حوار الأديبة الجزائرية الدكتورة زينب لوت مع الشاعر عصمت شاهين دوسكي: * كلما زاد الألم في ذهن وروح البشرية زاد الاستياء للآخر

 

* الثقافة والفنون تحدد هوية الشعوب بتاريخها وتراثها

* الأدب الكردي بطبيعته الجبلية وارثه الأصيل غني بالقيم الإنسانية

* المرأة الكردية ذكية وجميلة ومخلصة في أعمالها الأدبية والفنية

* الإبداع يقتل قبل ولادته

* كتاباتي الأولية نضجت تدريجيا وفق الأحداث الزمنية العصرية

حوار : الدكتورة الأديبة الجزائرية زينب لوت

* بدايتك في الشعر كانت مبكرة كيف كانت التجربة ؟

– بدايتي منذ الطفولة حيث الحلم والعوالم المرئية واللا مرئية أبحث عن الحب والأمان والسلام  وأتلمس شغف القراءة والكتابة والتعبير عن ما يجول في خاطري وصمتي وتمردي حيث كنت قليل الكلام مثلما البرق والرعد يلهمني الحدث ،كان بكاء طفل يستفزني يؤلمني حيث كانت البسمات الحزينة ترافقني في طور المشاكل والأحزان والقليل من المسرات في أجواء الفقر والحرمان في أزقة شارع فاروق وحضيرة السادة المتواضعة والتشبث بحلم قد يكون بعيدا ،أثارت فيا أشعار القدماء امرؤ القيس طرفة والمتنبي والبحتري وزهير بن أبي سلمى قيس بن الملوح حسان بن ثابت الجاحظ عنترة بن شداد أبو العلاء المعري وتلتها كتب معاصرة طه حسين توفيق الحكيم إحسان عبد القدوس عباس محمود العقاد  المنفلوطي إبراهيم ناجي محمود درويش نزار القباني الجواهري البياتي بدر شاكر السياب نازك الملائكة فدوى طوقان  أحمد خانى عبد الله كوران علي حريري ملا جزيرى  سليم بركات بدرخان سندي وغيرهم والتطور إلى عالم الأدباء العالميين أمثال فيكتور هيجو وليم شكسبير فيديور ديستويفسكي فرانز كافكا ليو تولستوي ارنست هيمنغواي السكندر بوشكين يوهان غوته دانتي سارتر ارسطو كل هذه التجارب الأدبية كحزمة أطياف قوس قزح صاغت جمالية فكرية وحسية إنسانية في كتاباتي الأولية ونضجت تدريجيا وفق الأحداث الزمنية العصرية .

  • قد أضاف العمل الثقافي تجربة وثقافة من هي الشخصيات والنصوص التي تأثرت بها ؟

– ولدت في وسط مدينة دهوك في محلة شيخ محمد عام 1963 م والآن عمري ثمانية وخمسون وما زلت أعاني بين ولادتي وحاضري فكريا وعاطفيا ، مرت أحداث وتجارب مؤثرة في حياة العراقيين والكرد والعالم وتناقضات لا حدود لها  ، ثمانية وخمسون عاما وأنا أشاهد عمليات إبادة إنسانية بطيئة وفي الوقت الحاضر في الأعوام الأخيرة ظهرت عمليات إبادة جماعية وكلما تقدم بي العمر أصبحت اشد وعيا وأكثر إدراكا بما نعانيه من ظلم وجهل وجوع وفساد هكذا حينما تغيب العدالة الاجتماعية والتربية السليمة تتجلى غيوم معتمة تحاول أن تمنع وصول أشعة النور للإنسانية ، فكلما زاد الألم في ذهن وروح البشرية زاد الاستياء للآخر الذي هو محط وجود جبري الذي يتضمن الثقافة والعقلية الإدارية ، وكوني أعرف نفسي شاعر وناقد كتبت الكثير من النقد الأدبي والفني حتى تجلى النقد في صوري الشعرية التي أريد من خلالها أن يكون العالم أفضل إنسانيا ووجوديا ، وقد ذكرت لك في السؤال السابق بعض الأسماء والشخصيات التي تأثرت بأفكارهم ونصوصهم الأدبية الفكرية والفلسفية والشعرية .

  • المهرجانات الشعرية تجسيد لمهارات الأداء ونقل الصورة الشعرية حية مؤثرة كيف تعايشت مع المتلقي وما هي نصوصك الأكثر تأثيرا في نظرك ؟

– المهرجانات الشعرية مهمة حيث الشاعر والمتلقي وجها لوجه وأكثر تواصلا وتميزا وإبداعا في حضرة تبادل الآراء والنقد البناء ومن خلال إقامتي أمسيات أدبية في مدن دهوك وزاخو والموصل وقراءتي لبعض قصائدي وجدت تفاعلا أكبر وتبادل آراء وأفكار أشمل وأوسع ،يصف الشاعر الفلسطيني محمود درويش إن العراق بلد الشعراء وشيء طبيعي أن يكون هناك بين الشاعر والمتلقي اختلاف وجهات النظر،  ورأيي حينما تكون الأسس المهرجانية الشعرية في ظل المحسوبية والمزاجية واحتكارها لمجموعة ما وتهميش الشعراء الشباب سيؤدي إلى خلق خلل ثقافي إداري يؤثر على المتلقي ، ولكون القصيدة شفهية سمعية في المهرجانات الشعرية يبدأ تأثيرها بين تقاليد الشعر القديم والحديث حيث كان الشاعر نزار القباني مدافعا عن الشعر العربي  يقول: ” الشعر في الأساس صوت، وهو في شعرنا العربي، خاصّة، مخزون في حنجرة الشاعر وأُذن المتلقّي. فالصوت إذنْ قدر القصيدة وخيمتها”  ولا يمكن تجاهله ، أما نصوصي الأكثر تأثيرا فكل نص كيان لوحده له تأثيره وتفاعله .

  • اللغة الكردية شعرا ما هي الصورة التي تمنحها للفن من خلال اللغة ؟

– اللغة الكردية كباقي لغات العالم لها خصوصيتها في تشكيل صورة فنية اجتماعية واقعية وكما تعلمين أغلب المناطق الكردية ذو طبيعة جبلية جميلة فكانت ديمومة اللغة طبيعية بطبيعة المنطقة عشقا وجمالا وإحساسا وولاء وانتماء وما زالت نواة أساسية تمنح مكونات الفن والثقافة الإنسانية الفلكلور والديانات والمعتقدات حتى في اللباس والأزياء والأحداث ،فاللغة الكردية هي جزء من الثقافة والثقافة والفنون تحدد هوية الشعوب بتاريخها وتراثها من خلال الصور الشعرية التي تجسد المعاني التاريخية والمضامين التراثية الأصيلة وعبر الأزمنة كان لدور الشعراء الكرد كبيرا في بيان وتجسيد الواقع الفني والفكري كأمثال عبد الله كوران وأحمد خاني وبدرخان السندي ولطيف هلمت وغيرهم إن الشعوب المعاصرة تتحاور وتتواصل في ما بينهم من خلال الفنون وهذا يؤكد مدى أهميتها شعرا وفكرا وتصورا وتعبيرا ويمد العالم التجديد والنهوض والاعتدال واحترام الآخر مهما كان وهو مؤشر مهم لما يمر به المجتمع من أحداث وتناقضات ومصاعب من خلال اللغة الفنية التعبيرية .

  • لك مؤلف مهم ( اغتراب واقتراب) عن الأدب الكردي كيف حددت تصورك النقدي بداخله ؟

– كتاب ” اغتراب واقتراب ” مخطوط لم يطبع لحد الآن ويضم دراسة نصوص ( 18 ) أديبا كرديا ( الدكتور إحسان فؤاد – لطيف هلمت – جنار نامق – رشيد فندي – محمد سايم سواري – جمال بروارى – عدنان المزوري – بدل رفو – كيفي عارف – نزار البزاز – الدكتور وريا عمر أمين – جانيت المرادي – علي برزنجي – سالم كورد – اسماعيل روزبيانى – هجران شيواو – مصطفى حميد – جلال جاف ) لكل أديب رؤية في طرحه النصي والفني فالأدب للجميع دون تميز ،ناهيك عن المستوى العلمي والفكري والوعي ، الذي يكون عاملاً مساعداً لاستلام النص والمضمون والفكرة، فالأدب الكردي مثلاً بطبيعته الجبلية وارثه الأصيل غني بالقيم الإنسانية الغنية بالجمال الراقي والوفاء السامي والتواصل الإنساني مع جميع شعوب العالم ،ودراسته وتحليله وتجلي مداه الفكري وتجسيد إبداعه الروحي وتسليط الضوء عليه كدراسة أي أدب في العالم بجميع جذوره التي تمتد إلى عوالم خاصة به كنظرة أولى ،ولكن بأبصار ورؤية عميقة نرى ونحس إن جذوره تمتد إلى ما لانهاية من التطور الفكري الإنساني الإبداعي في مختلف الأطر الأدبية ،فلا يظن القارئ الكريم إن الأفكار محددة ومقيدة لنمط معين من الآداب ، فالأفكار لها الحرية في كل مكان وزمان ،ولكن يمكن القول إن هذه الأفكار النصية الأدبية لها خاصية جميلة عامة تتجلى بقوة الجبال وشموخه ،ونسيم الوادي وصفاءه،وخرير الجداول وانسيابه،وقامة الصنوبر وجماله ،وهكذا مثلما الصحراء لها مداها السرابي الواسع ،وصوت الريح الهاب مع الرمال ،وخيوط أشعة شمسها الساطعة ،والأديب الذي يكتب هنا وهناك بينهما خاصية المكان والزمان، ولا يمكن تصور الضيق في الفكر إن من يكتب عن أدب معين هو خاص به’ إلا ما رحم ربي فكل إناء ينضح بما فيه من جهة ،فحرفة الكتابة لها عوالم مميزة لإيصال الرسالة الأدبية للآخر،وهكذا الآداب الإنسانية للإنسان عامة إن كان في الشرق أو الغرب أو أي مكان في العالم .

الكتابة عن أفكار وروح وإحساس الأدباء لهو عمل شاق جداً فالبحث المستمر عن النص والفكرة الإنسانية إجهاد ومتعة ،إجهاد في الاختيار والتأويل الفكري والحسي الفني ومتعة الكتابة إنك تكتب عن الأخر ،هذا التواصل الفكري الإنساني بين الكاتب والأديب والنص ،يجسد استمرار الحياة الأدبية واستمرار التجدد ،والتغير مهما كان النص الفني شعرا، قصة، مسرح، أو لوحة أو أي مجال فني أخر ..وبعد كتابي الأول (عيون من الأدب الكردي المعاصر ) عام2000م  الذي ضم دراسة وتحليل عددا من نصوص الأدباء الكرد ومنهم الأديب الدكتور بدر خان السندي الأديب الدكتور نافع عقراوي الأديب صلاح زنكنة وصلاح شوان وعبدالله كوران ولطيف هلمت والفنان التشكيلي سالم كورد ومحمد البدري والشاعرة كولالة نوري والروائية كليزار أنور والأديب كاكه ى فلاح وصديق شرو وعبدالله عباس ومحمد درويش علي وحكمت الأتروشي وكريم ده شتي وأحمد تاقانه….وكتابي الثاني (نوارس الوفاء)عام 2001م الذي ضم الأدباء الكرد المبدعين الأديب الكبير جكر خوين الأستاذ المبدع صلاح سعد الله وصبري بوتانى ومحمد أمين بنجويني وخسرو الجاف ومحسن قوجان ومحمد سليم سوارى وفريد زامدار وعبد الرزاق بيمار وعباس عسكر وآزاد شوان وبرهان البرزنجي ونجم رحمن وارانى وعمر عثمان وبلقيس الدوسكي وسالار إسماعيل والفنان التشكيلي دلشاد نايف المزوري وغيرهم. وبعد تشجيع الأستاذ الكبير الأديب والإعلامي جمال برواري وسالم كورد وجلال جاف وبدل رفو وغيرهم من الأدباء المبدعين واصلت الكتابة ليكون هذا الكتاب (الاقتراب والاغتراب) وهو الكتاب الثالث عن إبداعات الأدباء الكرد بالنقد والدراسة والتحليل والتأويل.. أتمنى قد قدمت شيئاَ جميلا وقيماً على مأدبة العالم الأدبي الكردي والعربي والعالمي والإنساني بصورة عامة .

  • كتابك ( المرأة الكردية بين الأدب والفن التشكيلي) تناول علاقة المرأة بالفن هل يمكن الحديث عن أهم الأسماء والأعمال النسوية في الأدب الكردي ؟

– المرأة الكردية ذكية وجميلة ومخلصة في أعمالها الأدبية والفنية وهن كثيرات ولا يمكن حصرهن في كتاب واحد ولكني اخترت بعض الأسماء بين الأدب والفن التشكيلي  وعنوانه  ” المرأة الكردية بين الأدب والفن التشكيلي ” وهو كتاب لم يطبع لحد الآن وضم (23 ) أديبة وفنانة تشكيلية ومنهن ( الشاعرة أروى شريف جاف – الأديبة الدكتورة بلقيس الدوسكي – الشاعرة بهار محمد – الشاعرة تريفي دوسكي – الشاعرة  تيروز آميدي – الفنانة التشكيلية جانيت المرادي –  الفنانة التشكيلية جيهان محمد علي – الشاعرة جنار نامق – الأديبة خالدة خليل – الفنانة التشكيلية روناك عزيز – الشاعرة زكية المزوري – الفنانة التشكيلية رويده حسين – الأديبة زوزان صالح اليوسفي – الشاعرة سندس سالم النجار – الشاعرة سلوى كولى – الشاعرة فينوس فائق –  الشاعرة فرح دوسكي – الروائية كليزار أنور – الشاعرة كولالة نوري – الأديبة ميديا يوسف الحيدري – الأديبة نظيرة اسماعيل كريم – الشاعرة هيفاء دوسكي – الشاعرة هيفي بروارى  ) وقد كتبت عنه الأديبة المحامية السورية نجاح هوفك : ” بصيرة كاتب وشاعر أعطى للمرأة اهتماما كبيرا ليكتب عن معاناتها، آمالها، أحلامها ،عن الفكر المتقد بالإحساس الجميل، والذهنية المتحدية بين الواقع والخيال ، إنها المرأة الكردية التي تمتد جذورها إلى أصالة الحضارة وقد أخذنا اليه كاتبنا مع لوحات فنانات تشكيليات رسمن بالخطوط والصور تمازج الألوان بروحهن الحالمة، المتمردة ، المتفاعلة مع الطبيعة ، غزارة في الإحساس ، وتجسيد للواقع، والفن والإبداع عالم روحي مدون بإحساس عصمت دوسكي الذي سيبقى مصدرا فكريا ، جماليا ، ثريا ، لمدى تعاقب الأجيال ليأخذنا من خلال عوالمه الشعرية إلى عالم الأنثى لنكتشف فيه السحر والأصالة والقوة ممتدا من تاريخ الأمس متفاعلا مع الحضارة المعاصرة .” ولو طبعته إحدى الدوائر المعنية بالثقافة الكردية أو الشخصيات الثقافية أو الجهات النسوية القادرة على مهمة الطبع والنشر لمدت معنويا أطر الاستمرار والإبداع واستمرار الكتابة عن الأدب الكردي فهناك كتاب آخر عن الأدب الكلاسيكي الكردي عنوانه ” فرحة السلام ” ما زال على الرف ويضم  ” 18 ” شاعرا كلاسيكيا كرديا  ( علي الحريري – فقيه طيران – أحمد الجزيري – شمس الدين الاخلاطي – خالد الزيباري – احمد خاني – منصور الكركاشي – حسين الباته يى – برتو الهكاري – بكر بك الارزي – نور الدين البريفكاني – طه المائي – حسني البامرني – غياث الدين النقشبندي – أحمد نالبه ند – ممدوح البريفكاني – أنور المايي – طاهر الشوشي ) .

  • ( جمال الرؤيا عن الشعر النمساوي) خروج عن الشعر العربي إلى الشعر الغربي ما هو الاختلاف الفني بينهما وكيف ترى الشعر النمساوي من حيث المزايا الفنية ؟

– الشعر نص فني جميل بذاته فإن علم الجمال ونظرياته هي أسس قيم الشعر النقدية ومدد هذه القيم التكميلية الذائقة الموسيقية للشعر إضافة إلى التصوير وذلك بفلسفة جمالية حسية ترسم خصائص النص والمضمون وبما إنه جمالا تعبيريا كلاميا تسخر اللغة في متونها والبلاغة في نماذجها لنصل إلى بناء نظرية الشعر ونقده ونميز خاصية الجمال التعبيري الكلامي عن بقية الفنون الأخرى وهناك سلوك الفكر والجوارح وهما مهمان في مضمون الشعر وتظل المفردة العربية مأثورا عربيا معبرا بين الجمال والقبح والحق والباطل ويظل فسق أبي نواس مثلا في صوره الجمالية شعرا لأنه حقق دلائل جميلة في التعبير الكلامي فالشعر طاقة وقدرة مميزة على الأداء الجميل لأي مضمون كان ، والشعر العربي ببحوره وتشعباته وأفعاله وصوره يميزه عن باقي الشعر كجوهر وروح وإحساس وجمال وهذا لا يعني إن الشعر النمساوي مثلا بعيد عن هذه المضامين كشكل وتنظيم وروح كونه كيان اختار صورة تعبيرية جمالية خاصة به تتعلق بصحة البناء الشعري لغة والمفردات والروابط والصيغ وجمال التركيب فهذا يسرد وصف الطبيعة شعرا وآخر يختار من أغراض الشعر من مدح وهجاء وغزل وآخر يذكر أسماء مدن وبلدان وأحداث وحينما أخص الشعر بجمالية وحسية فلسفتي الجمالية  ليست جزئية ،بل الجمال في تجربتي الأدبية عطاء علمي وفكري، والحس الجمالي بمستويات عالية ُترصد في الجوهر الشعري بناء على مستويات ذاتية  تربية وفكر وعلم. وتضمحل مجانية الجمال في الإحساس بمقدار ما يتربى الحس علميا وفكريا ومن أهم دلائل الجمال الدهشة  والإثارة والقدرة على التغيير لجذب المتلقي، والجبروت الفكري، والجدية والابتكار والإيحاء . أما الفارق بين الشعر العربي والإنكليزي فالفروق والمظاهر مختلفة فأشملها أن شعر العرب شعر مقصور على أمة واحدة، وأن شعر الإنجليز شعر متفتح واسع الجوانب بحياة أمم  مختلفة. فإذا أردت أن تعزل الشعر العربي عن أشعار العالم  قديمها وحديثها، لم يكلفك ذلك أكثر من حذف كلمات تسربت إليه من اللغات الأخرى، وتبديل مصطلحات لا تتعدى ظواهر المعيشة والتطور العصري، وأن تبلغ إلى بواطن الأفكار والسرائر. ولا يمكن أن تضع الشعر الإنجليزي بمعزل عن آداب العالم، وتخرج ما تسرب إليه من الآداب اليونانية والرومانية والفرنسية والإيطالية وعقائد المسيحية، وما امتزج به من أساطير ، وخالطه من حياة الإنسانية العامة ولا يمكن أن تمسح عنه الصبغة الإنجليزية المستقلة، والخصائص التي استفادت من عناصر هذه الأمة، فأنت بين شعر له صبغته القومية التي لا تختلط بصبغة أخرى، وله في الوقت نفسه وشائج إنسانية لا تمحو عنه تلك الصبغة القومية. فمثلا الشاعر النمساوي ادوارد ف اورتنز يثير صور واقعية بكثافة والشاعر ارنست ياندل يخص مضمون الإهانة من الضعف إلى الارتقاء والشاعرة اندريا سايلر تفسح عالم في هامش الحب والجمال والشاعرة انغيبورك باخمان في مضمون العبودية والشاعرة روزا بوك تجول في حدة الخيانة وغيرهم بمضامين أخرى كنقد أساليب الكنيسة والواقع والحلم وقد اخترت في كتابي الأول بدراسة ونقد وتحليل ( جمال الرؤيا ” 19 ”  شاعر وشاعرة نمساوية ) – وكتابي الثاني ( جزيرة العشق – ” 18 ” شاعر وشاعرة نمساوية ) . وكلاهما لم يطبعا لحد الآن لعدم قدرتي على كلفة الطبع والنشر .

  • تجاوزت الشعر إلى الرواية (الإرهاب ودمار الحدباء) هل هي رواية من الواقع أم استدراج متخيل فني حدثنا عن تفاصيل الرواية؟

– رواية الإرهاب ودمار الحدباء رواية واقعية تلخص ثلاثة أعوام من الإرهاب في مدينة الحدباء الموصل – نينوى – التي عانت من الويلات والجوع والفقر والذل والإهانة والقتل العلني بحيث تعلق أجساد الموتى على أعمدة الكهرباء لأيام ،صور إرهابية لا يمكن وصفها بكلمات فهي أبشع صور منذ وجود الخليقة على الأرض، أتت الفكرة بعد دمار بيتي وسيارتي وأرشيفي الأدبي بصاروخين من طائرة مقاتلة بحجة شخص إرهابي يرمي المحررين من فوق السطح وبعد التحرير قالوا لي نحن متأسفين فذهب أدراج الرياح كل ما جمعته من سنين عمري ولم تبقى سوى أطلال باكية وحين القصف كنا في بيت جيراننا ،بعدها نزحنا إلى مدينة دهوك وبعد تواصلي مع الصديق الأديب والإعلامي الكبير أحمد لفتة علي اقترح علي فكرة كتابة رواية تلخص مشاهدات واقعية عن الإرهاب والدمار في الحدباء وفعلا كتبت الرواية وأبطالها أنا وعائلتي تضمنت الرواية عشرة فصول ( قبل البداية – من وراء الحدود – دهوك المنطقة الآمنة – احتلال الموصل – منهج ورؤية – الانكسار – إعلان ساعة الصفر – دمار البيت – البحث عن مكان – رحلة بلا نهاية ) . كتب عنها الدكتور الأديب هشام عبد الكريم قائلا : ”   أحداث هذه الرواية أحداثا واقعية لم يضف عليها السارد شيئا من الخيال بل كان منصفا في ذكرها  وسردها ، وقد رصد أيضا الأسباب التي كانت وراء احتلال الموصل من تقاطع بين الحكومة المحلية وقادة الجيش فضلا عن ساحات الاعتصام التي غذت وعجلت من سرعة الاحتلال ، وقد لمح الكاتب إلى وجود أمر دولي مبيت لاحتلال هذه المدينة ومحو هويتها .كانت أحداث الرواية تتسارع كما هو الحال في الواقع ، وقد نقلنا الكاتب إلى أمكنة عدة من بيته في حي سومر إلى أحياء أخرى في مدينة الموصل ومن ثم الانتقال إلى كركوك واربيل وأخيرا إلى دهوك .وما هذه التنقلات إلا بحث عن الخلاص وإنقاذ العائلة من الموت والفناء ، كان السارد هو من يروي الأحداث لم يستعن بأحد لأنه الشاهد الحقيقي والبطل في هذه الأحداث المؤلمة .لغة الرواية لغة وصفية استطاعت أن تضعنا في أوار الحدث وهذه اللغة هي الأنجح في مثل هذا النوع من الروايات ، ذلك لأنها كتبت وهي مرافقة وقريبة من الحدث ، وأخيرا يمكنني القول إن هذه الرواية استطاعت أن توثق وتؤرخ لمرحلة تاريخية مهمة من تاريخ مدينة الموصل ونكبتها التي ستتناقل ذكرها الأجيال” لو كانت هذه الرواية في أوربا لانتشرت سريعا وربما غدت موضوعا مهما على شاشة سينما واقعية ولكن مع الأسف الإبداع عندنا يقتل قبل ولادته .

  • لك كتابات عن أعلام أدبية هل يمكنك الحديث عن هذه التجارب ؟

– الأعلام الأدبية علينا الإشارة إليها وتسليط الضوء عليها في زمن اللا مبالاة واللا اهتمام بل نفيهم وتركهم بين أربع جدران ضيقة وعدم إعطائهم حقوقهم الأدبية والعلمية وعدم إفساح المجال أن يقوموا المجتمع وبيان الأساليب السلبية والإيجابية وإيجاد الحلول لها فالفساد الخلقي والأخلاقي وتركيبة الباطل على الحق وديمومة الجهل والفقر والجوع والظلم وتسليط الطواغيت على الأبرياء وفقدان العدالة الاجتماعية والتربية الصحيحة ونشر المحسوبية والحزبية والأنانية والطائفية أظهرت ثقافة سميتها ” ثقافة القبور ” حيث الروتين الفكري والإداري والملل المنهجي والتكرار الوهني وضياع الحق والحقوق وإظهار شعارات براقة مجرد شعارات مكسبية حسابية لا تغني من جوع بين هذه العوالم المتناقضة يتيه الفكر والعلم ولا يبقى سوى أسمه فقط . وفي هذا الشأن كتبت كتاب ( إيقاعات وألوان عن بعض أعلام التطواني المغربي ومنهم ( بن كيران التطواني –  عمر البقالي – جمال الموساوي – جميلة مريبطو – محمد المرض – جليلة مفتوح – محمد السرغيني – خالد الضاوي – نور الدين الوادي – سعيدة املال – فاطمة بنيس – رضوان حداد – محمد انقار – زكية بو قديد – سلوى الشودري – بو عبيد بو زيد – احمد بن يسف – سعيد بن سفاج – عبد الخالق اغزوت – سميرة امزغار – نسرين الشودري – رضوان الوادي ) ولم يتم طبعه ونشره لحد الآن .

. • يقول بيكاسو ” الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية ” الشعر بلسم الحياة وامتداد في فضاءات متخيلة عميقة كيف كانت تجربتك الشعرية حتى الآن ؟ وما هي منجزاتك؟

– منذ عام 1978 م وأنا في عوالم الكتابة عانيت الكثير وما زلت أعاني ولو طبعت كتاباتي النقدية ومجموعاتي الشعرية لأصبحت أكثر من 30 كتاب ،مرت تجربتي الشعرية بمفهوم التجربة الشعرية الخبرة النفسية حينما يقع الشاعر تحت سيطرة مؤثر ما موضوع انفعل به  فيندمج فيه بوجدانه وفكره وإحساسه مستغرقا متأملا حتى يتفجر ينبوع الإبداع لديه فيصوغه في الإطار الشعري الملائم لهذه التجربة ذاتية كانت أو عامة . بما يجود فيها الوجدان  العاطفة والإحساس والانفعال والشعور.والفكر المعاني والخواطر وما تضمنه الأبيات والصورة التعبيرية التي تشمل الألفاظ والعبارات والصور والموسيقى والصياغة الشعرية . أما عن منجزاتي الأدبية فهي ( 8 ) كتب نقدية وشعرية صدرت في أمريكا ” الرؤيا الإبراهيمية ” والمغرب ” ديوان بحر الغربة ”  وبإشراف تونس ” مجموعة شعرية – حياة في عيون مغتربة ” وسورية ” سندباد القصيدة الكردية وبغداد مجموعة شعرية وستبقى العيون تسافر وعيون من الأدب الكردي المعاصر ونوارس الوفاء وفي دهوك رواية الإرهاب ودمار الحدباء كل هذه الكتب صدرت من قبل أشخاص أثمن واقدر واشكر جهودهم وتواصلهم واهتمامهم . وهناك كتب نقدية ومجموعات شعرية ما زالت على الرف امسح عنها الغبار بين حين وآخر .

  • هل تعكف على مشاريع فنية ونقدية في الأفق ؟

– نعم هناك طموح وأمل وحلم أن تطبع كتبي النقدية والشعرية ذات يوم ومنها ( اغتراب واقتراب – عن الأدب الكردي المعاصر فرحة السلام – عن الشعر الكلاسيكي الكردي  – المرأة الكردية بين الأدب والفن التشكيلي – إيقاعات وألوان – عن الأدب والفن المغربي – جزيرة العشق – عن الشعر النمساوي – جمال الرؤيا – عن الشعر النمساوي . وكتب شعرية معدة للطبع : ديوان شعر – أجمل النساء – ديوان شعر – حورية البحر ديوان شعر – أحلام حيارى – ومجموعات أدبية أخرى .

  • كيف ترى المرأة- الوطن- الذات شعرا ؟

– المرأة والوطن والذات توائم لا يفترقان عن بعض فحينما أكتب تتجسد هذه الصور الثلاثة معا وسمعت وقرأت ألقابا عدة من المعجبين مثلا – ملك الإحساس – شاعر المرأة والوطن – شاعر الإنسانية وجميعها روافد تصب في بحر الإسانية الذي يكون أشمل وأوسع فالمرأة عندي مقدسة كذلك الوطن والذات . فالذات تساوي عندي نحن وحينما تصل إلى هذه المرحلة تكتشف معاني الإنسانية . والمرأة رغم البنود العالمية لحقوق المرأة والشعارات الرنانة ما زالت تعاني من القيود والأفكار البالية حيث اختلطت مضامين الحرية بجوهر الحرية التي تسمو بالمرأة وترتقي بها فارتقاء المرأة ونضوجها الفكري يقيم مجتمعا راقيا . والوطن الجريح أحيانا يباع بثمن بخس حيث التفكير في الجيوب والخزانة الأنانية أفضل من وطن فيه كل الثروات التي تسع للجميع لكن الجشع والطمع وفساد الضمير يدعو له لبيع الوطن والإنسان .

  • حسب حديث إرنست ليفي:  “ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال ” ماذا يعني لك السلام جائزة أم روحا تنشد الاستقرار المكاني والإنساني؟

– أعمل جاهدا أن أصل إلى معاني السلام والإنسانية الحقيقية وليس الظاهرية ولست ممن يركضون أو ينتظرون شهادة ما من هنا وهناك فالسلام عندي أن تقدم شيئا ايجابيا للعالم مهما كان صغيرا أو كبيرا مع الأسف ليس هناك جد واهتمام بالأدب والعلم إلا ما ندر ولهذا تجدين الإنسانية تمر في مآسي ومعاناة ومكابدات وفي قصيدتي أنا بلا عمل أقول : (لا أركض وراء شهادة ورقية

أنا الشهادة ، أنا الهوية ، أنا الأجمل

فهل تبحث لي عن عمل

أم أحمل وطني وأرحل ..؟ )

كل الأمم المتحضرة تهتم بالأدب والعلم

* بماذا يساهم الفن من أجل الإنسانية ؟

– للفن دور أساسي في تطور وتعزيز الخلق السليم والتربية والتعليم حيث يزيد من التفاعل والتعبير عن النفس بمهارات جديدة وتمنح الثقة والطاقة الفكرية الايجابية وتسهيل سبل الإبداع وتنمية الروح والإحساس وتطوير السلوكيات والعادات السليمة والتحسين والمثابرة والصبر ويعمل على تجديد وتطوير الشخصية إلى الأفضل فمن يتعلم الرسم أو الموسيقى مثلا بكون منضبطا دقيقا ويحس بقدرة التغيير ليعطي جهدا فنيا مميزا للإنسانية أما الشعر فهو تقديس الإنسانية بحد ذاته من أفكار ورؤى متقدة بالحب والسلام والسمو والارتقاء والإبداع  من أجل حضارة إنسانية واعية يضرب فيها المثل التطوري في منهج العدل والحكمة والتعليم فبناء الإنسان أولا ثم بناء العمران .

  • كلمة توثق فيها هذا الحوار الماتع ؟

– كنت أحلم أن أكون في عالم أكثر رحمة وأكثر إنسانية وأكثر عدلا ،وكأني في زمن غير زمني ، شكرا جزيلا لوجودك النبيل الجميل وسعة صبرك الراقي وإن شاء الله القادم أفضل للجميع .