صدر حدیثا كتاب “التفكیر والتعلم عند الأطفال” باللغة العربیة ترجمة من التألیف الأصلی باللغة الكوردیة \ لهجة بادینان. ننشر هنا مقدمة الكتاب لتعریفه بقراء صوت كوردستان الغراء.
من الضروری أن یعرف قارئ هذا الكتاب بأن المۆلف ،نظیف مایی، یحمل شهادتی البكالوریوس و الماجستیر فی التربیة والتعلیم من السوید، الأولی من جامعة ستوكهولم والثانیة من جامعة ئوپسالا. وهذا یعنی بأنه قد مر خلال دراسته بمراحل عدیدة من العلوم الأساسیة و التعلیم العالی وفق مناهج تدریسیة حدیثة و عالیة المستوی ضمن جمیع العلوم النظریة والعملیة المتعلقة بتطور الطفل، خاصة فیما یتعلق بعلم النفس التنموی وعلم النفس التربوی. وكذلك من أجل فهم وهضم محتوی الكتاب بصورة جیدة لابد للقارئ أن یكون لدیه إلمام مبدئی وأساسی فی تصنیف هذه العلوم المشمولة فی مناهج التدریس فی الفترة التی حصل فیها المۆلف علی تعلیمه فی السوید. وذلك لكون العلوم المتعلقة بتدریس الطفل وتربیته كانت تمر فی تلك الفترة الزمنیة بعملیة تطور و تنوع وتجدید مبنی علی التطور التكنولوجی السریع وما رافقها من إكتشافات و إختراعات علمیة مما جعل التصنیف والمصطلحات ذات تعریف ومعان غیر متفق علیها لدی جمیع الإخصائیین ذووا العلاقة بهذا التطور وهذا التصنیف، ناهیك عن اللغة التی ألف بها المۆلف كتابه لیكون أول كتاب أكادیمی یكتب باللغة الكوردیة حول الموضوع. و قد كتب المۆلف كتابه باللهجة البهدینانیة نظرا لكون اللغة الكوردیة لازالت مقسمة بین العدید من اللهجات وتفتقر إلی لغة قیاسیة متفق علیها، إضافة إلی كونها لازالت تعتبر لغة شفهیة وهی فی طریقها لكی تضبح لغة كتابیة أیضا، ولازالت تنقصها مصطلحات و أسماء علمیة مرادفة للأصل الأجنبی من لغات الشعوب التی كونت تلك الأسماء والمصطلحات. و یصبح الأمر أكثر تعقیدا عندما نعلم بأن الكتاب ترجم من اللغة الأصلیة، اللغة الكوردیة\بهدینانی فی أصل هذا الكتاب، إلی اللغة العربیة كما هو فی الكتاب الحالی بین یدینا، مما یزید الطین بلة ویجعل ترجمة المصطلحات والأسماء مهمة صعبة لعدم وجود مرادفات تحمل نفس المعنی فی اللغة الأصلیة فی تكوین المصطلح أو الإسم العلمی.
إنبثق علم النفس التربوی “الپیداگوگیا” من علم النفس الفلسفی كضرورة فرضت من قبل الفلاسفة الیونانیین القدامی قبل میلاد المسیح وذلك لكی یتم تدریب الخدم والحشم الذین رافقوا أطفال الإرستقراطیین فی رحلاتهم بین البیت ومسكن الفلاسفة لمساعدتهم فی تعلیم هۆلاء الأطفال بتطبیق الدروس والتدریب فی البیت لتكملة ما كان الفلاسفة یقومون به فی مدارسهم أو مساكنهم. كان علم النفس قبل ذلك جزء” مهما” و عریقا” فی العلوم الفسلفیة التی نضجت و ترعرعت فی أوروپا الغربیة لتكون أساس العلم الحدیث، خلافا للعمق الروحی الذی ساد فی “میسوپوتامیا” قدیما وحدیثا بإعتبارها مهد الحضارات. نظرا للتداخل الطبیعی بین العلوم الطبیة والتربویة والإجتماعیة مع علم النفس، خاصة فیما یتعلق بتطور الطفل والعمل علی توفیر الشروط الملائمة لتكوین شخصیة سلیمة للفرد، فقد مرت تلك العلوم المتداخلة فی مراحل مختلفة من الصراع والتنافس مما سبب فی حدوث إرتباك وتناحر فی خلق المصطلحات وتعریفها، ولازال الكثیر من تلك الخلافات ساری المفعول حتی فی عصرنا هذا. ولكن هذه التعددیة فی معظم الأحیان تساعد علی جمع المعلومات من مصادر عدة وبطرق ووسائل مختلفة لكی تكمل بعضها البعض فی عمل الفرق العلمیة لصالح الطفل، كما هو الحال فی إدخال هذه العلوم لأول مرة فی كوردستان.
عندما أتی المۆلف بشهاداته و خبرته من السوید إلی أقلیم كوردستان كان الواقع التربوی فی الأقلیم یمر فی أسوأ حالاته وذلك لأنه كان یترنح بین المنهاج التدریسی القدیم فی العراق و نماذج جدیدة مستوردة من العالم المتحضر من خلال الإنفتاح الذی رافق تكوین الأقلیم ككیان سیاسی حدیث وفق قرارات أممیة لم یكن المجتمع فی كوردستان قد وصل إلی ذلك المستوی من التطور الإجتماعی لإستیعابها، مما أدی إلی تعرض المجتمع الكوردستانی لطفرات تطوریة غیر منسقة مع الوعی العام فی المجتمع. إنطلاقا من الموقع الذی حصل علیه فی حكومة الإقلیم إستطاع المۆلف كخبیر فی وزارة التربیة أن یفتح مدرسة نموذجیة لتطبیق برنامجه كخطوة تجریبیة أولی من أجل تطویر التربیة والتعلیم فی الأقلیم وفق النموذج الذی درسه وطبقه عملیا فی السوید. حصل ذلك فی فترة تنافست فیها النماذج التربویة المستوردة من الخارج لتطویر كوردستان، معظمها تعرضت إلی نكسات بسبب الفرق الشاسع بین المجتمع الكوردستانی والمجتمعات التی وردت منها تلك النماذج، ألا أن البعض منها تجانست مع النموذج الذی تبناه المولف وإن كانت فی حقول أخری مثل الخدمات الإجتماعیة و الصحة النفسیة للطفل، كلاهما مقربة للتربیة والتعلیم وفق النموذج السویدی أیضا. فساعدت جمیعها فی تنفیذ البرامج بصورة فعالة رغم الصعوبات والعراقیل المتوقعة بسبب إختلاف المجتمعین فی كوردستان والسوید.
إستطاع المۆلف أن یجمع فی كتابه الأصلی بلغة الأم معلومات أساسیة حول تأریخ تطور علم النفس التربوی “الپیداگوگیا” فی مراحل تطوره الشائك رغم إختلاف الأسماء و المصطلحات فی الفترات المختلفة نظرا لتأثره بالعلوم الأخری التی تتداخل معه كعلم النفس السریری والصحة النفسیة للطفل، فكلها تهدف إلی توفیر الشروط اللازمة لتكوین شخصیة سلیمة لدی الفرد إبتداء” من التطور السلیم للطفل وإن كان لكل من هذه العلوم المختلفة خصوصیتها فی الوصف والتصنیف والتطبیق والتحدیث. وهذا ما یستطیع القارئ فهمه بسهولة نظرا للأسلوب السلس الذی إستطاع المۆلف أن یتخذه فی كتابه الأصلی والذی ساهم فی نجاح الترجمة إلی حد كبیر.
من الصعب علی من یترجم نصا من اللغة الكوردیة إلی لغة أخری أن ینال النجاح الكامل لا لكون اللغة الكوردیة لغة ناشئة و فتیة من ناحیة تطورها ولهجاتها المختلفة فحسب بل أیضا لعدم وجود لغة قیاسیة متفق علیها كما ذكرنا، خاصة عندما یتعلق النص بعلوم و أسماء و مصطلحات جدیدة فی المجتمع الكوردستانی كما هو الحال بالنسبة لعلم النفس الذی لا یملك فی تأریخ هذا المجتمع ذلك العمق التأریخی الذی تتمتع به الأمور الروحیة و اللاهوتیة. ولكن ترجمة هذا الكتاب من اللغة الكوردیة إلی اللغة العربیة محاولة مباركة نتمنی أن یقتدی بها الكتاب والمثقفون الكورد، خاصة عندما یكون الكتاب الأصلی مكتوب بلغة الأم كما هو الحال بالنسبة لهذا الكتاب الذی كتب من قبل عالم أكادیمی خبیر فی الموضوع ولیست ترجمة من لغة أخری كما یحدث عادة مع الأعمال الترجمیة من لغات الأصل فی العلم إلی العربیة أو التركیة أو الفارسیة أولا ومن ثم تترجم من هذه اللغات إلی اللغة الكوردیة، فیصبح الموضوع ملئا” بحقائق مزیفة إما سهوا أو بتعمد مع سبق الإصرار وذلك لإضفاء صبغة اللغة الوسط لغرض سیاسی أو عنصری من أجل إنكار وجود الكورد وكوردستان. فهذه المبادرة تستحق الدعم و التقدیر لا لنشر العلم والمعرفة فی الجتمع الكوردستانی فقط بل حرصا علی المحافظة علی الحقائق العلمیة لخدمة الكورد وكوردستان علی المدی البعید أیضا.
یمكن لهذا الكتاب أن یكون مصدرا علمیا لطلبة الجامعات فی مراحلها الأساسیة والمتقدمة وذلك لأسلوبه المبسط فی ترتیب خطوات تطور علم الپداگوگیا المعقد والمهم لكونه قریب العهد فی المجتمع الكوردستانی.