المشهد السياسي في العراق يؤيد بأن هناك جملة من الاشكالية التأسيسية تضفي قدرا اكبر من تعقيد الوضع السياسي وفي تقلل الامل من فرص وإمكانيات الوصول الى مخرج حقيقي ومقبول للازمة الحالية خلال فترة زمنية قصيرة، وقطع الطريق أمام ما يمكن تسميته اسوأ الخيارات للخروج من المأزق، بكل وضوح، بحيث أنه لا يمكن من أن تلوح بوادر حل في الأفق كما كان يتوقعة البعض، لأن الاحتقانات ارتفعت حدتها والتشنجات الداخلية على ايقاع التقاطعات فيما بين الكتلة الواحدة بدت عميقة ، هذا وغيره يعني أن على العراقيين ألا يتفاءلوا كثيراً بحسم الأمور عن قريب حتى يشاهدوا انبعاث الدخان الأبيض إيذانا بالانفراج عن أزمة جلسة البرلمان التي يتم فيها انتخاب رئيس الجمهورية التي لا يعرف على اية جهة يحسب ومن ثم رئيس الحكومة ومشاكل الكتلة الاكبر .
ان اللقاءات التي تجريها الكتل والكيانات والاحزاب واستمرار تعاطياتها الاعلامية التضليلية لا يمكن الاعتماد عليها و حيث تنبثق عنها بين حين واخر ائتلافات لا اساس لها من الصحة ومؤقتة تنتهي بعد الانتهاء من تقسيم المناصب والمسؤوليات فيما بينها ومعدومة القوام ولا تصمد امام المهام الرئيسية التي من اجلها يفهم عمل مجلس النواب وتشكيل وادارة الحكومة القادمة التي تنتظرها الجماهير بفارغ الصبر بعد الانتخابات ومن الغير المتوقع ان تتضح معالمها بهذا الشكل السريع والشكوك حول ثباتها ، على ضوء الانقسامات في الكيانات والتحالفات والاحزاب الموجودة فيها وعدم التوافق بين تلك المجموعات لمخرجاتها التي تنفع المجتمع العراقي،علينا أن نجزم أن هذه الفئات في الوقت الحاضر بعيدة كل البعد عن تشكيل مشروع سياسي يهم للمواطن ، والحال، فإنّ الأيّام المقبلة ستثبت مدى قدرة الاجتماعات من الخروج ببرامج بناء صحيحة لمستقبل البلد المنهوبة خيراته ، الذي يمثل المربط والمعلف قبل الحصان مادامت نتائجه اخفقت في التمثل الحقيقي للشعب على ضوء المشاركة الضعيفة للجماهير فيها واصبحت واضحة لحد الان ” على عدم تجاوز الخلافات ومناقشة مستقبل البلاد بمعزل عن مشروع الجماهير وعقد جلسة تعيين رئيس الجمهورية ولا يتوقع عنها تشكيل حكومة ( غير توافقية ) سياسية تضم الأطراف الراغبة في المشاركة في هذه الحكومة ولا يكون هدفها نقل البلاد إلى مرحلة جديدة من التلاحم ووضوح البرنامج والمسؤولية .
المهم ان بعد سنوات من الحكم الشمولي الفردي في العراق الذي كان قائم على منهجية الحزب الواحد وسيطرته على مؤسسات الدولة كافة لمدة تزيد على خمسة وثلاثين عاماً فلاشك ان التجربة البرلمانية العراقية بعد عام 2003 زمن تغيير النظام وتحويله الى ” نظام ديمقراطي كما كان الامل ” تعد من أحدى افشل التجارب الديمقراطية في المنطقة والدستور الدائم فيه لازال في محله بعيوبه وهو نموذج قل نظيره في العالم الثالث لو طبق حتى 60% منه رغم الثغرات الموجودة فيه والقراءات المختلفة .
في تجربة المشهد السياسي العراقي الجديدة هناك جملة من التغييرات التي طرأت على المشهد السياسي، وهذه المتغيرات كانت في أغلبها خارج حدود ما يريده المواطن. رغم اعتقادنا الكامل ايضا من أن التكافؤ في مثل هذا المجلس لا يمكنه أن يضع حدوداً سياسية واضحة لبرنامج قصير المدى ناهيك عن أربع سنوات مقبلة من عمره لحصول تغيير في اعضائه ودخول اعداد جديدة عديمة التجربة وإذا لم يغيره اطره الحالية إلى واقع برلماني صحيح فسوف يكون عالة على الشعب بدل أن يحل مشاكلة ، ولو نظرنا إلى تفرد تجربة العراق، في محيطه العربي والإسلامي، سنجد أن هذه التجربة لا يمكن لأي مواطن عراقي أن يتصدى لها بفهم مرحلي تزامني، فضلاً عن الفهم البعيد ، فمن الناحية التاريخية نجد أن التجربة البرلمانية بالذات هي تجربة اثقلت كاهل المواطن من خلال الامتيازات التي توهب لنفسها في كل دورة دون ان تقوم بواجباتها الاساسية في تشريع القوانين التي تمس حياة الطبقات المختلفة والشرائح المعدومة والفقير وازداد الفقر والمعاناة عند المواطن . وعلى الرغم من أن هذه التجربة لم تأت أو تولد نتيجة ظروف تأريخية طبيعية ولم تستطيع في ظل ظروف التحديات الكبيرة التي شهدها العراق من صراعات حزبية وكتلوية بحتة من أن تتحول إلى تجربة برلمانية ديمقراطية وليدة وتمثل تحولاً ديمقراطياً يأخذ مداه الزمني لكي يتبلور إلى تجربة ناجحة ومؤثرة وفعالة مقارنة بتجارب دول أخرى تخلصت من عقدتها.
ولا شك فأن عملية تطوير التجربة البرلمانية العراقية في مواجهة الإرث الثقيل من الخراب البيئي والنفسي والجسدي والعقلي الذي تعرض له الإنسان العراقي تتطلب:-1- العمل على إرساء قواعد العمل الديمقراطي في التعددية السياسية والحزبية، 2-والتمسك بالقيم والمبادئ الديمقراطية، 3-التركيز على مبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال تطوير وتحديث التشريعات الوطنية، ومراجعة الإطار القانوني والتشريعي والسياسي للعملية السياسية والديمقراطية برمتها .ووضع الأسس للحكومة التي تنبثق منها كي يمكن لها قيادة الدولة ومواجهة الضغوطات الهائلة داخليا وإقليميا ودوليا و كيف يمكن محاربة الفساد والمفسدين وتعديل الدستور وإصلاح مؤسسات الدولة وكيف يمكن بناء الاقتصاد المنهوش وتقديم الخدمات لشعب يئن تحت سطوته ومخلفات ماض قريب بغيض بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وقبح؟ و إعادة بناء الدولة في ظل صراع على السلطة لا على أساس بناء وطن بمقوماته وكيف يمكن ضمان أمن الناس وتخليص البلاد من الإرهاب الذي لازال يمثل خطرا اساسيا وكيف يستطيع العراق مواجهة التحديات الإقليمية التي تعصف به ومن شراء الذمم الرخيصة ومحاصرته من كل صوب وحدب طالما بقي السياسيون يتقاتلون على الكراسي بدل الاهتمام بمثل هذه الأمور المصيرية؟ ومتى تنفذ سياسة وضع الكفاءات الكبيرة المتخصصة التي بدونها لا يمكن التعجيل بإعادة تعمير البلاد ونهوضه في جميع المجالات بدونهم ؟
عبد الخالق الفلاح – كاتب واعلامي