كثر الحديث هذه الأيام عن تبني مشروع وطني للعراق وفي حقيقة الأمر أن في لغة الإدارة العامة ، فإن اي مشروع يقوم على مجموعة من الأهداف التي يتم تحديدها، وتصمم النشاطات فيه ضمن خطة تنفيذية تتضمن خطوات عملية تؤدي لتحقيق غاية عامة يستهدفها المشروع وتوصل لإنجاز رؤية جديدة تتمثل على أرض الواقع. وعندما تتطور وثيقة أي مشروع بمزيد من المهنية ، فلا بد من ربط الخطوات بالأهداف والنتائج بحيث تكون موصلة فعلا، ولا بد من تحديد بعض مؤشرات الإنجاز أو معالم في الطريق تؤكد وتضبط السير حسب الخطة المعدة وتسهم في مراقبة تحقق التقدم. فأيّ من هذه البنود يتوفر في عنوان فضفاض جعله أرباب المشروع مقدسا و منزل ؟وفي باب السياسة والفكر فإن “المشروع الوطني” هو فكرةأساسية، تتضمن تنظيما خاصا ومنسجمة لحياة الناس الذين يحلمون بها بحيث تترجم إلى تشريعات وقوانين تنضبط بالفكرة المراد للتأسيس عليها ، ويسعى القائمون عليها سياسيا لإيجادها عمليا في دولة تطبق تلك الأنظمة وترتقي بالناس او تنتكس فيها أوضاعهم فتعتمد على طرق العمل المعنيّة التي توصل لتحقيق ذلك. ويرتقي مستوى المشروع السياسي-الفكري أو الحضاري بارتقاء الفكرة الأساسية، بأن تكون مثلا ، و الأنظمة والتشريعات المنبثقة عن ذلك الفكر و الطريقة الموصلة إلى تحقيق ذلك المشروع، تحفظ للمواطنين حقوقهم الشرعية على أساس العدل والمساواة، بدون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة،والحديث عن المشروع الوطني العراقي ليس كما يتحدث عنه بعض الساسة حينما يجلسون في مناظرات تلفزيونية يحاولون من خلال تلك الأحاديث إقناع البسطاء من الناس أنهم سيغيرون وجه العراق ،لقد غدا المشهد السياسي في العراق قاتماً ويحتاج الى مزيداً من الوقت لقراءة مايحدث والوقوف أمام السياسة الإقليمية التي تحاول جاهدةً للقضاء على العملية السياسية وافراغها من مضمونها وهناك دلائل على أن قادم الأيام سيشهد تغييرأً كبيراً فى الخارطة السياسية العراقية ولعل تقارب قوى سياسية لم تكن فاعلة بالمستوى المطلوب ومؤثرة ويكاد يكون العنوان الأبرز فى المشهد السياسى المبهم تحركات متشبثة ، الأمر الذى يحتم على شعبنا اعادة بلورة الأمور و وضعها فى سياقها السليم لحماية المشروع السياسي على علاته وانتشاله من محاولات تهميش مكانة الوطن.إننا أمام مشاكل معقدة حقا، تتمثل بسيطرة البعض من الساسة الغير مبالين بمستقبل البلد و على مقدراته ، فهناك فرق واضح بين السياسي الذكي والسياسي الطفولي، فالأول لديه مشروع كبير ينطلق من خلاله لبناء الدولة المدنية وتغيير المجتمع نحو الافضل، وفق آليات فكرية عملية، يشرف على تنفيذها أشخاص بقدرالمسؤولية ، ويساعده مقربون أمناء، في التخطيط والتنفيذ، فيجعل من مصالحه الفردية والعائلية و والعشائرية في غير أهدافهم و اهتماماتم، بل ربما يلغونها من قاموسهم أو يخضعها لضوابط تنطبق على عموم الشعب، بمعنى يجعلون من انفسهم والمنضوين تحت وظائفهم أناسا لا يختلفون عن غيرهم في الحقوق والواجبات، يتحقق هذا ليس في الادّعاء والقول وحده، بل يتجسد من خلال العمل المرئي والملموس، وهو بذلك يسعى لنقل شعبهم الى مصاف أرقى وأرفع، ولكن حتى الآن بقيت امورالسياسيين تتراوح بين التراجع و الفساد والتجاوز على أموال الشعب.اما الاخر ( اي السياسي الطفيلي ) فليس له مشروع ولا يفكر بذلك أصلا،سوى انهماكه بجباية الفوائد وتشريع الامتيازات له وذويه وحاشيته، و لا يعلم أن بهذا السلوك يحفر قبره تحت قدميه بنفسه، لكي يسقط حتما، في حفرة الطمع والشراهة والفساد، وحتما هو يجهل حتى أساليب المراوغة والخداع التي ينتهجها كطرائق عمل في حياته السياسية البالية، ومنصبه وصلاحيته أيا كان نوعها، هي الداء الذي سينقضّ عليه ويطيح بمستقبله وربما برأسه، كما حدث لجميع الساسة الذين تجاوزوا على حقوق شعوبهم كما فعل ( صدام حسين العراق ، ومعمر قذافي ليبيا،و حسني مبارك بمصر ،وبن على بتونس، وعلي صالح باليمن … وآخرين )، إذ لم يحدث أن أفلت سياسي واحد من العقاب على ما اقترفه بحق شعبه ، للخلاص من هذه المعاضل فإن هذا الأمر يتعلق بدور النخب المثقفة وسواها، من اجل ان تبادر بتوجيه المسارات نحو الافضل، ومقارعة جميع الذين يشتغلون السياسة من أجل المال، كما هو الوضع الآن، حيث يلهث كثيرون نحو السياسة والعمل فيها، وهم ليسوا من اهلها ولا اصحابها ويدعون بالاهلية ، وكان الشعب لا يعرف بفعل سنوات الممارسة أن هذا كله هراء. وتنطلق،التزاماً بالعقد الإجتماعي المشوه، إلى تحقيق مصالحها المجتمعية، وتعميق ثقافة الخلاص الفردي، برعاية هكذا تحليلات، التي تستند في مبناها إلى “المشروع السياسي“الواهي الذي كان ولما يزل، المصدر الرئيس والحصري للهزائم المتكررة. كل هذا يدفع للتفكير داخل مساحة العماء الذي تقودنا اليه تلك المناقشات والحوارات والكتابات،حول تلك “المشاريع السياسية”، التي يتم اعتبارها مشاريع نموذجية، تشبه إلى حد التطابق ، النماذج المعتمدة عالمياً، دون أي إعتبار للاستثناءات التأسيسية التي قامت عليها هذه المشاريع في حين يغيب عنها أهل الاختصاص، من ذوي المشاريع الحقيقية القادرة على إصلاح الأوضاع الخطيرة في العراق، ولكن يبقى الأمر الحاسم بمن يحق له اختيار السياسي الناجح الذي يمكنه إنقاذ البلاد في هذه المرحلة الشائكة والحاسمة.