Dîrok û şaristaniya kiralgeha Alalaxa Mîtanî – Kurdî
رابعآ، تاريخ مدينة ألالاخ:
Dîroka bajarê Alalaxê
يعود تاريخ مدينة “ألالاخ” إلى العصر البرونزي (3300- 1200) قبل الميلاد، وإستمرت إلى العصر الحديدي (1200- 539)، قبل الميلاد. وتقع المدينة في الناحية الجنوبية من سهل “الهمگ” (العمق) عند إلتقاء مجرى نهر أفرين مع نهر العاصي، ويطل موقعها على سهل الهمگ ووادي نهر أفرين والعاصي معآ. حيث نهر أفرين يلامس التلة التي يتربع عليها المدينة مباشرة وذلك من الجنوب، والعاصي لا يبعد عنها سوى كيلومترين كأقصى حد. وإلى الشمال من المدينة، يجري النهر الأسود الذي يلتقي مع أحد فروع نهر أفرين، وثم يلتقون مع الفرع الثاني لنهر أفرين المندمج مع العاصي قبل الدخول جميعآ كنهر واحد لمدينة أنطاكيا.
في هذه الفترة الزمنية من التاريخ لم يكن يعيش في كل منطقة الشرق الأوسط (تركيا، أذربيجان، لبنان، سوريا، اسرائيل مع فلسطين، العراق، ايران) سوى الشعب الخوري وينتمي له كل من السومريين، الإيلاميين، الهكسوس، الكاشيين، الميتانيين، الحثيين، الميدييين، الساسانيين، الشعب الكردي الحالي ومعهم الصفويين والأيوبيين والخلديين.
هذه المدينة تأسست على يد الخوريين أسلاف الميتانيين والحثيين والشعب الكردي الحالي في الألف الرابع (4000) قبل الميلاد، وقدم الخوريين من منطقة الشهباء وجبل ليلون وبنوا المدينة ومع الوقت تحولت إلى مملكة على يد ملك مدينة “حلب” والذي كان يسمى “أبائيل”، ضمن إطار الدولة الخورية -الميتانية، الذي قام بمنح “ألالاخ” لأخيه ياريم – ليم والد “إدريمي” كنوع من التعويض. إن ملوك مملكة “يمخاذ” ضموا إليهم مدينة آلالاخ وجعلوها مقرهم الملكي، وجلبوا إليها الكثيرمن الفنون والنماذج الفخارية الجديدة، وبنى الملك “ياريم- ليم” قصرآ له في مدينة آلالاخ، لكن بعد وفاة الملك “إيبوخ” لم يبني أحد قصرآ له في هذه المدينة التي هي “ألالاخ”.
وفي أغلب الأحيان كانت تابعة للدولة الميتانية التي ضمت مناطق كبيرة من أرض الخوريين، وفي بعض المراحل كانت تابعة لمملكة “يمخاذ” والتي كانت مدينة حلب الحالية مركزها في إطار الدولة الميتانية. وفي أوقات لاحقة حلب كانت تابعة لها بعد أن أُبعد عنها ملكها “ياريم- ليم” وجلس في الألاخ لدى حاكمها إدريمي.
بقايا صخور بازلتية وقواعد أعمدة في ألالاخ
ورغم تعرض مدينة “ألالاخ” الخورية للعديد من الغزوات والإحتلالات كالإحتلال المصري، الأكدي إلا أنها بقيت مدينة ميتانية، وتحكم من قبلهم في أغلب الأحيان، ومن بعدهم حكمها الكرد الحثيين إلى حين إنهيار الدولة الحثية، على يد شعوب البحر المتوحشة والبربرية، التي دمرت غالبية المدن الخورية – الميتانية – الحثية وأحرقتها. البعض يظن أن مملكة “يمخاذ” التي يطلق المحتلين العرب عليها عن قصد تسمية (يحماض)، وذلك لهدف سياسي خبيث، لسلخ هوية ألالاخ عن هويتها الخورية – الميتانية الأصلية وهذا غير ممكن، لا بل مستحيل لأن مدينة هلچ (حلب) ذاتها، مدينة خورية الهوية وكل المنطقة فما بالكم
أي سوريا الحالية برمتها فما بالكم بحلب وألالاخ، وهذا ما أثبتناه في دراستنا التاريخية عن هوية حلب وتاريخها، والمنشورة في الإنترنيت، ويمكن العودة لها في أي وقت لمن أراد.
وكانت “ألالاخ” مركز مملكة (موكيش) خلال القرون (18-14) قبل الميلاد، وتمتعت بأهمية حضارية
وتجارية، وكان لها تواصل مع شمال غرب كردستان (الأناضول). والتنقيبات الأثرية فيها التي أشرف عليها العالم البريطاني “ليونارد وولي” ( 1937-1949)، أدت إإلى كتشاف نحو (400) نص كتابي بالكتابة المسمارية واللغة الأكدية على رقم طينية، في ركن من أركان القصر الملكي والمساكن المحيطة به، يضاف إلى هذا نصب الملك إدريمي وكتاباته الشهيرة، وبعد قراءة النصوص تبين أن اسم المدينة هو “ألالاخ”، وسنأتي على معنى وأصل الإسم في فقرة خاصة لاحقآ.
هذه النصوص ساعدت العلماء والباحثين والمؤرخين بالتعرف على طبيعة الوضع السياسي، الإقتصادي، الإداري في هذه المملكة، إضافة لعلاقاتها الخارجية. ومن بينها نص معاهدة عقدها الملك “إدريمي” في القرن (15) مع “بيليا” ملك مملكة كيزواتنا المجاورة من جهة الشمال أي منطقة كيليكيا الحالية. وكانت هذه المعاهدة واحدة من بين عشرات المعاهدات، التي عقدت بين ممالك الشرق القديم الكبرى والصغرى، منذ الألف الثالث حتى الألف الأول قبل الميلاد. وعلى الرغم من إيجازها مقارنة بنصوص معاهدات أخرى، فإنها إكتسبت أهمية خاصة في جوانب عدة، منها أنها معقودة بين مملكتين متجاورتين صغيرتين، كانتا تواجهان تحديات تمس وجودهما وسيادتهما معآ. كما وعرفنا أن الملك “إِدريمي” حكم المدينة ثلاثين عاماً تقريباً (نحو سنة 1500)، وهو الذي أمر بتدوين سيرة الذاتية على تمثاله.
وتكمن أهمية تلك النصوص، في كونها تعود إلى عصرين مختلفين، أتاحت للباحثين تتبع تاريخ المدينة وحياتها ولغتها وأدبها في أواسط النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد. وقد ساعدت هذه النصوص إلى جانب نصوص أوگاريت، ماري، نوزي، تل العمارنة، وحتوسا، على فهم تاريخ الخوريين أسلاف الكرد في الألف الثاني قبل الميلاد. لقد عثر على النصوص في أول الأمر في الطبقة الرابعة من التلة
حيث وجد في غرفة المحفوظات 251 نصاً بعضها مهشم، كما وجد (175) نصآ، وتمثل داخل قصر الحاكم “نقمبا” آخر في في الطبقة السابعة الأقدم، إلى جانب نصوص متفرقة في كلتا الطبقتين. هذه الإكتشفات مع الإكتشافات التي تمت في قرية “المينا” التي تقع عند مصب نهر العاصي في البحر الأبيض المتوسط شمال الجبل الأقرع، أكدت أن المينا كان تابعآ لمدينة “ألالاخ”. وكما تضمنت تلك الوثائق على معلومات تؤكد صلات “ألالاخ” مع العديد من الدول مثل أكاد، بابل، مصر، ومدى مساهتها في ثقافة جزيرتي (قبرص وكريت) في العصر البرونزي.
ومن تاريخ كهف “دو- دريا” نعرف أن الإنسان سكن هذا السهل (الهمگ) وجبل ليلون، منذ القدم ويعود ذلك إلى (100) الف عام مضت، والحضاراة الخورية في هذه المنطقة يعود تاريخ إلى أكثر من (10) عشرة ألاف سنة، أي تشمل العصر الحجري القديم والحديث والعصر البروزني والحديدي. وفي
العصر البرونزي الحديث أرسو قواعد مدينة ألالاخ. وأول ما شيدوه هو المعبد اليزداني الذي كرسوه لإلهة المدينة، ثم تلاه بناء القصر الملكي وسور المدينة.
وإكتشف العالم “وولي” في إحدى السويات الدنيا في تلة ألالاخ، لوح لازوردي طري، يستعمل للكحل شبيه بتلك الألواح المكتشفة في مصر، والتي تعود إلى منتصف عصر ما قبل السلالات. وهذا يدل على الصلة التي كانت قائمة بين سهل الهمگ ووادي النيل. ومن الشواهد المكتشفة أيضاً أن إحدى السلالات الحاكمة، كانت تطبق في بعض الأحيان أساليب جديدة ومستوردة في إدارة الحكم، مما يدل على تعاقب الأجناس التي حكمت هذه المملكة.
أحد الموقع الأثرية في ألالاخ
تمكن “سارگون الأكادي” (2300) قبل الميلاد، من السيطرة على مملكة ألالاخ لفترة وجيزة وضمها إلى نفوذه، حيث أراد الوصول إلى غابات الخشب في جبال “الامانوس” وحملها إلى آكاد، وكما وجد القصر الملكي قد رمم، وإستحدث بناؤه على طريقة بلاد ما بين النهرين. وقد توالى ملوك الأكاديين في فرض نفوذهم على المملكة مثل “ريموش” خليفة سارگون وتلاه حفيده (نارام- سين).
تلا الأكاديين في حكم مملكة “ألالاخ” المصريين، حيث وجدت لوحة مصرية تمثل صورة شخص من العائلة المالكة الألاخية تحمل رموزاً مصرية. وإستمرت سلطة المصريين عليها حتى عام 1790 قبل الميلاد. حيث إستطاع حكام ألالاخ الخوريين من إنتزاعها من الفراعنة المصريين بعد ضعف حكمهم. ونرى هذا واضحاً في السوية السابعة حيث رمم القصر الملكي بطريقة حديثة وكذلك المعبد المخصص لربة أو إلهة المدينة.
وأمكن تتبع تاريخ ألالاخ من (16) الطبقة السادسة عشرة حتى (18) الثامنة عشر، عن طريق الشواهد الفخارية والأثرية. ثم تبدأ النصوص بإعطاء تاريخ مكتوب بدءاً من الطبقة (7) السابعة، ولا سيما النص الذي مُنح الرقم (1)، الذي يتحدث عن تأسيس إمارة المدينة الذي قام به “أبائيل” ملك حلب المعاصر لملك بابل “سمسو إيلونا بن حمورابي”، أي قرب نهاية (18) القرن الثامن عشر قبل الميلاد.
ويتيح التأريخ بسنوات أعمال الملوك، رسم صورة عن تاريخ المدينة السياسي حيث نجد بعض التواريخ في نهاية بعض النصوص الإدارية المهمة. أما فيما يتعلق بتاريخ المدينة في (15) القرن الخامس عشر قبل الميلاد، يظن أن الطبقة السادسة من ألالاخ قد هدمت في أعقاب سقوط حلب في أيدي الحثيين نحو بداية (16) القرن السادس عشر قبل الميلاد.
كما لم يعثر في الطبقتين السادسة والخامسة على نصوص، ولا يمكن تتبع تاريخها إلا اعتماداً على اللقى الأثرية. أما الطبقة الرابعة فتشير النصوص التي عثر عليها فيها، إلى تبدل في تاريخ المدينة من تبعية لمملكة يمخاذ (حلب) إلى هيمنة الميتانيين السياسية، الذين تركوا لحاكم “ألالاخ” حرية الحرك السياسية إلى حدٍ ما، فمد سيطرته على سهل الهمگ وأعالي العاصي، ومناطق موكيش وتونيب في أسفله.
ثم أكتشف رقم مسمارية زودت الأخصائيين بمعلومات دقيقة عن فترة تاريخية تعود لثلاثة ملوك هم: (حمورابي ملك بابل، وياريم ليم ملك يمخاذ، ونقميد- ايبوخ ملك ألالاخ)، حيث نرى فيها أن الملك
“ياريم- ليم” الذي كان يحكم مملكة حلب قد إمتد نفوذه إلى مملكة ألالاخ، وبدليل وجود بقايا قصر كان
قد شيده لنفسه بمدينة ألالاخ، ونقله شؤون مملكته إليها وإدارتها من هناك. وهذا ما عرض حدود مملكته وعاصمتها أي مدينة حلب للهجوم من قبل المدن المجاورة. وأيضآ ذكرت الرقم تمرد قام به حاكم المدينة الأصلي نيقميد- ايبوخ على الملك ياريم- ليم ملك حلب القاطن عنده مطالباً إياه بالاستقلال، وعلى ما يبدو بأن هذا التمرد فشل، حيث وجد قصر نيقميد- ايبوخ محترقاً بالكامل، وهذه دلالة على القطيعة التي قامت بين الحاكم والمحكوم.
وأما في سوية البناء (14) الرابعة عشرة فعثر على وعاء من الفخار يستعمل عادة في الطقوس الدينية، وعثر في السوية السابعة على رُقم كتبت بالخط المسماري، كما عثر على القصر الملكي والمعبد وباب المدينة. وعثر على عدد من الرُقم في كل من القصر والمعبد، وزودت العلماء بمعلومات دقيقة وهامة حول الفترة التاريخية التي تعود إلى فترة: حمورابي، ياريم ليم، نقيمد، إيبوخ. ويعود تاريخ هذه الرُقم إلى حكم الملك “ياريم ليم” في حلب المعاصر لحمورابي – ملك بابل.
وفي هذا الأثناء، كان سكان مدينة ألالاخ، خليطاً من الشعوب المحلية: (الخوريين، الميتانيين، الحثيين)، وجنوبية: (مصريين، أموريين)، وشرقية: (أكديين)، وذلك منذ بداية عصر البرونز، والشيء المثير في هذه الفترة الزمنية من تاريخ آلالاخ هو إستمرار صناعة الأواني الفخارية فيها، وخاصة الأواني المطلية منها.
بينما تاريخ السوية (4) الرابعة الأثرية في آلالاخ، يبدأ قبل عام 1450 قبل الميلاد. ووجد في القصر الملكي نصوص تاريخية، إلى جانب تمثال الملك “أيدريمي” نقش عليه تاريخ حياته، وكشف عن القصر الملكي كاملاً ومحفوظاً بشكل جيد، وبقايا المعبد، مساحة واسعة من القلعة، باب مدينة آلالاخ، والأبنية المجاورة، مجموعة من البيوت الخاصة، وأكثر من أربعين قبراً حوت أواني فخارية، وعلاوة على الرُقم المذكورة، قدم القصر كمية مدهشة من الأواني الخزفية، وأشياء عاجية ومعدنية.
يبدو أن الحال في سويتي البناء (3-2) الثالثة والثانية، كانت هادئة ومزدهرة، والبيوت الخاصة كانت واسعة وجيدة البناء، وللعديد منها ساحة، وأما الحجرات ودورات المياه والأرض المفروشة والمطابخ ذات المواقد فكانت معروفة، بينما باقي الغرف لم تكن معروفة، ولا لماذا خصصت.
وإعتبرت بداية القرن (14) الرابع عشر قبل الميلاد، هي نهاية عصر سوية البناء الأولى، ويؤيد ذلك الفخار المستورد من الخارج. كانت آلالاخ تتمتع بإزدهار واضح، وبيوتها كبيرة إلى حدٍ ما وواسعة في هذه المرحلة، وجرى تشييد أحسنها وأجملها في هذا العصر، وبقيت مأهولة بالسكان خلال النصف الثاني منه، وكان سكانها يهتمون بصيانتها وترميمها، والصناعات المحلية كانت في كامل طاقتها الإنتاجية، وقد عثر في أحد الدكاكين على سبائك ذهبية، وقرط صغير للأذن.
وفي نهاية هذه السوية إجتاحت شعوب البحر مدينة “حتوسا” في أقصى غرب الدولة الحثية، وإتجهت نحو الجنوب، فاجتاحت المنطقة كالسيل الجارف، وكان مع هؤلاء الغزاة أطفالهم ونساؤهم محمولة على عربات ذات دولابين تجرها الثيران، ويرافقهم أسطول بحري على امتداد الساحل الخوري – الميتاني،
مجموعة رقم طينية كشفت في ألالاخ
وكانوا يجتاحون المدن التي أخذت تتساقط واحدة بعد الأخرى، وأخذت أفواجهم تزداد بإنضمام من بقي حياً من سكان المدن التي حرقوها إليهم، ثم سقطت گرگاميش وهلچ (حلب)، وأما أطلال الحرائق التي التهمت أكبر بيوتات المدن، فتؤكد أن “آلالاخ” تقاسمت مع جيرانها الآخرين الأقوى منها الدمار والفناء الذي وقع في عام 1194 قبل الميلاد.
وفي أواخر عام 1572 قبل الميلاد، غزا الفرعون “تحوتمس الأول” فرعون مصر المنطقة وسقطت معها مدينة ألالاخ تحت نفوذهم، وكذلك تبعه خليفته “تحوتمس الثالث” الذي إحتل مملكة الميتانيين سنة (1488) قبل الميلاد، ثم سيطر على مملكة ألالاخ بشكل سلمي وفرض عليها الضرائب، وأقام عليها حاكماً إسمه “تاكو” وهو الملك المؤسس للسلالة الجديدة التي تولت حكم مملكة “ألالاخ” خلال مئة عام مقبلة.
لم يدم الإقامة للمصرين في المدينة طويلآ، حيث سرعان ما شن الحثيين الكرد هجومآ على المصريين من الشرق أي عبر جبل “ليلون” الذي يفصل سهلك “الهمگ” عن مدينة ” گرگاميش” العاصمة الثانية والشرقية للدولة الحثية. وتمكن الحثيين من طرد المصريين منها وبسطوا سيطرتهم عليها، وعادت مرة أخرى إلى الحضن الكردي من جديد، وذلك في عهد الملك الحثي (شوبيلوليوما)، بعد خلع الملك (تاكو-
أوا) آخر ملك من سلالة “نقميبا” عن عرش المملكة.
وبنى الملك “شوبيلوليوما” حصناً منيعاً للمدينة، وأعاد بناء معبدها وجعل من مدينة ألالاخ مركزاً للديانة الخورية – الحثية، كان ذلك بين أعوام (1370 – 1350) قبل الميلاد. وقد أكتشف بأحد المعابد تماثيل على شكل أسود، نحتت من البازلت كانت البشير الأول لجميع الأسود الحثية، وخير دليل على ذلك إسود موقع “عندارا” الأثري بمنطقة أفرين التي دمرها الغزاة الأتراك الحاقدين وإرهابيي التنظيمات الإسلامية العربية (السورية).
ساد الإستقرار منطقة “ألالاخ” وأفرين ومعهم كل جنوب غرب كردستان، وزاد الحثيين من إهتمامهم بالجانب العسكري وركزوا جل قوتهم في جنوب وشرق دولتهم، حيث من الجنوب كان يهددهم الفراعنة، ومن الشرق الأشوريين والبابليين والأكديين. خلال تلك الفترة حاول الفرعون المصري “رمسيس الثاني”
بتوسيع نفوذ مملكته، وإستعادت ما فقدته مصر من أراضي في بلاد الخوريين، فشن حملة عسكرية على
الحثيين ولكنها فشلت، فاضطر لعقد معاهدة سلام مع الطرف الحثي، وكان ذلك عام (1280) قبل الميلاد وهكذا بقيت “ألالاخ” تحت سيطرة الحثيين.
ثم عقد الملك الحثي “حاتوشيل” ملك الحثيين هدنة مع مصر سنة 1237 قبل الميلاد، وجدد بناء قلعة ألالاخ خوفاً من قوة الآشوريين المتنامية في عهد “شلمنصر الأول”، وعين ابنه “بالؤوا” حاكماً على المدينة، وفي هذه الفترة كانت مملكة ألالاخ آخذة في التداعي، حيث إستطاع ملك آشور “تفلث نينورتا” غزو جنوب غرب كردستان، وتدمر مدينة “ألالاخ”، وحرق معابدها والعبث فيها بشكل كامل.
وعندما هاجمت شعوب البحر الأراضي الحثية من الغرب، عبر إسطنبول الحالية وسقوط الدولة الحثية في النهاية، والتي سقطت معها العاصمة گرگاميش، مدينة هلچ (حلب)، ألالاخ، أرپاد، مبوگ، الباب، أوگاريت، دلبين (إدلب)، وغيرها من المدن الخورية، وهكذا فرضوا سيطرتهم على كافة المدن الخورية – الحثية وأحرقوها ولم يبقى منها سوى الدمار، وحدث ذلك عام 1194 قبل الميلاد. وبعد مرور فترة على مأساة “ألالاخ”، جرت محاولة لبعث المدينة من جديد ولكنها فشلت، حيث تعرف العلماء على ذلك من خلال آثار ترميم القصور والمعابد وسور المدينة. وإنتهت مدينة ألالاخ وغيرها من المدن الخورية- الميتانية – الحثية الكردية، وتحولت إلى مجرد أثر بعد هذا الغزو البربري لشعوب البحر لبلاد الخوريين.
على أثر ذلك أصبحت “آلالاخ” مجرد ذكرى طواها الزمن ودخلت عالم النسيان، وعندما قامت محاولة جادة لإقامة مدينة جديدة، كانت آلالاخ قد هُجرت نهائياً، وتم تشييد مستعمرة جديدة على تلة جديدة إسمها “تلة طعينات”، وتقع اليوم على بعد كيلومتر واحد من آلالاخ، ولا شك أن دمار مدينة آلالاخ أصاب أيضاً مرفأها البحري، الواقع غرب مدينة أنطاكيا الحالية على ساحل البحر المتوسط، فلم تعد الحياة إلى المدينة مجدداً، لكن مرساها المهم لم يترك مهجورآ بسبب موقعه الهام، فأعيد بناؤه وإستعاد نشاطه، وأخذ يعمل بعد ذلك على مدى (700) سبعمائة عام أخرى. واليوم جزء من تلة مدينة ألالاخ التاريخية، مأهولة بعدد من السكان والبيوت الحديثة، وتحديدآ في الطرف الجنوبي منها المطل على نهر أفرين.
لا شك فيه أن الحاكم أو الملك “إِدريمي” الذي حكم مدينة ألالاخ حوالي (30) عامآ، لعب دورآ كبيرآ ومهمآ في تاريخ المدينة والمنطقة المحيطة بها وسكانها، وفترة حكمه شهدت العديد من الصراعات بين
الدولة الميتانية، والعائلة الملكية الحاكمة، إضافة إلى الصراعات الداخلية بين أفراد العائلة الحاكمة، والصراع بين الدولة الحثية الصاعدة والطامحة لتوسيع نفوذها والدولة الميتانية، التي كانت ألالاخ جزءً من كيانها، وتسعى للحفاظ عليها ومقاومة الرغبة الحثية في التوسع، لكن الحثيين تحالفوا مع الفريق الميتاني المعرض لتحالف الميتانيين مع المصريين بعد المصاهرات الملكية بين الطرفين.
وقبل ذلك رأينا كيف إستطاع الحاكم “إِدريمي”من مدينته “ألالاخ” أن يبسط نفوذه على منطقة واسعة إمتد من منطقة ألالاخ إِلى حلب، ومن كيزواتنا إِلى أوگاريت بجوار مدينة اللاذقية، إِضافة إِلى سهل الغاب. كما وإن طلبه من مستشاره، تدوين سيرته الذاتية على تمثاله، والتي شغلت معظم واجهة التمثال الأمامية وتتألف من (104) سطر. ولولا هذا التدوين وإكتشاف هذا الموقع الأثري المهم من قبل العالم البريطاني “ليوناردو ووللي” خلال أعوام (1936- 1949م)، لما عرفنا شيئ عن هذه المينة وتاريخها، والكثير من التفاصيل عن تلك الحقبة التاريخية المهمة.
أحد الموقع الأثرية بمدينة ألالاخ
الوثيقة القانونية رقم 17:
أكتشف في أرشيف ألالاخ العشرات من الوثائق القانونية، لكن أهمها كانت اللوح رقم (17) كونها مدتنا بمعطيات قانونية جديدة تخص تاريخ القانون في الدولة الميتانية عامة، ونظمت هذه الوثيقة في عهد ملك
“نقميبا” إبن إدريمي في القرن (15) الخامس عشر قبل الميلاد، وقد ورد فيها مصطلح أكادي دل على أن القانون العرفي، كان المصدر الأساسي للقواعد القانونية في مملكتي يمخاذ (حلب) وألالاخ. والجدير بالذكر أن الوثيقة تذكر: مدى إحترام الملوك الخورية – الميتانية – الحثية القديمة للملكية الفردية من جهة، وتقيدهم بالقوانين العرفية من جهة أخرى.
والعلماء والباحثين فسروا غياب مدونات قانونية في المواقع الأثرية الخورية والميتانية والحثية القديمة رغم إكتشاف عشرات الآلاف من الألواح الطينية المسمارية فيها، ويرجعون سبب ذلك إلى إعتماد هذه الممالك والدول على العرف، كمصدر أساسي للقواعد القانونية في تلك العصور. كما تتميز الوثيقة بالعديد من الخصائص القانونية الشكلية، كوجود طبعة ختم سلف الملك القائم بالحكم، وتعدد الشهود في الوثيقة القانونية، حيث تطابقت هذه الشكليات القانونية مع العديد من التطبيقات القانونية والقضائية التي تعود للألف الثاني قبل الميلاد.
الأوزان المستخدمة في ألالاخ:
المادة التي كان يصنع منها الأوزان في مدينة “ألالاخ”، عادة كانت تصنع من مادة الهيماتيت. وهي مادة غيرة خاضعة للعوامل الجوية، ومقاومة للصدمات. وبالعربية يسمونه “الشاذنج”، وهي مأخوذة عن المصطلح الكردي (شاد-ژنگ) وإسمه الحقيقي بالعربي هو (حجر الدم) والبعض يسميه الحجر الهندي. هو معدن أكسيد الحديد الثلاثي، وهي المادة الأولية لإنتاج الحديد. وتبلغ صلادته أعلى من صلادة الحديد النقي ولكنه أكثر منه هشاشة.
مادة الشاذنج
أما أشكال الأوزان فلم يكن لها شكل محدد، أكثرها كانت بيضاوية الشكل أو إسطوانية وكان من الصعب التميز بينها وبين التميمة أو النرد، وخاصة إذا كان حجم الوزنة من النوع الثقيل والكبير، وكانت هذه الأوزان عادة تختم بالأختام الرسمية لتجنب عمليات التلاعب.
وكان سكان مدينة ألالاخ وتوابعها يستخدمون نوعين من المينا: النوع الخفيف والنوع الثقيل. والمينا الخفيفة كانت تعادل نصف قيمية المينا الثقلية، والهدف من هذا النظام هو تسهيل عملية إستخدام الأشياء الخفيفة والثمينة وخلافها. ولم يعثر علماء الأثار في مدينة ألالاخ على أوزان أكبر من 10 مثاقيل، حيث جميعها كانت ما دون العشرة. وإستطاع العالم “أرنود” من إكتشاف ثلاثة أنواع من هذه الأوزان في الطبقة أو السوية الثانية والرابعة وكانت على الشكل التالي:
الأولى: 8,5 غرام. الثانية: 9,35 غرام. الثالثة: 7,70 غرام.
والملفت للإنتباه حقآ، لم يكلف أحد من الكتاب العرب ولا الأتراك أن يشرحنا ماذا تعني كلمة أو مصطلح “مينا” هنا، ولماذا سميت بهذه التسمية، ومن أين أتى هذا المصطلحوأصلآ!!!! لا يمكن أن الأمر إعتباطيآ وهكذا خطر على بال الألالاخيين وسموها مينا.
الحقيقة التسمية ليست مينا، وإنما “نومينا”، وهي تسمية كردية وتعني المثال الذي يقاس به، وأخذ العرب هذا المصطلح عن الكردية وعدلوا وإستخدموه تحت مسمى “نموذج”.
Numîne: نموذج
——-
التميمة:
Kurdî: Xerz – Îngilîzî: Amulet
هي ما يعلق في العنق من الخرز ونحوه ويقصد منها حماية النفس من العين، أو وقايتها من الأرواح الشريرة، والأمهات يعلقن التمائم في أعناق أولادهم ظنا منهن أنها تحميهم من الأعين، ويوجد اعتقاد عند من يعلق التمائم أن فيها قوة سحرية تقي صاحبها وتحميه من شر الأرواح الشريرة وتدفع الأقدار، أو تحميهم من المخاطر التي قد يتعرضون إليها من عين أو مرض، كما كان الناس في القدم يعلقون التمائم في أعناق دوابهم.
نهاية الحلقة الثانية وإلى اللقاء في الحلقة القادمة،
ونحن في إنتظار أرائكم وملاحظاتكم ومنكم نستفيد.