1
لماذا الأعياد؟
السؤال ليس مهما بنظر الذين لا يفوّتون فرصة أخذ أيام العيد أجازه بأجر تام! الملابس الملائمة هي التي تقلقهم. أنهم يعلقون العيد على ملابسهم، ويعلقون مشاكلهم على العيد، والعيد يمّد لسانه ويقول: أليك فاتورتي، فهذا هو ثمني!
العيد غالي جدا فهو يذكرنا بالوطن وبالأحباب؛ ولهذا نقترض منه المزيد والمزيد من الدفء والحنان والحبّ وبالنتيجة قائمة الحساب تكون عالية التكلفة!
والآن جدوا مصورا، فالعيد منقبض اليد ويحمل حجرا وهو يصرخ ويزمجر. يبدو أن العيد سئم وجودنا! ونحن لا نستحي ونصرّ على وجوده بيننا في كلّ مرة!
2
العيد السعيد لا يعقد اتفاقات أو صفقات، يأتي خلسة ويذهب محمّلا بكلّ شيء. العيد يأخذ كلّ شيء معه ويذهب، وتذهب معه بهجة المدن وألفة القرى!
كيف تتحمل بوابة عشتار غربتها في برلين دون عيد (طاوسي ملك)؟
لنتفق، هم سرقوا البوابة والجدار طوبة طوبة، فلنسرق نحن الشعر والعيد قصيدة قصيدة.
الناس لم تعد تصدقنا ولا تؤمن بوجود الأعياد لأننا لا نلبس ملابس بيضاء زاهية. ومع ذلك تستمر الأعياد بإحياء عوالمنا.
أشباح العيد مرحة؛ ولهذا العيد يبدو سعيدا. والفشل المتتالي ليس حجة للعيد بعدم إخفاء ظلال الأشياء المزعجة بصحبة الشمس.
فقط، احرص على ألا ينتابك شعور سيء إزاء الفشل والأشياء المزعجة في حضرت العيد السعيد.
3
دعوت العيد وهؤلاء الأغبياء الضاحكين لزيارة تلك العائلة التي تسكن الجبل. تلك العائلة التي كان عليها أن تستقبل العيد أوّل الناس، ولكن مات طفل تلك العائلة.
يضحك العيد ويشيح بوجهه وهو يقول الطفل كان مريضا فماذا تتوقعون؟
والأغبياء يرفضون الدخول. يخطفون العيد ويرحلون.
تمدّ ربة البيت لسانها وتؤكد بأن العيد نفسه لم يكن بمقدوره إنقاذ الصبي.
ربمّا علينا إقامة دعوى على العيد والقبض عليه وإدخاله السجن؛ وبذلك نتخلص من عار عدم التوافق.
سيكون أمرا غير مقبولا أن نستمر في اللا توافق حتى بالنسبة للعيد!
4
ليلة العيد تتثاءب المقابر، وتزمجر جهنم والناس تصيبهم الإحباط. فقط لأن العيد قدم ويعتقدون بعدم قدرته على صنع البهجة.
على المقابر أن تشعر هي بالعار لعدم قدرتها الحفاظ على الجثث المودعة لديها، وعلى جهنم أن تغلق أبوابها وتكف عن الزعيق فلا أحد يسكن فيها لسوء معاملتها مع الناس. أما الناس فلن يصيبهم أي إحباط بعد أن يفهموا هذان الأمران.
أيها الحمقى!
العيد لا يخبركم بأي شيء، ولكن كلّ شيء يؤثر فيه، فرفقا بالعيد إن أتى ساهيا دون موعد فلا تعرفون ما يمّر به.
كمن طرد والده من منزله في ليلة ماطرة؛ لأنه غنى أغنية من السبعينيات عنوانها العيد قلب من صخر.
أيهم هو العيد في نظرك: الأب المطرود أم الأبن الجاحد أم الكاتب الساخر؟
العيد ظلال الأشياء التي كانت والتي ستكون، أو التي ربمّا قد تكون، وهذا أمر مشجع مأخذي الوحيد هو أن ابن تلك العائلة ما كان يجب أن يموت. كان على العيد أن يحتفظ ببعض من ماء وجهه وينقذه من الموت. يخلصه من المرض. يغدق عليه الهدايا، فيشعر الطفل بالسعادة ويصادق العيد.
أنه العيد، ويجب أن يكون فيه بعض الأمل، والأمل في النهاية مهم للأرواح الشاردة والمسكينة. تلك الأرواح النازحة من أفياء شجرة التين إلى شموس التيه. الأرواح المهاجرة من قرب الأنهار العذبة إلى حافات البحار المالحة.
لا يمكنكم طرد العيد؛ لأن العيد ببساطة لا يعمل لديكم؛ ولأنكم لا تملكونه، وإن كنتم غير قادرين على وضع النهاية فلا ضير من طلب المساعدة، وقبل أن أنسى إن سأل أحدهم عن حال ذلك الطفل الميت فقولوا إنه بخير!
لا ضرورة للسرعة في زمن الشيخوخة إلا في رؤية أطفال العيد
للعيد أطفال ـ كلنا أطفال العيد. في العيد حتى الضفادع ترقص، والأبوام تغني!
هذا العيد يرحب بي كثيرا، يبدو مضيافا جدا هنا، ولطيفا، ومما زاد حماسي للاحتفاء به ومعه هو صراحته كعاشق مخلص. فكلّ شيء فيه يتوهج.
ولكن مَن الذي دعا العيد؟
ليكن الأفضل دائما لأطفال العيد ولرجال العيد. ورفقا بالعيد فهو محتار مثلنا نحن المهاجرين، ومحتار مثلنا نحن الذين لم نهاجر كحيرة أهل لندن بضبابهم.
عليّ أن ابتهج فدائما هناك عيد جديد. وإن الغي العيد من قبل أخوتنا، فسنعيده في مخيلتنا، فنحن الأيزيديين ليس لنا أبناء عمومة. لدينا أخوّة أو أعداء.
قبل أن يقدم العيد يستفسر أطفاله عن سرّه، وبعد أن يحلّ العيد بيننا تخبرنا الضفادع والأبوام لا سرّ للعيد، فقط يأتي ويذهب في مواعيده تماما كما باصات مصلحة نقل الركاب في مدنكم الأوربية.
أننا ماهرون في جمع الأسماء، الأسماء العربية والتركية والفارسية والكردية. أما تلك الأيزيدية والبابلية القديمة فتأتي مع الأعياد فقط.
بعض أخوّتنا من المملين والمبتذلين يجدون فرصة طيبة في العيد ليجاهروا برأيهم في أعدائنا ويقولون عنهم أنهم أفظاظ، وطبعا تسخر منهم الضفادع والأبوام قائلين: إنما العدو (خطورة) وليس (فظاظة)، أما العيد فهو مصباحنا السحري، وعلينا أن نعلّم أخوتنا كيف يقولوا (لا) أحيانا، بل في معظم الأحيان.
ومن يحبّ المواعيد النهائية سنترك الأمر له ففي مساء العيد الكهوف المسحورة تفتح أبوابها، وأرواح الأشجار تتسابق في الليل مطاردين من قبل إله الموت في الجبل.
إله الموت هذا لا ينادي أحدا فهو متكبر بيد إنه يرغب بشدّة في مصادقة أطفال العيد.
العيد كالغول يلتهم أطفاله كما يفعل (كرونوس) ولكن (شريك) يعترض ويصادق حمارا في سلسلة أفلامه التافهة.
ألم يكن من الأجدى الاستمرار في عادة الالتهام؟ يقول الرئيس الأمريكي!
هل نحن في مشكلة؟ يتساءل المترجم!
وماذا تعرف أنت عن المشاكل؟
وماذا تعرف أنت عن الحلول؟
وماذا تعرف أنت عن العيد؟
أنت مجرد خادم وضيع. ومترجم فاشل!
سئمت الكتابة عن أمثالك كهواية تدر عليّ عطف الأعياد في بلاد الغربة.
5
يسأل العيد: ماذا تريد أن تكون؟
إعلاميا، والأعلام ليس صادقا. أو ربّما محاميا، والقانون خدعة.
أنا يا عيد أريد أن أكون مستكشفا، استكشف من جديد بيوت الفقراء في قرى شنكال وخيم النازحين في كردستان. أريد أن استكشف من جديد عبق رائحة الزمان في زوايا لالش.
أرغب بشدّة في تأمل ضفائر (غزالى) بصوت (خدر فقير)، واستكشاف مرونة الضوء عند ملامستها!
هات لي مستحضر أرواح لأتأكد من الذي ركب الموجة وحضر مع العيد في هذا الصباح!
ولكن من الذي دعا العيد أولا؟
بينما أرواح من نحبهم تمر بيننا في العيد ولكننا لا نلتفت إليها إلا عند حفر القبور. هه، عرفت السر: نحن دجالون!
مرشد الأرواح هذا يعلمنا الفرق بين الروح البائسة والمقرفة. أنه أمر دقيق وضربة موجعة لأبناء العيد المتعجرفين.
سؤال مهم، بل مثير للاهتمام: لماذا العيد والأعياد؟
هل لا يزال هناك من يهتم ويحتفل؟
هل أطفال العيد لا يزالون على قيد الحياة؟
ألم أكن أنا نفسي أبنا للعيد؟
فلماذا أذن لست على قيد العيد؟
لماذا جاء العيد؟
العيد فرصة لسرقة بعض الجيوب وتسويق بعض الدجل، ففي العيد الجيوب مفتوحة والآذان صاغية.
تنقنق الضفادع وتنهم الأبوام وتؤكد هناك مخلوقات أخرى غير السياسيين ومحترفي التصوير والمدراء. العقبان من ذوي الرؤوس المقشرة مقدسة لدى الأمريكان وهذا العيد فرصة لسؤال المترجم عمّا حلّ بروح مستحضر الأرواح الهندي من (داكوتا).
على حد علمي في زمان الزعيم (واقف مع بصقة) لم تكن هناك داكوتا شمالية أو جنوبية. فقط كانت هناك بصقات على وجوه المحتلين والمترجمين.
داكوتا تشبه شنكال كلاهما محتلتان ولا يوجد في ساحاتهما إلا قطرات دم يبست وبصمات أصابع تكاد تختفي.
6
لن أفاوضكم من جديد، وسأقوم بتوزيع العيد بنفسي، ولا عيب في ذلك. لا عيب أبدا في العمل!
اجمعوا بعض النقود وأنفقوه في العيد فلا شيء مثل القليل من الدجل الذي يجعل خديك متوردتين في صباح العيد!
ــ الآن، ربمّا يمكننا التفاوض في الأسعار فلم يتبقى العديد من الأعياد أقصد المخطوفات في الأسر. ما رأيك؟
ــ مرحبا أيها الكلب الشاب، وأيها الكلب العجوز.
أبعد قطتك. أرمها بعيدا وبقوّة فهي تجلس على كرسيك. والآن يمكنك الجلوس وطقطقة أصابع يديك فلقد جاء العيد.
ــ ولكن من الذي دفع بالعيد ليسقط في حفرة الأرواح الضالة؟
لا أحد من بين الحشد يجيب على السؤال! وهناك أخبار جيدة، دائما هناك أخبار طيبة: سيتم توزيع مبالغ كبيرة على أولاد العيد في هذا العيد، والأعياد القادمة. وطبعا، هناك أخبار مرادفة وهي عكس اتجاه سير العيد. كلّ النقود الورقية أتلفتها الأمطار!
هه، عرفت الآن لماذا تأخر العيد بضعة ثواني عكس باص المنطقة التي اسكن فيها وانتظر العيد.
7
القلق فرع من الشيخوخة. قلق عدم اللحاق بالعيد، وقلق قدوم العيد! قلة النوم فرع آخر من فروع الشيخوخة. عدم النوم بانتظار العيد، قلة النوم نتيجة القلق وخوفا من الشيخوخة ومن العيد!
لا أحسّ بالخطر في هانوفر ـ عاصمة أيزيدخان ـ كم ضروري هو الخطر، يجعلك تنسى القلق، قلق قدوم العيد وقلق عدم قدومه.
عليّ الحصول على بعض الخطر؛ ليدب في أوصالي الخوف فلا أحد يعلم كم مقلق هو العيد!
ولكن، من الذي دعا العيد؟
بالتأكيد جوعك في أيام الصوم الثلاثة!
إنني اتهم الصوم بالجاسوسية؛ فهو الذي مهّد الطريق لمجيء العيد ومقابلة الفقراء، وبقليل من الحظّ سينضم إلى جيش الشهود من الضفادع والأبوام فصائل من الغربان الحاذقة بالسرقة.
استاذ مراد المحترم وبعد.. كلام في غايه من الروعه ومملوء بالحكم والفكر الناصع جميل جدا ومسترسل وله إيقاع ونغم خاص ولرصانه الأسلوب الادبي العالي يصعب احيانا على شخصي بالذات فهم المرام .وهو بحد ذاته تبيان الواقع الايزيدي المؤلم للعالم ….الوطن السعيد كل ايامه اعياد وسعادة الوطن تاتي من ثقافه العاليه للشعب والا خراب مع بالغ تحياتي لجنابكم ولصوت كردستان الاغر
تحية محبة أخي الكريم (خدر) وشكرا على مساندتك لكتاباتي وحضورك المتميز دوما..
إلى الملتقى