الارادة السياسية مقياسها العمل – عبد الخالق الفلاح

الفرق بين إرادة الشعب الهادفة لدفع عمليات التغيير نحو الأمام وإرادة القيادة السياسية المدعومة بالنخب المتمايزة لا يمكن تحديده ولا تتكامل دون الاخر ،لان الثقافة الشعبية والحس الشعبي الدافع لأسس التغيير الإيجابي وتمثل الأرضية التي ترتكز عليها أعمدة التغيير الناجحة ،بل يمكن التعرف على نقاط التلاقي والتكامل بينها .. لا تُقاس الدول بقوتها وضعفها بمجرد عملية حسابية او ما تملكه من موارد اقتصادية نقدية أو طبيعية أو صناعية، ولا بما تملكه من أسلحة ومعدات فقط، لأن كل ذلك لا يقدم إلا مقدار القوة الكامنة أو المتاحة أو الممكنة، ولكن القوة الحقيقية هي عملية حسابية أخرى تتم من خلاله ضرب كل اعوجاج مما سبق في الإرادة السياسية لصانع القرار.

ان الكثير من القادة السياسيين اليوم يفتقرون للحافز لمتابعة أو ملاحقة الوعود التي يقطعوها وكانوا يعتقدون انهم لا يخسرون أي شيء إذا لم يفعلوا ذلك” العراق الذي يعاني من ازمة إرادة سياسية، وما الفساد وتردي الخدمات والتدخلات الخارجية وبيروقراطية أداء مؤسسات الدولة ، هو الا انعكاس لعدم وجود تلك “ الإرادة الموجبة السياسية التي تتدارك ما يمكن تداركه اليوم الى إرادة سياسية حقيقية يُغلب فيها العام على الخاص من قبل القوى السياسية لإنقاذ الوضع في لحظاته الحرجة مثلما حدثت في السنوات الماضية فيه وكانت عواقبها نتائج الانتخابات الاخيرة حيث ابتعدت الجماهير عن القيادات التي كانت تقود البلد و هذا هو السبب الذي يجعلنا بحاجة لأنظمة  تعيش من اجل الجماهير في الدفاع عن حقوقها قبل الدفاع عن المكاسب الشخصية والحزبية تستدعيهم للمحاسبة ونحتاج لناخبين يكونون على دراية بالوعود التي قطعت لهم وكيف يتم الوفاء بها وكيف تعكس أصواتهم المؤيدة والمعارضة شعورهم في حال تم الوفاء بها بصورة صحيحة من عدمه.

الأهم التغيير والإصلاح السياسي المبرمج  ، و بإصلاح التشريعات الاساسية و القيام فوراً بترتيب متطلباته على أجندة الدولة طبقاً لأهميتها وأولوياتها، تستطيع أن يطمئن الشارع بها وأن تبدأ بخطوات لاحقة على نحو سليم وفي مقدمتها كتابة الدستور وفق مقايس دولية  ، إذا ما تم تعديل تلك التشريعات فسوف يأخذ التغيير طريقه نحو الإصلاح بصورة تلقائية، ولن تكون سوى مسألة وقت لتصبح الديمقراطية حقيقة قائمة يستشعر و ينعم بها الجميع .

الارادة السياسية هي العنصر الأهم في تأسيس الفعل السياسي بعيدا عن الانفعال السياسي وتكمن فيها امكانية عناصر النجاح الاستراتيجي وليس بالضرورة التكتيكي، واهمية الارادة انها تكون مشتقة من عناصرها الأيديولوجية التي تحكم المسيرة السياسية للقوى السياسية والفاعلة في الحركة السياسية، وهنا الحركة السياسية تشكل المجال القابل للتموج والتدفق في الفعل السياسي والقوى الغير القادرة على ادامة هذا الزخم من الفعل السياسي فإنها تخسر البقاء.

لا تبتعد الإرادة السياسية عن المعنى الذي يحمله مفهوم الإرادة، إذ تنصرف الإرادة السياسية إلى الأفعال أو بشكل أدق إلى الفعل السياسي الواعي والحر، والذي لا تتدخل فيه إرادات خارجية إملاء أو إكراها أو إغراء، اللهم إلا أن تكون الإرادة السياسية انعكاسا لما أطلق عليه روسو الإرادة العامة، فهي –أي الإرادة السياسية- في هذه الحالة، تتمتع بالشرعية والمشروعية، ناهيك عن تمتعها بالصلابة، بمعنى آخر فإن الإرادة السياسية لنظام ما تكتسب روحها وواقعيتها وطاقتها عندما ترتكز للإرادة العامة، التي تفهم وفق روسو، بأنها الإرادة الثابتة لجميع أفراد المجتمع، والمستمدة من تاريخه وحاضره وتطلعاته، هي إرادة المجتمع التمتع بحريته. لا تبتعد على ضوء تأطير القواعد للإرادة السياسية في خلاصات التاريخ والهوية والثقافة واشتراطها في النجاح السياسي الاستراتيجي في المستقبل والتكتيكي في الحاضر وجهوزية التفسير بها في العلوم السياسية ومن ثم امكانية التحليل السياسي من خلالها فإنها تكتسب مشروعية الاصطلاح وشرعية المفهوم، ونخيلها بذلك الى مصادر التحليل السياسي بأهمية فائقة في رصد عوامل التخلف في أطروحات القوى السياسية الداخلية والتراجع عن القدرة في البناء الوطني لديها نتيجة افتقادها للإرادة السياسية وعجزها المطلق في الحاضر عن صياغة وبناء هذه الإرادة التي تفرض المصلحة الوطنية فرضا – واجبا قائما في بنائها كإرادة فعل سياسي يوظف باتجاه مصالح البلد العليا.

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي