الاطفال والتكنولوجيا في ظل ثقافة كونية مشتركة – خديجة مسعود كتاني

 ان تربية الأجيال وتنشئتهم تبقى من معايير تقدم المجتمعات وتطورها٫ وبهم يقوم ويبنى المجتمع. تتطلب التربية استيعابًا جيدا وفهمًا لكثير من الحقائق المتعلقة بالمرحلة العمرية ، التي يعيشها الطفل في كافة جوانب الحياة. كون التنشئة الاجتماعية من اهم الجوانب في تكوين شخصية الطفل٠ التفاعل الاجتماعي يعد سلوك الفرد بما يتفق مع مجتمعه ، كاسهام فعال في بناء الفرد وتشكيل الاسرة ، لانهم الطاقة المتجددة عبر الاجيال لبناء المستقبل ٠
لكن الجماعات الانسانية تواجه اليوم تحديات في تنفيذ عملية التنشئة الاجتماعية لاجيالها في عصر العولمة والتكنولوجيا الطاغية، والتي بدت اكثر  واشد تعقيد بالاخص كون المؤسسات الاعلامية تنازع المؤسسات التقليدية للتنشئة الاجتماعية ، مما له الاثر المباشر في في غرس القيم وتنمية الاتجاهات٠ اضافة الى التطور السريع و التكنولوجيا في ظل ثقافة كونية مشتركة، بما يحمل من اساليب لجذب الطفل ودفعه للادمان كنوع من السيطرة على وعيه في نمط ثقافي محدد ، قد يتضمن قيم الصراع والقوة والدعوة للحرية غير المسؤولة ٠ومن البديهي ان تنشأ لدى الطفل دوافع نفسية متناقضة بين ما يتلقاه عبر الثقافة الالكترونية و ما يعيشه في الواقع اليومي سواء في البيت او المحيط الاجتماعي مما يعقد الحالة النفسية لديه كونه محكوم بمجموعة قيم متنافرة ومتناقضة٠
الاثر الايجابي للتكنولوجيا على الطفل
لطالما العديد من الابحاث وضحت بان للتكنولوجيا آثار إيجابية على الاطفال ، سواء على التفكير ونمو الدماغ، وللتكنولوجيا القدرة على تحفيز الدماغ لتفحص المعلومات وتخزينها بسرعة وكفاءة عاليين ٠ يساعد ذلك على حل المشاكل المعقدة وتحسين مهارات التعلم. في السنوات الاخيرة ادخلت في المدارس لزيادة استيعاب وتفاعل الطفل مع المنهج الدراسي الجديد المقدم له ٠وقد تخصص الهواتف الذكية لذلك الهدف اضافة لاستخدامها على نطاق واسع في المنزل لغرض تعليم الاطفال الالوان والارقام والحروف وبعض المهارات قبل الالتحاق بالمدرسة ٠كما تعد الانترنيت مكتبة كبيرة تحوي ملايين الكتب وعدد لاحصر من المعلومات التي يمكن ان يتساءل عنها الاطفال في المراحل العمرية المختلفة ٠كون هذه المهارات التكنولوجية والفنية اصبحت مطلوبة بشكل متزايد في مجال العمل لذا تعد من الفوائد المستقبلية لمن يجيد هذه المهارات ويتميز فيها. تعرف الاطفال عليها في سن مبكرة يعد من احد اهم التحديات المستقبلية ٠ و قد تفيد في   حالات الطوارىء للاتصال بالارقام المخصصة لها والتي تحدد من قبل الاهل ٠معظم العاب الفيديو تتطلب منهم مهارة اتخاذ القرار والتغلب على العقبات  للوصول الى الهدف، ينعكس ذلك على تصرفاتهم في الحياة الواقعية لحل مشاكله، او اداء الواجب المدرسي وتخطي الخلافات بينهم وأصدقائهم، وينمي المهارات المعرفية والاجتماعية بشكل صحيح٠
الاثر السلبي للتكنولوجيا على الطفل
الافراط في الاستخدام يعرض الطفل لسلوكيات سلبية من تقلبات المزاج وتكسير الروابط العاطفية بين الاطفال وآباءهم، ويدفع الطفل الى التوحد والانعزال عن عائلته واصدقاءه وينطوي في عالمه الإلكتروني الافتراضي. قد يتعرض الى محتوى غير لائق لعمره كونه عالم مفتوح والطفل لايميز مابين الصحيح والخاطئ ، مما يؤثر في سلوكياتهم بشكل ملحوظ. قضاء الاطفال ساعات امام شاشات التلفاز او اللاب توب او الهواتف الذكية يعرض الطفل للاشعة المنبعثة مما يؤثر على مستوى النظر وتحسس العين وجفافها٠ من المشاكل الصحية الاخرى زيادة نسبة الدهون والسمنة لكثرة الجلوس وتناول الاطعمة الكثيرة دون معرفة الكمية، وتناقص ساعات النوم٠ أفادت بأن المتطوعين الذين استخدموا التكنولوجيا من (٣-٤ )ساعات في اليوم عرضة بنسبة ٥٠٪؜ للوقوع في سلوكيات خطيرة كالتدخين وتعاطي المخدرات وخاصة بين المراهقين والاكبر سنا. التعرض لمشاهد عنيفة تتضمن الحروب او قتل يتسبب في رفع مستوى الادرينالين لديهم وزيادة دقات القلب والتوتر العالي للنظام الحسي.  يتاثر الطفل بهذا الواقع الافتراضي ويحاول ممارسته في الحياة الواقعية، لذا يجعلها ضارة  للتربية وبالاخص في السنوات الاولى من حياة الطفل٠
حماية اطفالنا من الاثر السلبي للتكنولوجيا
١-الدور الاسري لمراقبة ومتابعة الطفل عند استخدامه الهاتف الذكي والدخول لشبكة الانترنيت
من حيث الوقت الذي يقضيه الطفل مستخدما اياها وتحديد ذلك٠
٢-تشجيع الطفل على الحفاظ على العلاقات الاجتماعية مع الاسرة والاصدقاء والحفاظ على الدفء الاسري من حيث الرعاية والتوعية لتحقيق ذلك٠
٣- مليء فراغ الطفل بالأنشطة المفيدة مثل الرياضة واللعب مع اطفال أبناء جيله او ممارسة هواياته ٠
٤- مساعدة الطفل على حل دروسه بنفسه، بدون اللجوء الى التكنولوجيا٠
٥- استخدام التطبيقات التي تمنع الطفل من الوصول لمواقع غير مناسبة لعمره ومستوى تفكيره
٦- تنظيم الاوقات والمواعيد لقضاء وقت مع الاسرة لتبادل الانشطة والالعاب بعيدا عن الاجهزة التكنولوجية
 ٧ -قبل كل ما ذكر يجب ترسيخ مبدأ الصواب والخطأ واختيار الاصدقاء وتقديم القدوة ويعود الامر للوالدين٠
ولكن في النتيجة توصل الباحثون  الى حقيقة
هي قبل نهاية القرن العشرين كانت العوامل التي تؤثر في تنشئة وتربية اطفالنا معروفة محددة وواضحة ٠ كان على الآباء إعطاء الثقة لاطفالهم وتنمية الاستقلال لديهم ليتمتعوا بنفوس صحية سليمة يمكنهم مواجهة تحديات العولمة وما تحمله من توجهات تقف في مسار تماسك الاسرة والمجتمع٠ ولكن اليوم لا يمكن اعتبار الاسرة هي المسؤولة الوحيتدة عن التنشئة اذ اصبح هناك العديد من المؤسسات الاجتماعية الاخرى التي تشارك في ذلك وضرورة ايجاد و تفعيل برامج تربية والدية سليمة يتم عن طريقها تدريب أولياء الامور على قيادة الاسرة نحو الوعي وادراك لما يؤدي إلى نتائج لدى ابنائها ٠ فبقدر ما تطرح عمليات التنمية والتغيير الاجتماعي مشاكل وتحديات جديدة على الاسرة ، يبرز أهمية الادوار التقليدية التي تقع على عاتقها وخاصة في السنوات الاولى للطفولة ٠في ظل الانفتاح اللامحدود للعولمة الجديدة ، والتي تلعب دور هام في زيادة الفجوة والتباعد والتفاوت الاجتماعي والتعليمي والمعرفي وتحجيمها للرؤية التربوية ،و أهدافها  التي تصب في خدمة القرية الكونية الجديدة٠
نحو ثقافة كونية مشتركة
بات من الصعب التنبؤ بمستقبل الثقافة في أي مجتمع ٠بعكس ما كان الوضع حتى عهد غير بعيد، نظرا لسرعة التغيرات وكثافة الاتصالات بين الشعوب والثقافات وإزدياد الاستعارة الثقافية والتأثير الثقافي المتبادل٠ بفضل انتشار وقوة فعالية الاعلام الحديث ، وقدرته للتسلل الى الاذهان ،وحجم الحراك السكاني عبر الحدود الجغرافية والسياسية مما اثر على مستقبل المستوى الثقافي لكوكب الارض وخلق نوع من اللايقين حول هذا المستقبل٠ أكثر المجتمعات تمر اليوم بمرحلة التحول و الانتقال من عصر الانتاج الصناعي الى عصر الانتاج المعرفي ، وما يترتب عليه من إعادة النظر في ماهية ومغزى الوجود البشري ٠ولاشك في عصر المعرفة يطلق سراح القدرات البشرية في مجالات لاحصر لها مما يساعد على التقارب والتفاهم بين الشعوب ، وان كان لايخلو من السلبيات التي تصاحب كل تحول٠ وهذه الثقافة الكوكبية تعتمد على منهج تكاملي ونظرة شاملة تحيط بكل مظاهر الحياة السريعة التغيير ويتطلب سنوات بحثية مركزة وجادة ٠ ثمة محاولات أجريت ومشروع اشرف عليه (ميكائيل مازار)، وكانت دراسته بحث عن القوى التي تغير تشكيل العالم في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتطورات التكنولوجية الحديثة. ضمن مشروع أكثر شمول يقوم به مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن تحت عنوان (مشروع الالفية الجديدة) وقد نشرت في تقرير عن (Global Brand Culture) وهنا يكون البعد الزماني ضحلا بالنسبة للبعد المكاني الذي يتسع ويتمدد بحيث يشمل العالم بفضل الانترنيت وتطوراته المستقبلية٠
بقلم خديجة مسعود كتاني