الاستراتيجية بمفهومها العام هي علم وفن استخدام القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية والنفسية للدولة أو مجموعة من الدول لتحقيق أقصي قدر من الدعم للسياسات التي تتخذها في زمن الحرب والسلم اي انها تعني إستخدام كافة قدراتها في ظروف الحرب والسلم لتحقيق الاهداف القومية للدولة بمعني آخر فانها تعني توجية الاستراتيجيات المختلفة (السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية) والتنسيق فيما بينها في وقت السلم والحرب علي حد سواء لتحقيق الاهداف القومية التي تحددها القيادة السياسية للدولة. والاستراتجية الامريكية في الشرق الاوسط تقوم بشكل عام علي تحقيق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة باستخدام كافة الوسائل وبغض النظر عن شرعية تلك الوسيلة أو لا وبغض النظر عن مصالح دول المنطقة. وبعد احداث سبتمبر لم يعد تهديد الامن الامريكي ناجماً فقط عن الجماعات الارهابية بل امتد الي الدول التي تتبني انظمة سياسية لاترضي الولايات المتحدة وكذلك اعتبرت اسلحة الدمار الشامل كمصدر تهديد لأمنها القومي ومن ثم شنت حربها علي العراق بقيادة التحالف واسقطت نظام صدام حسين باعتباره نظاما يملك اسلحة الدمار الشامل ويعمل علي تهديد المصالح الامريكية في المنطقة وكذلك تهديد دول الجوار .الإستراتيجة الامريكية في المنطقة العربية تقوم بالاساس علي تحقيق مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها دون النظر إن كانت تلك السياسات ستضر دول المنطقة أم لا، فكان التدخل الامريكي في العراق 2003 من أبرز الاحداث في المنطقة العربية وأوضح مدي رغبة الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها في المنطقة حتي لو يقتضي الامر باستخدام الاداة العسكرية وهو بالفعل ما فعلته الولايات المتحدة في التدخل في العراق فرغم المواقف الدولية المعارضة للعدوان الامريكي علي العراق الاّ ان الولايات المتحدة تبَنَّت مجموعة من الدوافع للتدخل في العراق منها رغبتها في التخلص من نظام صدام حسين الديكتاتوري والقضاء علي أسلحة الدمار الشامل ومحاربة الارهاب ونشر الديمقراطية! في العراق الاّ انها في حقيقية الامر لم تكن الاسباب المباشرة للقيام بالغزو وكان هناك دوافع مباشرة منها الدوافع الاقتصادية والاستفادة من بترول العراق و موارده وضمان أمن اسرائيل وتفوقها وكذلك من أجل اقامة مشروع القرن الامريكي وكذلك القضاء علي الدول الصاعدة في المنطقة وتحقيق الهيمنة الامريكية علي المنطقة. الهدف ألآخر للسياسة الأمريكية، هو الدعم لإسرائيل، ما زال على حاله، بل ازداد، بسبب انعدام الاستقلالية العربية سياسياً واقتصاديا. يُعد مصطلح الشرق الأو سط من أكثر المصطلحات إثارة للجدل والخلاف بين المتخصصين في دراسة العلاقات الدّولية بصفة عامة، والمختصين بدراسة منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة . فهذا المصطلح غربي النشأة ارتبط بمصالح المخططات الاستعمارية الغربية، التي التقت مصالحها مع مصالح الحركة الصهيونية، التي تطالب بوطن لها في فلسطين.استخدم مصطلح الشرق الأوسط كبديل لمصطلح الوطن العربي، الذي يساعد على إذكاء الهوية العربية، والدفع بالوحدة العربية للأمام، بالتالي فمصطلح الشرق الأوسط مصطلح سياسي استراتيجي.
هناك العديد من النظريات التي أعطت أولوية ودورا كبيرا للعوامل الخارجية و خاصة أثر النظام أو النسق الدولي في بناء السياسة الخارجية لمختلف الفواعل الدولية، بحيث تُعتبر هذه المقاربات من خلال العديد من فرضياتها بأن سلوك الدول الخارجي ما هو إلا استجابة أو ردة فعل للتفاعلات التي تحدث في النسق الدولي، و بالتالي فإنه ما على الدول أو الفواعل إلا التكيف معها. إن منطلقات الواقعية في تفسير العلاقات الدولية جاء مغايرا تماما لما كانت عليه النظرية المثالية تنادي به، خاصة باعتبار أن النظام الدولي والسياسة الدولية قائمين على الصراع من أجل القوة، أما المسألة الأكثر خطورة التي جاءت بها الواقعية في نظر المثاليين هو عدم جدوى القانون الدولي نتيجة عدم وجود سلطة قوية و شرعية في النظام الدولي، وبالتالي الفوضى الشاملة التي تؤدي إلى إستبدال مصطلح الأمن الجماعي بالأمن القومي. لذلك يرى كيسنجر ومورغنتو أن انتهاج سياسة خارجية ذات أهداف محددة، كالحفاظ على الكيان فقط ستكون له نتائج خطيرة على الدولة، لأنه يصعب فصل السياسة الداخلية عن الخارجية لاسيما في ظل تزايد الاعتماد المتبادل، وهذا ما يفرض على الدول وجوب مراعاة موازين القوى في النسق الدولي عند صنع سياستها الخارجية. كما يرى هانس مورغنتو بأن الدول النامية هي الأقل تأثيرا بالنظام الدولي، وأن سياستها الخارجية هي عبارة عن ردود أفعال لمواقف القوى الخارجية، و بالتالي فإن الدول النامية لا تستحق اهتمام الباحثين و الدارسين ، لأنها تفتقر للقوة و القدرة على التأثير في النظام الدولي.
إن قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الهيمنة، لايرجع فقط لتحكمها في عناصر القوة وإنما سببه كذلك الانقسام الأوروبي وافتقاده لتصور موحد حول مستقبله السياسي ودوره في النظام الدولي ومنافسته على مراكز الريادة العالمية. الأمر ذاته ينطبق على العالم العربي والإسلامي، بخصوص أزمة العراق ولبنان والمسألة الفلسطينية، جميع هذه الأزمات هي بالدرجة الأولى نتيجة انقسام داخلي قبل أن يكون للبيئة الدولية دورا فيها. لأن مثال الإتحاد الأوروبي، الذي يضم دولا كبرى في عضويته، يوضح بصورة جلية أن الخلافات الداخلية هي أشد خطرا من العدو الخارجي، ولا تكفي القوة المادية سواء العسكرية أو الاقتصادية وحدها في هذه الحالة. إذن بإجراء مقارنة بسيطة بين التدخل الأمريكي في البوسنة وتدخلها في العراق، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتَّبع سياسة المماطلة في الصراع في البوسنة، وكانت دائما تصر على عدم تدخلها إلا في إطار الشرعية الدولية، وهذا راجع لسبب بسيط جدا هو أن أمريكا لم تكن تريد حل وتسوية في البوسنة وكانت تعلم أن الأطراف المختلفة لا يمكن لها حل الصراع، وبالتالي الوصول إلى طريق مسدود. وذلك كي يبرز الاتحاد الأوروبي عاجزا عن اتخاذ أي مبادرة دون الولايات المتحدة الأمريكية، إذن هذه الأخيرة أرادت تسجيل نقطة لصالحها على حساب الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى أن الصراع لا يهمها والمنطقة محسوم أمرها بالانضمام المرتقب لدول وسط وشرق أوروبا إلى الحلف الأطلسي. أما عن الأزمة العراقية، فإن أمريكا اتخذت سياسة مغايرة وكانت تسابق الزمن كي تصدر قراراً يدين العراق، لكي يمكنها من التدخل العسكري المباشر، كما كانت تلّوح باستعمال القوة في كل مرحلة من مراحل النزاع، وهذا نتيجة لسبب آخر راجع لأهمية المنطقة الخليجية بما فيها العراق نتيجة حيازتها على الموارد النفطية، وبالتالي وظَّفَت الولايات المتحدة المقاربة العسكرية، وإن استعملت الوسائل الدبلوماسية لكن بصفة محدودة، نظرا لأهمية المنطقة في الاستراتيجية الأمريكية، وضرورة إحباط أي محاولة لمنافستها على المنطقة وعليه فإن الحرب العراقية أو الصراع على العراق قد عكس تصورين للعالم، تصور أوروبي قائم على احترام القانون الدولي والبحث عن التسوية السلمية، وتصور أمريكي للعالم قائم على استعمال القوة إن هددت مصالحها، وقد استطاعت بهذه القوة التأثير وتوجيه القرار الأوروبي. فالرئيس روزفلت مثلا دخل الحرب العالمية الثانية تحت شعار “مقاومة البربرية وتحقيق الحرية”، أما “جون كيندي” فقط ورَّط أمريكا في حربها ضد فيتنام باسم محاربة الشيوعية وحصارها، كما أن الرئيس السابق كلينتون دخل في حرب كوسوفو من أجل حماية حقوق الإنسان، وبالنسبة “لمادلين أولبرايت” وزيرة خارجية أمريكا في عهد كلينتون وصفت الولايات المتحدة “بالأمة التي لا يمكن الاستغناء عنها” من أجل الدفاع عن الحرية في العالم !.
ألرؤساء الجمهوريون كان لهم ولا يزال لحد الآن نصيب في ترويج إيديولوجية وفلسفة الأمة الحتمية التي لا يجب الاستغناء عنها حيث أن الرئيس “ريغان “والذي بدأ في عهده “ظهور المحافظون الجدد”، وفي أول خطاب له في كانون الثاني 1981 يعلن بقوله:” أننا أمة االله وإني أعتقد بأن االله قد قدر لنا أن نكون أحرار”. إن رؤية أمريكا لنفسها بأنها الأمة التي لا يمكن الاستغناء عنها حول سلوكها الخارجي في إطار العلاقات الدولية من الجانب الإيديولوجي-الثقافي العالمي(القوة اللينة) إلى القوة الصلبة باستعمال القوة العسكرية لفرض قيادتها للنظام الدولي، حيث أصبحت الآحادية القطبية هي نتيجة تصورها بأنها أمة وجودها ضروري في العالم. لقد ترتب عن إحساسها بهذا الشعور الخروج أكثر عن الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي مما أدى بها إلى التمرد على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فقد دخلت كوسوفو دون غطاء مجلس الأمن والأمم المتحدة وكذلك فعلت في تدخلها في العراق. عند الاختيار بين التكتيكات الأحادية والتعددية فإن الولايات المتحدة الأمريكية، تحرص دائما على أن قراراتها لا تؤثر على قوتها الناعمة أو اللينة أي فيما يخص جوانب الجذب الثقافي الأمريكي، لأن التركيز الكبير على القوة العسكرية قد أدى إلى ضرب هذه القوة اللينة التي تمتعت بها أمريكا قبل نهاية الحرب الباردة، نتيجة التصرفات الأحادية المفرطة وبالتالي فإن أمريكا قد أصبحت تتمسك بسياستها المتغطرسة مع تقديم محاولات لشرح الموقف وإقناع الآخرين الأمر الذي فشلت فيه خاصة مع بعض الخصوم حاليا، أصدقاء الأمس كالحلفاء الأوروبيين. إذن فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحرص على بعض السياسات والإستراتيجيات التعددية لتدعيم هيمنتها الأحادية بشكل يضمن لها التقليص من عدد المرات بالخروج عن الشرعية الدولية واحتمالات العداوة ضدها من قبل المجتمع الدولي. سياسة العمل المشترك هي ضرورة في المسائل ذات الطبيعة التعاونية التي لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تديرها بدون مساعدة البلدان الأخرى، أو بمعنى آخر التعددية هي ضرورية لقيام دول أخرى بتسديد فاتورة أعمال تتسبب فيها أكثر الولايات المتحدة الأمريكية.
عدم مصداقية السياسة الأمريكية تجاه حماية الإنسان في الدول الأفريقية، حيث تتناقض هذه السياسة بالسعي الأمريكي لاستخدام المساعدات من أجل الضغط على الدول الإفريقية بالتوقيع على اتفاقيات ثنائية تتضمن حصانة الجنود الأمريكيين من المثول أمام المحاكم الدولية للتحقيق في قضايا انتهاك حقوق الإنسان، وبالتالي فهي إن كانت تطالب بعض الدول الأفريقية باحترام حقوق الإنسان، فإنها تطالبها باستثنائها من هذه القاعدة.فكانت الشروط السياسية للمساعدات الأمريكية هي أداة لتحقيق الإصلاحات السياسية الشكلية، ولم تسفر عن أي إصلاحات سياسية حقيقية من حيث الممارسة الفعلية، ومن ثم فقد طبَّقت هذه النظم إصلاحات شكلية فقط من أجل الحصول على هذه المساعدات، وأدخلت تعديلات على الدساتير الوطنية بشكل يضمن بقائها وسيطرتها السياسية، وفي كثير من الأحيان دعمت هذه المساعدات بقاء النظم القمعية الحليفة للولايات المتحدة التي جاءت إلى السلطة بالوسائل العسكرية وحافظت على وجودها بفضل هذه المساعدة ودعمت شرعيتها من خلال السماح بالتعددية الحزبية والمنافسة غير المتكافئة في الانتخابات التي شابها الكثير من الانتهاكات السياسية مثل التزوير وقمع المعارضة.
لقد استطاعت الديمقراطية اللبرالية في أمريكا أن تحتفظ بكامل نقائها مما جعلها مميزة إلى حد كبير عن الديمقراطية الليبرالية التي شهدتها الدول الأوروبية، ويعود هذا الأمر إلى جملة من العوامل أبرزها يتمثل باختلاف التطور التاريخي الذي خضعت له الولايات المتحدة بالقياس إلى التطور التاريخي الذي شهدته الدول الأوروبية، لأن أمريكا لم تعرف المشاكل التي ترتبت على وجود الإقطاع، وتزعزع المجتمعات الزراعية وسيادة البيروقراطية.
كما حصل في أوروبا. إن الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، وجدت نفسها بمنأى عن هذه المشاكل مما يسمح لها بالبقاء نقية بكل خصائصها الليبرالية الصرفة، وهذا هو السبب الذي جعلها تعتز وتفتخر وتسوق ديمقراطيتها عالميا، وتستهين بأشكال الديمقراطية في أوروبا. ومنه سعت الولايات المتحدة الأمريكية، إلى فرض نموذج ديمقراطي والخروج بقيمها السياسية خارج حدودها الوطنية ونشرها عالميا، حيث دخلت الديمقراطية الليبرالية الأمريكية، في صياغة السياسة الخارجية بشكل مباشر وفعال، عبر الدعوة إلى السلام وإنهاء الصراعات والحروب والدعوة إلى مبدأ حرية تقرير المصير، والوقوف ضد الديكتاتوريات اليمينية واليسارية وتقديم المعونات المرتبطة بالتغيير والإصلاح في المؤسسات الوطنية الحكومية لتعتمد الديمقراطية عن طريق العقلانية الداخلية والعقلانية الخارجية. كما أن اعتماد الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية التي أصبحت متغير رئيسي من متغيرات النظام الدولي الجديد، وذلك ضمن التوجه العام لعالمية السياسة الخارجية الأمريكية، التي لا تنفصل عن الرغبة الأمريكية قي ضمان الهيمنة، نجد أنها استعملت قيم عديدة من ثقافتها السياسية وأفرزتها في النظام الدولي.