لا يخلو اي مجتمع من السلبيات وكما لا يخلو من الايجابيات وفي بعض الاحيان قد تطغى احداهما على الاخرى فتصطدم بالقوانين الشرعية او الوضعية ليتم تصحيح المسار الذي اخطأت في المرور به او دعمها للاستمرار اذا كان المسار الذي دلفت اليه مسارا طبيعيا . وتمثل المؤسسات الاكاديمية مثل الجامعات والمعاهد مجتمعات مصغرة من ضمن المجتمع الاكبر وفيها الصالح والطالح , لذا فان دراسة السلبيات التي صاحبت عملية ادارة هذه المرافق لا يعني خلوها من وجود المسارات الصحيحة التي يجب السير عليها وطرقها لبلوغ الاهداف التي رسمت من اجلها واقيمت بسببها كل هذه المؤسسات .
ولعل اهم الايجابيات واحدثها هو التغيير الذي تم في تبديل رؤساء الجامعات بعد مرور فترة طويلة جدا لوجودهم على رأس ادارة هذه المؤسسات لان أستمرارهم هذه الفترة الطويلة كان من اكبر السلبيات التي طغت على كل مفاصلها وادت الى تراجع عملية التعليم او على الاقل تجميدها وعدم تطورها او رفدها بالتغييرات السريعة التي تتوالى في العالم , فمن اهم العوامل التي تؤدي الى التطور هو تغيير العقلية التي تقود هذه الدائرة او تلك المؤسسة حتى تسنح الفرصة للافكار الجديدة النامية من التأثير على مجريات العملية الوظيفية او التعليمية , ويبدو لاول وهلة ان هذا التغيير قد جاء من اربيل ومن الحكومة نفسها وضمن برنامجها للاصلاح لذا لم يتمكن اللوبي الخاص بتلك الادارات من تعديل او تأجيل القرار مرة اخرى على الرغم من نجاحهم في ذلك قبل الان . فالاتجاه الذي تبناه السيد مسرور البارزاني رئيس الحكومة هو التحديث والتعديل والتطوير والذي يتناقض مع نوايا ورغبات ومقاصد بعض العناصر التي تستمد قوتها من الحزب والحزب منهم براء .
ومن المفترض ان الادارات الجديدة تحمل افكارا جديدة ايضا قد تكون مشابهة او متلائمة مع التجارب العالمية في هذا المجال وفي هيئتها او شكلها النهائي , او انهم يحملون نوايا حسنة للتغيير والتحديث للوصول بالانظمة والبرامج والمناهج الجامعية الى نظيراتها الدولية والامساك بمفانيح النجاح .
ومنذ عام 1991 وحتى الان ظهرت ايجابيات كبيرة وعظيمة نتجت عن الدعم الحكومي اللامحدود والثقة العمياء التي منحتها الحكومات المتعاقبة لمسؤولي التعليم العالي ورغبتها الجامحة في ايجاد نظام تعليمي يعوض هذا المجتمع ما عاناه في الفترات المظلمة التي مرت على هذا الشعب , ومن ضمن هذه الايجابيات
1 –اقامة المباني وانشاء القاعات الدراسية والمختبرات
2 – تأسيس واقامة الكليات والمعاهد والجامعات الاهلية لاستيعاب العدد المتزايد من خريجي المدارس الثانوية
3 – اتاحة المجال للدراسات العليا في داخل وخارج البلد وتهيئة الكوادر اللازمة للقيام بفتح ابواب هذه الدراسات .
4 – تزويد المختبرات بكافة الاجهزة اللازمة للتعليم العملي والتقني .
5 – تمويل وتوفير الاموال اللازمة للزيارات العلمية والميدانية للطلبة .
6 – اقرار برنامج ( توانسازي ) الذي اتاح للطلاب بالتقديم والدراسة في كثير من بلدان العالم للحصول على افضل الشهادات
وفي كافة مجالات الدراسة . وعلى حساب الدولة او الاقليم .
7 – توفير فرص لكافة الطلبة من الراغبين في الدراسة على حسابهم الشخصي وتسهيل الشروط اللازمة لذلك .
8 –انشاء موقع زانكو لاين للتقديم عبر الانترنيت .
9 – الدراسة عبر الاون لاين في الاوقات العصيبة لكوفيد – 19
وغيرها الكثير من الانجازات التي تمت في تلك الفترة , ولكن للاسف تم تحريف معظم تلك المنجزات والايجابيات عن مسارها الصحيح لتتحول الى خدمة فئة معينة من الاشخاص الذين تمكنوا من السيطرة التامة على مقاليد ادارة هذه الهيئات والمؤسسات والتحكم في كل مدخلاتها بحيث تصب جميعها لمصلحتهم الشخصية اولا .
فمثلا حصلت جامعة دهوك والمعهد التقني على دعم دولي كبير جدا تمثل في قيام منظمات الامم المتحدة بالتواصل مع الانظمة التعليمية الدولية ونقل تجارب تلك الانظمة وفتحت الابواب على مصاريعها لتقديم كل الاحتياجات اللازمة للتطور والتوسع , وكانت الغايات والنوايا نبيلة جدا لاقامة صروح مؤسسات تعليمية تحظى بهذا الدعم وهذا الاعتراف . ولكن بعد 2003 , وخروج المنظمات الاممية التي كانت ترعى حقل التعليم , وبروز بعض الاشخاص الذين تمكنوا من الحصول على غطاء حزبي للقيام باعمالهم واستغلالهم للفرص التي اتيحت لهم نتيجة الفراغ الذي حدث بانسحاب هذه المنظمات , تم تجريد تلك الايجابيات من اهدافها الرئيسية وقاموا بتركيز جهدهم وعملهم واهتماماتهم بالبناء والانشاءات فكثرت الابنية والقاعات وبسرعة مذهلة حتى طغت على مساحات واسعة , واصبح الاهتمام بالبناء وتشييد هذه الهياكل عرفا يتبناه كل مسؤول يتسلم المنصب من المسؤول السابق وذلك لما يدر عليهم هذا العمل من فوائد مالية كبيرة دون رقابة ودون محاسبة . وبذلك تحول الاهتمام من رفع المستوى التعليمي الى رفع الابنية الخاوية . وازدادت الكليات والاقسام المتشابهة وطرحت فائضا كبيرا من الخريجين اكبر بكثير من حاجة المحافظة مما خلف طوابير من العاطلين عن العمل . فمثلا تخرج اكثر من 700 طالب في معهد اهلي واحد وفي سنة واحدة فقط وفي اختصاصات معدوددة فقط . جلس جلهم على مصاطب البطالة في بيوتهم , اضافة الى الزيادة الهائلة في هذه الاعداد داخل دوائرنا مما ادى الى ظهوربطالة مقنعة أثرت بصورة كبيرة على الاداء الوظيفي داخل الدوائر الحكومية .
ومثال آخر للالتفاف على الايجابيات وتحويلها عن اهدافها , مثل برنامج توانسازي الذي عمل عليه الوزير دلاور لتحقيق قفزة نوعية في عدد الحاصلين على الدراسات العالية , حيث تم ارسال اعداد كبيرة للدراسة الى الخارج وعلى نفقة الحكومة وخيروا هؤلاء لاختيار الجامعات بصورة شخصية على ان تكون معترف بها من قبل الدولة , لكن بدلا من قيام هؤلاء الطلبة باختيار جامعات راقية في بلدان معروفة , اتجه معظمهم للدراسة في جامعات هزيلة ضعيفة وغير كفوءة من الناحية العلمية مثل تلك الموجودة في ايران وتركيا واوكرانيا وماليزيا وغيرها وذلك للحصول على شهادات بطرق سهلة وميسرة لكن بدون علم وبدون معرفة , ولم تتدخل الوزارة لتصحيح هذا المسار وذلك لان كلفة هذه الجامعات كانت اقل وارخص , لذا حصلنا على اعداد كبيرة من اصحاب الشهادات العالية ولكن دون دراية ودون علم . وبذلك سيتخرج تحت ايدي هؤلاء العائدين طلبة غير كفوئين وغير مقتدرين كنتيجة حتمية للاختيار الخاطئ لتلك الجامعات . وهكذا تم استخدام برنامج توانسازي بطريقة مكلفة وغير علمية ولم يخدم الهدف الرئيسي منه
اما الجامعات الاهلية فتلك بحق خطيئة كبرى ترتكب بحق كوردستان , حيث تحولت معظم تلك المؤسسات التعليمية الاهلية الى شركات ربحية وتجارة غير شرعية همها الاول والرئيسي الحصول على الاموال وابتزاز ابنائنا لحاجتهم الى شهادة فقط . يقول احد الطلاب والذي لا زال يداوم في المرحلة الثالثة من قسم اللغة الانجليزية في احدى الجامعات الاهلية ان احد المدرسين تم طرده من تلك الجامعة لان نسبة نجاح الطلاب كانت اقل من النسبة المعتادة المسموح بها في المرحلة الاولى حيث لا يسمح برسوب الطالب في المرحلة الاولى , خشية من تركه الكلية وبالتالي خسارة الكلية اجوره هذا الطالب , لذا يسمحون للطلاب من اجتياز المرحلة الاولى الى الثانية دون رسوب .
طالب المرحلة الثالثة من قسم اللغة الانجليزية هذا لا يجيد ابسط الكلمات في اللغة الانجليزية وهو طالب لم يبق على تخرجه سوى سنة واحدة فقط . هكذا انحرفت الجامعات الاهلية عن جادة الصواب واتجهت الى ممارسة الخطيئة تجاه ابناء بلدنا . والمسؤولين في الوزارة يتجاهلون هذه الاساليب المنحرفة في التعليم .
لابد من الاشارة كذلك الى ظهور عمداء ورؤساء اقسام بذلوا كل ما بوسعهم من اجل الارتقاء بعملهم والاخلاص لواجباتهم حيث تمكنوا من جعل العملية التعليمية في اعلى مراتبها ودرجاتها واقاموا نظما جديدة تتناسب مع تقاليد مجتمعنا وكذلك تتأقلم مع الانظمة العالمية الحديثة , فافتتحوا الدراسات المسائية التي يحتاجها الشارع الكوردستاني وطبقا لنفس المناهج الصباحية ,وذلك نظرا لحاجة المواطن الى العودة الى مقاعد الدراسة التي حرم منها نتيجة الظروف التي مرت على مجتمعنا الكوردي .
وسعى احد العمداء الى اقامة علاقات مع القطاع الخاص ومزج بين التعليم المهني والتعليم الاكاديمي فكان من نتائجها الايجابية ان توسعت العلاقات بين تلك المؤسسة والمؤسسات الدولية , وهذه العلاقات الجيدة اثمرت عن تحديث المختبرات برفدها بافضل الاجهزة والمعدات التي يحتاجها برنامج التعليم التقني والاكاديمي كما برزت ظاهرة ارسال الكوادر التقنية والتعليمية الى خارج البلد والاطلاع على انظمة ومختبرات الجامعات هناك , او زيارة الشركات المتخصصة بتصنيع العدد والاجهزة الخاصة بالمختبرات, كما قام القطاع الخاص بمساعدة معاهدنا وجامعاتنا ورفدها بالاجهزة المختبرية المتنوعة مجانا وحتى تخصيص مبالغ مالية لتشجيع الكوادر العاملة , وقد اصبحت احدى المؤسسات في وقت من الاوقات قبلة تزورها الوفود من الخارج والداخل , للاطلاع على حداثتها وتطورها , ولكن وجود مسؤولين لا يطيقون ان يروا تمتع الاخرين بهذا النشاط وهذا النجاح , دفعهم لفرض ارائهم الهدامة وافكارهم الانانية حتى تمكنوا من اعفاء هؤلاء العمداء ورؤساء الاقسام , فكان ان تم تدمير معظم تلك المختبرات وتجريدها من مساحاتها ومن اجهزتها ورمي هذه الاجهزة والتي لم يمض على شراؤها اقل من سنتين بذرائع وحجج واهية . وقد طمرت هذه الايجابيات عن الانظار نظرا لعدد السلبيات الكبير ونظرا لعدم وجود حدود للنفس البشرية الامارة بالسوء وعدم وجود قوانين تضع حدا لهذه الانفس المريضة وتحد من تجاوزها الحدود الطبيعية .
وكمثال على النشاطات والايجابيات التي برقت وشاع نورها في عهد اولئك العمداء الاوفياء فقد تم تأسيس مركز لحام دولي يمنح شهادات موقعة من المعهد الاميركي للحام , استبدال مختبرات ذات اجهزة قديمة جدا موروثة من الحكومة العراقية السابقة بأحدث ما تم الوصول اليه من الاجهزة التعليمية , اقامة مهرجانات ومعارض تقام لاول مرة من ضمنها مهرجان ( البيشمركة ) للسيارات الراجلة والمزينة بانواع الرسوم والديكورات المتعلقة بطبيعة كوردستان وعدة معارض للكتب ومعرض يوم التأسيس وزيادة غير طبيعية بالقاء السمينارات والجلسات والمناقشات العلمية التي تسعى للبحث عن حلول لمشاكل تواجه المؤسسة او الكادر او الطلاب والاستعانة باساتذة من جامعات اخرى للمساعدة في حل هذه المشاكل .
كل هذه الايجابيات تم القضاء عليها بلمحة بصرمن قبل بعض المسؤولين الطفيليين الذين نخروا في جسد المؤسسة فكانت تلك المرة الاخيرة لمهرجان البيشمركة وللمؤتمر العلمي المتعلق بطب الاسنان ولمعرض يوم الـتأسيس , ولم يتم تكرارها . واحيانا يبلغ الحزن مداه عند مشاهدة تلك المختبرات الحديثة وقد اقتلعت من جذورها مع كل الاجهزة والمعدات وهي تتكسر وتتحطم . ويقينا ومهما كانت الذرائع التي يتمسك بها هؤلاء المسؤولين , فان هذا العمل هو ضد مصلحة البلد .
من جهة اخرى ساهم ابناء كوردستان من الاساتذة الذين قدموا من الخارج في ابراز ايجابيات العمل الجامعي لدينا حيث فضلوا العودة الى البلد وخدمة ابناء بلدهم وكاد الحماس يتملكهم بصورة كلية في بداية عملهم وهم يقدمون المحاضرات ويلتقون بالطلاب ويوجهونهم ويشاركون اللقاءات العلمية وكان بامكانهم البقاء في الجامعة والاستمرار في الدروس ودون انقطاع ودون كلل طوال اليوم وهم سعداء ببذل كل هذه الجهود ويفتخرون بان التعب الذي يتملكهم في كثير من الاحيان هو لخدمة ابناء هذا البلد , لكن فجأة ودون سابق انذار يتم اعفاءهم من مناصبهم وتقليص محاضراتهم ودفعهم للركون في زاوية بعيدة عن اهتمامات الاخرين , بل يتم تكليف الغرباء بتلك المحاضرات امام اعينهم حتى يتملكهم الغضب ويفضلون الابتعاد او العودة الى الخارج , وهو عين الهدف الذي يسعى اليه هؤلاء الفاسدين الذين يتقلدون الصلاحيات في جامعاتنا ومعاهدنا .
وفي الحقيقة هناك عشرات الامثلة على عودة هؤلاء الاساتذة وتركهم عوائلهم وتفضيلهم المشاركة في تعليم طلابنا , الا انه لا يمكن التطرق الى الاسماء في هذه الدراسة ولكن عندما تقتضي الحاجة فيمكننا ابراز هذه الاسماء كما هو الحال في ابراز كل الاسماء الواردة امثلتها هنا .
دكتور عبدالعزيز رشيد – م . حاتم خانى