Bajarê Şem-el Xorî – Hisî – Kurdî ye
هذه المرة سنغوص في تاريخ مدينة أثرية قديمة أخرى، ذات تاريخ عريق من المدن الخورية، والتي لا يعرفها ولم يسمع بها أكثر من 99% من أبناء الشعب الكردي للأسف الشديد، رغم الدور التاريخي الكبير لهذه الحاضرة الخورية – الحثية – الكردية. ولم يكتب عنها أي مؤرخ وباحث كردي كالعادة، والذين كشفوا الموقع ونقبوا فيه هم من الألمان والأمريكان. وسنناقش في هذه الدراسة النقاط التالية:
1- مقدمة.
2- جغرافية مدينة شمأل.
3- أثار مدينة شمأل.
4- تاريخ مدينة شمأل.
5- معتقدات أهل شمأل وطقوسهم الدينية.
6- لغة سكان شمأل الأصليين وثقافتهم.
7- أصل تسمية شمأل ومعناها.
8- المهن في مدينة شمأل.
9- الحياة الإقتصادية في مدينة شمأل.
10- الحياة الإجتماعية في مدينة شمأل.
11- فن العمارة في مدينة شمأل.
12- الوجود الكردي في مدينة شمأل ومحيطها.
13- الخلاصة.
14- المصادر والمراجع.
أولآ، مقدمة:
Pêşgotin
إن الدوامة التي يعيشها الشعب الكردي منذ ألاف السنين، ألا وهي دوامة العبودية والإحتلال والإستعمار أحد أسبابها الرئيسية، هو عدم إلمام هذا الشعب بتاريخه، لأنه لم يقم بكتابة تاريخه بنفسه، وبالتالي فقد ذاكرته. ومن يفقد ذاكرته لا يمكن معرفة نفسه، ومن يجهل نفسه، لا يستطيع أن يكون حرآ ومستقلآ وأ يكون له كيان وشأن بين الأخرين. وعندها ليس بمقدره أن يحدد ما يريد، ولا أن يصيغ مستقبله، ولا أن يفهم حاضره، لأن كله مرتبط ببعضه البعض.
ولهذا لم يتحول الكرد إلى إمة بمفهومها الصحيح، ومواطنين أسوياء لهم حقوق وواجبات، والدليل على ذلك حالة التبعية التي مازالوا يعيشونها، فترى مجموعة تتبع هذا الشيخ، ومجموعة أخرى تتبع زعيم ذاك القبيلة، والثالثة تتبع رئيس هذا الحزب أو ذاك والمجموعة الرابعة تتبع محتليها. ولا يمكن للكرد الخروج من هذه المعمعة والحالة المزرية، إلا بفهم تاريخهم فهمآ صحيحآ، كي يتعرفون أنفسهم بشكل حقيقي، وهذا يحتاج إلى ثورة ثقافية، أولآ تقوم بهد المعبد على رؤوس أصحابه، وبناء معبد جديد إسمه: “الحرية والديمقراطية وحكم المؤسسات”، لا دولة الإستغلال والعرسات.
ما هو التاريخ؟
التاريخ هو كل ما تركه السابقون من موروث ثقافي وحضاري وديني. بكلام أخر هو قراءة ما أنتجه أسلافنا، ومعرفة الإنسان لماضيه وتجارب من سبقوه من أجيال وأجيال، هي أهم طريق لصناعة حاضر متوازن. إن معرفة الإنسان بهويته، هي من أكثر الأشياء التي تستطيع مساعدته في تحديد إتجاه المستقبل الذي يريده والأفكار التي يجب أن يتبناها، بمعنى أوضح أن ملامح التاريخ القديم هي التي نستطيع من خلالها تحديد ملامحنا وهويتنا الحالية. والمملكة التي نحن بصدد دراسة هويتها وتاريخها وثقافتها ولغتها، ومعتقدات أهلها وطقوسهم الدينية، هي جزء أساسي من اللوحة التاريخية للإمة الخورية – الميتانية – الحثية، وبالتالي من تاريخ الإمة الكردية الحالية، كون هذه الشعوب الثلاثة أو الدول الثلاثة، إضافة إلى السومريين والإيلاميين والميديين والساسانيين هم أسلاف الكرد.
ولا شك أن البلاد الخورية شهدت ولادة ممالك كثيرة قبل الميلاد بألاف السنين، والبعض منها جد قديمة ويعود تاريخها إلى أكثر من (10.000) عشرة ألاف عام قبل الميلاد، مثل مدينة “هلچ” (حلب)، ودمشق التي بنيت قبل (9.000) تسعة ألاف عام قبل الميلاد، بينما (أرپاد) تأسست قبل (7.000) سبعة ألاف عام قبل الميلاد. وبعض الممالك أو المدن الأخرى هي أحدث نسبيآ، ويمكن القول بأن مملكة “شمأل” تنتمي إلى جيل المدن القديمة، ويعود تاريخها الأول إلى مرحلة الخوريين، أما تاريخها الثاني فيعود ذلك إلى الدولة الحثية الكردية الحديثة وظهورها على الساحة السياسية في المنطقة.
وهذه المملكة مع باقي الممالك والمدن الواقعة ضمن إقليم ألالاخ وگرگوم (مارش) مثل: مملكة ألالاخ، الهمگ، عندارا، النبي خوري، دارازه، يشكلون حلقة واحدة ثقافيآ، دينيآ، لغويآ، حضاريآ، قوميآ، ضمن حلقة أوسع وهي الحلقة الخورية.
ولأهميتها التاريخية ودورها، إستقطبت إهتمام البعثات الأثرية التي سارعت للبحث عنها ومن ثم التنقيب فيها، وكان الألمان السباقين للوصول إليها في وقتٍ مبكر نسبيآ، وبدأت التنقيب وإستمرت لعدة سنوات
ولكن علن على فترات متقطعة، إمتدت من العام (1888) وحتى العام (1902) ميلادية. ومن ثم تولت المهمة جامعة شيكاغو الأمريكية بدءً من عام (2006) ميلادية، والتي نشرت أخر بحوثها أو تقاريرها عن ما توصلت إليه أثر تنقيباتها في العام 2017.
كل هذا والكرد نيام ولا يدرون شيئ عن المدينة ولا حتى عن التنقيبات والدراسات والبحوث التي تناولت تاريخها والأثار الكثيرة التي إكتشفت في الموقع، الأتراك إهتموا بالأمر ولكن ليس كثيرآ وأجروا عدد من البحوث، وبشكل أقل الباحثين العرب ولم يتجاوز ذلك بحثين على حد علمي نتاج العرب عن المدينة، وقاموا بهذين البحثين من منطلق أنها مدينة عربية، وليس لأهميتها التاريخية، وحاولوا المستحيل لتشويه تاريخ المملكة الحقيقي، بهدف نسب المدينة إلى أنفسهم أي العرب.
أهمية دراسة التاريخ؟
هل دراسة التاريخية مفيدة لنا كبشر ولماذا؟ وهل ذلك ضروري للإنسان في العصر الذي نعيش فيه، عصر العلم والذرة وغزو الفضاء والإنترنيت؟
الجواب: نعم دراسة التاريخ مفيدة لنا كبشر وضرورية، لأن التاريخ ليس ماضي منفصل، بل هو مربوط بالحاضر والمستقبل أيضآ، ولا يوجد شيئ من دون جذور، فالأحداث التي تحدث الأن في العالم بأسره، من تطورات علمية وتغيرات مناخية، وهجرات بشرية، وصدامات دموية، وصراعات دولية، كلها لها جذور في الزمن الماضي.
بكلام أخر إن التاريخ هو نهر الحياة، فإن هذا النهر متصل السير فيه، هكذا كان من قبلنا وفي زماننا وسيبقى من بعدنا زماننا كذلك، وكتابة التاريخ هو عبارة عن تسجيل التجربة الإنسانية بحلوها ومرها، فإن هذه التجربة الإنسانية متصلة ومستمرة وستستمر كذلك إلى ما لا نهاية، وهي عبارة عن حلقات متّصلة ومراحل متعددة، وبهذا المعنى التاريخ يشمل الماضي والحاضر والمستقبل معآ. وعندما ندرس الماضي إننا في نفس الوقت ندرس الحاضر والمستقبل، لأنه في الواقع لا شيء في الوجود يتلاشى ويتبخر مع الزمن. ففي علم الطبيعة كما هو معروف فإن المادة لا تفنى، وفي علم التاريخ لا شيء يزول زوالآ تامآ، وإنما الأشياء ذاتها تأخذ مع الأيام صورآ أخرى.
وفي الحالة الكردية، فإن دراسة تاريخ المنطقة بشكل عام، والكردي (گوزانا، الخوريين، السومريين، الإيلاميين، الكاشيين، الهكسوس، الميتانيين، الحثيين، السوباريين، الساسانيين، الأيوبيين، الصفويين، ..) بشكل خاص مهم جدآ وضروري للغاية، أكثر مما يتصوره بعض السذج والمغفلين والحمقى من الكرد. وقبل كل ذلك على الكرد كتابة تاريخهم ومن ثم دراسته وفهم، والخروج من ذاك القمقم وإنتاج المعرفة وكتابة تاريخهم بأنفسهم، وعدم قراءة التاريخ الذي كتبه لهم أعدائهم القربيين والبعيدين.
هل تعلمون لا يوجد دراسة كردية واحدة عن المملكة التي نحن بصددها؟؟ بينما الألمان قبل (140) عامآ خلت، بدأوا بعمليات البحث التنقيب والدراسة في مدينة “شمأل”، وإكتشاف مئات القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن، سرقوها وأخذوها إلى المانيا وتعرض في متاحفهم، والبقية سرقها المستتركون ونسبوا المدينة وتاريخها لأنفسهم هؤلاء الأوباش، والقسم الثاني من الأثار إكتشفه الأمريكان في المدينة السفلى وأخذوها إلى شيكاوا بأمريكا!!!!
المستعربين العرب، رغم أن المدينة ليست جزءً من كيانهم اللقيط (سوريا)، قاموا بكتابة فقط بحثين عنها ودون حياء وقالوا أنها مدينة عربية!!! وكل هذا و الكرد نيامٌ ويإلتزموا الصمت، مع العلم هم أصحاب الأرض والمدينة لليوم، كل ما فعلوه ويفعلونه للأن شيئين هما:
أولآ، رعي الأغنام والماعز في المنطقة.
ثانيآ، العمل كعمال بالإجرة مع الألمان والأمريكان لنقل التراب المحفور إلى أمكنة معينة، حددها لهم الأثاريين الألمان والأمريكان، لقاء بعض الماركات والدولارات وكم كانت سعادتهم كبيرة بتلك الماركات والدولارات الزهيدة!!! أما معرفة تاريخ المدينة وأثارها العظيمة فهذه لا تعنيهم ولا تعني السياسيين الكرد.
إمة بهذا التخلف، وقيادات سياسية أقل ما يقال عنها أنهم تجار وسماسرة يمارسون العهر السياسي بأبشع صوره، وأعني بكلامي القيادات الحالية والسابقة إلى يوم سقوط دولة ميديا قبل 2525 عام، فماذا تتوقع أين يكون حال الكرد؟؟ لا أتوقع غير الذل، التخلف، التبعية، الإستعباد، الإحتراب الداخلي، وإستمرار نزيف الدم الكردي. وإذا حاول كاتبٌ مثلي من بني جلدتهم لتصحيح هذا التاريخ ونفض الغبار عنه، وتقديم الرواية الحقيقة والصحيحة، يحارب على الفور، إما بالتجاهل التام والتعتيم الإعلامي على جهده وعطائه، أو بالإساءة لسمعته أو حتى تهديده بالتصفية الجسدية، كل ذلك بسبب إنتقادي لهم وفضح قذاراتهم.
هذا بدلآ من فتح مجال الإعلام المرئي والمسموع والمقرؤ أمامه، وتقديم الدعم وتوفير الإمكانيات له، كي يستمر في عمله وتدوين تاريخ حواضر أسلافنا الكرد وتاريخهم المشرف. لكن هؤلاء المستبدين والتجار واللصوص ليس هذا ما يبحثون عنه، هم فقط يبحثون عن أبواق رخيصة، تلمع لهم وجوههم القبيحة، وينفذ قذارتهم من خلفهم لا أكثر. لذلك يعتبرونني عدوآ لهم، لأنني أحاول توعية أبناء الشعب الكردي،
وهذه من المحرمات عندهم، لأنهم يريدون الإبقاء على الكرد كجهلة كي يستطيعون ركوب ظهورهم وإستخدامهم كعبيد، وهم في الواقع أسواء من المحتلين، ومشكلتهم مع المحتلين هي تقاسم الحكم والكعكة فقط، وليس حرية الشعب، وكل من يدعي غير ذلك من هذه القيادات كاذب.
خريطة مملكة شمأل
(Zincirli Höyük)
ثانيآ، جغرافية مدينة شمأل:
Erdnîgeriya bajarê Şemalê
لمن لا يعرف مدينة “شمأل” تقع هذه المدينة أعلى منابع نهر الأسود، الذي ينبع من شمال منطق كرداغ وداخل سهل كبير يحده من الشمال جبال “نور” وسلاسل جبال “طوروس”، التي تفصل المدينة وسهلها عن باقي مناطق أقصى غرب كردستان، والتي تسمى أحيانآ (هضبة الأناضول)، ومن الغرب يحدها سلسلة جبال “الأمانوس” الشديدة الإنحدار، التي يفصل بينها وبين ساحل البحر المتوسط، ومن الجنوب يحدها “چيايه كرمينچ” (كرداغ) بالتركية، والذي يفصلها عن وادي الفرات العلوي. وتقع مدينة شمأل في المنتصف بين جبال نور في الشمال، ومدينة إصلاحية في الجنوب، وكلا الإسميين معربين إسم (نور، إصلاحية).
مساحة السهل تبلغ حوالي (1.750) ألف كيلومتر مربع، ويبلغ طول السهل من الشمال للجنوب حوالي (50) كم، ويبلغ عرضه من الغرب للشرق حوالي (35) كم. أما مدينة “شمأل” نفسها فتبلغ مساحتها حوالي (400) هكتار، وهي عبارة عن قلعة محصنة بسور متين وتتربع فوق تلة، وتأخذ القلعة شكل زنجير مغلق كما هو واضح من شكل المدينة عندما تنظر إليها من الأعلى، حيث تكون الصورة أوضح.
ويبلغ إرتفاع التلة عن سطح السهل المحيط بين (15 – 18) متر، وتطل المدينة على وادي نهر الأسود والذي ينحدر جنوبآ نحو سهل الهمگ في إقليم ألالاخ الكردي، والذي تحدثنا عنه في الدراسة السابقة، عندما تناولنا هوية وتاريخ مملكة ألالاخ الخورية – الميتانية الكردية.
المدينة كانت متناظرة إلى حد ما، ومحمية بسور مزدوج شبه دائري يبلغ قطره بين (720-800) متر. وسماكة الجداران تبلغ ثلاثة أمتار والمسافة بين الجدار المختلفة الخارجية والداخلية، تتراوح بين حوالي (7) سبعة أمتار كمعدل، ومبنية من طوب اللبن المجفف بالهواء. كان للجدران حوالي (100) نتوء، مخصصة لأبراج المراقبة الداخلية والخارجية ولها ثلاثة مداخل.
كما ويحيط بهذه المملكة التاريخية، عدد من الممالك الخورية – الحثية القديمة مثل: مملكة “گرگوم” (مراش) الحالية، والتي تقع إلى الشمال منها، ومملكة “پاتين” الواقعة بالجنوب منها، ومملكة أدناوا (أدانيا، أدناه) الواقعة في الغرب منها.
صورة مدينة شمأل من الجو
والتلة التي تقع عليها المدينة تلة طبيعية، وذات شكل بيضاوي غير منتظم. وكان هناك مدخل واحد فقط في جدار التحصين الخارجي من الجنوب، وكان محميآ من قبل إثنين متوالين من بوابات بنمط الكماشة.
خلفه توجد الأبنية الأخرى، وهي مفصولة عن بعضها البعض بجدران عريضة. وفي داخل القلعة هناك العديد من القصور من نمط بيت خيلاني، وفي كل مدخل يوجد أعمدة خشبية مزخرفة والفسحة الرئيسية للقصر أيضآ. القصور كلها لا تعود إلى فترة زمنية واحدة ولا قوم واحد، وهذا له علاقة بما تعرضت له المدينة من غزوات وإحتلالات همجية عديدة عبر التاريخ.
بوابات المدينة الثلاثة، إضافة لبوابات الغرف بين البرجين المرتفعين جميعها مزينة بألواح بازلتية، وهي نموذج من الفن المعماري من أواخر الفترة الحثية. والتي تعود للقرن (9) قبل الميلاد. وهناك تمثالين منحوتين لأسدين يعود تاريخهما للقرن الثالث قبل الميلاد. كما عرفت مدينة شمأل بعدت تسميات بحسب من كان يحكمها وبأي لغة كانوا هؤلاء الحكام يتحدثون، ولكن يبقى إسمها الحقيقي “شمأل”، وهذه التسمية لا علاقة لها بكلمة (الشمال) كجهة جغرافية، كما حاول بعض المستعربون العرب تفسير معنى التسمية، وسوف نناقش هذه التسمية ومعناها واللغة التي تنتمي إليها، في محور منفصل وبشكل تفصيلي وباللغتين الكردية والعربية على حدٍ سواء.
هناك ممرين أو طريقين بريين بؤديان إلى مدينة “شمأل” وسهلها المحاط بسلاسل جبلية وعرة، وهذه الممرات هي:
أولآ، ممر بهخچا:
الذي يعني الحديقة في اللغة الكردية، وهذا الممر يؤدي إلى المدينة من الجهة الغربية، مخترقآ جبال الأمانوس المغطاة بشجر الصنوبر الكثيف. ويربط مدينة شمأل بسهل كيليكا أي هو معبره نحو الغرب بإتجاه “هاتوسا” وبقية المناطق الخورية – الحثية – الكردية (الأناضول) بتسمية هذه الأيام.
ثانيآ، ممر بيلان:
هذا الممر يقع في الجهة الجنوبية من المدينة وسهلها، الذي يحاذي أطراف جبال الأمانوس من الجهة الشرقية، وهو منفذها على إقليم ألالاخ الخوري وسهله، والجزيرة الفراتية العليا ومدينة هلچ (حلب) دلبين، گرگاميش، وأرپاد وغيرها من المدن الخورية القديمة التي تنتمي لذات الحقبة الزمنية وما قبل ذلك.
وبسبب موقعها الجغرافي هذا، المتحكم بالممرات الجبلية التي تربط غرب كردستان (الأناضول) بألالاخ والجزيرة الفراتية ومنطقة أمد (ديار بكر)، أكسبها أهمية قصوى وكان الصراع عليها على أشده، لأنها كانت تتحكم بطرق التجارة، وعلى رأسها تجارة الأخشاب والحديد. ولم يختار مكان المدينة إعتباطيآ، بل جاء نتيجة معرفة بجغرافية المنطقة، وإدراك أهمية هذا الموقع من قبل الخوريين أسلاف الكرد.
—–
طبال:
(راجع الكتاب المقدس توبال) كانت مملكة حثية جديدة ناطقة باللوية تقع شمال غرب مدينة “ملاطية” في شمال كردستان، وفقآ لعالم الآثار كورت بيتل، ظهرت مملكة تابال لأول مرة بعد انهيار الإمبراطورية الحثية. رأى حكامها أنفسهم خلفاء للملوك الحثيين الكبار، كما حملوا هذا اللقب في نقوشهم، المكتوبة بلغة هيروغليفية اللوفية (اللوية).
——
أدانيا:
هي مدينة خورية، أقيمت في سهل “كيميكي” (كيليكيا)، وتبعد عن مدينة شمأل بحوالي (123) كيلومتر. جاء ذكرها في المصادر الأشورية باسم (قوي) وفي النقوش الهيروغليفية عرفت باسم (أداناو). كما جاء ذكر إسمها في نص حثي، يعود للقرن الخامس عشر قبل الميلاد باسم (أدانيا)، وقد كانت أضنة جزءً من مملكة “كيزواتينا” في الألف الثاني قبل الميلاد.
—–
كينالوا (پاتين):
موقع پاتين الأثري في سهل الهمگ على بعد حوالي (1) كيلومتر شمال مدينة ألالاخ، و25 كم شرق أنطاكيا الحالية في لواء ألالاخ الخوري – الميتاني الكردي، والمدينة تعود للحقبة الحثية – الكردية التي أزدهرت في الفترة ما بين (1180 – 700) قبل الميلاد. جاء باسم “اونقي” في المصادر الأشورية، تقع في سهل الهمگ باقليم ألالاخ بغرب كردستان، واليوم يطلق عليها العرب تسمية (تل الطعينات)، ويعود تاريخ الإستيطان البشري فيها إلى العصر البرونزي المبكر (3533 – 2333) قبل الميلاد. وقد تم العثور في الموقع على آثار تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد منها بقايا قصر (البيت المرتفع العالي) يعود لأحد ملوكها. وبالتركية تسمى: (هويوكو كينالو).
مملكة پاتين (تل طعينات)
Höyüğü Kinalu
مناخ منطقة شمأل:
Keşeya herêma Şemalê
مناخ مدينة “شمأل” والمنطقة المحيطة بها، متأثر بمناخ البحر المتوسط وغابات جبال الأمانوس الكثيفة ومرتفعات سلسلة الجبال المحيطة بها من كل جهة (طوروس، أمانوس وكرداغ). فصيفها حار وجاف، بينما شتاءها بارد وماطر، وتقريبآ هو نفس مناخ إقليم ألالاخ وجبل ليلون وگوير. ويصل نسبة الأمطار السنوية في شمأل والمنطقة المحيطة بها، إلى حوالي (1000) ملم، وهي ليست كمية كبيرة، ولكنها كافية للمحاصيل البعلية التي لا تحتاج إلى كمية كبيرة من المياه. وهذا ما مكن سكانها الخوريين من زرارعة بعض أنواع الحبوب مثل: القمح، الشعير، العدس، الكتان، وبعض أنواع الخضروات مثل البصل والثوم والبندورة، وزراعة الكروم لصنع النبيذ، إضافة إلى أشجار الزيتون والتين والرمان. هذا إلى جانب تربية بعض الحيونات الأليفة مثل المواشي. هذا ما كشف عنه لقى الملكين ” بانامووا الأول، وبرراك” وهم ملوك شمألية.
يمكن القول، بأن أكثرية المناطق الخورية، كانت تزرع مثل هذه الأنواع من الحبوب والخضار والثمار، ولا ننسى أن الزيتون والرمان يعتبران شجرتين شبه مقدستين لدى الكرد.
الزيتون: بسبب إستخدام زيتها في إنارة اللمبات داخل المعابد، الذي حل مكان الدهون مع الوقت. وثانيآ، كونها كانت تشكل مادة غذائية رئيسية ولها فوائد صحية كثيرة.
الرمان: بسبب شرابها نظرآ لفوائده المتعددة ومذاقه الطيب.
من الجهة الثانية، وبسبب الغطاء النباتي الكثيف والمتنوع (الصنوبر، العرور، السنديان، البلوط، الأرز) الذي يغطي جبال أمانوس، خلق بيئة مناسبة لعيش بعض الحيوانات البرية في المنطقة، ومنها حيوانات مفترسة مثل: النمور، الدببة، الذئاب، الضباع، الثعالب، إبن أوى، الغزلان، الأرانب البرية، الثيران، الفيلة، الأسود، الكلاب البرية.
وفي مجرى النهر الأسود ومستنقاعته، كانت تعيش فيها بعض أنواع الأسماك والسلاحف المائية، إضافة للطيور المائية التي تأم المنطقة، ذلك بسبب توفر المياة والأغذية في مجرى النهر وعلى ضفافه. هذا ما كشف عنه الألواح المكتشفة في موقع المدينة، التي رسمت عليها مشاهد الصيد، وثانيآ بقايا عظام تلك الحيوانات وأنياب الفيلة. كل ذلك جعل الحياة في مدينة “شمأل” وسهلها ممكنآ ويستمر لفترات زمنية طويلة.
ثالثآ، أثار مدينة شمأل:
Kevneşopên Şemalê
مدينة شمأل الأثرية، لا شك أنها واحدة من المدن الخورية الثرية بالقطع الأثرية، وأكثرية ما إكتشف فيها من أثار كالنقوش، اللقى، الفخاريات، العظام، الألواح، المنحوتات كانت بحالة جيدة إلى حدٍ ما. وأول مَن لفت إنتباهه وجود أثار قديمة في هذه القلعة أو المدينة الأثرية، كان مدير المتحف العثماني الإمبراطوري السيد “عثماف حمدي بيك”، وكان ذلك في عام (1882) ميلادية، قبل سقوط الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين (1920)، أثناء فترة حكم السلطان محمد الخامس، الذي إستلم الحكم عام 1909 بعد خلع عبد الحميد الثاني من الحكم.
لقد إستعان مدير المتحف العثماني السيد “عثماف حمدي بيك”، بعلماء أثار ألمان للتنقيب والبحث في هذه المدينة الأثرية الخورية – الحثية، بعد قيام الخبراء العثمانيين بالمسح الأولي. وبدأت البعثة الألمانية أول زيارة عمل لها للموقع في عام 1883، لكن العمل الفعلي للخبراء الألمان بدأ في الموقع في العام 1888 ميلادي. والمرحلة الأولى للتنقيب دامت حوالي أربعة أشهر فقط، وقاد الفريق الألماني في هذا الموسوم الأولي كان السيد “كارل هومان” وعضوية كل من الباحثين (فيلكين فون لوشان وفرانز فينتر)، وكانوا يعملون بتكليف من معهد الأثار الألماني حينذاك.
هذه البعثة الألمانية التي تولت عمليات الحفر والتنقيب والدراسة، عمليآ نقبت في هذا الموقع (5) خمسة مرات، وفي كل مرة أو جولة كان عملهم يدوم عدة أشهر، ما بين التنقيب والحفر، وترقيم المكتشفات، وتقسيمها، وجمعها، ودراستها على الأقل بشكل مبدئي وتسجيل جميع المعلومات عنها مثل: (مكان الوجود، عدد القطع، حالتها، في أي سوية وجدت، أحجامها، الفترة الزمنية التي تنتمي إليها، اللغة المستخدمة في النقوش، الرسوم، المادة المصنوع منها، ….)، تنظيفها من الأتربة، تصويرها، تغليفها ومن بعدها نقلها بأمكان إلى المتاحف.
وفي هذه المرحلة إكتشف هذا الفريق البحثي خلال تنقيبه على العديد من الأثار المهمة منها:
الألواح الحجرية المجسمة، نصب للملك الأشوري “حدون”، الذي نقش عليه إنتصاره على المصريين في عام 671 قبل الميلاد. هذا إضافة إلى العثور على نقش للملك الشمألي “برراك”، وحوالي (40) لوحة
نوقشت عليها رسومات متخلفة، ونقلت جميعها إلى متحف برلين بشكل أساسي، وجزءً منها إلى متحف إسطنبول، والكرد لا يملكون من هذه الأثار الخاصة بأسلافهم ولا قطعة، ليس هذا وحسب وإنما يجهلونها ويجهلون تاريخها، وهذا أمر محزن ومؤلم في نفس الوقت!!!!
ومن ثم توالت الحفريات ضمن مواسم متعددة، وكل موسم كان يدوم عدة أشهر، والمحطة الثانية بدأت في العام 1890 ميلادية، ودام العمل حوالي الستة أشهر في الموقع، كما تم إكتشاف العديد من الأثار في الموسم الثاني وفي مقدمتهما منحوتتين لأسدين ضخمين، إضافة لتمثال الإله “هدد”، والذي نقش عليه كتابات الملك (بانامووا الأول)، وعثر عليه في موقع “جيرسين”. وبسبب كبر حجم وثقل هذه الأسود المنحوته، والتمثال، إضطر العلماء لتقطيعها، لكي يسهل نقلها للمتحاف المراد نقلها إليها، ومن ثم لزقها ببعضها البعض وتجميعها وعرضها في المتحاف التي سوف إحتوتها بين جنباتها. ومن دون تقطيعها كان من الصعب نقلها.
الفترة الثالثة من الحفريات والتنقيب في مدينة “شمأل” بدأت في نهاية العام (1890)، وتحديدآ في تشرين الأول وإستمرت حتى شهر أذار من العام (1891) ميلادية، أي دامت هذه من الحفريات والتنقيب حوالي ستة أشهر.
في هذه الجولة من التنقيب والحفر، لم يحقق الفريق الألماني الكثير من الإنجازات، ليس بسبب تقاعسهم وإنما بسبب إختيارهم الخاطئ، ألا وهو العمل في فصل الشتاء في هذا الموقع، وكما تحدثنا في المحور السابق، وقلنا أن شتاء منطقة “شمأل” بارد ومثلج وممطر، وفي مثل هذه الأحوال الجوية السيئة، يصعب على المرء التنقيب والحفر والبحث عن الأثار، وفيه خطورة على الأثار المطمورة تحت التراب. ومع ذلك إستطاع الفريق الألماني وبجهود مضنية العثور على العديد من القطع الأثرية المهمة ومنها:
أسدين مجنحين، تمثال الملك “برراكب” الشمألي، وعدد أخر من المنحوتات. وبسبب حالة الطقس السيئة التي أتينا على ذكرها، لم يتمكن الفريق الأثري الألماني، من نقل هذه الأثار إلى متحف برلين للأثار، مما إضطر إلى دفن هذه الأثار في مكان إختاروه في نفس القلعة، وفي عام (1894)، نقلوا هذه القطع إلى متحف برلين حيث تمكث للأن دون وجه حق، لأنها ليست أثار ألمانية وإنما ملك الشعب الكردي.
أما الجولة الرابعة للفريق الألماني في الموقع، فكانت في نهاية شهر أذار من العام (1894)، وإستمرت حتى منتصف شهر حزيران من نفس العام. وأول ما قام به الفريق الألماني في هذه الجولة هو نقل تلك الأثار التي دفنوها في الموقع ولم يستطيعيوا نقلها حينها بسبب الأحوال الجوية السيئة. بعد ذلك إستمر الفريق في التنقيب وإكتشف ثلاثة قصور داخل المدينة، وهذه القصور تم إكتشافها في القلعة الأثرية. والقصور الثلاثة بحسب الإكتشافات تعود لملوك شمأل، هذا إضافة لإكتشاف نقش للملك “برركاب”، وتمثال كبير لأسد في ذات الموقع.
وفي الجولة الخامسة والأخيرة من تنقيبه، ركز الفريق الألماني عمله في الجهة الغربية من المدينة العليا، وبدأ عمله بعد مرور عدة سنيين من الجولة الرابعة، وحضر الفريق إلى مدينة “شمأل” في بداية شهر كانون الثاني من العام (1902) ميلادية، وإستمر في عمله حتى منتصف شهر حزيران من نفس العام، أي أمضى فترة ستة أشهر في الموقع وهم يعمل، وللغرابة كرر نفس الخطأ أي إختيار فصل الشتاء للبدء بالعمل في الموقع. ومع ذلك إستطاع الفريق من تحقيق إنجاز مهم وتمثل في إكتشاف العديد من الأثار المهمة منها:
نقش الملك “كلا -مو”، عثر عليه الخبراء في مدخل الصالة الأمامية من قصره، مع صولجانه الذهبي.
إضافة لذلك تم إكتشاف عدد من اللقى العاجية الصغيرة، وتابوت بروزي له مسكات على شكل حلق.
وبعد إنتهاء البعثة الألمانية من عمليات التنقيب والبحث والدراسة والتحليل، قامت مشكورةً “جمعية الشرق الألمانية” المسؤولة عن فريق البحث، بنشر كامل نتائج دراستهم في أربع مجلدات تحت إسم: “حفريات زنجيرلي”، وذلك بدءً من عام /1893-1911 / ميلادي، ولمن يرغب في معرفة المزيد من
المعلومات والتفاصيل يمكن له العودة لتلك الدراسات، وبرأي الأمر يستحق ذلك على الأقل بالنسبة لأبناء
الشعب الكردي أصحاب القضية. وأدعوا أبناء الجالية الكردية الذين يعيشون في ألمانيا ويتقنون اللغتين (الكردية والألمانية) بشكل جيد، ترجمة هذه المجلدات الأربعة للغة الكردية، وبذلك سيقدمون خدمة جليلة لشعبهم الكردي. وأنا واثق أقل من واحد (%1) من أبناء الجالية الكردية المودجين في ألمانيا سمع بتلك الدراسات أو إطلع عليها، وهذا أيضآ ينطبق على بقية أبناء الشعب الكردي أيضآ!!!!!!
وفي عام /1943/ أي بعد ثلاثين (30) عامآ من نشر تلك المجلدات الأربعة، قام كل من “فيليكس فون لوشان وفالتر أندرية”، بنشر المجلد الخامس حول أثار مدينة “شمأل” الأثرية. ومع ذلك هناك الكثير من الأثار التي نقلت إلى متحف برلين من مدينة شمأل، لوم ينشر عنها شيئ بعد، ومازالت بحاجة للدراسة والبحث، رغم مرور كل هذه الأعوام. عملية دراسات الأثار والنقوش، واللقى وغير ذلك بحاجة لخبراء في مجالات عدة والمال الكثير، ووقتٍ وجهد كبيرين.
التنقيبات الأثرية التي نفذها الفريق الألماني في موقع مدينة “شمأل” بتكليف من قبل “الجمعية الشرقية الألمانية” بقيادة العالم “فليكس فون لوشان وروبرت كولدڤي” بين أعوام (1884-1902)، كشفت عن سور مزدوج كان يحيط بالمدينة، مزوداً بالأبراج والبوابات المزينة بلوحات حجرية ذات نقوش متنوعة، وعثر في مركز المدينة على مجموعة من المباني والقصور المحاطة بجدار بيضوي الشكل، إضافة لذلك عن أشياء مهمة أخرى منها: مجموعة من الكتابات وبلغات مختلفة، التي أمر بنقشها ملوك شمأل تكريماً لآلهتهم وتخليداً لآبائهم وأعمالهم.
وفي عام 2006 أرسل معهد الدارسات الشرقية في جامعة شيكاغو بأمريكا، بعثة أثرية إلى مدينة شمأل لمواصلة التنقيب والبحث في هذا الموقع الأثري المهم، وبالإتفاق مع الجهات المختصة التركية، وإستمر عمل البعثة الأمريكية حتى عام 2017 ميلادية. والبعثة كانت برئاسة “ديفيد شلون” وعضوية السيد “أمير فينك”.
موقع شمأل الأثري
قامت البعثة بالتنقيب في حوالي (10) نقاط مختلفة ضمن الموقع، وبشكل أساسي في المدينة السفلى القريبة من سطح الأرض، وفي أعماق الطبقة العلوية وصولآ إلى سويات العصر البرونزي الوسيط (2000-1600) قبل الميلاد، وإمتدادآ حتى سويات العصر البرونزي المبكر (3500-2000) قبل الميلاد، وذلك بعد قيامهم بحفر خنادق أفقية، لإكتشاف البقايا الأثرية في الموقع، التي لم يسعى الخبراء الألمان للوصول إليها حيث إكتفوا بالتنقيب فقط في المدينة العليا، وأشغلهم كثرة القطع الأثرية التي إكتشفوها في المدينة العلوية، أثناء تنقيبهم عن الأثار في الموقع خلال سنتين من الزمن تقريبآ وعلى فترات متعددة كما رأينا.
نهاية الحلقة الأولى من هذه الدراسة ونحن بإنتظار أرائكم وملاحظتكم ومنكم نستفيد.