لقد اتبع صدام سياسة الاعتماد على مراكز ودوائر استخباراتية متعددة تتابع تحركات الخصوم والمنافسين وتراقب بعضها بعضا. ووظف قدرات العراق الاقتصادية باعتباره أحد أهم البلدان المنتجة للنفط لترسيخ حكمه وتضخيم القوات العسكرية عدداً وعدة بطريقة تعكس طموحات قد تجاوزت في ما بعد الحدود العراقية. الملاحظ ان السعي لبسط النفوذ يدفع بعض انظمة الحكم للمغامرات العسكرية خارج اطار العقل والمنطق، ويتم تجاوز قيم الحوار والتفاهم، بل تغيب الوساطات او ما يصطلح على تسميته «المساعي الحميدة» التي توفر على الامة الخسائر الكبيرة التي تتكبدها بدون ان تختار ذلك. فمثلا: ما الذي استفادته الامة من الحرب العراقية ـ الإيرانية؟ وما الذي حققته من الاجتياح العراقي للكويت والحرب التي نشبت بسببها لاخراج القوات العراقية من الكويت؟ . وراح صدام يعرض إغراءاته التي كان يسيل لها لعاب الكثيرين، وأعني بذلك كوبونات النفط، وكان العراق ينزف بسبب العقوبات الجائرة ويموت الأطفال والشيوخ والنساء جرّاء القرارات الدولية الظالمة، لكنه غير مكترث وكأنه خارج التاريخ في هِيام وشرود أخذ يكبر بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت العام 1991، حيث انشغل ببناء وتشييد القصورعلى نحو جنوني وغير مسبوق. لم يكن بعيداً عن سلوكيات نظام صدام منذ استلم السلطة في العام 1979، وبالفعل فقد بدأ أيامه الأولى بسلسلة إعدامات ضد خصومه من القادة البعثيين. لكن الخطأ الإستراتيجي الثاني كان في شن حرب على إيران بعد فترة وجيزة من ثورتها في العام 1980. تلك الحرب التي كان بالإمكان تفاديها. حرب إيران كلَّفت العراق كثيراً، لكنها كلفت الخليج المتضامن مع صدام الكثير من المال والتخندق وصولاً إلى توتر العلاقات في منطقة الخليج. لقد أثرت تلك الحرب على إيران بأنها جعلتها تزداد تخوفاً من دور الولايات المتحدة الساعي لإسقاط نظامها كما حصل في السابق مع محمد مصدق رئيس الوزراء الإيراني في أوائل الخمسينات. لقد دفعت الحرب العراقية- الإيرانية إيران إلى التمترس والتموضع في الأيديولوجيا مع ارتفاع تخوفها من القواعد الأميركية وحاملات الطائرات المحيطة بها في الإقليم. إن حرب العراق وإيران دفعت إلى قيادة العمل الإيراني قوى أكثر راديكالية واستعداداً لاتباع استراتيجيات هدفها اختراق العالم العربي استراتيجياً وسياسياً. فبعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 تأزّمت العلاقات السياسية بين العراق وإيران. حيث تبادل البلدان سحب السفراء في مارس 1980 وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي في 4 أيلول 1980 اتّهم العراق الإيرانيين بقصف البلدات الحدودية العراقية واعتبر العراق ذلك بداية للحرب، فقام الرئيس العراقي صدام حسين بإلغاء اتفاقية الجزائر عام 1975 مع إيران في 17 أيلول 1980 واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءاً من المياه الإقليمية العراقية، وفي 22 أيلول 1980 هاجم العراق أهدافاً في العمق الإيراني، وردّت إيران بقصف أهداف عسكرية واقتصادية عراقية. وتركت الحرب آثارها على حياة المواطنين العراقيين الذين أصبحوا في حالة من العوز والفاقة والمعاناة في بلد كان يعد من أغنى البلدان النامية. وهناك صراع يدور حول التاريخ والجهة التي بدأت تلك الحرب, إذ ما يزال المؤرخون المؤيدون لنظام صدام حسين يعتبرون أن الرابع من شهر سبتمبر من العام 1980، حينما اخترقت طائرة حربية إيرانية المجال الجوي العراقي، الإعلان الرسمي لبدء الحرب، وبالتالي يحملون إيران كل تبعات ومسؤولية ما جرى, وعلى النقيض منهم تماما، فإن المؤرخين الإيرانيين يعتبرون الثاني والعشرين من شهر سبتمبر من ذلك العام هو تاريخ اندلاع الحرب، حينما بدأ العراق بشن ضربته الجوية الأولى على إيران، وبذلك تحميل النظام العراقي كامل مسؤولية تلك الحرب. قبل تلك الحرب بعام واحد فحسب، كان صدام حُسين قد أخذ السُلطة عبر انقلاب “أبيض” على الرئيس أحمد حسن البكر، كانت حملات التصفية لرفاقه جارية على قدم وساق في كل مؤسسات الدولة العراقية، في الجيش والمؤسسات الحكومية، داخل حزب البعث وحتى ضمن المناطقية والعائلية، التي كان البكر قد أتى بها , وكان النظام الحاكم في العراق يتحول من مرحلة حُكم حزب البعث إلى مرحلة حُكم صدام حسين، كقائد وحاكم مطلق . وقضى صدام حسين على آخر ما تبقى من حزب البعث ، وأصبح الكل يغني ويهتف له ويمجّد شخصه، مندفعاً في شراء ذمم كثيرين داخل العراق وخارجه، بمن فيهم بعض المثقفين العرب، بل إنه حتى وهو تحت الحصار، وعلى الرغم من أن الحرب العراقية الإيرانية قد تسببت في دمار بشري ومادي هائل وانتهت بتأزم الموقف، إلاّ أن الصراعات التي أعقبت ذلك جاءت بنتائج مختلطة. ولم يكد العراق يسترد أنفاسه بعد تلك الحرب حتى أمر صدام بغزو الكويت في أغسطس/ آب 1990. ولم تقتصر نتائج الحرب الجديدة على هزيمة الجيش العراقي بل امتدت إلى فرض حصار اقتصادي دولي أنهك البلاد وأفقر الشعب. فحرب الخليج 1991 التي أسفرت عن تحرير الكويت من العدوان العراقي الذي ألحق خراباً بالإمارة، شلَّت العراق لعدة سنوات. وغزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 أطاح بنظام صدام حسين ، لكنه ترك العراق محطماً تماماً. والحروب لم تعزز أبداً أسباب الاستقرار الإقليمي والمثال الوحيد الذي أتت فيه بثمارها كان متعلقاً بتحرير الكويت، لكن حتى هذا حدث بتكلفة باهظة الثمن. المنطقة لا تحتاج إلى حرب ثانية قد تأتي بدمار واسع النطاق. الدبلوماسية والمساحة الجيوسياسية المشتركة لديها فرصة أفضل لتعزيز ثقافة التفاهم والتعاون الإقليمي.
ومن نافلة القول ان نذكر اتفاقية الجزائر التي وقَّعها صدام بيده بعد اتفاقه مع شاه ايران في العاصمة الجزائرية عام 1975 بعد أن قبَّل يد الشاه وتنازل لايران عن شط العرب .
اتفاقية الجزائر :
اعلن الرئيس الجزائري هواري بومدين ، في نهاية اجتماعات قمة الدول المصدر للنفط (الاوبك) ان العراق وايران الى اتفاق بشان حل الخلافات التي كانت قائمة بينهما وانهاء النزاع الحدودي وعرضت شاشات التلفزيون شاه ايران (محمد رضا بهلوي ) ونائب الرئيس العراقي (صدام حسين ) وهما يتعانقان احتفاءا بهذه المناسبة التي اولتها وسائل الاعلام العالمية اهتماماً منقطع النظير باعتباره الحدث الاهم عند اعلانها وتوقيعها 13 حزيران 1975 من قبل (سعدون حمادي) وزير خارجية العراق و (عباس علي خلعتبري) وزير خارجية ايران و(وعبد العزيز بوتفليقة) وزير خارجية الجزائر باعتباره شاهدا على الاتفاق ، وسميت باتفاقية الجزائر ، من اجل ترسيم الحدود البرية ، والبحرية حسب خط التالوك ، وتوطيد العلاقات وتقوية روابط الثقة والمودة بين البلدين ، لكن هذا الاتفاق كان يحمل في طياته تنازل من قبل العراق عن جزء لا بل جميع مياه شط العرب. والذي حصل في عام 1980 ان صدام ألغى هذه الاتفاقية من طرف واحد, ظناً منه إنه يستطيع تأديب إيران في حرب قصيرة لمدة شهر أو شهرين وستوافق ايران على وقف الحرب لان وضعها غير مستقر وبداية ثورة واغلب قيادات الجيش اما اعدموا او الى التقاعد او تواروا عن أنظار السلطة الجديدة , لكن إصرار الخميني على استمرار الحرب بدَّدَ كل طموحات صدام لا بل القشة التي كسرت ظهر البعير , فلولا تكلفة الحرب الباهضة والتي استمرت لثمانِ سنوات لما اجتاح صدام الكويت .