الباب مدينة خورية – كردية النشأة والميلاد – دراسة تاريخية – الحلقة الأولى – بيار روباري

 

Bab bajarek Xorî Kurdî nijad û resene

في هذه الدراسة التاريخية المختصرة، سوف نتناول فيها هوية وتاريخ مدينة “الباب” العريقة، الواقعة في منتصف الطريق بين مدينتي حلب ومبوگ (منبج)، الواقعتين غربي نهر الفرات في غرب كردستان، والدراسة تشمل النقاط التالية:

1- تمهيد.

2- جغرافية مدينة الباب.

3- تاريخ مدينة الباب.

4- أثار مدينة الباب.

5- أصل تسمية الباب ومعناها.

6- لغة سكانها الأصليين ومعتقداتهم الدينية.

7- الوجود الكردي في الباب.

8- بداية التغير الديمغرافي في غرب كردستان.

9- الخلاصة.

10- المصادر والمراجع.

أولآ، تمهيد:

Pêşgotin

قبل الدخول في تفاصيل هذه الدراسة التاريخية، أجد من الهام والضروري عن عدة نقاط يمكن إعتبارها خلفية للموضوع الذي نحن بصدده، ومن هذه النقاط:

ما سر إهتمامك إستاذ بيار بتاريخ هذه المدينة وبقية المدن الخورية  الكردية في غرب كردستان وتحديدآ الواقعة غربي نهر الفرات؟ وقد يسأل أحدكم: ما جدوى معرفة تاريخ هذه المدن إن كانت محتلة من العرب؟

إن سر إهتمامي بتاريخ المدن الكردية في غرب كردستان وخاصة التاريخية منها، وتحديدآ تلك التي تقع غربي نهر الفرات، له عدة أسباب منها:

أولآ، نفض الغبار عن تاريخ هذه الحواضر الخورية – الكردية، وإظهار حقيقية تاريخها وهويتها القومية. ثانيآ، تعريف أبناء شعبنا الكردي بتاريخ هذه المدن التاريخية العريقة، كونها تشكل جزءً أصيلآ لا يتجزأ من تاريخ إمتنا الكردية.

ثالثآ، دحض أكاذيب محلتي أرضنا أرض كردستان، وطن أسلافنا الخوريين، الكوزانيين، الميتانيين،  الميديين والحثيين والماند (كرمانج).

رابعآ، لم يكتب أحد من الكرد تاريخ هذه المدن نهائيآ، ولهذا هناك جهل كردي تام بتاريخها وحضاراتها العريقة.

خامسآ، لقد حان الوقت لنكتب تاريخنا الكردي بأدينا، ولا نسمح للأخرين بتدوين تاريخنا وتزويره، وتسويق الأكاذيب وخداع شعبنا الكردي.

سادسآ، لأثبت للجميع وفي مقدمتهم السياسيين الكرد السذج والتافهين والجهلة بتاريخ أرضهم ومدنهم وتاريخ أسلافهم، بأن غرب كردستان لا يتألف من ثلاثة مناطق منفصلة. إنما هي وحدة جغرافية واحدة،

وليس مجرد شريطآ حدوديآ. بل يشمل 60% من أراضي سوريا الحالية أي سوريا المفيدة. وعدد الكرد اليوم في غرب كردستان يتعدى (8) ثمانية ملايين نسمة. وعلى اولئك السياسيين الكرد (جميعهم ودون إستثناء)، أن لا يتفهون ويفتون بما لا يفقهون، وليتوقفوا عن ترديد تلك الترهات والمعلومات الغير صحيحة بالمرة.

الحقيقة المرة أن هؤلاء الجهلة هم منفصلين كليآ عن العقل والمنطق والحقائق التاريخية، فعليهم أولآ أن يقرأوا ما يكتبه المثقفين والكتاب والمؤرخين الكرد، ثم ليذهبوا ويشاهدوا الأثار القديمة في تلك المدن، كي يقتنعوا بما نقول. إن هذه المدن التاريخية الخورية العريقة، مليئة بالأثار التي تثبت بالدليل القاطع على كردستانية وكردية هذه المدن، وأن غرب كردستان ليست ثلاثة مناطق جغرافية، وأقول لإولئك الذين عابوا على قوات الحماية الذاتية الباسلة (ي ب ك/ ي ب ج) على دخولها لمدينة الرقة والطبقة، أن يخجلوا من ووجههم القبيحة، وجهلم التام بتاريخ المنطقة وتاريخ أسلافهم. إن مدينة الرقة مدينة كردية خالصة وإن كان يسكنها الأن المحتلين والمستوطنين العرب، فهؤلاء غزاة وهذه ليست ديارهم، ديارهم هو الربع الخالي. وحسنآ فعلت قوات الحماية الذاتية بدخولها لمدينة الرقة، وعليها أن لا تخرج منها نهائيآ. أنا عتبي على قوتنا (ي ب ك) كونها لم تدخل مدينة حلب كاملة، إدلب، دارزه، أزاز، گرگاميش (جرابلس)، الباب، لأنها جميعها مدن وأراضي كردية بحتة، وكتبت عن تلك المدن دراسات تاريخية ولكل مَن يريد الإطلاع عليها فيمكنه قرأتها في صفحتي على الفيسبوك وفي موقع “صوت كوردستان” الإلكتروني.

—————

نهر الفرات ودجلة:

هذا النهر كردي المجرى والماء معآ، من منبعه إلى مصبه منذ فجر التاريخ والخليج الذي يصب نهري دجلة والفرات خليج “إيلامي-كردي” من الجانبين، والعرب والفرس لا يملكون سنتمر من الأرض من جانبي هذا الخليج، وما تجدونهم من مقيمين أكثريتهم معبرين ومفرسين والبقية غزاةٌ ومحتلين. وما قلته عن نهر الفرات ينطبق حرفيآ عن نهر تيگريس أي (دجلة) بالعربي. وتسمية “الفرات” تسمية كردية – سومرية قديمة، وتأتي بمعنى العظيم أي ذو الماء الوفير أو الغزير. والبعض الأخر شرح الكلمة بمعنى الواسع وكلا المعنيين صحيحين. أما تسمية “تيگريس”، فهي تسمية كردية – إيلامية وتعني سريع الجريان.

ثانيآ، جغرافية مدينة الباب:

Erdnîgeriya bajarê Babê

تعد مدينة الباب الخورية من المدن الإستراتيجية التي تقع في غرب كردستان وتحديدآ غرب نهر الفرات وتشكل مع بقية شقيقاتها: گرگاميش (جرابلس)، مبوگ (منبج) وأرپاد (تل رفعت) وأزازخزم (أعزاز)

وإذا أضفنا إليهم جبل نابو (جبل سمعان) وجبل ليلون، ومدينة هلچ (حلب) ودلبين (إدلب) حلقة مكتملة ويطلق عليها تسمية “منطقة الشهباء”. والشهباء مفردة كردية رصينة ومركبة من لفظتين: الأولى (شاد) وتعني هنا المفرح أو الطيب، والثانية (با) وتعني الهواء. وبذلك يصبح معنى الكلمة ذات الهواء اللطيف أو العليل، وفي الواقع منطقة شهباء كلها هضبة وترتفع عن سطح البحر حولي (450) متر، ومن هنا هواءها لطيفٌ وعليل كونها مفتوحة على البحر المتوسط. فالعرب أخذوا اللفظة الكردية، ومع الزمن حوروها إلى شهباء، والتي تعني البياض، وهذا هراء لا علاقة له بالواقع، وأهل هذه المنطقة يعرفون مدى خصوبة التربة في هذه البقعة الجغرافية وحمار لونها، وإن وجدت منطقة بيضتء فهي نادرة جدآ وإلا لما نبتت فيها كل تلك الأنواع الخضروات، الفواكهة، الحبوب، القطن، التبغ والأشجار المثمرة بأنواعها المختلفة.

وقد أنشأت مدينة الباب على الطريق الواصلة بين حلب والفرات عند الطرف الشرقي لتلة تُعرف في المنطقة بجبل “الشيخ عقيل” إرتفاعه حوالي (534م)، يطل الجبل أو التلة على منبسط متموج من سهل خصب، متوسط إرتفاعه حوالي 440م فوق سطح البحر، يمتاز هذ السهل بتربة خصبة، ويقطعها أودية سيلية موسيمية صغيرة، أبرزها الوادي الذي يجري فيه “نهر الذهب”، الذي كان ذات يوم مياهه تروي أراضي السهل وينتهي مسيرته في مملحة الجبول جنوب شرق مدينة حلب.

تتبع مدينة الباب إداريآ لمحافظة حلب وتبلغ مساحتها حوالي (30 كم²)، ولهذا من حيث المساحة تحتل مدينة الباب المرتبة الأولى بين مدن المحافظة، وتبعد مدينة الباب حوالي (30) كم عن الحدود مع شمال كردستان، كما أنها تبعد عن مدينة حلب بمسافة (38) كم، وتقع بينها وبين مدينة مبوگ (منبج)، كما يبلغ عدد سكانها ما يقارب (300,889) الف نسمة، وذلك وفق إحصائية عام 2008 ويعيش فيها خليط من الأقوام حاليآ. ويتبعها (157) قرية و(52) مزرعة وثلاثة نواحي هي:

1- ناحية تادف. 2- ناحية حافر. 3- ناحية الراعي. وتقسم المدينة إداريآ إلى خمسة مناطق من الدخل هي:

أولآ، البلدة القديمة:

تضم داخل حدودها حي التجارة، حي العشرة، حي المصاري، بالإضافة إلى المسجد الأموي الكبير، السوق المسقوف، دار السينما، والحمام الشعبي.

ثانيآ، المنطقة الغربية:

تضم داخل حدودها حي جبل عقيل، حي غريبة، وكما تضم المنطقة كل من المدرسة الثانوية الصناعية والمستشفى الوطني أيضآ.

ثالثآ، المنطقة الشرقية:

تضم حي الشرقية، حي سوق الهال وفيه يوجد فيه أكبر سوق للخضروات والفواكه في المدينة.

رابعآ، المنطقة الشمالية:

تضم داخل حدودها حي النصر، حي سوق ساحة مرطو، حي غرناطة، حي الشمالية.

خامسآ، المنطقة الجنوبية:

تضم حي قبلية، حي الراهب، حي زمزم، حي آل النجار، وكما تضم الملعب البلدي ومدرسة الفنون.

الحياة الاقتصادية بمدينة الباب:

Jiyana aborî li bajarê Babê

تعد الزراعة وتربية المواشي (الأغنام والأبقار والدواجن)، أهم مصادر الدخل والرزق الأساسية لسكان المدينة وريفها، ويضاف إليهما بعض الأعمال الحرة، والوظائف العامة الحكومية. الزراعة تتركز بشكل أساسي في سهل المدينة، حيث يحيط بالمدينة أراضي زراعية كبيرة وجلها بعلية، وتبلغ المساحة البعلية التي يتم زرع من قبل الأهالي بنحو (4.517) هـكتار، وأهم المحاصيل الزراعية التي تزرع في سهل المدينة هي: القمح، الشعير، الذرة، العدس، البقاليات. أما بالنسبة للأشجار المثمرة فتشمل شجر الرمان، الفستق، الزيتون، الكرز، التين وكروم العنب. بينما مساحة الأراضي الزراعية المروية في الواقع مساحتها تقل عن (500) هـكتار. ومن أهم المحاصيل الزراعية المروية في هذه المدينة هي: الخضروات الصيفية مثل البندورة، الخيار، الفليفلة، البطيخ، الجبس، الخس، الباذنجان، الكوسا، القرع، …. إلخ. وتشتهر المدينة كذلك بمشتقات الحليب مثل الأجبان والألبان، إضافة لصناعات أخرى صغيرة. وتعتمد مدينة الباب في حياتها على شبكة المياه التي تأتيها من نهر الفرات، ولديها خزان مائي كبير يقع في غربي المدينة. وتقدر إجمالي مساحة أراضي مدينة الباب بحوالي (190) بمئة وتسعون كيلومتر مربع، ويبلغ إرتفاع المدينة عن سطح البحر بحوالي (479م).

ثالثآ، تاريخ مدينة الباب:

Dîroka bajarê Babê

الباب مدينة خورية – كردية قديمة ويعود تاريخ بنائها إلى 2000 عام قبل الميلاد، وليس صحيحآ أن الرومان هم مَن قاموا ببنائها. وفي الحال سأشرح لماذا وكيف. وسوف أوضح لماذا العرب أرجعوا أصل المدينة للرومان، وتجنبوا الإشارة إلى الشعب “الخوري” وأبنائهم من الميتانيين، الحثيين والميديين. والرحالة العرب الذين أتوا على ذكر المدينة في كتبهم من القدماء، مثل “ابن جبير” في كتابه المعروف (رحلة ابن جبير)، وياقوت الحموي الذي أتى على ذكر المدينة في كتابه معجم البلدان، ليسوا مؤرخين كما نفهم معنى المؤرخ. كل ما قاموا به هو تسجيل إنطباعاتهم الشخصية ومشاهادتهم العينية لا أكثر. إن عمل المؤرخ مختلف كليآ وحتى أدواته ويقوم بالبحث والتنقيب وجمع الأدلة ومقارنتها مع بعضها البعض ولا يعتمد على إنطباعاته الشخصية وأراء عوام الناس. وفي كثير من الأحيان كانوا يسجلون قصص يسمعونها من السكان دون التدقيق فيها، ولا في صحة التسميات التي يسمعونها من الأهالي، ولهذا لا يمكن الإعتماد على مثل تلك الشهادات على أنها مسلمات وإعتبار ذلك تاريخآ.

 

معضلة بعض المدن الأثرية في بلاد الكرد ومن ضمنها مدينتي (الباب ومبوگ – أي منبج)، أن المدينة التاريخية في الحالتين، دمرت مع كل أثارها، مرة ومرتين وثلاثة، ولهذا لا نملك من الوثائق المادية سوى القليل القليل مثل اللقى والنقوش، وهذا أمر محزن لكل المهتمين بالتاريخ الإنساني القديم، وتاريخ هذه المدن و هذه المنطقة أي موطن الخوريين – أسلاف الكرد الحاليين. إن بقايا الأثار والفخريات تؤكد أن المدينة تعود إلى عهد الخوريين ثم تولى شأنها الميتانيين الكرد، ومن بعدهم تولى أمرها الكرد الحثيين وبعد ذلك، تولى حكمها الغزاة الأشوريين، فالرومان، البيزنطيين، الفرس، العرب، التتر، ثم العثمانيين وحاليآ المحتلين والمستوطنيين العرب من جديد. وشهدت المدينة تطورآ ملحوظآ في العهدين الميتاني والحثي. مدينة الباب لم تحتل شأنآ كبيرآ في التاريخ، ولم تلعب دورآ مهمآ مثل بقية الحواضر الخورية من حولها لعدة أسباب منها:

1/ وجود حواضر أهم منها من الناحية الإستراتيجية والعسكرية والتجارية مثل مدينة: “گرگاميش (جرابلس)، مبوگ (منبج)، أرپاد (تل رفعت)، أزازخزم (أعزاز)، مدينة هلچ (حلب)، دلبين (إدلب) وگلز (كلس).

2/ لا شك إن وجود مدينة (با- زا)، التي تسمى زورآ وبهتانآ اليوم (بزاعة)، والتي يقطنها المحتلين والمستوطنيين العرب الذين قدموا إليها من كل الأصقاع، غطت عليها وقلصت من دورها بحكم موقعها الهام، بمعنى أنها غطت على مدينة الباب وظلمتها ولم تستطيع مدينة الباب أخذ دورها ومجدها ولعب أي دور فعال وملموس.

 

عودة إلى السؤال الذي طرحناه قبل قليل: لماذا نعتقد أن الخوريين هم مَن بنوا المدينة وليس الرومان.

لو أن الرومان هم مَن بنوا المدينة كم يدعي كذبآ المستوطنيين العرب وخاصة المستعربين منهم، لكان الرومان منحوها إسمآ رومانيآ، وعادة الرومان كانوا يطلقون أسماء ملوكهم وقادتهم العسكريين على المدن التي يبنونها، وخير مثال على ذلك هو: مدينة القسطنطينية العريقة (إسطنبول) الحالية، أنطاكيا، مدينة الإسكندرية على الساحل الشمالي لمصر وهكذا دواليك. ولكن لم يكن الحال كذلك مع مدينة الباب فهل يعقل ذلك؟

ثم لم يخبرنا هؤلاء الدجالين ومزوري التاريخ من العرب المستعربة والأتراك المستتركة ما هو الإسم الذي أطلقه الرومان على هذه المدينة بعد بنائها؟ أما أنهم تركوها من دون إسم؟ أم أنهم أطلقوا عليها إسم الباب وفق العرب؟ سوف نناقش أصل تسمية الباب ومعناها في الفقرة الخاصة بأصل التسمية ومعنى هذا الإسم.

النقطة الثانية هو أن بقايا الأثار والفخاريات التي وجدت في أرض المدينة تؤكد بشكل قاطع أن تاريخ المدينة يعود إلى ما قبل الميلاد بألاف السنين، ونحن نعلم إن الرومان إحتلوا موطن الخوريين أسلاف الكرد في عام (63 قبل الميلاد)، وحدود موطن الخوريين لمن لا يعرف أو نسيى تبدأ: من بحر مرمرة في الغرب، ويمتد إلى خرسان شرقآ، وينتهي جنوبآ على الخليج الإيلامي، الذي يسمى اليوم زورآ وكذبآ (بالخليج الفارسي أو العربي)، لأن العرب والفرس لم يكونوا يملكون سنتمر واحد من سواحل هذا الخليج من الجوانب الثلاثة، الشمالي والجنوبي والغربي، ويشمل كل منطقة شرق البحر المتوسط ومن ضمنها مدينة الرقة، حلب، قطنا، دمشق، أوگاريت، اللاذقية، ومرورآ بالگولان حماه وحمص.

النقطة الثالثة في هذا الإطار، لو كان الرومان هم بناة المدينة، والعرب تنكروا لإسمها الروماني وأخفوه، لورد إسمها في الوثائق الرومانية والبيزنطية، ولكتب عنها المؤرخيين الإيطاليين والغربيين لاحقآ دون شك، وبالتأكيد لذكروا إسمها الروماني الحقيقي والتاريخي في كتبهم. ولكن هذا لم يحدث لا لأن الرومان والبيزنطيين والمؤرخيين الغربيين خافوا من العرب والمستعربين. هذا الرواية التي ساقها الكتاب العرب، يدل على مدى كذبهم وتدليسهم وتزويرهم لتاريخ المنطقة ومحاولة سرقته ونسبه لأنفسهم.

لقد إحتل المستعمرين الرومان أجزاء كبيرة من وطن الخوريين أسلاف الكرد، والذي قاد جيش الإحتلال الروماني هو القائد العسكري “بومبيوس الكبير”. دام الحكم الروماني ومن ثم البيزنطي لوطن الخوريين قرابة (700) سبعمئة سنة حتى سقوط حكمهم، على يد الغزاة العرب المسلمين عام (637) ميلادية. حيث كانت كردستان تشكل إحدى أهم الولايات الرومانية، مع العلم الرومان حشدوا ثلاث ألوية عسكرية في كردستان، للدفاع عنها ضد البارثيين الذين كانوا يشنون حملات عسكرية ضد الرومان من الشرق. وبحلول القرن الثالث أصبحت للولاية أهمية خاصة بوصول السلالة السفرية إلى سدة الحكم في روما حيث قام الإمبراطور “سيبتيموس سيفيروس” في عام 194 بتقسيم وطن الخوريين (كردستان) إلى جزء شمالي وسموه (الجوفاء)، والجزء الجنوبي سموه (الفينيقي). إستمر الحكم البيزنطي بعد الرومان حتى القرن السابع حيث شكلت معركة الجسر الحديدي في أنطاكيا نهاية للحكم الروماني للمنطقة أي كردستان.

————–

بومبيوس الكبير:

هو ابن القائد الكبير جاليونيوس بومينيوس الذي قاد الحرب في إيطاليا بن استرابون وقد شارك ابنه بومبيوس في هذه الحرب الكبير ولد عام 106 ق.م في روما وتوفي عام 46 ق.م في الفرما أحد القادة العسكريين الذين برزوا في أواخر عصر الجمهورية الرومانية وهو ينحدر من أسرة رومانية عريقة.

—————

الإسرة السفرية:

كانت أسرة إمبراطورية رومانية، حكمت الامبراطورية الرومانية بين أعوام (193-235). مؤسس الأسرة أو السلالة هو الجنرال الروماني “سبتيميوس سفروس”، الذي إرتقى سلم السلطة بإنتصاره في الحرب الأهلية في سنة 193، المعروفة بإسم سنة الأباطرة الخمسة.

——————

معركة الجسر الحديدي:

كانت بين جيش العرب المسلمين المحتلين الجدد لوطن الخوريين أسلاف، والمحتلين القدماء أي البيزنطيين وكان ذلك سنة (637م)، وذلك في عهد الخليفة الطاغية “عمر بن الخطاب”، وكانت المعركة بالقرب من جسر حديدي يعبر نهر العاصي، وهو سبب هذه التسمية. كانت المعركة ضمن حملات الغزاة المسلمين العرب على غرب كردستان والذي أطلق الرومان إسم الأنضول أي المشرق، بعد انتصار العرب المسلمين في معركة اليرموك.

******

 

أهم ما يميز مدينة الباب التاريخية، هو نهر الذهب أو ما كان يطلق أحيانآ “وادي الذهب”، كون النهر كان متقطع الجريان، وذلك حسب فصول السنة. والنهر يتدفق من الشمال بإتجاه الجنوب لمسافة حوالي 50 كيلومتر، قبل أن ينتهي في بحيرة “جبول” شرقي مدينة حلب وهي بحيرة مالحة. وتم بناء سدين صغيرين على النهر للإستفادة من مياهه، وفي الآونة الأخيرة قبل إنطلاق الثورة السورية، كان يتم تحويل جزء من مياه نهر الفرات إلى مجرى هذا النهر لتعزيز الري في الوادي الممتد من شمال شرق مدينة الباب ويمر بينها وبين مدينة “با-زا” أي بزاعة الواقعة شرق الوادي ويمتد حتى بحيرة جبول. وقد جف النهر في أعوام 1957-1959، نتيجة جفاف مصادر المياه وكثرة الآبار والمضخات المائية على مجراه. أما مناخ المدينة فهو شبه جاف ودرجة الحرارة تبلغ فيها إلى (35) مئوية، وأمطارها السنوية تربو على (300مم)، مما يسمح بقيام زراعة بعلية. وتربط الباب بنهر الفرات بشبكة نظامية لجر المياه وتأمين حاجة سكانها من مياه الشرب، إضافة إلى ري المحاصيل الزراعية. النهر أو الوادي سمي بهذه التسمية نظرآ لخصوبة تربته وعطائه الغير محدود.

والأمر الأخر الذي يمتاز به هذه المدينة، هي تلك التلة التي تسمى اليوم “بطنا”، وهي تلة أثرية وعلى سطحها وجدت قطع فخارية ولقآ أثرية، وبحسب الباحثين وعلماء الأثار تعود هذه اللقى والفخاريات إلى العهدين الخوري والحثي.

 

إن اللقى والفخاريات والآثار التي تم إكتشافها في المنطقة وحول جبل (الشيخ عقيل والمدينة وتل بُطنان)، ومواقع أخرى تؤكد مدى قدم هذه المدينة، هذا إضافة للطرق المرصوفة داخل المدينة التاريخية والقنوات المائية الجوفية، هذا إلى جانب الكهوف وغيرها من آثار. والنهضة الثانية التي شهدتها المدينة كانت في فترة الإحتلال الروماني والبيزنطي. ومع ذلك فقد بقيت مدينة الباب مدينة هاميشة إذا ما قورنت ببيقية المدن الحواضر الخورية والميتانية والحثية، ولقد ذكرنا الأسباب أنفآ. ولم تتوسع المدينة عمرانيآ، وهي في الأصل عندما أنشأت، أوقيمت كمسكن أو مقر لكبير الكهنة “اليزدانيين” في عهد الخوريين، بهدف الإبتعاد عن ضجيج المجتمع والتركيز على دراسة العلوم الدينية والتواصل مع الألهة والعودة من جديد إلى دور عبادتهم بروح ومعنويات جديدة عالية.

وبعد تدميرها وطرد سكانها بقيت المدينة أو بالأحرى البلدة، غير مأهولة بالسكان لفترة طويلة من الزمن حتى قبل فترة قرنيين، كانت أنحاؤها مجرد منتجعاً لعدد من العشائر البدوية الغنَّامة التي إستقر بعض أفرادها فيها. وأخذت المدينة تتوسع حول النواة القديمة وسوقها التجارية، وجاءها وافدون من الجزيرة والفرات ومن مدينة حماة وحمص، وأغلبهم من عشائر وبطون بدوية، مازالت أسماء الأسر الرئيسة المعروفة اليوم تدل على أصولها البدوية المهاجرة والغريبة عن المنطقة وثقافتها. وشكلت الهجرة إلى الباب عاملاً بارزاً في إزدياد عدد سكانها إلى جانب الزيادة الطبيعية للسكان، وتغير طبيعة سكانها وهويتها القومية.

 

الباب في عهد الاحتلالين الروماني والبيزنطي:

Babê di dema Romaniya û Bîzentiya de

في عام (63) قبل الميلاد، إحتل القائد الروماني “بومبيوس الكبير” وطن الخوريين، بعد أن هزم الملك السلوقي “أنطيوخوس الثالث عشر” وبذلك إنتقلت المنطقة ومن ضمنها مدينة الباب من السيطرة السلوقية إلى السيطرة الرومانية. وفي عام 330م، أسس الإمبراطور الروماني قسطنطين مدينة بيزنطة (إسطنبول الحالية) وسماها القسطنطينية نسبة لإسمه. وفي عام 334م نقل إليها الدوائر الرسمية من روما وجعلها عاصمة للإمبراطورية الرومانية، وجعل النصرانية الديانة الرسمية لها. وبعد ذلك إنقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين تحديدآ بعد وفاة “الإمبراطور ثيودوسيوس الأول” سنة 395م، فورثه ولداه وتقاسما العرش مناصفة بينهما. فحصل الأول “هونوريوس” على الشطر الغربي وعاصمته روما، بينما تولى الثاني “أركاديوس” الشطر الشرقي، الذي عرف باسم الإمبراطورية الرومانية الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية) وبقيت القسطنطينية عاصمة لها. وشملت هذه الإمبراطورية آسيا الصغرى والبلقان ومصر وكردستان. وحوالي العام 613-614م، هاجم الكرد الساسانيون هذا الجزء من كردستان، وبسطوا سيطرتهم على مدينة الباب إضافة لمدينة دمشق والقدس، إلى أن إستعادها القائد البيزنطي “هرقل” سنة 629م بعد جهد كبير. وهنا لا بد من ملاحظة، بأن الرومانيين والبيزنطيين فرضوا الدين المسيحي على السكان الأصليين، كونه كان الدين الرسمي للدولة البيزنطية، ومُنع الدين الخوري اليارساني والطقوس والأعياد الخورية الدينية، وحتى القوانيين تم تغيرها من قبل المحتلين الرومانيين.

 

الباب في عهدي الإحتلال العربي والعثماني:

Babê di dema Ereban û Osmaniya de

حسب معظم المصادر التاريخية، فإن الغزاة العرب المسلمين إحتلوا مدينة الباب في عام 638 ميلادي، أثناء خلافة “عمر بن الخطاب”، وذلك بعد إحتلال مدينة حلب على يد أبو عبيدة الجراح. والذي قاد القوة الغازية لمدينة الباب هو “حبيب بن مسلمة الفهري” الذي كان قائدًا للجيش الإسلامي العربي. فتم تغير ملامح المدينة ومنع الناس من ممارسة دينهم المسيحي ، لأن الرومان والبيزنطيين كانوا قبل ذلك فرضوا الديانة المسيحية على السكان الأصليين الخوريين من أسلاف الكرد، الذين كانوا يدينون بالديانة اليزدانية الشمسانية، ولهم أعيادهم وطقوسهم ومعابدهم. وبعد ذلك حكم الأمويين مدينة الباب وما حولها، الذين أسسوا إمبراطورية بقيادة “معاوية بن أبي سفيان” والذي إتخذ من دمشق عاصمة لتلك الإمبراطورية، ونصب نفسه أول خليفة فيها سنة 661م. ودامت تلك الإمبراطورية حوالي 91 عامآ. وخلال هذه الفترة الزمنية فرض الأمويين اللغة العربية والدين الإسلامي بحد السيف على سكان هذه المدينة من الكرد مثلما فرضوا ذلك على غيرها من المدن الكردية. وإنتهت الدولة الأموية عندما سقطت مدينة دمشق في أيدي العباسيين سنة (750م) في أيام “مروان بن محمد (مروان الثاني) آخر الخلفاء الأمويين.

 

ثم إنتقل حكم المدينة إلى العباسيين، بعد أن أسس العباسيون دولتهم وإتخذوا من بغداد عاصمة لدولتهم إثر قضائهم على الحكم الأموي في دمشق سنة 750م على يد القائد العباسي “عبد الله بن علي” في أيام ابن أخيه الخليفة أبي العباس السفاح وإستباحها عن بكرة أبيها، وأعمل السيف بالأمويين، ونبش قبور خلفائهم وأحرق جثثهم، كما خرب قسمآ كبيرآ من سور المدينة. إتصف العهد العباسي أيام الخليفة هارون الرشيد (786-808م) بالترف والرخاء، وبلغت الدولة وهجها في عهده، كما تميز عهد ولده المأمون بانتعاش حركات التأليف والترجمة وتشجيع العلوم والفنون. إنتهى نفوذ الدولة العباسية في الباب ودمشق عندما إحتلها الطولونيون سنة (877م) وإستمر حكم دولة (أحمد بن طولون) للمنطقة حتى عام (905م) عادت بعدها المنطقة للنفوذ العباسي من جديد ومعها مدينة الباب. لم تشهد مدينة الباب أي تطور فكري أو عمراني في العهدين الأموي والعباسي، سوى بناء بعض المساجد لتجهيل الناس بهدف إستعبادهم وركوب ظهورهم.

لقد شارك الكرد في بناء الدولة العباسية أثناء تأسيسها بمساهمة رئيسية من أبي مسلم الخراساني (الذي يدين له العباسيون قبل كل شيء بقيام دولتهم)، الذي قتله “أبو جعفر المنصور” في بداية خلافته، إلا أن وضع الكرد إختلف في ظل الخلافة العباسية، فقد فتحت أمامهم كغيرهم من الشعوب الخاضعة للدولة العباسية أبواب الوظائف  فانصرفوا إلى إدارة مناطقهم ومدنهم، وفقط يدفعون عنها الخراج سنويا كبقية المناطق، وعندما ضعفت السلطة المركزية في بغداد، كان الكرد سباقين إلى الانفصال الجزئي أو الكلي عن الدولة العباسية، وقاموا بتشكيل إمارات ودول خاصة بهم. كالدولة الروادية، السالارية، الحسنوية، الشدادية، الدوستكية، الفضلوية، الخورشيدية، الأيوبية، الأردالانية، وغيرها من الإدارات والحكومات الكردية، وأهم الدول التي قامت في المنطقة وشملت حدودها المناطق الكردية في سورية هي الدولة الدوستكية، التي كانت تعرف أيضاً بالدولة المراونية، والدولة الأيوبية هي الأخرى شملت أجزاء كبيرة من مدن وأراضي غرب كردستان.

———

العباسيين:

هم سلالة العباس بن عبد المطلب، أصغر أعمام الرسول محمد بن عبد الله، وقد إعتمد العباسيون في تأسيس دولتهم على الكرد بالدرجة الأولى ثم الفرس بسبب نقمتهم على الأمويين، حيث إستبعدوهم من مناصب الدولة والمراكز الكبرى، بينما إختص العرب بها، كذلك إستمال العباسيون الشيعة للمساعدة على زعزعة كيان الدولة الأموية. ونقل العباسيون عاصمة الدولة بعد نجاح من دمشق إلى الكوفة، ثم الأنبار، قبل أن يستقروا في مدينة بغداد وجعلها عاصمة لهم.

ثم خضعت مدينة الباب ومعها بقية المدن الخورية – الكردية لحكم الإخشيديين المصريين الذين بسطوا نفوذهم على كل المنطقة سنة (941م)، وفي عام (944م)، إحتل سيف الدولة الحمداني حلب وحمص ودمشق، وقامت بينه وبين إخشيد مصر وقائده كافور نزاعات وصدامات وحروب حتى اتفقوا في نهاية الأمر على أن تكون المنطقة الشمالية لبلاد الخوريين من نصيب سيف الدولة بما في ذلك حمص وحلب التي أصبحت عاصمة للحمدانيين، أما جنوب البلاد فكانت من نصيب الإخشيديين الذين انتهى أمرهم في كردستان بعد قضاء الفاطميين عليهم في مصر سنة (969م). سيف الدولة لم يهتم بمدينة الباب فلم تشهد في عهد الدولة الحمدانية أي تطور. ثم أنهى الفاطميون النفوذ الحمداني في حلب وما حولها سنة 1003م.

الفاطميين لم يدم لهم الإقامة في جنوب وغرب كردستان، لأن الدولة قضت على حكمهم في يسمى اليوم بسوريا وفي مصر أيضآ.

———-

الإخشيديين:

بنو إخشيد، هم سلالة تركية مستعربة حكمت كل من مصر وسوريا اليوم أعوام (935-969) ميلادي، ومقر حكمهم كان في الفسطاطب. تنحدر هذه الأسرة من أحد القادة العسكريين الصغد في فرغانة (طاجكستان). أول من عرف من أفراد هذه الأسرة كان “جف بن يلتكين”، وقدم جفّ إِلى العراق إِثر توجيه المعتصم إِليه من أحضره لكثرة ما وصف به من الشجاعة والإِقدام في الحروب، في الوقت الذي بدأ فيه المعتصم يعتمد على الأتراك في جيشه.

******

ثم حكم المنطقة ومن ضمنها مدينة الباب الخورية، السلاجقة أو الأسرة السلجوقية التي تُنسب “لسلجوق بن دقاق” وهو الجد الأكبر للسلاجقة، وحكموا أكبر دولة إسلامية ظهرت على الخريطة في العهد العباسي، وتحديدآ في القرن الحادي عشر الميلادي، ويعود أصل السلاجقة إلى وسط آسيا منطقة تسمى “استبس القيرغيز”. إحتل السلاجة المنطقة عام (1070م) ومن ضمنها مدينة حلب والباب والمدن التي من حولهما، والذي كان يقود الجيش السلجوقي أنذاك هو القائد “ألب أرسلان”.

وقد أفل نجم السلاجقة عام (1117م) حين إستقل بالحكم قواد الجيوش السلجوقية من الأتابكة واحدآ تلو الآخر، مما أدى إلى ظهور دويلات الأتابكة في المنطقة. وتُعرف الدولة الأتابكية أحيانآ بالدولة الزنكية.

بدأ الأمراء الأتابكة يستقلون في مدنهم تدريجيآ حتى تم لهم اقتسام المملكة السلجوقية، وأقاموا على أنقاضها دولاً أشهرها دولة عماد الدين زنكي التي أسسها في مدينة الموصل سنة (1127م)، ثم إستولى على حلب سنة (1128م) وضمها إلى مملكته. ويعتبر عماد الدين أول من أنزل الضربة الأولى بجيوش الصليبيين عندما حرر مدينة الرها سنة (1144م). بقيت مدينة الباب طوال فترة حكم السلاجقة والزنكيين على حالها فلم تشهد أي نهضة حقيقية.

بعدها حكم المدينة الدولة أو الإمارة النورية، التي تولى قيادتها “نور الدين محمود بن زنكي” بعد أبيه سنة (1146م)، فجعل من حلب عاصمة لدولته التي عرفت باسم الدولة النورية نسبة إليه، وضم مدينة الباب وما حولها إلى إمارته، وفي سنة ( 1154م)، إحتل مدينة دمشق. ثم استولى على جزء كبير من الأراضي التي تسمى اليوم (سوريا)، وهي أراضي خورية- كردية، ما عدا المناطق التي كان الصليبيون يسيطرون عليها وتحديدآ الشريط الساحلي. وفي عام (1164م)، استولى نور الدين على بعض أجزاء من إمارة أنطاكية الصليبية. وتوفي نور الدين سنة (1174م) وتولى إبنه الملك “الصالح إسماعيل” وكان يبلغ من العمر (11) إحدى عشرة عامآ، فبدأت بوادر الضعف والتضعضع في الدولة النورية، حتى برز إلى الوجود “صلاح الدين الأيوبي”، فوحد بلاد سوريا الحالية ومصر في ظل الدولة الأيوبية.

ومع سطوع نجم الدولة الأيوبية عام (1175م)، وضم جزء كبير من كردستان إلى دولته التي أقامها في مصر، بعد خلع الخليفة الفاطمي العاضد، إنتقل حكم مدينة الباب وما حولها إلى الأيوبيين مع مدينة حلب.

ومع وفاة صلاح الدين بدمشق سنة (1193م)، توزعت مملكته بين ذريته حتى قتل هولاكو الملك الناصر يوسف آخر الملوك الأيوبيين سنة (1261م)، فانتهت بموته الدولة الأيوبية في مصر وكردستان، وبدأ عهد المماليك بالظهور.

بدأ المماليك سيطرتهم على الحكم بقتل الملك “توران شاه الأيوبي” وتولية أمه شجرة الدر مكانه سنة (1250م)، ثم ما لبثوا أن إستبدلوها في نفس العام بمملوكي إسمه “عز الدين أيبك”، وما أن تولى فيهم الملك المظفر سيف الدين قطز سنة (1259م) حتى سار إلى بلاد الخوريين في العام التالي، وتمكن من طرد المغول منها، بعد انتصاره عليهم في موقعة عين جالوت (1260م)، فأصبحت منذ ذلك الوقت جنوب غرب كردستان ولاية مملوكية، وإستمرت تحت سيطرتهم حتى الإحتلال العثماني لها بقيادة السلطان “سليم الأول” سنة (1516م)، بعد معركة “مرج دابق” التي هزم فيها المماليك بقيادة السلطان المملوكي “قنصوة الغوري”، الذي سقط قتيلاً في المعركة. وهكذا أصبحت المنطقة منذ هذا التاريخ تحت النفوذ العثماني، ومن ثم أصبح أكثر من نصف مساحة كردستان التاريخية تحت سيطرتهم أيضآ. والحكم العثماني لنصف أراضي كردستان مستمر لليوم ما عد الأجزاء التي إقتطعت من الدولة العثمانية وضمت لكيانات جديدة مصطنعة هي سوريا والعراق.

قسّم العثمانيين جنوب غرب كردستان (سوريا) إلى ثلاث ولايات يتولى: ولاية الشام (دمشق)، ولاية طرابلس، وولاية حلب. وكان العثمانيون يعينون على كل ولاية موظفآ كبيرآ على هذه الولايات يُسمى بالوالي أو الباشا، وكان بمثابة نائب السلطان في الولاية ويمتاز بصلاحيته مطلقة وأحكامه كانت نهائية.

وقد عمدت الدولة العثمانية إلى تبديل الولاة بإستمرار، خشية أن يقوى نفوذهم فيصبحوا خطرآ عليها وينفصلوا بالولاية. وكان يساعد الوالي ديوان مؤلف من كبار الضباط والعلماء والأعيان والموظفين،  ومهمة هذا الديوان كانت إستشارية فقط. وطوال (400) عام من الحكم العثماني بقيت مدينة الباب جزء من ولاية حلب وجلب العثمانيين إليها المستوطنيين التركمان والشركس، ولم يهتموا بها ولاة حلب نهائيآ.

——–

العثمانيين:

تعود أُصول العثمانيين إلى الجد الاكبر سليمان شاه، إذ إنه عند موته انقسمت الأُسرة إلى قسمين، حيث عاد القسم الأول إلى موطنه الأصلي آسيا الوُسطى، أما القسم الثاني فقد سكن شمال غرب كردستان (الأناضول) بزعامة عثمان بن أرطغرل، ويجدر الذكر أن أصل العثمانيين يعود إلى قبائل تركية هربت من بلاد آسيا الوُسطى، بسبب الزحف المغولي، وشكَلوا دولة على يد “عثمان بن أرطغرل”، الذي كان أول من يعتنق الإسلام من بني قومه، وأخذوا من مدينة (قره حصار) مقراً لهم.

*******

ونتيجة هذه الحالة من عدم الإستقرار وكثرة الغزوات والإحتلالات المختلفة والحروب والتدمير والحرق، لم تعرف مدينة الباب وبقية المدن الخورية – الكردية في هذا الجزء من وطن الخوريين (كردستان)، هدوءً ولا نماء طوال سنين طويلة للغاية. كل ما شهدته هي الحروب، القتل، التهجير، الدمار، والتغير الديمغرافي. وكل محتل من هؤلاء المحتلين الذين ذكرناهم كان يفرض على سكان المدن الخورية، وعلى وجه الخصوص تلك الواقعة ضمن المناطق السهلية مثل مدينة: الباب، مبو گ، بازا، أرپاد، أزاز، دلبين، هلج، گرگاميش، گريه سپي وغيرها من المدن: لغتهم،دينهم، طقوسهم عباداتهم، نمط حياتهم، إضافة إلى قوانينهم ومنع عادات وتقاليد الخوريين وطقوسهم الدينية، أعيادهم القومية، أزيائهم، وحتى طريقة دفن موتاهم في النهاية، هذا إضافة إلى تغير أسماء مدنهم وفرض ألهتهم عليهم.

 

وهذا ما حدث بالضبط مع المدن الكردية – السومرية والإيلامية بجنوب شرق كردستان أيضآ، كونها كانت هي الأخرى تقع في مناطق سهلية، ولهذا سهل إحتلالها وتغير هويتها القومية الكردية. ولو كانت جغرافية كردستان كلها سهلية مثل منطقة الباب ومبو گ، بازا، أرپاد، أزاز، حلب، إدلب، دمشق والرقة وقطنا، وأور السومرية وأنبار الكاشية، لم بقيا للشعب الكردي وجود نهائيآ، ولإندثر وتعرب قسم منه، والقسم الأخر لتفرس كليآ، والقسم الباقي لتم تتريكه دون أدنى شك. إن التغير الديمغرافي للمدن الكردية بدأ منذ زمن بعيد للغاية وليس قبل مئة عام كما يعتقد البعض جهلآ.

إن مقولة: “أن جبال كردستان هي الوحيدة صديقة الشعب الكردي” لم تأتي من الفراغ، وهي فعلآ حمت هذا الشعب من الإندثار والضياع والإنصهار في البوتقة الفارسية أولآ، والعربية ثانيآ، والتركية ثالثآ. إن هذه الجبال حمت الكرد ليس فقط أثناء المعارك، وإنما منعت الغزاة من التوغل عمقيآ ضمن أراضي كردستان وإحتلال مدنها بكل بساطة. مثلآ مدينة كوباني بحكم سهليتها، لم يكن ممكنآ للكرد الدفاع عنها لوحدهم بسبب ضعف تسليحهم وقلة العتاد بيدهم، وتفوق داعش بشريآ وتسليحآ، لذا الذي رجح كفة الكرد في المعركة هو الدعم الأمريكي الجوي، وبذلك كسروا شوكة وهيبة تنظيم داعش الإرهابي.

في المقابل الدولة التركية بكل جبروتها وعتادها العسكري الضخم، وطيرانها الحربي، فشلت في إقتحام جبال قنديل على مدى عشرين عامآ، رغم المحاولات العديدة والمتكررة، وإستخدام الأسلحة القذرة ضد مقاومي الشعب الكردي. لماذا؟ لأن قنديل منطقة جبلية ووعرة، ويصعب إقتحامها بالمدرعات، وكما هو معلوم القوى الجوية لا تستطيع حسم المعركة على الأرض، لذا فشلت تركيا كل مرة في إقتحامها، مع العلم أنها تملك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي.

“نهاية الحلقة الأولى وإلى الحلقة القادمة”

نحن بإنتظار أرائكم وملاحظاتكم القيمة ومنكم نستفيد.