومن البديهي، في مثل هذه الصرعات والحروب، أن يكون هناك خاسر ورابح. وفي الكثير من الأحيان، حدث أن إنتهت دولة أو إمبراطورية ما، وخضع شعبها أو الأعراق التي كانت تتشكل منها، تحت سيطرة عرق أخر، وهذا العرق قام بفرض ثقافته ولغته عليه، بهدف صهره ودمجه في صفوفه، وهذا حدث كثيرآ عبر التاريخ. وأصحابي هذا المشاريع، نجحوا مرات وفشلوا في غيرها من المرات، وخير مثال على ذلك تجربة الشعب الكردي، الذي فشل في صهره المحتلين الفرس رغم أنهم حكموه (1000) عام، والعرب أيضآ فشلوا في صهره في البوتقة العربية، رغم أنهم حكموا الكرد أيضآ حوالي (1000) الف عام، ونفس الشيئ حدث مع العثمانيين حيث فشلوا في صهر الكرد في البوتقة التركية، وجعلهم أتراكآ بعد خمسمئة عام من الحكم المطلق.

 

وبناءً على ما تقدم، يمكننا القول أن الخمسين مليون إنسان (من دون الكرد)، الذين يعيشون في “تركيا”، (وهي ليست أرض تركية) ويعتبرون أنفسهم أتراكآ ومتعصبين لتركيتهم وعنصرين بشل لا مثيل له، أن 95% منهم ليسوا أتراكآ على الإطلاق. ويا ليتهم يقومون بإجراء فحص (د ن د)، لكي يتأكدوا من كلامي هذا. إنهم من مواطني الدولة البيزنطية واليونانيين والبلغار، واللرز، وأقوام كثيرة غيرهم. وهذا ينطبق أيضآ على ايران، لبنان، العراق، وسوريا وبقية دول المنطقة.

 

ومن هنا يمكن الجزم، بأن ليس كل كردي من العرق الكردي، ولا كل فارسي من العرق الفارسي، ولا كل عربي من العرق العربي، ولا كل تركي من العرق التركي. لأنه في الماضي إختلطت هذه الأعراق ببعضها البعض، فتجد الكثيرين من العرق الكردي باتوا عربآ، وبعض الأخر باتوا فرسآ أو تركآ أو غير ذلك. والعكس أيضآ صحيح، حيث هناك كرد من جذرور أرمنية وعربية وتركية وأشورية وغيرهم من الشعوب نتيجة الظروف والوقائع التاريخية.

 

وختامآ يمكن تلخيص الموضوع في الجمل التالية:

العرق لا يموت، إنما الذي يموت هو المجتمع الذي كان ينتمي إليه والإسم. وذلك عن طريق التحول من واقع تاريخي معين إلى واقع تاريخي أخر. خذوا الشعب المصري مثال على ذلك. الفراعنة لا علاقة لهم بالعرب نهائيآ. لكن نتيجة وقائع تاريخية معينة ومعروفة ومؤلمة، تحول العرق الفرعوني إلى العرق العربي وإكتسب إسمآ ولغة ودينآ جديدآ، وهناك أمثلة عديدة مثلها حدثت في التاريخ. فالتاريخ مليئ بالألام والمخاضات العسيرة.  

 

26 – 07 – 2020