الجامعة العربية من اللاءات الثلاثة الى حفريات التطبيع – عبد الخالق الفلاح 

 

جامعة الدول العربية كانت لها صولات وجولات في زمن الرئيس المصري جمال عبد الناصر في مشروعه العروبي الراحل ، لم تعد هي تلك الجامعة التي تمثل بعداً قومياً كما كانت واسست لها و سعت الى فرض هيمنتها بتصفية كل أنظمة الحكم المعادية او حتى غير الموالية لها ووقفت بالضد من ارادة الكثير من الشعوب الناهضة الى جانب الحكومات المستبدة بدل ان تكون الحلال للمشاكل للامة العربية ووقعت في احضان الانظمة الموالية للولايات المتحدة وانكلترا .لقد تم تأسيس الجامعة العربية في 22/مارس عام 1945 وفق بوتوكول الاسكندرية الموقع من قبل الرؤوساء العرب السبع دول المستقلة التي وقعت على الميثاق وهي سوريا ومصر ولبنان والعراق واليمن والاردن والسعودية و بذلت منذ تاسيسها محاولات جادة لتحويل القمم العربية إلى المؤسسات التي تنعقد بصورة دورية ومنتظمة،وبلغت قوة نشاطها وانحصرت للفترة من عام 1964 وحتى عام 2000 ،وتخلتها عددت قمم مثل قمة الخرطوم عقب نكسة 1967، عرفت بعد ذلك بـ”اللاءات الثلاثة”، حيث وضع قرار في الفقرة الثالثة وهى: “لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل” وقمة 1970 بالقاهرة إثر وقوع الاشتباكات بين المقاومة الفلسطينية والسلطات الأردنية، المعروفة باسم أحداث أيلول الأسود ،قمة 1973 بالجزائر عُقدت بناءً على طلب مصر وسوريا بعد حرب أكتوبر وأكدت ضرورة التحرير الكامل لكل الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” في 1967، والاستمرار في استخدام النفط سلاحًا في المعركة.

قمة بغداد 1978 تم فيها اتخاذ قرار بتجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية، بسبب توقيع الرئيس الراحل أنور السادات على اتفاقية كامب ديفيد، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، واتخذت قرارًا بوقف تقديم أي قروض وإيداعات وتسهيلات عربية إلى الحكومة المصرية ،قمة عمان 1980 أقرت بقطع العلاقات مع أي دولة تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس وهو القرار الذي لم ينفذ حتى الآن.

قمة فاس بالمغرب 1982، عقدت في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على بيروت، حيث قدم العرب للمرة الأولى مشروعهم للسلام، الذي يقضي باستعدادهم للتفاوض على السلام مقابل انسحاب “إسرائيل” من كل الأراضي التي احتلتها عقب حرب يونيو 1967 ،قمة الدار البيضاء 1989 وإقرار العرب إعادة عضوية مصر من جديد بعد 10 سنوات من تجميدها، وإعادة مقر الجامعة العربية من تونس إلى القاهرة ،في عام 1990 عقدت قمتان عربيتان الأولى في مايو ببغداد وعقدت الثانية منتصف أغسطس في القاهرة، وصدر عنها قرار يدعو العراق لسحب قواته من الكويت، وتشكيل قوى عربية مشتركة ونقلها إلى السعودية بموافقة 12 دولة ورفض 8 دول أخرى القرار ،وقمة 2000 بالقاهرة عقدت بعد 3 أسابيع من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية واقتحام المسجد الأقصى، بحثت القمة انهيار عملية السلام بعد فشل قمة كامب ديفيد الثانية وأدانت عدم استجابة “إسرائيل” إلى نداءات السلام، وأكدت الحقوق التاريخية في فلسطين كما نتج عن هذا الاجتماع تكوين صندوقين باسم الفلسطينيين تصل قيمتهما إلى مليار دولار.

 بعد ان انضمت اليها العديد من الدول العربية اثر نيلها الاستقلال . كانت الغاية منها تحقق آمال الشعوب العربية بالوحدة بين الاقطار العربية التي تجمعها اللغة والتاريخ المشترك، وخاصة ان المناخ الدولي والاقليمي في فترة تأسيسها ولا شك كانت الفترة مناسبة ولكن بعد مرور هذه السنوات بدل ان تتطور وفق الاهداف التي تم التأسيس لها  لحل القضايا والمشكلات التي تعاني منها الدول الاعضاء اصبحت منظمة خاملة عديمة الجدوى لا تنفذ الا ما يملى عليها من قبل أمريكا والحكومات الغربية والدول الموالية لها ، لتصل الى ما هي عليه اليوم من عجز تام في ايجاد او تنفيذ اي حل تتفق عليه الدول الاعضاء لتبقى كل قراراتها عبارة عن حبر على ورق ولذلك يرى رجال السياسة ان الجامعة العربية اصبحت مهترئة ضعيفة الارادة ومشلولة القوى ، وتحتاج الى تغيير جذري في بنيتها وهيكلتها بعد التغييرات السياسية التي طراءات على العالم ، والى نهوض الشعوب ضد  حكومات الدول المرتبطة بالغرب يشابه النهوض والصحوة فترة الاستقلال عن المستعمرين والذي شكل نواة تاسيس هذه الجامعة في حينها.

وتُعد فترة التسعينيات من أسوأ فترات العمل العربي المشترك خلال هذه المرحلة، حيث لم تنعقد القمة العربية خلالها إلا مرة واحدة عام 1996، وهو مؤشر واضح عن بداية دخول النظام العربي من جديد في مرحلة التخبط السياسي، فيما يرى مراقبون  أن دور جامعة الدول العربية انتهى كمنظمة إقليمية تحمي أعضاءها، منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وصمتها عن تقسيم السودان إلى شطرين متنازعين والحرب على سورية والاعتداء على اليمن وليبيا.

بات من الواضح أن بعض الدول كشفت عن رغبتها الجامحة  في توظيف الجامعة لتدعيم موقفها وكيانها وفق رؤية مغايرة للواقع ومتمثلة أساسًا في التصدي لموجة الثورات ودرء خطرها على أنظمتها، وبذلك يُمكن القول إن هذه القوى الصاعدة تعمل على إدارة السياسية الانتقالية للجامعة العربية بما يخدم مصالحها وأجنداتها الخاصة مثل السعودية والامارات وقطر ومصر. واصبحت أنموذج للدبلوماسي الكلاسيكي الذي يؤدي رئسيها  المهام الموكلة إليه دون اجتهاد، فيما و توافق مع “الرغبة الإسرائيلية، وهو إقرار صامت، وإذعان تام لإرادة التطبيع، واحمد ابو الغيط رئيس الجامعة الحالي ارتبط بصورة منقذ تسيبي ليفني من السقوط وبالتوتر الشديد في 2008 الذي نشب عند معبر رفح بين الفلسطينيين وقوات الأمن المصرية عقب القصف الاسرائيلي العنيف للقطاع ومحاولة الآلاف الفرار من القصف عبرمصر،اثارت تصريحاته آنذاك غضبًا كبيرًا

في قطاعات واسعة من الشعوب العربية ، حينما قال إن بلاده “ستكسر رجل أي فلسطيني يتخطى حدوده وحول سياسة التطبيع التي اتخذتها بعض الدول الذليلة قال”ان من  حق الدول العربية في رسم السياسة الخارجية التي تناسبها،و من حق كل دولة السيادي في مباشرة سياستها الخارجية بالصورة التي تراها وهو حق لا جدال فيه… وهذا أمر يحترمه هذا المجلس ويقره ” اي مجلس الجامعة العربية ” وهو يقف اليوم مع بنيامين نتانياهو المشبع بالفساد لكي لايسقط . ان وجود مثل هذا الشخص على رأس اكبر منظمة عربية يمثل منعرجًا حاسمًا في تهيئة عملية الاختراق الجيوسياسي الإسرائيلي للمنطقة العربية وفتح الباب لصفقة جديدة في الشرق الأوسط واعتراف واسع النطاق بالكيان الإسرائيلي المحتل ضمن مخطط تقوده واشنطن.