مفهوم الحقيقة وانواعها وأهميتها- بيار روباري

 

 

لا يخلو حديث أي شخص منا إشارة إلى كلمة “الحقيقة” أثناء الكلام، لكي يمنح حديثه صفة الصدقية وصحة القول، ولكن القلة القليلة هم الذين يدركون معنى مفهوم الحقيقة.

وعند الحديث عن الحقيقة يتبادر إلى الظهن عدد من الأسئلة المهمة منها:

ما هي الحقيقة؟ هل من حقيقة لذاتها؟ من يملك الحقيقة؟ هل الحقيقة مطلقة أم نسبية؟ هل الحقيقة كاملة أم مُجزأة؟ هل الحقيقة يقينية أم احتمالية؟ هل الحقيقة ذاتية أم موضوعية؟ أين توجد الحقيقة أو كيف نعثر عليها؟ من أين تستمد الحقيقة قيمتها وجوهرها؟ هل الحقيقة ثابتة أم متغيرة؟

 

مفهوم الحقيقة:

برأي يصعب علينا وضع تعريف بسيط وواحد للحقيقة، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية هي:

الأول: لا يوجد بيننا إنسان كامل.

الثاني: لا يوجد إنسان واحد يملك كل التفاصيل فيما يخص موضوع أو قضية معينة. دومآ هناك إمور تخفى على المرء مهما أوتي من علمٍ ومعرفة.

الثالث: هناك حقائق مختلفة بإختلاف المجالات كالحقيقة العلمية، التاريخية، النفسية، الفلسفية، الدينية، الحسابية، الهندسية، الكونية، المناخية، الطبية، الجنسية، السياسية، … إلخ، وكلها حقائق نسبية، بمعنى أنها تختلف وتتغير وتتعدد تبعآ للظروف والعوامل.

من هنا كانت الحقيقة على الدوام غاية في ذاتها، ويسعى إليها البشرية في سبيل كشف كل ما هو غير واضح.

 

لا شك أن مفهوم الحقيقة مرتبط بالمعرفة كفاعلية إنسانية تتحدد من خلالها علاقة الإنسان بذاته وبغيره وبالعالم، ويتحدد مجالها الإشكالي بسعي الإنسان إلى اكتشاف ذاته والغير والعالم وفتح مغاليقها وإزاحة ما أخفى عليه فيها. وحسب إعتقادي أفضل تعريف للحقيقة هو الذي أورده الفيلسوف الفرنسي أندريه لالاند (1876-1963) حيث على النحو التاليي:

هي خاصية ما هو حق (القول المُطابق للواقع)، والقضية الصادقة، وما تحت البرهنة عليه، وشهادة الشاهد الذي يُحكي ما فعلهُ أو رآهُ، والشيء الأًصيل في مُقابل المُزيف”.

 

دلالات مفهوم الحقيقة:

– الدلالة الاجتماعية:

أن مفهوم الحقيقة في دلالاته الشائعة غالبا ما يستند على معيار الواقعية، فالحقيقي هو الوجود القابل للإدراك الحسي والمباشر والقابل للتحقق الواقعي. وبذلك يصبح الواقع هو مرجع الحقيقة كل ما هو واقعي هو حقيقي، غير أن الدلالة الاجتماعية للمفهوم حصرته في زاوية المطابقة وأقصت كل ما هو مخالف للحقيقة مثل الكذب، الوهم ، الخيال رغم واقعيتها.

– الدلالة اللغـوية:

يشتق لفظ الحقيقة في اللسان العربي من فعل (حق الشيء) إذا ثبت وإستقر وتحمل الحقيقة معنى الثبات والإستقرار حيث يصبح الحقيقي في المجال الوجودي هو الجوهر والماهية، واللاحقيقة هي المظهر، أما في المجال المنطقي والمعرفي فالحقيقة هي الصدق واليقين، واللاحقيقة هي الوهم والخطأ والخيال، أما في المجال اللغوي فالحقيقي هو ما وضع اللفظ له، واللاحقيقة هي المجاز من داخل هذه التقابلات يفرض علينا ضرورة المعالجة الفلسفية.

– الدلالة الفلسفية:

من المنظور الفلسفي هناك ثلاثة صيغ للحقيقة:

1- الأولى هي التي تتطابق مع الواقع.

كأن تقول أرض دارنا مزروعة بشجر التفاح وهي بالفعل كذلك، هنا تتطابق الحقيقة مع الواقع.

2- الثانية هي التي تتطابق مع موضوعها.

كأن يقول سائق المترو (قطار الأنفاق) أو ألة التسجيل في المترو بإحدى المحطات النزول من الجانب الأيسر، وأنت جالس في كرسي هو بعكس إتجاه سير المترو، فيكون بالنسبة لك هو الجانب الأيمن. هنا تتطابق الحقيقة مع موضوعها.

3- الثالثة هي قول الحقيقة كما هي.

كأن تقول الشخص الذي أمامك يرتدي نظارة، وهو فعلآ يرتديها.

 

علاقة الحقيقة بالواقع:

ولتحديد العلاقة بين الحقيقة والواقع بشكل صحيح، لا بد لنا أن نحدد ما هو الواقع. إن مفهوم الواقع يمكن تحديده في نقطتين هما:

– كل ما هو تجريبي عيني وقابل للإدراك الحسي المباشر.

– كل ما هو أنطولوجي معقول يفرض نفسه على الذهن.

هكذا يتأرجح مفهوم الواقع في دلالته الفلسفية بين ما هو عقلي وما هو مادي حسي، ومن ثمة نستطيع القول بأن الواقع فلسفيا يفيد كل معطى موضوعي يوجد خارج الذات، ويتميز باستقلاله عنها. إن هذا التحديد لمفهوم الواقع سيسهل علينا معالجة العلاقة بين الحقيقة والواقع.

إن علاقة الحقيقة مع الواقع تتأرجح بين تطابق وإختلاف معه، وبوصفها تفكيرآ عقليآ لا يمكن أن تكتفى الحقيقة بذاتها، لا بد من شيء يقع خارجها يفكر فيها ويحكم عليها. بمعنى أن غاية الحقيقة أن تصبح واقعآ وتمتلكه فى شكل مثالي.

 

قيمة الحقيقة أو أهميتها:

إن قيمة الحقيقة يمكن تحديدها من خلال المقارنة الحقيقة باللاحقيقة (أضداد الحقيقة) أي التفاضل بينهما، وبالتالي سنجد أن الفكر الإنساني منطقيا أميل إلى الأخذ بأهمية الحقيقة، ولا أحد يجادل في أن جميع الفلاسفة أجمعوا على أن السعي وراء الحقيقة فضيلة. ففيما تكمن قيمة الحقيقة؟

للحقيقة عدة قيم تتأرجح بين قيم فكرية ونظرية، وقيم نفعية وعملية وقيم أخلاقية. ببساطة كل ما هو مفيد لفكرنا وسلوكنا وحياتنا وتغيرهم للأحسن.

 

آثار الحقيقة:

لا شك أن للحقيقة أثار إيجابية للغاية على كل المنظومة الإجتماعية، الإقتصادية، الأخلاقية، السياسية، الفكرية، … إلخ. وبقناعتي خُلق البشر ليكتشفوا الحقيقة وممارستها، وقول الحقيقة والصدق يمكن لهما معالجة ألاف المشاكل مثل معضلة الفساد، الجريمة، الحروب، الدمار، ارتفاع درجات الحرارة … على عكس الجهل بالحقيقة وممارسة الكذب اللذان يتقضيان على الوعي والروح وكل شيئ جميل ويصعبان الحياة.

 

أين يمكن العثور على الحقيقة؟

لا يملك أحدآ منا الحقيقة الكاملة، ويمكن العثور على الحقيقة فقط عبر النقاش العلمي والهادف ولا مكان أخر. والنقاش المقصود به، هو الذي يدور بين أهل العلم والرأي والإختصاص في كل حقل. وليس نقاش الشوارع والأزقة والحانات.

 

وفي نهاية هذه المقالة، لا بد لنا نحن الكرد أن نطرح عدة تساؤلات على أنفسنا، ومن هذه التساؤلات:

– كم نحن قريبين من حقيقة تاريخنا الكردي؟

– كم نحن على دراية من حقائق السياسة الدولية تجاه شعبنا وقضيته القومية؟

– كم نحن على دراية بحقيقة سياسينا الكرد وقادة الأحزاب الكردية؟

– كم نحن على علم بحقيقة أعدائنا ومحتلي وطننا كردستان؟

– كم نحن على دراية بحقيقة اللغة الكردية وأهميتها وثرائها وجمالها وقدرتها على التطور؟

 

على كل كردي أن يطرح هذه التساؤلات على نفسه ويسعى للإجابة عليها بنفسه ولنفسه وليس لأجل شخص أخر.

 

19 – 08 – 2021

=========================================================

المراجع:

1- موسوعة لالاند الفلسفية – المجلد الأول.

المؤلف: أندرية لالند.

الناشر: عويدات للنشر والطباعة

بيروت – باريس لعام 2012.

 

2- معنى الحقيقة.

المؤلف: وليم جيمس.

ترجمة وتقديم: أحمد الأنصاري.

مراجعة: حسن حنفي.

الناشر: المركز القومي للترجمة.

الطبعة الأولى – القاهرة – عام 2008.

 

3- مفهوم الحقيقة عند هيدجر.

المؤلف: حياة خلفاوي.

إشراف: غيوة حريش فريدة.

الناشر: جامعة مونتري – قسنطينة.

السنة الجامعية: 2005 – 2006.

 

 

*******************