یقال عن السیاسة بأنه علم من العلوم الانسانیة. الا ان العلم، کما هو معلوم، له ثوابته و قواعده. وهو ما یفصح عنه المختبر بنفس النتائج، فی مختلف الازمنة و الاماکن، متی و اینما اقیمت التجربة. ویقال عنه ایضا کونه (السیاسة) بأنه فن الممکنات. کما یقال عنه انه الاداة التی تستعمل لحل معضلة ما. ربما جمیع ما یقال عن السیاسة ان لم یصیب الصواب برمته، فإنه یغطی جانبا من الصحة منه، علی اقل تقدیر. لکننا هنا لا نرید ان نتوغل فی هذا الموضوع لکی نخرج بمخرجات یدعم رأیا دون الآخر. نحن هنا نود الاشارة الی ما هو اعمق من التعریف والمعرفة السطحیة. نحن نتطرق الی الادراک و علاقته بالسیاسة، مع ذکر مثال بسیط و واضح علی ذلک.
المثال الذی اخترناه فی هذا المقال المقتضب هو موضوع منصب رئیس الجمهوریة فی العراق و معضلة کرکوک القومیة، من الوجهة السیاسیة. و علاقتهما ببعضهما من جانب. أی علاقة منصب رئیس الجمهوریة الآنف الذکر مع کرکوک کأرض، مثبت دستوریا، محل خلاف. قبل ان ادخل فی صلب الموضوع اود الاشارة الی ان موافقة النخبة السیاسیة الکوردیة صاحبة القرار، علی ادراج مسألة کرکوک ضمن المادة (١٤٠) من الدستور العراقی کأرض محل خلاف “متنازع علیها” فی ملکیتها؛ کان امرا ینم عن السذاجة الفکریة و قلة ادراک سیاسی. والدلیل علی ذلک؛ ما اصاب المادة الدستوریة المذکورة من التهمیش و الاذلال منذ ذلک الحین (٢٠٠٧) وحتی الآن.
من المعلوم، إثر توافقات سیاسیة اصبح منصب رئیس الجمهوریة من حصة الکورد. و المعلوم عن المنصب، رغم کونه منصبا تنفیذیا الا انه مجرد، بشکل تام، من الصلاحیات التنفیذیة. لذلک أصبح منصبا تشریفاتیا لیس أکثر. و السٶال الذی یطرحه الکثیرون: ما استفادة الشعب الکوردی من منصب کهذا. سوی ان الشخص الفائز به بـإمکانه ان یفوز بالامتیازات المادیة والمعنویة المخصصة للمنصب.
إننا هنا نواد ان نشیر الی امر جلل وهو النظر الی هذا المنصب نظرة مدرکة ای قائمة علی الادراک السیاسی ضمن إطار الفهم اللغوی و عدم الخروج عنه. القراءة المستنبطة للنص الدستوری یتیح لرئیس الجمهوریة صلاحیات تنفیذیة واسعة لخیر العراق و شعبه. خاصة إذا امعنا النظر فی نص المادة (٦٧) و ما یتضمنه من النصوص الواضحة التی تلزم رئیس الجمهوریة القیام بتنفیذها. إذ جاء فی المادة ٦٧:
(رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، و يسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لاحكام الدستور .) نلاحظ ان المادة تعرف الرئیس کونه رمز الوطن. لکنه لیس رمزا جامدا، إنما علیه واجب السهر (عدم الغفلة او النوم) علی ضمان الالتزام بالدستور. المادة الدستوریة تفرض، هنا علی رئیس الجمهوریة وجوب عدم النوم و الحرکة متی ظهرت ادنی افعال اوحت الخروج عن الدستور و سیاقاته.
إهمال المادة (١٤٠) من الدستور هو عدم التزام واضح بالدستور. الواجب هنا یقع حصرا علی رئیس الجمهریة للتدخل المباشر لالزام من لا یرید عدم الالتزام بالدستور، علی الاتزام به.
سنوات طویلة و نحن الکورد نشغل منصب رئیس الجمهوریة والدستور یهان عن طریق عدم الالتزام به و بشکل صارخ منذ سنة ٢٠٠٧ و حتی الآن، ومن واجبنا کمستلمین للمنصب المذکور ان نتدخل و “نسهر” لکی نحمی الدستور و نحمی به حقوقنا ولم نفعل ذلک‼ تری ما السبب؟؟ السبب واضح: اما لأن الشخص الشاغل لمنصب رئیس الجمهوریة لم یکن یرید او یرغب ان یزعج نفسه ب ال”سهر” علی الدستور. او انه لم یکن یملک الثقافة العمیقة التی تساعده علی استنباط الصلاحیة التنفیذیة من النص الدستوری المتاح.
حسب فهمی السبب واضح، هو عدم القدرة علی التشخیص الصحیح و الدقیق للعلاقة بین الاداة و الادراک. الاداة هنا هی نص المادة الدستوریة (٦٢) بینما الادراک هی القدرة المعرفیة علی استخلاص المضمون من النص و ترجمته الی عمل. کأن تترجم عبارة “یسهر” لغویا لتصبح (حراسة). و من ثم تحویل مصطلح (الحراسة) لغویا الی عبارة عمل. بمعنی ان الشاغل لمنصب رئیس الجمهوریة ان لم یکن بقدرته المعرفیة ایجاد العلاقة بین الاداة و الادراک لن یکون بإمکانه، کما حدث، التعامل مع نصوص الدستور خدمة للدستور ولن یکون، بالتالی، بإمکانه خدمة شعبه.
اخیرا نود الاشارة الی انه من الواضح ان المنافسة، بین الکورد، شدیدة علی الفوز بمنصب رئیس الجمهوریة. نحن نتطلع ان یتبٶشخص مثقف، یحمل معرفة عمیقة، هذا المنصب. بحیث یکون بإمکانه الفصل الواعی بین السیاسة و الاداة. فیحل بذلک معضلة کرکوک عن طریق صیاغة مشروع عملی مستنبط من نصوص الواد الدستوریة ذات العلاقة.
ان الذين يترشحون لهذا المنصب ليسوا كردستانيين اصلا وانما هم من صنف الوصوليين والانتهازيين ولا يهمهم شيء سوى مصالحهم الشخصية والحزبية. المهم عندهم الاسم واللقب والعنوان وحسب! هم من الشخصيات الضعيفة والهزيلة والتي تركض وراء المال والجاه والمكانة. ,كل ذلك على حساب كردستان وشعبها. والانكى من ذلك ان هذا الرئيس عليه ان يكون ولائه ليس للعراق فقط وانما لتركيا وايران وسوريا على حد سواء. فهل سمعت احدهم من جلال مرورا بفؤاد معصوم والى برهم طالح ان يتفوّه بكلمة واحدة تعبّر عن نقد ولو بسيط جدا لسياسات تلك الدول حيال الكرد وعلى سبيل المثال. ان هؤلاء يأتون ويذهبون وكأن شيئا لم يكن بل وكانهم احجار الشطرنج في احسن الاحوال والا هم ليسوا الا احجار لعبة الداما! ما قيمة المناصب بالنسبة للكرد في بغداد العروبة والاسلام سوى الذل والهوان والاستسلام!!!
اخی کارزان زانخواز
اشکرک علی مداخلتک القیمة. بالنسبة الی سٶالکم: “ما قيمة المناصب بالنسبة للكرد في بغداد العروبة والاسلام سوى الذل والهوان والاستسلام”
اری انه بالاخلاص للشعب و بالعقل الرشید بالامکان اضافة الکثیر الی هذا المنصب التی یمکن ان ینال بها الشعب الکوردی جانبا مهما من جوانب حقوقه المهضومة. ولکنی اتفق معک فاستبعد ذلک.