فجأة إختفى “ديار” وإنقطعت أخباره، فقلق عليه صديقه في التشرد “مجيد“، وخاف أن يكون قد حصل له مكروه ما، كإصابته بمرض خطير، أو أحدآ إعتدى عليه، أو لبربما صدمته سيارة في الشارع، أو لعله إرتكب عملآ مخالفآ للقانون فألقت الشرطة القبضة عليه وأودعته السجن. ومع مرور الأيام زاد قلق مجيد على صديقه صاحب الظل الخفيف والإنسان الطيب. ومن كثرة التفكير بصديقه كاد رأسه ينفجر مما دفعه لدق باب صيدلية قريبة من مكان تواجده النهاري، وطلب بعض حبات البرتسومول فعطف عليه صاحب صيدلية “ستير”، التي تعني النجمة، فتناول حبتين دفعة واحد مع قليلآ من الماء من زجاجته البلاستيكة وإحتفظ ببقية الحبوب في جيب سترته.
بعد مرور شهر ونصف على إختفائه، فجأةً ظهر صديقه “ ديار“، والأغرب أنه بدا بحالة نفسية جيدة
وصحته على حالها. جلس الصديقين وتحدث طويلآ، وأخبره صديقه لطيف سر إختفائه كل تلك المدة قائلآ:
يا صاحبي، الحقيقة تعبت من شدة مضايقات الناس لي هنا وإهاناتهم وقسوتهم معنا، وأضف إلى ذلك معاملة الشرطة السيئة كل يوم، كل ذلك دفعني للتساؤل لماذا أنا باق بهذه المدينة، فقلت لنفسي لماذا لا تجرب الحياة في مدينة أخرى أصغر، لعل الناس فيها أقل عدواة وأرحم من هنا في العاصمة بالمشردين.
فلهذا قررت أن أسافر إلى أي مدينة في ضواحي العاصمة وإخترت “ماردين“، وفعلآ ذهبت وخلال الفترة الماضية لاحظت أن الناس هناك أرحم وأكثر رأفة وكرمآ من هنا، فقررت البقاء هناك على طول. فرأي أن تنضم إلي إن شئت فلن تخصر شيئ، وإن لم يعجبك العيش هناك بإمكانك العودة إلى هنا متى ما شئت.
سأله مجيد، وما الذي عاد بك اليوم للعاصمة؟
الذي عاد بي يا صاحبي، هو إخراج هوية جديدة، لأن هويتي القديمة شارفت على الإنتهاء، وكما تعلم المشي في الشوارع من دون هوية، وجع رأس وأنا لست بحاجة لذلك.
رد عليه مجيد قائلآ:
يعني أنت باقي لبعض الوقت هنا لحين صدور الهوية؟
نعم هذا صحيح، وما أن أستلم الهوية سأغادر العاصمة في الحال إلى مدينتي.
الله كريم ستعود، وهذه فرصة رأيناك فيها.
ديار: ماذا قلت في كلامي أن تنضم لي في ماردين؟
دعني أمخمخها في عقلي أولآ، وعندما تستوي الفكرة في رأسي ستجدني عندك، وإلى يوم عودتك يمكن نتحدث عن الأمر مرة أخرى.
عاد ديار إلى مكان إقامته الجديد في مدينة ماردين حاملآ معه هويته الجديدة، ليتجنب توقيف الشرطة والغرامات الغير قادر على دفعها.
مر ما يقارب الثمانية أشهر على عودة لطيف، إشتاق مجيد له فرغب في زيارته ورؤية تلك المدينة التي يعيش فيها ديار. لكنه لم يكن يملك أجار الطريق فإحتار في أمره ووجد كل الأبواب مغلقة أمامه. فحزن كثيرآ، وتألم فوق ألمه من وجوده في الشارع، بسبب ظروف الحياة القاسية، والأقصى منه قساوة الناس عليهم ونظرة الإحتقار التي ينظر المجتمع إليهم.
بينما كان جالسآ على كرسي في إحدى زوايا حديقة بوسط المدينة، وهو يفرك شعره المتسخ، وينفخ بالدخان بقوة من إنفه نحو الخارج وكأنه مدخنة. فخطر على باله بكتابة رسالة إلى الله تبارك وتعالى، بحكم مسؤوليته عن كل أبنائه من البشر. وهنا ظهرت عقبة أخرى أمامه، حيث لا يملك ورق لتدوين الرسالة عليها، ولا قلم يكتب ولا ظرف يضع فيها الرسالة، ولا ثمن طابع البريد!!
حاول مجيد أن يهتدي إلى حل يخرجه من مأزقه هذا، فخطر على باله ذاك الكشك الذي على باب الحديقة الرئيسي، الذي يبيع صاحبه فيه: الدخان، الجرائد، المجلات، الظروف البريدية، الطوابع إضافة الى بعض المشروبات الغازية مثل الكولا. والأكثر أنه يعرفه بحكم تواجده في المنطقة بشك دائم، ويدير باله على الكشك عندما يريد صاحبه الذهاب إلى الحمام لقضاء حاجته.
نهض مجيد من كرسيه ووقف على حاله وشد بنطاله، الذي إجتمع فيه كل الألوان تقريبآ، وبعد عدة خطوات عاد البنطال الهبوط من جديد بسبب نحافة جسده نظرآ لسوء التغذية وقلة النوم العميق والهادئ.
لبى جامير طلب مجيد وأعطاه ورقة وقلم بعدما ترجاه، فجلس مجيد على كرسي قديم شارف على نهاية عمره، يستخدمه صاحب الكشك للجلوس عليه خارج الكشك عندما يكون الطقس جميلآ ومشمسآ. دون مجيد الرسالة وجاء فيها:
يا ربي أتوجه إليك بطلبي هذا وأرجو أن تلبي حاجتي، أنا عبدكم المشرد الفقير، وليس لي غيركم من معين في هذا الكون. طلبي هو أن ترسل (1000) ليرة، كوني بحاجة إليهم بشكل ضروري.
إبنكم المخلص مجيد.
محل الإقامة:
آمد – محطة القطارات المركزية.
وضع مجيد الرسالة في الظرف الذي كان قد ألصق عليه صاحب الكشك الطابع المعتاد له، وكتب على الظرف عنوان المرسل وكان على الشكل التالي:
المرسل إليه:
رب العالمين سيد المحسنين.
وعلى الجهة الأخرى من الظرف كتب عنوانه:
المرسل:
إبنكم المشرد: مجيد
محل الإقامة: آمد – محطة القطارات المركزية.
حمل مجيد الرسالة وبحث عن صندوق بريد حتى أن صادف صندوقآ منهم، فوضع الرسالة فيه وعاد يجرجر قدميه ويبحث عن طعام لنفسه.
في مكتب البريد المركزي، إحتار عامل البريد المسؤول عن فرز الرسائل حسب العناوين بتلك الرسالة الغريبة والفريدة من نوعها، فما كان منه أن حمل الرسالة وذهب بها إلى مديره وقص عليه الحكاية. أخذ المدير الرسالة من الموظف وفتحها وبدأ بقرأتها وما أن إنتهى منها، حتى طلب من سكريترته أن تضع مئتي ليرة في ظرف أكبر من رسالة المشرد مجيد، وتأتي به في اليوم الثاني، ليكتب رسالة جوابية له وتدوين عنوان صاحب الرسالة على الظرف.
فعلآ في اليوم الثاني وضعت السكرتيرة مبلغ (200) ليرة تركية في الظرف ووضعت طابعآ عليه وأخذته لحضرة المدير، وما كان من المدير إلا أن يكتب هذه الرسالة القصير والتي جاء فيها:
إبننا الحبيب مجيد،
وصلتنا رسالتك، وها نحن نستجيب لطلبكم ونرسل ر لكم رسالة جوابية على العنوان الذي حددته وذلك عبر مؤسسة البريد.
أبوكم رب العالمين.
وأغلق الظرف وكتب عليه:
المرسل إليه:
إبننا الحبيب مجيد
آمد – محطة القطارات المركزية.
وعلى الجهة الخلفية من الظرف كتب:
المرسل:
أبوكم رب العالمين.
وطلب من موظف البريد الذي نقل له الرسالة، أن يذهب برسالته الجوابية في اليوم التالي لذاك الشخص الفقير المشرد والذي إسمه مجيد وقاله له:
إسأل عنه في محطة القطارات، وحتمآ هناك العاملين بالمحطة يعرفونه وسيدلونك عليه ولا تبوح له بشيئ، فقط سلمه الرسالة.
في اليوم التالي أي الثالث، حمل عامل البريد الرسالة ووضعها في حقيبته، وأستقل الباص إلى محطة القطارات، وعند وصول الباص إلى ساحة المحطة نزل منها ودخل إلى المحطة وأخذ يبحث عن العاملين فيها، فوجود أحدهم يتجول في القاعة الكبيرة، مرتديآ ثيابه الرسمية فتقدم منه وقدم نفسه وشرح له الأمر، فقال له موظف المحطة: نعم أعرفه ولحسن حظك هو جالس أمام المحطة على إحدى الكراسي، فتعالى معي وسوف أدلك على السيد مجيد.
إتجه ساعي البريد وهو مرتدي لباسه الرسمي نحوه، ومع وصوله إليه سلم عليه وسأله هل أنت مجيد؟
فرد مجيد عليه:
نعم أنا مجيد أهلآ بك. بماذا يمكنني أن أخدمك؟
رد ساعي البريد:
شكرآ لستُ بحاجة لخدمات وإنما عندي لك رسالة.
إستغرب مجيد من الأمر وقال: رسالة لي؟
أجابه عامل البريد: بلا لك رسالة عندي وهذي هي الرسالة تفضل.
أخد مجيد الرسالة من يد الساعي شاكرآ له ومتمنيآ له نهارآ سعيدآ، وغادر الساعي البريد المكان في الحال، وفتح مجيد الرسالة وقرأها ففرح بها كثيرآ، وعندما قام بعد النقود وجد فقط 200 مبلغ (ليرة) عوضآ عن الألف فحزن من جديد!!!
رفع يديه للسماء وقال مخاطبآ الله تعالى قائلآ:
ربي الكريم،
لقد وصلتني رسالتكم وأنا ممنون لكم كثيرآ على إستجاباتكم لطلبي، ولكن أرجو منكم في المرات القادمة لا ترسلو شيئ عبر مؤسسة البريد، فهؤلاء حرامية فقد سرقوا مني مبلغ (800) ليرة من الألف التي أرسلتموها لي وأعطوني فقط (200) ليرة!!!
21 – 01 – 2021
Hhhhhh ….. Ew taliya çîrokê pir rind şîrîn bû.
Tev xweştirîn silav, û mestirîn rêz ji bira nivîskar Beyar Rûbarî ra …