المنظمات المدنية والولادة الغير طبيعية – عبد الخالق الفلاح

تزداد المنظمات التي تحمل أسماء وعناوين مختلفة دون ان يعرف مصدر هذه المنظمات ومواردها  ومؤشرات تأثيرها في المجتمع والدولة و ظلّت مبهمة اوضعيفة، فضلا عن غيابها عن ساحة العمل الفعلي الميداني التوعوي ، وهناك اليوم اسئلة عديدة برزت عمّا قامت به هذه المنظمات من اعمال ساهمت بصورة ولو جزئية في ان تقدم للمجتمع فوائد معنوية او مادي ، وهي تنظيمات تطور عملها بشكل بطيء جدا مع تأريخ نشأتها الطويلة ، فكانت واجهات للأحزاب والتيارات و تجمعات وواجهات لاشخاص ، و تكمن مشكلتها في التسلط والالتزام الايديولوجي الذي عطلها عن حرية الحركة ، وهي تتسم أكثرها باعتبارات شخصية بدل ان يكون لها كيانها المستقل عن الأفراد المكونين لها .. وتدار بواسطة مجالس ادارية وجمعيات لا وجود حقيقي لها “الهيئة العامة للأعضاء” إنما تشكلها مجموعة من الأفراد مخالفة لكل القوانين والقواعد ورغبات ذاتية . وتنقسم المنظمات إلى نوعين حكومية وغير حكومية بالنظر إلى الأعضاء المكونين للمنظمة ، وحركة المنظمات والجمعيات الانسانية في الأساس  هي جزء من التراث المشترك للبشرية جمعاء. وتخص كل انسان، وترتبط المنظمة بجهود مشتركة من أجل بناء عالم أفضل. هذه المنظمات في الحقيقية يجب عليها ان تعبر عن إيمان الإنسان وثقته في المستقبل ، من أجل تحقيق مصالح وأهداف محددة ، على أن تكون غير راجعة لحكومات الدول، التي تأسست فيها هذه الهيئات. وإن الهيئات غير الحكومية الجادة عليها مسؤولية  العمل من اجل توسيع عملها في فتح مكاتب لها  و العديد من الفروع ، وقد تتعدد الأهداف التي يتم تأسيس الهيئات غير الحكومية بسببها، فقد تكون نوعين: ربحية وغير ربحية، حيث تزاول دور ضروري في التأثير، على البرامج والاستراتيجيات الحكومية،عن طريق عملية المراقبة، و المشاركة في اجتماعات التفاوض حول الاتفاقيات. لم تكن ولادة منظمات المجتمع المدني العراقي ولادة طبيعية وسهلة رغم ان تاريخ نشأة هذه المنظمات يعود لبدايات القرن الماضي . لقد شهدت الفترة التي أعقبت عملية التغيير عام 2003 تأسيس المئات من منظمات المجتمع المدني في عموم العراق مع عدم فعالية بعضها  . ولا يخفى على أحد الدور الكبير الذي لعبتها الا البعض بعض من المنظمات الدولية التي عملت في العراق بعد التغيير من تقديم يد العون والمساعدة لإعداد كبيرة من المنظمات تمثلت بالتدريب وإعداد كوادر المنظمات في دورات داخل وخارج البلد وتمويل البرامج والأنشطة التي ساهمت بشكل ملحوظ في بناء هذه المنظمات رغم ان غاياتها تختلف مع  القواعد الحقيقية لنشئة هذه المنظمات وكانت البعض منها ضحية او واجهات للبعض من السفارات الاجنبية  . ولا ننكر لقد استطاعت بعض منظمات المجتمع المدني وخلال فترة زمنية قصيرة من لعب أدورا مهمة وأساسية  شملت تقديم المساعدات الإنسانية لضحايا الحرب واعمال العنف وتوفير الدعم القانوني للفئات المهمشة والمستضعفة ونشر وترسيخ مبادئ السلام والتعايش السلمي وثقافة حقوق الإنسان والمساواة في النوع الاجتماعي وتمكين المرأة ومكافحة الفساد ومراقبة الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات  وغيرها  من المواضيع. لكن ورغم هذه الأدوار المهمة واجهت العديد من منظمات المجتمع المدني العراقي الكثير من المشاكل والتحديات والمصاعب  نتيجة للوضع السياسي والأمني الذي تمر به البلاد وانحسار مصادر التمويل النزيه الذي يشكل عصب الحياة لهذه المنظمات، والفساد المالي الذي نخر مصداقية بعضها والذي شكل ضربة موجعة لعمل هذه المنظمات وجعلتها متهمة بالفشل والشك في المصداقية . هناك نوعين من هذه المنظمات ،حكومية وهي التي تؤسسها الحكومات وترتبط بها واطر قوانين خاصة بناءاً و وفق متطلبات تلك الحكومة ودوافعها والغاية التي يتم التأسيس بموجبها وتدعمها مادياً وقد عززت منظمة اليونسكو مع هذه المنظمات تعاونها ووسّعت نطاقها بإبرام العديد من الاتفاقات الرسمية معها بغية تعزيز قدراتها على التنفيذ من خلال الاضطلاع بأنشطة مشتركة على الصعيد القطري والإقليمي والعالمي.

لاشك ان الأنظمة السياسية الديمقراطية والدكتاتورية تحاول أن تؤثر في التنشئة السياسية والديمقراطية للفرد من خلال استهداف أفكاره عن طريق غرس معلومات وقيم وممارسات يستطيع من خلالها تكوين مواقفه واتجاهاته الفكرية التي تؤثر في سلوكه السياسي. وهذا السلوك يلعب دورا في فاعلية الفرد السياسية في المجتمع ، لذلك تلجأ الانظمة السياسية الحاكمة الى خلق قيم وأيديولوجيات مقبولة بنظرها ومشروعة لها في عيون شعوبها.

هناك المنظمات الغير حكومية كذلك  لوجودها اهمية مباشرة و دورا واضحا في تعزيز الديمقراطية ونشر مفاهيم حقوق الإنسان وضمان الحريات الاساسية وتحقيق السـلام وتنمية المجتمعات المحلية والرقابة والتقييم، كما يعتبر عنصرا فاعلا في الاستجابة للأزمات والكوارث وحالات الطواريء، ويتوقف تحقيق أهداف المنظمات على جديتها ومدى فاعليْتها واستدامة مصادر تمويلها والسعي لإيجاد تمويل مستقل لتحقيق اهدافها، لتكريس مصادر كبيرة من أجل ترقية وحماية حقوق الإنسان،ومستقلة عن الحكومات والجماعات السياسية، ولا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية، من أجل استعمالها لأغراضها الذاتية، كما أنها منظمات إرادية تضم أفراد تجمعهم نفس المبادئ والأفكار مع ضرورة التأكيد على أنها ليست جهات سياسية، وهذا شرط ضروري للمنظمة غير الحكومية حتى تتمتع بالمصداقية، هدفها الأساسي هو تنفيذ المعايير الدولية لحقوق الإنسان و تتألف من مجموعة من الأشخاص الذي يتفقون في أعمالهم، من أجل تحقيق مصالح وأهداف محددة، على أن تكون هذه الهيئات غير راجعة لحكومات الدول ،التي تأسست فيها هذه الهيئات. وإن الهيئات غير الحكومية تؤسس لها العديد من الفروع في بعض البلاد، نجد هذا المنظمات منذ بدايتها لا تسعى إلى تحقيق هدف ربحي،وبالتالي نشاطاتها تبرعية، تسعى إلى تحقيق أهداف معنوية وأخلاقية وهي الحفاظ على الكرامة الإنسانية للأفراد وتسعى إلى احترام الإنسان لأخيه الإنسان. هذه الخاصية ضرورية ومن الأهمية بمكان حيث تميز المنظمات غير الحكومية من غيرها من التجمعات، مثل الشركات التجارية والمدنية، ومن ثم فهي تخضع في علاقاتها مع دولة المقر إلى نفس التشريعات التي تنظم الشركات التجارية والشركات المدنية، وهذا لاينفي أن المنظمات غير الحكومية تقدم بعض الإصدارات الخاصة من كتب ومنشورات وتقوم ببيعها لدعم ميزانيتها، وبالتالي فهي لاتكتفي بالهبات واشتراكات منخرطيها، وغالبًا ما تكون أسعار هذه الإصدارات موجهة لسداد أعباء الأنشطة والطباعة والنشر، وأصبحت المنظمة غير الحكومية مرادفة لخدمة المجتمع والأعمال الخيري الذي يتم تنفيذه خارجا عن الذات من قبل عدد قليل من أعضاء المجتمع دون أي ارتباط أو تدخل من الحكومة. وقد أصبحت المنظمة غير الحكومية (الحكومة أو المنظمات غير الحكومية) يد الحكومة التي تشتد الحاجة إليها، كما أنه من الواقع أنه على الرغم من أفضل النوايا  لا يمكن للحكومة الوصول إلى المستوى الشعبي، ومعالجة جميع المشاكل، وحلها في بطريقة هادفة دون الاعتماد عليها في حالة بنائها الإنساني ، في هذا الصدد، تملأ المنظمات غير الحكومية الثغرات وتساعد الحكومات في جميع أنحاء العالم على النهوض بالبناء…

عبد الخالق الفلاح  – باحث واعلامي