في أحد أيام صيف عام 1979 من القرن العشرين المنصرم زارني صديق من مدينة مهاباد ، وكنا وقتذاك نقيم في معسكر [ زيوه ] التابع لمحافظة أروميه في كردستان ايران . وكان صديقي هذا كردي من كردستان العراق سكن في مدينة مهاباد بعد إنتصار الثورة الإيرانية . بعد عدة أيام في إستضافتنا ، قال لي ؛ مير لِمَ لاتزورنا في مهاباد ..؟ ، فقلت ؛ لديَّ النية في زيارتكم وزيارة مدينة مهاباد التاريخية ، وأنا أحبُّ كثيراً هذه المدينة الكردية التي كانت عام 1946 عاصمة للجمهورية الكردية برئاسة الشهيد القاضي محمد [ 1893 – 1947 ] ، فقال ؛ لنذهب اليوم ، ثم ألحَّ عليَّ في الذهاب معه ، فترجلنا السيارة صوب مهاباد ووصلناها بعد ساعة ونصف الساعة . ولما وصلنا قرب باب منزله شاهدت أفراداً مسلحين ، فدخلت معه المنزل وبعد الإستراحة وتناولنا للغداء ، سألته ؛ ما قصة أولئك المسلحين قرب الباب ، فقال ؛ مير منزلنا يُجاور منزل الشيخ عزالدين الحسيني تماماً ، فهؤلاء المسلحون هم قرب الباب لأجل الحراسة ، ثم أضاف ؛ غداً سألتقي بالشيخ الحسيني وآخذ موعداً كي تلتقي وتتحدث معه أنت أيضاً ، فشكرته على ذلك .
قبل التطرق الى لقائنا بالشيخ عزالدين الحسيني أود أن أتحدث قليلاً عنه . الشيخ الحسيني [ 1921 – 2011 ] ، هو فقيه ورجل دين وسياسي كردي من مدينة مهاباد الكردية في كردستان ايران .
الشيخ عزالدين الحسيني هوأحد الشخصيات الدينية والوطنية الكردية ، قضى ثلاثون عاماً في مدينة مهاباد في تدريس العلوم الدينية ، في مساجدها ومدارسها الدينية . وكان ينشط وطنياً للقضية الكردية منذ شبابه المبكِّر ، فهو مارس نشاطه السياسي في جمعية الحياة الكردية عام [ 1944 ] ، ثم في جمهورية مهاباد ، وآستمر حتى عام 1979 حيث إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية وزوال النظام الملكي من ايران . وبعدها كثَّف من نشاطه لحل القضية الكردية في كردستان ايران ، ولهذا الغرض سافر الى قم وطهران وآلتقى بالقادة الإيرانيين ، في مقدمتهم روح الله الخميني قائد الثورة والمهندس مهدي بازركان رئيس الوزراء المؤقت وغيرهما .
بعد عودته الى مدينة مهاباد ولقاءه بالقادة الإيرانيين صرَّح مراراً الشيخ عزالدين الحسيني بأن النظام الإيراني الجديد ، هوضد القضية الكردية وليس له مشروع عادل لحلها . عقب إندلاع المعارك بين الجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني والقوات الكردية ، بخاصة الحزب الديمقراطي لكردستان ايران الذي كان يقوده يومذاك الدكتورعبدالرحمن قاسملو الذي كان أقوى الأحزاب الكردية في كردستان ايران أصدرت طهران أمراً بإلقاء القبض على الشيخ عزالدين الحسيني ، بل إصدار حكم الإعدام عليه غيابياً ، وهكذا الدكتور عبدالرحمن قاسلمو [ 1930 – 1989] زعيم الحزب الديمقراطي لكردستان ايران وقتذاك .
في تلكم الأيام الماضية من صيف عام 1979 كانت قوات حزب البارزاني
تقاتل قوات الحزب الديمقراطي لكردستان ايران جنباً الى جنب الجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني ، وذلك بذريعة مسؤولية الحزب الديمقراطي للدكتور قاسملو في نبش قبر قائد ثورة كردستان العراق السابق مصطفى البارزاني في مقبرة بلدة أشنويه ، في كردستان ايران ، مع إن الحزب الديمقراطي لكردستان ايران نفى رسمياً إدعاءات حزب البارزاني نفياً قاطعاً ! .
عقب سقوط كردستان ايران بيد الجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني توجه الشيخ عزالدين الحسيني الى العراق ومنه الى أوربا ، حيث آستقر بالتالي في السويد وتوفي فيها عام 2011 .
لقائي بالشيخ عزالدين الحسيني ؛
في عصر أحد الأيام التي كنت – كما ذكرت ذلك أعلاه – ذهبت برفقة صديقي الى محل الإقامة للشيخ عزالدين الحسيني ، فدخلنا غرفته وسلمنا عليه وقام مرحبا بنا ومصافحاً ، ثم جلستُ الى جانبه وعرَّفني صديقي به .
كان الشيخ عزالدين الحسيني يومها قريباً من العقد السادس من عمره ، لكن يبدو إن تصاريف الزمان ونوائبه قد أثرت عليه كثيراً فبدا أكبر سناً مما بدا لي . وكان الشيخ الحسيني يتكلم ببطيء شديد لألم أومرض كان يعاني منه في حلقه ، لهذا بالكاد كنت أفهم منه ما يقول .
بعد الترحيب سألني الشيخ الحسيني عن منطقتي ومدينتي في كردستان العراق وزمن إقامتي في ايران ، فققلت ؛ أنا من مدينة عقرة ومنذ عام 1974 أقيم في ايران بعد آنهيار الثورة الكردية في كردستان العراق بسبب إتفاقية الجزائر المعروفة بين الشاه وصدام حسين عام 1975 .
ثم بدأ يتحدث عن لقاءاته بالقادة الإيرانيين وعدم آستجابتهم لتقبل الحقوق الكردية وضديتهم لها ، بخاصة قائد الثورة الإيرانية روح الله الخميني ، ومن ثم تحدث عن حزب البارزاني والعائلة البارزانية وآنتقدهم إنتقاداً لاذعاً ، حيث بدأ يتكلم عن سلبياتهم منذ الستينيات الماضية من القرن الماضي إزاء كردستان ايران . حينما توقف الشيخ الحسني عن حديثه رأيت من المناسب طرح سؤال عليه ، فقلت ؛ ياشيخ للكرد اللاجئين في ايران عتب عليك حول المادة الثامنة من مذكرتكم التي نشرتموها في الصحف الكرديةوالإيرانية ، فقال ؛ إن المادة الثامنة تتعلق بحزب البارزاني والعائلة البارزانية فقط وليس عموم الكرد اللاجئين في ايران ، حيث نحن نعتبرهم جميعاً إخوة لنا . وكانت المادة الثامنة من المذكرة المذكورة تطالب وتحض على إخراج حزب البارزاني والعائلة البارزانية من كردستان ايران بسبب سلبياتهم الماضية ضد قادة من كردستان ايران ، وبسبب تحالفهم وحربهم مع قوات الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد القوات الكردية لكردستان ايران كما قال بالنص ! .
بعد أقل من ساعة إستأذنا الشيخ عزالدين الحسيني وغادرنا منزله ، ثم آستأذنت صديقي ، وذلك للعودة الى البيت في معسكر زيوه .
التحقيق معي وآستجوابي من قبل حزب البارزاني ؛
وصلت البيت الساعة الثانية عشر ظهراً في معسكرزيوه ، وبعد إستراحة قصيرة أخذت بتناول الغداء ، ولم أنتهي بعد حتى دُقَّ الباب ، فقيل لنا إن آثنين من حراس اللجنة المحلية لحزب البارزاني يطلبونك ، فنهضت وقابلتهم ، وقلت لهما تفضلوا ، فقالا ؛ إن اللجنة المحلية طلبت منا إحضارك ، فقلت لماذا ..؟ ، قالا ؛ نحن لا نعلم ، فقلت ؛ الآن أنا مشغول بتناول الغداء وريثما أنتهي سوف أقابل اللجنة المحلية ، فذهبا . وعقب ربع ساعة أتيا الحارسان ، وقالا ؛ يجب عليك أن تأتي معنا الآن ، فذهبت معهم الى حيث مقر اللجنة المحلية لمعسكرنا الذي كنا نقيم فيه يومها وفكري مشغول بالسبب الذي تم آستدعائي سريعاً لأجله ! .
دخلت الغرفة وسلمت عليهم فلم يرد أحد السلام فتعجبت كثيراً من ذلك ، ثم جلست وأنا أفكر بالأمر والسبب . بدأ الكلام معي طيب عبدالرحمن الذي كان مسؤولاً يومذاك عن اللجنة المحلية لحزب البارزاني في معسكر زيوه ، فقال لي ؛ [ مير لقد وصلنا تقرير بأنك غادرت المعسكر قبل أسبوع وذهبت الى مدينة مهاباد وآلتقيت بالشيخ عزالدين الحسيني ، ثم غادرت مهاباد الى مدينة بانه على الحدود العراقية – الإيرانية وفيها آلتقيت بجلال الطالباني وآجتمعت معه . وهذا السيد حامد سوري هو موفد خاص من المكتب السياسي للحزب للتحقيق معك وآستجوابك حول هذا الموضوع ] . للعلم إن حامد سوري هو كردي من كردستان سوريا وكان وقتذاك أحد المسؤولين في حزب البارزاني .
ثم تكلم معي حامد سوري بشكل حادٍّ وفظٍّ وبأسلوب غير لائق ، وبصوتٍ مرتفعٍ وصرخ قائلاً ؛ كيف فعلت ذلك ..؟ ، فقلت ؛ وما الذي فعلته ..؟ ، فرد بغضب وبصوت مرتفع أيضاً ؛ ألم تسمع ما قيل لك الآن ، هل أنت أطرش ، فقلت ؛ سمعت جيداً وكله غير صحيح على الإطلاق ، فقال لي بأعلى صوته صارخاً عليَّ ؛ أنت تكذب ، فنظرت في وجهه محدقاً به ، فقلت له وأنا أشير الى جميعهم ؛ بل أنتم كلكم تذكبون ، أنا لحد هذه الساعة لم ألتق بجلال الطالباني إطلاقاً ، لقد إلتقيت بالشيخ عزالدين الحسيني في مهاباد فقط ولم أغادرها قط الى مكان آخر ، فقاطعني حامد سوري قائلاً ؛ كيف ، ولماذا إلتقيت بالشيخ عزالدين الحسيني وهو عدونا وعدو الشعب الكردي وعن ماذا كنتم تتكلمون وتجتمعون له ..؟ ، فشرحت لهم إن موضوع اللقاء بالشيخ الحسيني لم يكن بالأمر المخطط له أساساً ، بل كان صدفة ، وأعتقدُ إنه ليس عدواً للشعب الكردي ، لهذا وددت أن أراه عن قرب وهذا ليس بجريمة . لما قلت ذلك نهض حامد سوري من مكانه مغتاضاً وهكذا أعضاء اللجنة المحلية ، وقال لهم ؛ مير موقوف منذ اللحظة وسوف نقوم بالتحقيق المطول معه في مكان آخروليس هنا ، ثم أمر الحراس بسجني في غرفة التوقيف المؤقت ريثما يتم نقلي الى مكان آخر للإستجواب والتحقيق . وعلمت فيما بعد بأنهم كانوا ينوون نقلي الى أحد مقراتهم في كردستان العراق لغرض التحقيق ، وتحقيقهم هناك لايكون بالكلام وطرح الأسئلة وحسب ، بل سيكون مقروناً بأشد وأقسى التعذيب الجسدي والنفسي ! .
لما تأخرت عدة ساعات من العودة الى البيت خشيتْ عليَّ عائلتي ، فآتصل والدي بقريب لنا كان صديقاً مع مسعود البارزاني ، ولما حدثه والدي عن الموضوع توجه سريعاً الى اللجنة المحلية وتكلم معهم ، قائلاً لهم ؛ كيف تصدِّقون مثل هذه الأكاذيب عن مير ، وعليكم الإفراج عنه الآن ، فقالوا له ؛ إن مير قد إعترف بأنه إلتقى بالشيخ عزالدين الحسيني وآجتمع معه ، فرد عليهم قريبنا ؛ لنفترض إن مير قد أخطأ في لقاءه بالشيخ الحسيني ، فهل ذلك يستدعي معاملته هكذا بفظاظة وقسوة وسجنه ..؟ ، بعدها تم الإفراج عني بهذه الطريقة ! .
في المساء إكتظ بيتنا بالأقرباء والأصدقاء بسبب توقيفي وما حدث لي ، فقال والدي ؛ علينا مغادرة هذا المعسكر الى مكان آخر يكون فيها نظام وحكومة وقانون . بعد شهرين من هذه الحادثة إنتقلنا الى مدينة نقده التابعة لمحافظة أروميه أيضاً ، وفي صيف عام 1989 غادر والديَّ ايران الى كردستان العراق وآستقرا في مدينة عقرة . أما أنا فبقيت مع عائلتي في مدينة نقده حتى صيف عام 1990 ، حيث بعدها غادرت ايران وتوجهت برفقة عائلتي الى الباكستان ! .
امة في شقاق وهذا هو السبب في كل ما حل بالكورد من محن وكوارث وماسى وحرمانهم من نعمة الحرية والاستقلال ويتجلى ذلك اليوم بوضوح فيما يحصل من خلافات وصراعات داخلية يهدد وجودهم و كل ما بنوه وحصلوا عليه من مكاسب وانجازات بتضحيات جسيمة وانهار من الدماء الزكية الطاهرة قلوبنا مع هذا الشعب المظلوم والمقهور والمبتلى بهذا الداء اللعين ولا ندرى متى يستخلص قادة الكورد وزعماءهم العبر والدروس من الماضى المرير كل الشعوب والأمم التي تحررت ورفعت اعلامها على سارية الأمم المتحدة في الأوقات الصعبة والمصيرية جمعت صفوفها ووحدت كلمتها وتركت خلافاتها وصراعاتها الداخلية واختارت رمزا من رموزها ليقودهم الى بر الأمان و شاطئ النجاة
لك الشكر العميم أخي أبوتارا على الإهتمام بالموضوع والتعقيب القيم عليه ، فسلمت يداك . للأسف الشديد ما ذكرته هو الواقع المرير في كردستان ..
مع تحياتي