زيارة متأخرة الى شيوعي مخضرم .  – محمد السعدي 

في يوم الخميس المصادف ١٥ أكتوبر ٢٠٢٠ . تعنيت الى مدينة ( هلسنبوري ) لزيارة الرفيق والانسان والمناضل والشيوعي باقر إبراهيم الموسوي ( أبو خولة ) ، و في هذه المرة رافقني الأستاذ والقاضي زهير عبود كاظم للأطمئنان على صحته وسلامه روحه بعد المصاب الجلل الاخير ، الذي تعرض له بفقدان رفيقته وشريكة حياته عزيزة نعوم عباس ( أم خولة ) ، أبنة أخت الشهيد الشيوعي داخل حمود بسبب تعرضها الى وباء كورونا اللعين فغيبها الموت . هذه المرة تأخرت زيارتي له والتي باتت دورية منذ ثلاثة عقود بمحط تقليداً وألتزاماً بالرفقه والنضال والعلاقات الانسانية والمواقف النضالية المشتركة لتداعيات أنتشار جائحة كورونا اللعين ومن أجل تجنب الضرر قد يلحق بكبار السن حسب وصايا الصحة العالمية .

قبل أيام من زيارتي له ، تحدثت معه عبر سماعة الموبايل ، فشعرت بغبطه من خلال نبرة صوته ، فاقترحت عليه الزيارة بشوق اللقاء به ، فرد مرحباً باللقاء وبأي وقت أراه مناسباً لي ، فنسقت مع القاضي زهير عبود كاظم ، وحددت موعد الزيارة مع أبنته الكبرى العزيزة خولة ( أم رامي ) . وفي اللحظة الأولى من وصولنا الى عتبة بيتهم أنتابتني لحظات حزن وألم ، هذه المرة الأولى التي أزورهم بها وسأجده وحيداً في بيتهم المتواضع بعيداً عن رفقه شريكة حياته . فالشعور الأول ، الذي بادرني .. ماذا حل ببو خولة بعد غياب رفيقته ومسيرة عمره ؟.

على عتبة الباب ، أستقبلنا أبو خولة مثل كل المرات السابقة بأبتسامته المعهودة مرحباً بنا ، يشعرك بالأطمئنان والحياة والرفقه رغم عمر السنين الطوال في حياته ، لكنك تجده متمسك بديمومة الحياة والتواصل مع الرفاق والأحبة . صادفت زيارتنا له وجود خولة وزوجها حارث النقيب ( أبو رامي ) ، وكانت فرصة مناسبة للقاء ، فأخذنا الحديث ومشت بنا السوالف حول تطورات جائحة كورونا في السويد وأخبار عراقنا المزعجة ومأساة تجربتنا المرة وعمق الذكريات ، فكان الرفيق أبو خولة كعادته يسمع أكثر مما يتكلم ، لكنه بأنشراح كما هو الظاهر في تفاعله مع طبيعة الحوار وأنسجامه مع فحوى الحديث . وقد بلغ أبو خولة من العمر عتياً ، وظل ومازال متماسكاً بمواقفه ومتباهياً بتاريخه الطويل وبعلاقاته الرفاقية والانسانية ، حيث ظل نظيف القلب واللسان والضمير والوفاء ، ولم ألمس منه يوماً طيلة تجربتي معه الأساءة لرفيق أو يستغيب أحداً رغم الأساءات  والأتهامات والقساوة التي تعرض لها بسبب مواقفه الفكرية والسياسية والتقاطع مع رفاق الأمس حول الموقف من الوطن وسياسة الحزب ومسيرة النهج والأتجاه  .

في عام ٢٠٠٠ زارني أبو خولة في بيتي في مدينة مالمو في السويد قادماً من مدينة سكناه في ( هلسنبوري ) ، وكانت هذه الزيارة  ليس كسابقاتها ، حيث يحمل معه كتاب إستدعاء من المخابرات السويدية ( سيبو ) . وفي اليوم الثاني صباحاً رافقته الى مبنى المخابرات بناءاً على الموعد المحدد . وتحدثت مع مكتب الأستعلامات وطلبوا مني أن ينتظر في صالة البناية لحين أستدعائه وبعد دقائق معدودات جاء شخصان وأصطحبوه معهم الى داخل المبنى ، وأنا ذهبت الى داخل المدينة على أمل أن يفض اللقاء بساعة أو ساعتين ، لكنه طال ساعات طويلة أخذ جوف نهار يوم كامل ، وأنا بقيت أتردد على المبنى كل ساعة لحين فض الأجتماع ، والذي تحول من إستدعاء وتحقيق الى نقاش وطرح الأراء وتبادل مواقف سياسية وأستقراء حول وضع العراق السياسي في حمى الحصار وأستعدادات الغزو وتداعياته الخطيرة على العراق ومستقبل شعبه . لقد وجد أبو خولة أمام المحقق ( تومي ) على مكتبه تقريراً من منظمة مالمو للحزب الشيوعي العراقي جملة أتهامات وأقاويل وأفتراءات وأكاذيب بسبب مواقف أبو خولة الوطنية من الحصار والحرب والاحتلال لبلده العراق مما دعا المحققون أن يتعاطفوا مع أراء أبو خولة بعد أن أطلعوا على تاريخه ومواقفه السياسية ودوافع خلافه وتبادلوا معه وجهات النظر ، وكانوا ميالين للاطلاع على المزيد من هذه المواقف وفي نفس الوقت مندهشين من هذا الاسلوب الرخيص من رفاق الأمس بسبب التقاطع في المواقف السياسية . هؤلاء هم أعداء الحزب ؟.

وكان من بين تلك الأسماء الموقعة على التقرير ، الذي يتهم أبو خولة في التخاطب مع نظام البعث ، كان أحدهم وهو الرفيق في الجبل يهم كلما رآى أبو خولة بحمل بريق الماء ( للتشطيف ) خلفه وهو ذاهب الى المرحاض . والآخر كان مهجر مع عائلته عام ١٩٨٠ بسبب تبعيته الإيرانية ووصل الى دمشق ، وطرح أسمه مرتين من قبل أحد الرفاق الى منظمة دمشق للحزب الشيوعي العراقي وفي المرتين لاقى طلبه الرفض ، لكنه في نهاية المطاف وصل الى الرفيق أبو خولة وبدوره قدم له مساعدة في الحصول على جوازات يمنية مع عائلته بمساعدة الرفاق عدنان عباس وعبد الحسين شعبان ، ووصلوا بها الى السويد ووفاءاً لهذ الموقف قدم الجزاء والعرفان . والآخرون لايقلوا تعاسه عن مواقف رفاقهم في كتابة التقارير الملفقة ؟. أمام تلك التسلكات والافتراءات لاستهداف أبو خولة وهذا جزء من وضع عام وفي تقديري عراقي بإمتياز وما وصل له العراق اليوم ، لم يهتز له أبو خولة ، حيث بقى متماسكاً كعهده ينظر للامور بعين أخرى ولم ينزل الى تلك المستويات ولم يستغيبهم يوماً ، بل أذا صادفهم وألقوا عليه التحية يرد بمثلها وأكثر وهذه من شيم الكبار ولا يختلف أثنان على سجايا ومناقب أبو خولة في النظافة والأمانة . ولم تهزه يوماً تلك الأساءات ولم يتخذ موقفاً تجاه مروجيها . مرة لامني ، عندما هاجمت أحدهم ، الذي حاول  أن يطكطك بمنكاره . وتجنبي في ذكر الاسماء ما هو الأ تعففاً .

قبل سنوات هاتفني الرفيق صباح كنجي من منفاه في ( هامبورغ ) ألمانيا . وأنا شحصياً أكن كل الاحترام والاعتزاز والفخر لهذا الرفيق لدوره البطولي الخارق عندما تبنى عملية نزولي الى بغداد الحبيبة من الجبل عام ١٩٨٦ ولمرتين متتالتين خلال هذا العام ، أنه أشرف على وصولي بكل مسؤولية شيوعية من قرى وجبال ( بهدينان ) الى مدينة الموصل ومن هناك الى بغداد . أراد مني في تلك المكالمة أن أستفسر له من الرفيق أبو خولة عن أشكالية تنظيمية سابقة وبدوري طلبت من الرفيق صباح أن يكلمه مباشرة ، لكنه كان متردد ربما لمواقف سابقة ، فهيأت له وقت مناسب في الحديث مع أبو خوله وهو بدوره لم يعترض على أستقبال المكالمة من الرفيق صباح والحديث معه .

في سياق التدهور الفظيع وحمى التشهير من قبل أعداء الحزب وداخل الحزب ، يطرح أحد الرفاق على قيادة الحزب أن يوجه نداء الى رفاقه المقيمين في أوربا وأمريكيا بالعودة الى الوطن لمقتضيات نضالية معقدة يمر بها الحزب أمام شراسة القوى الأخرى والتي تضمر حقداً على الشيوعيين وتاريخهم وينتظرون أي فرصة مناسبة  للقضاء على الشيوعيين ، ولم يلقى هذا التوجيه أي أهتمام من قيادة الحزب تحت حقيقة الواقع المر ، لو أقدمنا على هذا التوجيه فلم يلبي ندائه الا نفر قليل والبقية المتبقية سوف يعتزلون التنظيم وبلا عودة .. هؤلاء هم أعداء الحزب الفعليين ، الذين يستغيبون الآخرين ويشهرون بهم بعيداً عن مصلحة الوطن والحزب .

محمد السعدي

مالمو/ أكتوبر ٢٠٢٠