منذ سقوط النظام الصدامي الدموي اصبح هناك عرفا سائدا في توزيع المناصب الرفيعة في الدولة الجديدة, وبات كل طرف يستحوذ على احدى المناصب الثلاث (رئاسة الجمهورية والوزراء والنواب)وكأنه موروث واستحقاق ا جدال فيه ومن غير اي مسوغ قانوني او دستوري او حتى استفتاء شعبي … وبالشكل التالي… رئاسة الجمهورية للكورد ورئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة البرلمان للعرب السنة…. وبالرغم ان الشيعة والسنة استفادوا أيما استفادة من تولي هذين المنصبين الفعالين و تمكنوا من خلالهماتحقيق الكثير من المكاسب القومية والطائفية والفئوية الا ان الكورد كان ولا يزال هوالخاسر الاكبر من هذا التوزيع الكيفي ,مع انه كان لدوره ومن خلال تضحياته الجسام, التأثير الاكبرسواءا في عملية اسقاط النظام ميدانيا وفعليا او في قيادة المعارضة العراقية في الداخل والخارج ابان حكم النظام السابق, الا ان الحصيلة كان منصبا شكليا بروتوكوليا هشا وفارغا لا يقدم ولا يؤخر في شئ وكما يقول المصريين منصب(لا يهش ولا ينش) ولم يستطع ان يحقق للكورد اية مكاسب او حتى الاحتفاظ بالمكاسب المتحققة او العمل على تطبيق الدستور العراقي الذي صوت له ثمانون بالمائة من الشعب وذلك لضآلة صلاحيات هذا المنصب و محدودية تأثيره على مجمل السياسة العامة للدولة وبالاخص الداخلية منها التي تهم الكورد بدرجة رئيسية , وانا بتقديري الشخصي فان هذا المنصب لم يحقق الا بعض المكاسب الشخصية والطموح الجامح لبعض القادة الكورد في تولي هذا المنصب كحلم شخصي او كتعبير عن الحرمان من تهميش الكورد طيلة عقود من الزمن….. .
ان هذا الوهم الهدام الذي سلب ألباب وتفكير اهم قائد كوردي وهو المناضل مام جلال الذي تطلب منه توجيه جل اهتماماته ووقته لمستلزمات والتزامات هذا المنصب والتفرغ لمدة ثماني سنوات للايفاء بمتطلبات هذا المنصب البروتوكولي التمثيلي والعراقي بامتياز مما ضيع عليه فرص مهمة في الالتفات الى ما يجري في كوردستان سواء داخل حزبه او في التاثير على الوضع الكوردستاني الداخلي الذي كان يتطلب عملا دؤوبا وشاقا من اجل تقوية صفوف الاتحاد الوطني وتربية وخلق كوادر حزبية جديدة للعمل السلمي والمدني الذي يتناسب مع الوضع الجديد بعد سقوط النظام وتسلم السلطة الفعلية في كوردستان والتخلي عن الاساليب القديمة في تربية وتهيئة الكوادرالنضالية لظروف العمل السري او القتال في الجبال…. تلك الكوادر الجديدة و التي من المفترض انتكون بدائل جاهزة للمستقبل ليحلوا محل الكوادر القديمة سواءامن القيادات العليا او المستويات الادنى التي ستترك هذه المواقع و المناصب بفعل تقدم العمر او المرض او الوفاة … كل هذا قد فسح المجال واسعا امام الجانب الاخر المنافس ان يتصرف بالضبط بالضد من هذا التوجه والتركيز على الوضع الكوردستاني ولملمة شمله وتقوية مراكزه القيادية والسيادية والبرلمانية بل وحتى على مستوى الشارع الكوردستاني وبغض النظر عن الوسائل المتبعة لبلوغ هذه الاهداف….و كانت النتيجة واضحة في تقدم هذا المنافس اشواط كبيرة في ظل تقهقر الاتحاد اضافة الى الانقسامات الحادة فيه الواحدة تلو الاخرى كانشقاق المرحوم نوشيروان مصطفى وتأسيسه لحركة جديدة(التغيير) وتذبذب بعض القيادات الاخرى المهمة وتسلل بعض القيادات الى صفوف الجانب الآخر… وتوج هذه النكسة بوفاة الزعيم الأوحد للاتحاد المرحوم مام جلال مما ترك فراغا واسع النطاق لم تسد لغاية هذا اليوم اضافة الى الصراعات الداخلية في عائلة الرئيس نفسه, والتي كادت ان تصل الى حد التصفيات الحزبية والتهديد والوعيد والاقصاء بين ابناء واقرباء الرئيس مام جلال.
…. ان مجمل هذه الاحداث والتوجهات في التحليل النهائي قد ضيع على الكورد فرص ذهبية لم يستطع استغلالها كونه كان يتسيد الموقف السياسي ويسيطر على توجيه الاحداث والمجريات لانها كانت الجهة الوحيدة المنظمة والقوية وتمتلك قوة سياسية وعسكرية جاهزة ومتمرسة ….. في الوقت الذي كان الجانب العربي غارقا في تناقضاته وخلافاته التاريخية الموروثة منها والمستجدة…. وكان دور المرحوم مام جلال ومن من خلال كاريزما شخصيته المعروفة ومنصب الرئاسة هو محاولة لم الشمل العراقي واعادة اللحمة والانسجام الى المكون العربي المتشذرم … والتي حينما تقوى عودها وتتوحد ولو شكليا يكشر عن انيابه للكورد ويحاول التنصل عن المكتسبات الكوردية وكأنها منية وهبة من الاخوة العرب للكورد متناسين ان الكورد كشعب وكحقوق هم الاقدم تواجدا في بلاد الرافدين من العرب انفسهم والاكثر استحقاقا لكل الحقوق التي يجب ان يتمتع بها اي شعب بدءا من الحكم الذاتي والى حق تقرير المصير وانشاء الدولة الكوردية المرتقبة حالهم حال كل شعوب الارض قاطبة .
ان التنصل عن كل الاتفاقات والالتزامات الدستورية بالاخص في تطبيق المادة 140 كان ديدن العرب بسنتهم وشيعتهم والى يومنا هذا , بل قد وصل الامر الى بعض الوجوه الشيعية المعروفة بعداءها للكورد( كحنان الفتلاوي) مثلا بالتفاخر وامام الاعلام بانها قد عملت وبقصد وباصرار وتحدي على تاخير واحباط تنفيذ المادة المذكورة من دون اي وازع او خوف من المحاسبة والمساءلة …..وفعلا لم يستطع الرئيس مام جلال حتى توجيه لوم او عتاب ولا أقول المحاسبة القانونية المفترضة كونها ساهمت مع مثيلاتها في اشعال فتيل خلاف بين مكونات الشعب لم ينطفئ أوارها وآثارها المدمرة الى يومنا هذا.
وبالعكس من هذا كله فلو حاول الكورد الاصرار على التمسك باحدى المنصبين الآخرين(مجلس الوزراء التنفيذي او مجلس النواب التشريعي) او على الاقل السعي لاشغال بعض الوزارات المهمة كالداخلية والعدل والدفاع او الامن الوطني فان ذلك كان سيغير الكثير من المجريات لصالح الكورد وبالذات فيما يخص تحقيق اهداف الكورد الرئيسية والحيوية المهمة ورفع الظلم والحيف التاريخي عن الكورد وبالاخص فيما يخص ارجاع المناطق الكوردستانية المعربة الى الجسد الكوردستاني ورفع الحيف التاريخي الذي لحق بكورد هذه المناطق التي كانت محرقة لهم ايام صدام مثلما هي حسرة على قلوبهم اليوم ان يتنفسوا الصعداء بل ومحرومون حتى من ان يرفعوا صوتهم عاليا او يتفاخروا بعلمهم او نشيدهم الوطني كما هو متاح بقية مكونات كركوك والمناطق المعربة… وهم ليسوا في واقع الامر سوى أسرى ومواطنون من الدرجة الثانية او الثالثة في ارض آباءهم واجدادهم, وفي بلد يقال عنه ان رئيسه كورديَ!!!!!.
والآن لنعرج قليلا على ما( تحقق) للكورد بفعل هذا المنصب الوهمي والواهي….لم يطبق اي نص من بنود المادة 140 الدستورية التي كان من المفترض ان تكون كل بنودها قد نفذت بنهاية عام 2007 التي كانت تتالف من تطبيع الاوضاع واعادة الوحدات الادارية المنسلخة من كركوك كجمجمال ودوز وكفري وكلار…. وارجاع المستوطنين الذين جلبهم صدام من الوسط والجنوب الى اماكنهم الاصلية واجراء الاستفتاء في كركوك حول تابعية المحافظة ….ومام جلال بكل وزنه وعظمته لم يستطع حتى من اعادة الوحدات الادارية الكوردية الى كركوك حتى…
و في عهدالدكتور فؤاد معصوم الذي كان مشغولا بتعيين بناته مستشارين له اكثر من انشغاله برفع الحيف عن الكورد وكوردستان..
وفي عهد الدكتور برهم صالح الذي جاء للمنصب وهو يوعدنا بالكثير الكثير من المكاسب وعلى رأسها تنفيذ المادة 140 لم نجني منه نحن اهل كركوك سوى الكلام المزوق والمنمق لا غير .
والان بعد كل هذه التجارب المرة التي تم سردها لايزال التنافس على أشده بين الحزبين على هذا المنصب الخاوي وكأن كل مشاكل الكورد ستنتهي اذا ما تقلد( كوردي آخر هذا المنصب الفاخر)
صفوت الجباري
21 شباط 2022
safwatjalal@hotmail.com
اصبت كبد الحقيقة بهذا المقال والتحليل الكافى والوافى ولكن ومع كل الاسى والاسف لا حياة لمن تنادى علة الكورد خلافاتهم وصراعاتهم الداخليه والسبب فى كل ما حل بهم من محن وكوارث عبر تاريخهم الدامى والمجيد تحية للكاتب
مثل الكرد الذين يهرعون الى بغداد العروبة والاسلام من أجل المنصب والمال والجاه ضاربين عرض الحائط مصالح كردستان، كمثل الحمار يحمل اسفارا، الا بئس مثل القوم الخائنين. ولو أنهم بقوا في كردستانهم وعملوا من أجلها لكان خيرٌ لهم, ولكن اكثرهم لا يعقلون وهم عن الشعور القومي والوعي الوطني بعيدون!
ان العمل السياسي عبارة عن خطوات تلي بعضها البعض في الزمان والمكان المناسبين. ان الخطوة الاولى هي اهم الخطوات قاطبة. فعندما ذهب بعض الكرد الى بغداد في 2003 بدون اية شروط، فان هذه الخطوة كانت خطأ في خطأ! بل انها كانت حماقة وجريمة وخيانة في نفس الوقت. عادوا اذن الى الصف الوطني العراقي؛ فبدلا من أن يجلسوا مع الامريكيين مقابل العراقيين، جلسوا مع العراقيين مقابل الامريكيين. كان من المفروض ان يقولوا بانهم لا يثقون بالعراقيين لان لهم تجارب سابقة مريرة قوامها الغدر والنكوث بالوعود والعهود، وعليه نريد ضمانات واتفاقيات محددة اولها ترسيم حدود كردستان والتي هي من جبال حمرين الى ابراهيم الخليل حيث الحدود الرسمية التركية. لكنهم لم يفعلوا وأجّلوا الامور الاستراتيجية اهمالا كاملا بقصد ونية ومع سبق الاصرار والترصد. اذ ان همهم الاول والأخير كان المنصب والمال لا غير. فهؤلاء لم يكونوا كردستانيي الفكر والشعور ولا حتى ليوم واحد، وما الشعارات التي كانوا وما زالوا يطلقونها بين الفينة والاخرى حول الحقوق القومية الا شعارات زائفة ليس الا للاستهلاك المحلي لا غير. المشكلة فينا وليس في الاعداء، فالاعداء لا يتغيرون من تلقاء انفسهم وانما لا بد من القوة والارادة والمعنويات العالية والعقل المستير والسياسة الصائبة والاخلاص للقضية بروح عالية ومتفانية. وهذه الصفات والسمات والاخلاقيات لا وجود لها لدى الذين يحكمون الجنوب الكردستاني بالقوة الغاشمة والمال المسروق.