الباب مدينة خورية – كردية النشأة والميلاد -دراسة تاريخية – الحلقة الثالثة والأخيرة- بيار روباري

 

Bab bajarek Xorî Kurdî nijad û resene

ثامنآ، بداية التغير الديمغرافي في غرب كردستان:

Destpêka guhartina dêmografî li Rojavayê Kurdistanê

يخطئ من يظن أن التغير الديمغرافي في جنوب وغرب وشمال كردستان (ذاك الجزء الذي كان يسيطر عليه الدولة العثمانية اللقطية والإجرامية)، بدأ بعد إنهيار دولة المواخير العثمانية التي أقامها ال عثمان الهمج على أكتاف الشعب الكردي.

إن التغير الديمغرافي بدء به في عهد الإمبراطورية العثمانية وباكرآ وذلك قبل (400) أربعمئة عام وأكثر. لقد عمدت عصابة ال عثمان الإجرامية إلى ترحيل قبائل كردية عديدة من موطنها إلى مناطق بعيدة في عمق ولاية الرقة والأنبار والمدن الغربية من الأناضول مثل أقصرايا وقونيا وأنقرة، بحجة إمتناعهم عن دفع الضرائب للباب العالي تارة، وتارة أخرى بحجة قيامهم بأعمال النهب والسلب وقطع الطرق، وتارة ثالثة بحجة إحداث قلاقل، وفي كل مرة كانوا يجلبون قبائل أخرى من أقاصي الصحراء وإحلالهم مكان الكرد، بحجة تأمين ملاذ معيشي آمن لهم كما يذكر الكاتب “أحمد وصفي زكريا” في كتابه: (جولة أثرية في بعض الأنحاء الشامية)، الذي صدر عام 1934 ميلادي.

ويضيف السيد زكريا قائلآ، أن الكرد يكثر وجودهم في شمال بلاد الشام على مقربة من الحدود التركية الحالية والأقضية في الشمال الشرقي من لواء الجزيرة الفراتية كالذين يعيشون في شمال نهر عفرين في جبل يسمى جبل الكرد ( كرد داغ )، والذين في حرة اللجة شمالي العمق وفي أقضية الباب وأعزاز وجرابلس وكل هؤلاء أكراد  أقحاح لم تتصل العربية إليهم في شيء.

—————————

وصفي زكريا (1889-1964م):

كاتب وباحث ورحالة وخبير استشاري زراعي شركسي سوري، له مؤلفات عديدة في مجال الجغرافيا وعلم الإنسان والحيوان وأدب الرحلات.

*******

وإلى جانب ذالك الديمغرافي القصري، كان هناك تغير ديمغرافي يمكن تسمسيته بالناعم، تعرضت له المدن والقرى والمناطق الكردية المتعددة وليس في فقط غرب كردستان، وذلك بسبب سذاجة الكرد وسياسة التسامح المعروفين بها. كيف حدث ذلك؟

نظرآ لخصوبة الأراضي الكردية وغناه بالماء والمرعى، كان يلجأ العرب إليها مع مواشيهم، وخاصة في سنوات الجفاف والقحط. وخاصة لم يكن هناك ثمة قيود على ترحالهم وتنقلاتهم، طالما كانت ضمن إطار وحدود الخلافة العثمانية ومن ثم إطار الدولة السورية لاحقآ. وغالباً ما كانت تنقلاتهم موسمية، حيث أنهم كانوا يتنقلون على شكل قبائل راحلة، ويبحثون عن أماكن عامرة بالعشب لرعي مواشيهم خصوصاً في سنين الجفاف، فكانوا يعتمدون في معيشتهم على تربية المواشي بأنواعها، خصوصاً القبائل العربية التي كانت مستوطنة أساساً بالقرب من البادية السورية الوسطى في حماة وحمص وذلك بسبب سعة الأراضي المتاحة للرعي هناك، لكن شح الأمطار وإنحسارها في بعض السنوات كانت تدفعهم للبحث عن مراع وأماكن بديلة ذات وفرة عشبية ومائية دائمة مثل أرض وطبيعة كردستان، ودون شك إن القسم الكبير منهم إستوطنوا في تلك المناطق مع الوقت، وخير دليل على مدينة كوباني، گرگميش، الباب، ومبوگ، أعزاز، سفيرة، إدلب ودارزه، ومع هذا الإستيطان الناعم إختل الوضع الديمغرافي في هذه المناطق الكردية لصالح المحتلين والوفدين العرب.

تاسعآ، الخلاصة:

Nehemîn, kotayî

في نهاية هذه الدراسة التاريخية الموجزة، لا بد من القول أن تاريخ هذه المدينة الخورية الأصيلة من أثار ونقوش وفخاريات ولقى، تعرضت بجملها للدمار، ولم يبقى منها للأسف سوى الشيئ النذير، بفعل الدمار والحروب والمعارك والتهجير القصري. ولا شك أن ديمغرافية مدينة الباب هي الأخرى تعرضت للتغير لأسباب سياسية وقومية ودينية مقية. ومرت المدينة مثل أخواتها من المدن الخوري – الميتانية – الحثية، بظروب صعبة وقاسية، وخاصة في زمن الإحتلالات والغزوات الأجنبية الهمجية. بدءً من الإحتلال الروماني وإنتهاء بالإحتلال العثماني الإجرامي ومرورآ بالإحتلال العربي الإسلامي الهمجي، والإحتلال العربي البعثي العنصري البغيض المستمر ليومنا هذا.

الهدف من هذه الدراسة التاريخية المختصرة والمكثفة بالأحداث، التي تناولت فيها تاريخ وهوية هذه المدينة الخورية الكردية، هو البحث عن تاريخها الحقيقي ونفض الغبار عن ماضيها، وكشف كذب العرب المستعربة ودحض إدعاءات المحتلين والمستوطنيين العرب والتركمان الذائفة. ويمكنني القول وبثقة عالية إستطعت تحقيق ذلك، والسبب الثاني هو إطلاع أبناء الشعب الكردي وخاصة أبناء غرب كردستان على تاريخ مدينتهم والتعرف عليها. والهدف الثالث منها، هو وضع هذه الدراسة وبقية الدراسة التي قمتها بها أمام السياسيين الكرد الذين يجهلون تاريخ شعبهم ومدنه وعلى وجه الخصوص المدن التاريخية منها مثل مدينة الباب.

أنا أعلم ولربما أكثر من غيري، أن هذه الدراسة ليست كافية، وإننا نحن بحاجة إلى تأليف عشرات من الكتب عن كل مدينة تاريخية وأثرية كردية من مدننا العزيزة. وحتى مدننا الحديثة والتي ستصبح قديمة بعد (1000 و5000) عام، ولا أريد أن يأتي أجيال من بعدنا ويقولون:

لماذا أبائنا وأجدادنا لم يدونون تاريخهم، ويتركوا لنا ما ندرسه كي نتعرف على تاريخنا وطننا ومدننا؟ تمامآ مثلما نحن اليوم نطرح نفس السؤال، ونلوم أجدادنا وأبائنا على ذلك. ليس هذا فقط، بل يجب أن نطلب من طلابنا الجامعيين الذين يدرسون التاريخ، كتابات إطروحاتهم عن هذه المدن التاريخية.

ونصيحتي للشابات والشباب الكرد أن لا يتوجهوا جميعهم للطب والهندسة، فنحن إمة بحاجة ماسة إلى علماء وخبراء مرموقين، في جميع مجالات الحياة ومن ضمنها التاريخ، علم الأثار وعلماء في اللغات الشرقية القديمة، ومن دون ذلك لا يمكننا أن نخطوا خطوة للأمام ونتطور ونلحق بالأمم المتقدمة في كل شيئ. فالأمم لا تحيا وتتطور فقط بالطب والهندسة، رغم أهميتهما في حياتنا، إنما تتطور بكافة العلوم والمجالات معآ.

وكنقطة أخيرة في هذ المجال، أنا واثق هناك حاجة لتشكيل فريق من خبراء من “الكرد” مؤلف من علماء الأثار وعلماء في اللغات الشرقية القديمة، ومؤرخيين وباحثين، ومعهم مخبر مجهز بكل التقنيات الحديثة، للتنقيب والبحث في المواقع الأثرية في هذه المدينة الكردية وبقية مدننا التاريخية، وزيارة جميع المتحاف التي تحتضن بين جنباتها أثار كردية، وما أكثرها في المتاحف التالية:

المتحاف الفارسية، التركية، العراقية، السورية، البريطانية، الفرنسية، الروسية، الألمانية، الأمريكية والأيطالية وغيرها من المتاحف.

نهاية هذه الدراسة وشكرآ على تفضلكم بقراءتها،

 ونحن في إنتظار أرائكم وملاحظاتكم ومنكم نستفيد.

=====================================================

المصادر والمراجع:

Çavkanî û lêveger

1- الكامل في التاريخ.

التأليف: ابن الأثير.

الناشر: دار صادر- بيروت عام 1965.

2- در الحبب في تاريخ حلب.

التأليف: ابن الحنبلي.

الناشر: وزارة الثقافة، دمشق، 1973.

3- الملل والنحل.

التأليف: محمد بن عبد الكريم الشهرستاني.

تحقيق: عبدالعزيز محمد وكيل – الجزء الأول والثاني.

الناشر: مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع – القاهرة لعام 1968.

4- صبح الأعشى – الجزء الأول والثاني.

التأليف: أبو العباس أحمد القلقشندي.

الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة لعام 1922.

5- القبائل والزعامات القبلية الكردية في العصر الوسيط.

التأليف: د. زرار صديق توفيق.

الناشر: كلية الأداب – جامعة دهوك.

6- كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى.

التأليف: كمال مظهر أحمد.

ترجمة: محمد الملا عبدالكريم.

الناشر: دار أراس للطباعة والنشر – أربيل لعام 2013.

7- الأرشيف العثماني.

التأليف: نجاتي آقطاش وعصمت بينارق.

ترجمة: صالح سعداوي.

الناشر: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية – إسطنبول لعام 1986.

8- فتوح البلدان.

التأليف: أبي العباس أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري.

الناشر: مؤسسة المعارف للطباعة والنشر – بيروت لعام 1987.

9- فصل من كتاب الكرد في منطقة الباب وأطرافها.

– دراسة اقتصادية اجتماعية سياسية.

التأليف: علي مسلم.

الناشر: نسخة محفوظة 10 يناير 2019 على موقع واي باك مشين.

10- الحياة الاجتماعية في ولاية حلب.

– في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي (165-700م).

التأليف: د. خضر عمران.

الناشر: نسخة محفوظة 26 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.

11- أكراد الدولة العثمانية.

التأليف: إبراهيم الداقوقي.

الناشر: المجلة التاريخية المغربية للدراسات العثمانية – تونس، العدد (5-6) لعام 1992.

12- معجم البلدان.

التأليف: ياقوت الحموي – المجلد الأول، ص303 (حرف الباء).

الناشر: منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي – دمشق لعام 1983.

13- الآثار والأوابد التاريخية في حلب وكلس وغازي عنتاب..

التأليف: نجوى عثمان.

الناشر: جامعة حلب، برنامج التعاون الإقليمي السوري – التركي.

14- تأريخ الكرد القديم.

التأليف: الدكتور جمال رشيد أحمد – الدكتور فوزي رشيد.

الناشر: وزراة التعليم العالي والبحث العلمي.

– جمامعة صلاح الدين – كلية الأداب أربيل لعام 1996.

15- تاريخ الشرق الأدنى القديم – حضارات آسيا الغربية.

التأليف: د. هشام الصفدي.

الناشر: جامعة دمشق – عام 1997.

16- تاريخ الرومان – الجزء الأول.

التأليف: د. هشام الصفدي.

الناشر: دار الفكر الحديث – لعام 1967.

17- تاريخ حلب- حلب قبل الإسلام.

التأليف: صبحي الصواف.

الناشر: دار الحضارة، حلب – الطبعة الأولى – 1972.

18- الحوريون تاريخهم وحضارتهم.

التأليف: فيلهلم جرونت.

ترجمة وتعليق: د. فاروق إسماعيل.

الناشر: دار جدل، حلب – الطبعة الأولى لعام 2000.

19- خلاصة تاريخ كردستان.

التأليف: محمد أمين زكي.

ترجمة: محمد علي عوني.

الناشر: كرد برس – بيروت، الطبعة الرابعة لعام 1996.

20- ظهور الكورد في التاريخ.

التأليف: الدكتور جمال رشيد أحمد

الناشر: دار آراس للطباعة والنشر- أربيل، كوردستان – الطبعة الأولى لعام 2003.

21- تاريخ سورية ولبنان وفلسطين.

التأليف: د. فيليب حتي.

ترجمة: الدكتور جورج حداد، عبد الكريم رافق.

الناشر: دار الثقافة – بيروت – الطبعة الرابعة لعام 1954.

22- ميديا.

التأليف: ا.م دياكونوف.

ترجمة: وهبية شوكت محمد.

الناشر: رام للطباعة والتوزيع – دمشق.

23- دراسات كردية في بلاد سوبارتو.

التأليف: الدكتور جمال رشيد أحمد.

الناشر: مطبوعات الأمانة العامة للثقافة والشباب – لمنطقة كردستان، بغداد، 1984.

24- تاريخ حضارات العالم القديم وما قبل التاريخ.

التأليف: د. نعيم فرح.

الناشر: منشورات جامعة دمشق – لعام 1975.

25- الإمبراطورية البيزنطية (323- 1081م).

التأليف:.

ترجمة: الدكتور السيد الباز العريني.

الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر – بيروت لعام 1965.