اوکرانیا صراع المصالح وحرب الثقافات – جعفر مایی

 

اوکرانیا نالت استقلالها التام بعد اعتراف روسیا بها عام ١٩٩٧. بعد عقد و نصف من الاعتراف بدأت الخلافات بین الدولتین. معظم الخلافات کانت و لا زالت ذات طابع امنی، وإن کانت تبدو علی شکل آخر. فالدولة الروسیة هی النقیض من الدولة الامریکیة التی تمارس سیاسة الهیمنة علی العالم. روسیا هی الدولة المتبقیة من الاتحاد السوڤیتی الذی کان ینافس الهیمنة الامریکیة والاقتصاد الرأسمالی بالنظریة الاشتراکیة وما لها من الارکان فی ابعادها الفلسفیة و الاجتماعیة و الاقتصادیة. هذا الامر یعکس معنی الاختلاف الثقافی و ما یترتب علیه من صعوبة التفاهم الامر الذی یجعل اللجوء الی العنف ضرورة بدیلة عن الدبوماسیة.

الصراع الدائر الآن بین روسیا و اوکرانیا اراه صراعا امنیا بالدرجة الاساس. الاعتراف الروسی تحت قوة السلاح باستقلال اقلیمین من اقالیم اوکراینا کدولتین مستقلتین؛ یکشف بوضوح الجانب الامنی من الصراع الروسی الاوکرانی. استقلال الاقلیمین یجعل اوکرانیا تفقد موقعا استراتیجیا من حیث الدفاعات العسکریة. و بمساعدة روسیا ینال الاقلیمان دونباس و دونیتسک استقلالهما فتنشأ دولتین صدیقتین و جارتین لروسیا.  تضمن روسیا بذلک جزءا مهما من امنها بشکل افضل خاصة بعد ان کشفت اوکرانیا نوایا التقرب الی حلف شمال الاطلسی.

رغبة زیلینیسکی فی التقرب الی الغرب و الانضمام الی الناتو کان بمثابة القفز علی الخط الاحمر الروسی. الدولة الروسیة وهی حاملة الارث السوفیتی ذلک الإرث المشبع بفلسفة  و فکر حفر مسار فی العالم جعل العشرات من الدول بشعوبها ترقص عشرات السنین علی انغام الاشتراکیة التی کانت تبدوا وکأنها مستقبل البشریة فی عقول و ضمیر البعض من فقهاء الفکر و الفلسفة. ربما کان آنذاک زیلینیسکی طفلا لم یشم رائحة الحریة و الاشتراکیة السوڤیتیین. الامر الذی جعله لا یری الخط الاحمر الروسی الرافض لوجود للناتو علی حدود الدولة الروسیة. لم یفهم هذا الرجل خطورة هذا الامر حتی اندلعت الحرب. عندها و قبل ان تکمل هذه الحرب اسبوعین من عمرها تنازل الرجل عن رغبته فی الانضمام الی الناتو. لکن یبدو ان الوقت قد تأخر.

المصالح بین الدول تنشأ علی اسس من الصداقة والمنافع المشترکة. علاقة الجوار تعزز هذه العلاقة وتنمیها لکنها ان شابتها شائبة کیفما کانت ضئیلة فإنها تٶثر علی مجمل العلاقات الطیبة القائمة ذلک لأن الهاجس الامنی یمکن ان یخترقها. الدولة الاوکرانیة هی جارة للدولة الروسیة. الدولة الاولی فی ظل رئاسة رئیسها الحالی الذی هو فی الاساس فنان ولیس بسیاسی یفضل بناء العلاقات التجاریة و غیرها من العلاقات مع الغرب بدلا من الدولة الروسیة الجارة له. هذا الامر اثار مخاوف و هواجس امنیة لدی موسکو. الامر الذی تطور فبلغ حدا ان طلبت روسیا ضمانات امنیة متمثلة بعدم دخول اوکرانیا حلف الناتو. ولکی یحصل هذا الامر قامت  الدولة الروسیة ببعض العملیات العسکریة قد تقلب نظام الحکم فی کییف العاصمة الاوکرانیة. هذا مایبدو علیه مشهد الصراع فی الحرب الدائرة فی اوکرانیا حتی الآن. لکننی اری بأن هذا المشهد یخفی نوایا غربیة مبیتة للدولة الروسیة. قد اناقش ذلک الامر فی مقال قادم.

5 Comments on “اوکرانیا صراع المصالح وحرب الثقافات – جعفر مایی”

  1. كاك جعفر مایی المحترم
    تحية
    أحسنت اختيار الموضوع وأبدعت في التعبير عنه
    أتطلع الى قراءة مقالك القادم
    للاطلاع
    https://scontent-lcy1-1.xx.fbcdn.net/v/t39.30808-6/275268916_339951261403913_194330913312180159_n.jpg?stp=dst-jpg_p526x296&_nc_cat=105&ccb=1-5&_nc_sid=e3f864&_nc_ohc=BRoWPEy3ZCgAX8DuA_Y&_nc_ht=scontent-lcy1-1.xx&oh=00_AT_8whFoQGzYzkggnaqUoehJSAhOb6026y53Ol1aVQMiIg&oe=622DD3AF
    Muhamad Tawfiq Ali
    Also refugees from Russian occupied Syria
    محمد توفيق علي

    1. استاذی الفاضل محمد توفیق علی
      اشکرکم جزیل الشکر علی تعقیبکم. و ساحاول جاهدا الولوج الی الموضوع من خلال اکثر من باب و منفذ و زاویة. خاصة للموضوع بعده العالمی، و نحن الکورد جزء من هذا العالم.

  2. صحيح ان زيلينسكي الرئيس الاوكراني فنان ولكنه ايضا محامي بالاساس كتحصيل جامعي, ويعتبر شجاع جدا مقارنة بالسياسين, مثلا هو يساوي اكثر من الف اوجلان, الذي كان قبل اعتقاله يخون كل كوردي لا يرفع شعار كوردستان مستقلة, وبمجرد ان القي القبض عليه اصبح تركيا واعتذر رسميا امام المحكمة الى امهات قتلى الجيش التركي بينما لم يزل لم يعتذر ولم يقدم اي اعتذار الى امهات الشباب الكورد الذين التحقوا بصفوف حزبه و قدموا دمائهم و ارواحهم من القضية العادلة التي يؤمنون بها هؤلاء الذين دفع بهم الى الموت على مدى اكثر من 3 عقود, لا اوجلان ولا حزبه ما زالا لم يقدما ذلك الاعتذار , في السياسة عندما تخطئ فيجب ان تتحمل وزر خطئك و تبعاتها, وخاصة عندما تكون انتائج تلك القرارات السياسية كارثية و فظيعة . فالبرزاني بالرغم من كل انتقاداتي له في معظم ادائه و قراراته السياسية الا انه تحمل بكل شجاعة و رجولة وانسانية تبعات الحرب بين الاخوة مثلا واعتبرها نقطة سودار واعتذر عنها رسميا, فهل اوجلان و حزبه قادرون على اتخاذ خطوة شجاعة مثل البزاني… ؟؟؟
    ان كل ذلك التنازل والرخص امام القاضي التركي من اجل ان يتجنب اوجلان الموت و عقوبة الاعدام, في حين ان اولئك الذين من ينتقدهم اوجلان و حزبه بانهم ذوي خلفية دينية و شيوخ (شيخ سعيد مثلا) فأؤلئك لم يتنازلوا عن فكرهم من اجل تحرير كوردستان امام القاضي التركي, بل ان الاتراك ارسلوا له خبرا بان يقول انه تركي ويقدم اعتذاره فسوف يخفونوا حكم الاعدام عليه الى المؤبد او النفي, فرفض في حين قبل اوجلان الجبان خوفا من الموت , هل ترى الفرق وتقدره ؟
    بل ان احدث طرهات اوجلان الفكرية اصبح يخون من ينادي بالدولة القومية و ان الزمن قد عفى على الفكر القومي. فهو لم يصل الى العنب فادعى بانه حصرم. هو حزبه يتغون بكلمة (الديمقراطية) في كل مناسبة وغير مناسبة ويزينون حفالاتهم و افراحهم و جمعياتهم و اسماء حراتهم و احزابهم و حتى بلوعات حارتهم وكهاريزهم بلاحقة (الديمقراطي) بينما لو عشت في غرب كوردستان سوف ترى ديكتاتوريتهم و عنجهيتهم وتسيلطهم و حقارتهم في التعامل مع القوانين التي وضعوها هم بانفسهم .
    هذا مثال واحد عن زعيم كوردي سياسي يمارس السياسة على الاقل منذ 1978 و بين الرئيس الاوكراني زيلينسكي الذي جاء الى الحكم عن طريق صناديق الانتخابات ولا احد يستطيع ان يجادل في شرعيته بينما الاخر شرعية مفقودة حتى ايام عزته و قوته ومجده يوم كان في حضن الاسد في دمشق.
    يقول المثل ( يا ما وردة تخلف شوكة, ويا ما شوكة تخلف وردة)

    و دمتم بخير

    1. رێزان العزیز/ العزیزة
      بعد خالص احترامی
      الشیء الذی لا افهمه هو لماذا اخترت التعقیب علی مقالی منفذا للولوج الی موضوع اجلان. ولم یکن ذلک بموضوعی. اکرر کامل إحترامی.

      1. تحية طيبة لكم السيد جعفر مايى
        وانا ايضا بعد ان ارسلت التعليق شعرت باني قد وقفت كثيرا على اوجلان اكثر من النقطة التي كنت قد بدات بها التعليق على المقال, ونقطتي الاساسية حول الخلاف في المقال هو شخصية الرئيس زيلينسكي هل نحكم عليه من باب الترفيه (المهنة التي كان يشتهر بها) ام نحكم عليه من باب المحامي (الديبلوم الذي لديه) ام من باب رئيس اوكرانيا الذي لم يتنازل لروسيا لغزو دولته … ؟
        فانا اعتقد ان زيلينسكي ليس بذاك ليس برجل الترفيه و لا بالممثل الكوميد في هذه الحرب بل شخصية شجاعة تستحق كل الاحترام. ومعظمنا قد رأى كيف بان عدد من الممثلين الاشخاص من مجال الترفيه كانوا قد سافروا الى جزر منعزلة او بقوا على قواربهم في المياه خلال فترة كورونا لخشيتهم من المرض, هو كان من باب المقارنة بين شخصية ممثلهم الكوميدي و زعيمنا السياسي.
        اما فيما يخص النقاط الاخرى والتي قد ذكرتموها, فاني اتفق معها وانه هناك نقاط و تقاطعات تاريخية لا يمكن القفز فوقها بسهولة. واعيد واكرر كان تعليقي من باب ما تفضلتم به بالقول: (… الدولة الاولی فی ظل رئاسة رئیسها الحالی الذی هو فی الاساس فنان
        ولیس بسیاسی یفضل بناء العلاقات التجاریة و غیرها من العلاقات مع الغرب بدلا من الدولة الروسیة الجارة له… ).

        بل ان الجانبين الغربي و الروسي كليهما لديهما اخطاء و يتحملان وزر هذه الحرب التي يدفع الشعب الاوكراني ثمنها وحدهم, فالغرب نتيجة عدم الالتزام بتعداته وروسيا نتيجة عدم قدرتها على طي صفحة الحرب الباردة و قناعتها بانها هزت والتقدم الى الامام بدل الحنية والشوق الى طربوش الاغا (كما يقول الكورد). وانا مع ايقاف هذه الحرب الان وان الاتفاق السياسي يمكن ان يحل
        الامر.

        Bimînin xwerş-bar

Comments are closed.