الانفتاح والتعاطي وتحليل العلاقات – عبد الخالق الفلاح

تنمية القدرات الفكرية والبحثية في التعاطي مع القضايا وانعكاساتها ودراسة مقررات التخصص في القضايا المنهجية والنظرية المحورية في مجالاته المعرفية المختلفة يمكن أن تكون نعمة كبرى ، إذا ما كان يؤخذ منها عن وعي ومعرفة وتخطيط . وهذا يقتضي أن يكون هناك مقاييس خاصة تقاس بها الأمور ، ويحكم بها على ما هو نافع وما هو ضار . فليس كل وافد من الخارج جيداً ينتفع به ، ويتلائم مع بيئتنا ومتطلبات حياتنا . وينبغي أن نتذكر أننا لسنا أمة دخيلة على التاريخ والحضارة تأخذ من الآخرين دونما تمييز . والامم العريقة أعطت الكثير للمجتمع البشري، ولا يكون الانفتاح بلبس لباس وأكل طعام ونطق لغة لسان، بل بفهم لغة عقله وتحليلها وتفكيكها وتطويرها و أساليب التحليل الكمي والإحصائي والقياس واستطلاعات الرأي من خلالها ومعها يتحقق ليس فقط تحليل العلاقات بصوره المختلفة – و يمكن التنبؤ أو الاستشراف أو الوقوف على طبيعتها من خلال المعطيات المتاحة في حالة تحقق شروط أو افتراضات التحليل دون حدوث أحداث قاهرة أو فوق مستوى التوقع، مع وضع وتحديد البدائل في حالة تغير الظروف والأحوال أو الافتراضات التي بنيت على أساسها تلك الدراسات و فضلًا عن تناول السياسة بجميع اللوانه والابتعاد عن  العنف السياسي الذي يتصاعد يوماً بعد يوم لدوافع حقدية فردية وليست أيديولوجية وتقف ورائها سياسات دول ويجب ان لا يتوقف الشخص السياسي في نقطة انية معينة منها فقط ، انما عليهم الانتقال الى ما يخبئ ورائها و القراءة الأولية لخارطة التحول والانعطاف في السياسات للدول الإقليمية والتي اتسمت خلال السنوات الخمسين الماضية بالتوتر وعدم الاستقرار والتأزم تحرق اليابس والأخضر فيه . إن السلاح الأقوى بيد الانفتاح الحضاري هو العلم والحداثة التي لا تجعل من الدين تقليداً بالياً يفضحه العلم والتطور والتمدن والصياغة الجديدة للتركيبة المجتمعية المعولمة التي ستفضح السلبيات التي طرأت على الدين شيئاً فشيئاً وتمنح انصاره خصوصاً في المجتمعات الأكثر نمواً ومعرفة. الانفتاح هو الطبيعة البشرية التي تجمع بين القيمة الأدبية والقيمة الجمالية، الانفتاح يكرس الشفافية، ويشحذ إرادة الناس للصقل من خلال تزويدهم بحقائق جذابة، ومعلومات دقيقة تحفزهم على البحث والتفكير، للوصول إلى تقديراتهم وأحكامهم على الأحداث، مع القدرة على التحليل، فمن خلال الانفتاح يتحقق النجاح وهي سمة من سمات الثقافة والحضارة التي هي ذروة الإنسانية.ومن خلاله يستطيع الفرد الغوص في خبايا النفس ووصف تحولاتها والسمو نحو الفضيلة، ويقال إن الانفتاح يبدد الحواجز الدلالية أمام الكلمات التي نختارها ونستخدمها، وقد يتسبب المعنى الذي نعلقه بها في بعض الحواجز أمام التواصل مع الآخر، وقد تعني الكلمة نفسها أشياء مختلفة لأناسٍ مختلفين، بناءً على ذلك يجب العمل على تطوير عملية الاتصال؛ وهي مهمة عملية تتطلب جهداً ومهارة من جانب المنفتحين،إنّ الانفتاح الواسع والذي  ينطوي تحت هذه المفردةِ من اختلاط النّوعين بشكلً كامل بلا مُحدداتٍ خاصةٍ بنا، أو مظاهرِ الصّخب والاحتفالِ العارمة وكل ما يشبِه هذا، ليس أداةً تليقُ باي مجتمع متحضر ومحاولات القفز عاليًا في الهواء بلا أيّ ضماناتٍ لا تعتبر سوى انتحار،ولا يمكننا تغيير هذا الحال بنسخ مظاهرِ تحمل الحضارات السطحية، بل بالاستفادة من جوهر تجارُبها ومناهجها التي تتناسب مع قيمنا ، ومن مناهجنا وتجاربنا التاريخيّة .

ان الانفتاحات السياسية من الأمور المهمة و الاختلاف والتناقضات الفكرية التي يتحتم على أفرادها ومجموعاتها التفاعل مع وجود التناقضات الأخرى قد تجد حلولاً أخرى لحدوث علاقات سلمية متبادلة المنفعة فيما بينها، فعلى سبيل المثال يمكن الانفتاح في حوار حضاري يجمع بين الجماعات المتفاعلة للسعي لتشكيل منظومة فكرية تتخلى عن تناقضاتها وتجتمع على المشتركات فيما بينها وقد تكون حلاً لتوطيد علاقةٍ سلمية داخل المجتمعات ولكنها تظل كذلك أمراً من ضرب المحال بسبب تمسك بعض الجماعات بمعتقداته ورؤية سيادتها على البقية ما قد ينذر بحدوث انشقاقات كذلك داخل هذه الجماعات تمهد لصراعات أصغر وبشكل واسع.

العراق بحاجة الى نهضة ملحمية استثنائية ترسم اطر الدولة بفصولها ورؤية قيادة رشيدة رامية إلى إحداث قفزة في مسيرة بناء الإنسان والوطن وتوظيف القدرات والطاقات البشرية من أجل صناعة غد مشرق، واستهام افاق النجاح التي تنطلق منها اسس مسيرة بناء وطنية تسابق الزمن ويستمر زخمها إلى الأجيال القادمة لتحقيق ريادة الدولة في كل المجالات ،هذه الزيارات هي تفاعلية ثنائية الأوجه أو ذات نمطين الأول منها هو نمط تعاوني مؤقت لعبور مرحلة انية والنمط الثاني هو نمط صراعي إلا أن النمط الصراعي هو النمط الذي يغلب على هذا التقارب برغم من محاولة إخفاء أو التنكر لتلك الحقيقة ، بل أننا يمكننا القول أن النمط التعاوني الذي قد تبدو فيه موجهة لخدمة صراع معين أو نمط صراعي آخر قد تديره الحكومة الحالية ومجموعة هذه الدول للتغطية على مخطط جديد اوطبخة معدلة ، والنظرة الى إعادة التموضع في هذه السياسات تشير إلى ملامح متعارضة المصالح والأهداف والتفاعل المعقد بينها في احيان كثيرة ومن المستبعد أن تزدهر الصلات بينهما شعبياً قبل أن تتوقّف تلك الحكومات عن النظر إلى العراق من خلال عدسة تغلب عليه اعتباراته الأمنية الخاصة والطائفية وكيفت اختراق التجانس المتوطن بين مكوناته بالاعتماد على الحكومة الحالية التي تفتقرالى القاعدة الشعبية وثبات الارضية وقد تحمل في طياتها محاولات وتوجيهات سياسية بما لا تخدم مصالح الشعب او قد تكبدها بمجموعة من القيود التي تتراكم كنتائج للتأثير والنفوذ ومحاولة افشال العملية السياسية.

عبد الخالق الفلاح – باحث وإعلامي