بمناسبة مرور شهر المحرم و ما نشهده على ارض العراق من الطقوس، لم يعلم احد متى بدات هذه التي تحصل و هل هي الفية العمر و المدة ام جاءت باكملها او اجزاء منها حديثا او انبثقت بهذا الشكل كما هو ام تغيرت وفق ما اقتضته مصالح سياسية او مذهبية ام انها لتحقيق الذات المذهبية على حساب الدين و من خلالها يتم الافراز و التباين و التمايزات المختلفة الانواع، وفي النهاية تتم بها تفرقة و الاضعاف و هشاشة المجتمع التي تفيد من لها يد في هذا. لا بل اصبحت بعض منها هوية مذهبية و شخصية و ملئا للفراغ النفسي و افتخارا للانتماء على عكس الاخر الذي لا يحق له ما يمكن ان يمارسه او تعويضا لنقص الشخصية و ثبات الذات .
اختلفت هذه الطقوس في اكثر المذاهب و الطرق مع بعضها و جاءت اكثرها متوارثا او بالاحرى متنقلا في مراحل مختلفة حتى قبل مجيء مرحلة الغزو الاسلامي للعراق, فكانت طقوس معينة تمارس على ارض وادي الرافدين من قبل الاديان الاخرى و منها غير السماوية التي كانت لها مميزات و من بينها الطقوس التي افادت ما اتت مابعدها و اخذتها منها جزئيا و الشرط هو عدم تماثلها لتختلف عن السابق من اجل كسب التوابع و الاتباع.
يمكن ان نصنف الطقوس الدائمية او المرحلية او المناسباتية او الفصلية من دين لاخر و من مذهب لاخر و حسب الاهداف و الاغراض التي جاءت من اجلها، او انبثقت كنتيجة او اسباب لما فرضها و كانت بداية مرحلية مؤقتة الا انها ثبتت لتكرارها من وقت لاخر. فهل هناك من يعلم عن تشابه الطقوس الدينية عن المناسبات الاجتماعية و ما كانت تفرضه متغيرات الحياة على مجتمع هنا و هناك، و من ثم اصبحت طقسا او عادة على مجموعة و من ثم ورثتها الاجيال باعتبارها مقدسة، و من شروط الانتماء الديني و المذهبي. التاريخ مليء بهذا و في جميع انحاء العالم الاسلامي و لدى مختلف المذاهب و بالاخص الاسلامية منها. و كما يتوضح لدينا التشدد في الدين الاسلامي لتعليماته و شروطه و اداء فروضه و سننه التي تتسم بها، فاننا نرى حتى الطقوس التي انبثقت منها عبر التاريخ اشد و اضخم و اقوى و اكثر تاثيرا عقليا وبدنيا على الممارس عن الاديان الاخرى. فهل من يقول لي اين التطبير و شق راس حتى للطفل المسكين و شق الاحشاء بالاسلاك لاثبات معجزات الاسلام و المذاهب غير في الاسلام و مذاهبه. اذا ليست الطقوس الا من صنع التاريخ و المصالح و شروط الانتماءات و تجسيد الاختلافات مع الاخر.
من هنا لابد ان نشير الى ان السياسة فعلت فعلتها في العراق وهو بقعة الاختلافات وحاضن التاريخ المشحون المليء بكل ما لا يعقل من ما لصقت بالدين من اجل اهداف و مصالح متعددة شخصية كانت ام طائفية ام شعبية، ام من اجل الانتصار في صراعات تاريخية طويلة الامد.
فلنختصر و نسمح لانفسنا ان نكلم عما تجري الان من ممارسة طقوس دينية و في اصلها سياسية عند شيعة العراق و في اوقات كثيرة عند سنة العراق ايضا و على ايدي الدراويش و الشيوخ. لو تمعنا فاننا نجد ما يسري و يدفع ما يحصل بدوافع سياسية صراعاتية و طموع نابعة من خلافات تاريخية اكثر من كونها طقوس او مناسك دينية مذهبية، لان التاريخ الاسلامي كان يضمن ما يجري و لكن بهذا الشكل المتعدد الاوجه و الاهداف، لانها تاتي في وقت شهدت المنطقة تغييرات و فرزت احاسيس قومية لم تتمكن من تغطية الطقوس الدينية بل استغلتها من اجل تحقيق اهدافها.
كما هو الحال في الامور الاجتماعية السياسية الاخرى, فان لهذه الطقوس اضرارها و لنها اقوى و اخطر من اي شي اخر انسانيا و ثقافيا. فكيف يمكن التاثير الايجابي عليها دون انبعاث افرازات متوقعة للضغط بعدة اشكال للتقليل من مضراتها و بناء السد المنيع امام تخلخلها في كيان الاجيال القادمة و منع تثبيتها و لصقها في شخصية المتابع و المنتمي و من يمكن ان يفكر و يقتنع بصحة اداءه في هذا الجانب.
هذا يخضع للظروف الموضوعية و الذاتية للمجتمع و الفرد المتجانس مع ما يجري و يمكن ان نعتبره ذائبا في الحالة نفسيا و فكريا و عقليا و جسميا. و بما انه اصبحت السياسة هي الامارة و الدافع الاول في هذا، فلابد ان تتغير تلك الحالة من اجل قطع دابر الغرض السياسي الذي يدفع من اجل مجموعة او حزب او طائفة على حساب الشعب و مستقبل اجياله. و من ثم استغلال الوضع القائم من عدم الرضا عن المتسلطين، من اجل ازلة اشرارهم مع ما طرحوه و رفعوه على السطح لاجلهم, و به يمكن من خلال انعطافة سياسية اجتماعية ثقافية قوية و مؤثرة ان تتغير الامور و ان جاءت الفوضى بداية فمن ثم تستقر الحال على مرحلة مختلفة متغيرة من جميع الجوانب و منها الكف عن اداء بعض من هذه الطقوس التي اعادت هيكلتها و فرضتها الظروف التي اختلقت بعد سقوط الدكتاور. فللقوى العلمانية المعتدلة التقدمية العمل على تحويل الاتجاه لما يحصل مع التعامل مع سمات المجتمع و العقلية السائدة و غير المتشددة المتطرفة التي تحتاج للتعقل لحصول على نتائج عملها بشكل صحيح دون نتاجات معاكسة لما هو المطلوب، فيمكن التاثير الايجابي و بيان ماهو الضرر في استمرار الحال للجميع لتتخفف تدريجيا, و لا يحصل هذا كرد فعل و انما بعد اقتناع الكامل لمضرة ما يحدث و بعد اكتمال استحضارالوسيلة طبيعيا من اجل وأد هذه الخزعبلات جميعها و يبدا المجتمع بداية حياة جديدة.