الجواب المباشر والبسيط على هذا التساؤل: “نعم” كان بإمكان الأطراف المعنية بتجنب هذه الحرب، والتي أنا أسميها غزو وعدوان روسي على أوكرانيا، وهذا هو إسمه الحقيقي، ولا يختلف عن الغزو والعدوان التركي على مناطق واسعة من غرب كردستان. السؤال كيف كان بإمكان الأطراف المعنية تجنب هذه الحرب، هذا هو موضوع مقالنا اليوم.
أنا أجزم وبشكل قاطع أن الأطراف المعنية ونقصد بذلك حلف الناتو متمثلآ بالولايات المتحدة الأمريكية والعربات الأوروبية المحلقة بالقطار الأمريكي من جهة، ومن الجهة الأخرى الدولة الروسية، التي إختزلها حضرة بوتين في شخصه. كانوا يعلمون بمفاتيح الحل والتصاعد معآ، وهم أنفسهم الذين يملكون هذه المفاتيح وليس سواهم.
النزاع الأمريكي – الروسي حول شرق أوروبا ومن ضمنها أوكرانيا، قديم قدم إنهيار معسكر وارسو، الذي خلف إنهيار جدار برلين. والخطوة التي فجرت وصعدت من الأزمة، في الواقع كانت دعوة الطرف الغربي، أي حلف شمال الأطلسي، عندما دعى في إجتماعه “ببوخرست” عاصمة رومانيا، قبل حوالي (14) عامآ، كل من جورجيا وأوكرانيا للإنضمام للحلف، الذي لا أرى سببآ أو مبررآ لوجوده بعد زوال حلف وارسو قبل عشرات السنيين.
منذ ذلك التاريخ وروسيا تكرر وبصوت عالي، ضرورة توقف توسع حلف الناتو شرقآ، ومع ذلك لم يأخذ حلف الناتو التحذيرات الروسية على محمل الجد، ولا تخوفاتها ولا حاجاتها الأمنية، ولم يأخذ الحلف أي خطوة عملية وجادة لتخفيف التوتر بين الطرفين. وحتى بعد التدخل الروسي الفج والخشن في جورجيا، والتي دفعت ثمنآ باهظآ بسبب سعيها للإنضمام للناتو. ولم تأخذ أمريكا حاجات روسيا الأمنية بعين الإعتبار، وإستهتر القادة الغربيين بالردود الفعل الروسية، وأهانوها بشكل مذل بسبب وضعها المخلخل بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي.
والجميع كان يدرك أن الأمور تتجه نحو الهاوية في أوكرانيا، ما عدا الرئيس الأوكراني الساذج السيد “زيلنسكي”، ولم يفعلوا شيئ لتجنب الكارثة، السبب في ذلك لأن مصير أوكرانيا وشعبها لا يهم الغربيين، أووكرانيا مجرد ورقة بالنسبة لهم، حالها حال سوريا وغيرها من البلدان.
على الرغم من أن الروس وعلى رأسهم “بوتين”، أكدوا وبشكل قاطع أنه لا مجال لإنضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وهذا خط أحمر يمس الأمن القومي الروسي بشكل مباشر وهذه حقيقة، لكن الروس من جانبهم لم يقدموا أي جذرة لأوكرانيا، ولا نموذج إقتصادي وسياسي وديمقراطي يقتدي به. القضية برأي لم يكن مسألة إنضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وإنما تحول أوكرانيا لبلد ديمقراطي مذدهر إقتصاديآ في حال تم قبولها في الإتحاد الأوروبي.لأن ذلك يشكل خطرآ أكبر على الطغمة الحاكمة الفاسدة في موسكو.
حسب قناعتي هناك ثلاثة عوامل دفعت الإمور للوصول إلى ما وصلت إليه وهي:
1- نفاق الغرب وتشجيعهم للأوكرانيين الإنضمام لحلف الناتو العتيد، وكانت سياسة حمقاء من جهتهم برأي.
2- سذاجة زيلنسكي وتصديقه أن الحلف الأطلسي سيقفذ فرحآ لضم أوكرانيا، بمجرد أن تتقدم بطلب العضوية. وجهله ثانيآ بألية الإنضمام للإتحاد الأوروبي ومعاييره. وإستخفافه بالتهديدات الروسية وقناعته لو شن الروس حربآ ضد بلده، سيهرع الغرب لحمايته وهذا وهم كبير.
3- حماقة بوتين، بسبب جنون العظمة الذي أصيب به الرجل، وعدم تقديره جيدآ للعواقب التي ستنتج عن غزوه لأوكرانيا كبلد مستقل، وظن أن الأمور ستمضي معه كما مضت في قضم القرم.
وعلى الجانب الأخر، وبغض النظر عن الأسباب التي قادت الرئيس زيلينسكي لتلك الحسابات الخاطئة، فإن النتيجة اليوم أوكرانيا تدفع الآن ثمناً باهظاً، وهذا الثمن سيتضخم مع إستمرار الحرب، وفي النهاية ستضطر القبول بحلول كان يمكن أن تتفادها، لو أنها قبلت بها منذ البداية وهي: عدم السعي للإنضمام لحلف الناتو. وثانيآ، توسيع الحكم الذاتي للمناطق ذات الأغلبية الروسية، وهذا كان غير مكلف بالنسبة لها ومقدور عليه. أما الأن ستفقد أوكرانيا المزيد من أراضيها في المنطقة الشرقية المحاذية لروسيا، بعدما إعترفت روسيا بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، وكما ستخصر الكثير من سيادتها.
والسيد بوتين من جهته، أخطأ أيضاً الحساب عندما ظن هو وجنرلاته أنهم بإمكانهم تحقيق نصر سريع وذو كلفة متدنية. روسيا لن تستطيع تحقيق كل ما تربو إليه، لا سيما فيما يتعلق بتغيير نظام زيلنسكي، ووضع أوكرانيا تحت هيمنتها الكاملة. الغرب لن يسمح لهم بذلك وسوف يفعل المستحيل لإفشال روسيا وإستنزافها في أوكرانيا، تمامآ كما فعل في سوريا. وشاهدنا ونشاهد كيف تتدفق الأسلحة والعتاد إلى أوكرانيا من قبل الغرب، وهذا أمر مفهوم ومفروغ منه في غمار الصراع المرير على النفوذ والمصالح.
وإتضح خلال الأسابيع الثلاثة الماضية من الغزو الروسي، أن حسابات النصر السريع لم تكن صحيحة، فأوكرانيا تمكنت بفضل الأسلحة المتطورة التي حصلت عليها من الغرب قبل وإبان الحرب، من إبطاء زحف القوات الروسية وإلحاق خسائر فادحة بها. وحسب رأي الأزمة ستطول وتصبح مزمنة دون حل وذلك لسببين:
السبب الأول: الغربيين يريدون إنهاك روسيا إقتصاديآ إلى أقصى حد ممكن، وتكبيدها خسائر بشرية وعسكرية قدر ما يستطيعون، وتلقينها درس قاسي جدآ، ومحاولة خلخلة النظام من الداخل. لأن الغربيين يؤمنون بأنه لو خرج بوتين منتصرآ سيفتح شهيته على قضم بلدان أخرى من المعسكر السوفيتي السابق.
السبب الثاني: السيد بوتين لا يستطيع العودة إلى الوراء، دون تحقيق ما وعد به الروس، إضافة للتكلفة الباهظة للحرب، نتيجة العقوبات القاسية التي فرضها الغرب على روسيا. فمصير الرجل وسمعته على باتت على المحك كزعيم قومي.
الحل؟
الحل كما هو معروف نهاية أي حرب هي المفاوضات السياسية، والحرب الأوكرانية لن تكون إستثناءً من ذلك. والمخرج برأي يمكن أن يكون في النقاط التالية:
1- أوكرانيا دولة محايدة على غرار السويد أو فنلندا.
2- منح الأقلية الروسية حكم ذاتي موسع.
3- تخلي أوكرانيا عن القرم رسميآ.
4- منح أوكرانيا ضمانات أمنية من قبل أمريكا (الناتو) وروسيا معآ.
5- إنسحاب القوات الروسية من كامل أراضي أوكرانيا.
6- وقف الحملات الإعلامية العدائية بين الطرفين.
7- رفع العقوبات الإقتصادية عن روسيا بالتدريج.
8- تعهد كتابي بقبول أوكرانيا في الإتحاد الأوروبي، عندما تستوفي شروط العضوية.
9- تعهد الناتو رسميآ وخطيآ بعدم التمدد نحو حدود روسيا.
10- التعهد بإعادة بناء أوكرانيا من قبل الأطراف المعنية ذاتها وهي (أمريكا، الإتحاد الأوروبي، روسيا الإتحادية).
في الختام، أرى أن هذا الحل أو المخرج هو أفضل من الإستمرار في هذه الحرب العبثية، والتي أضرت وتضر بكل العالم، وفي جميع مجالات الحياة. في النهاية نتمنى أن يسود العقل والحكمة وتحييد الرؤوس الحامية، وأول خطوة يجب القيام به هو وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات للمحتاجين في المناطق المنكوبة وبشكل عاجل.
وبهذه المناسبة أدعوا الغربين وكل الذين أدانوا الغزو الروسي لأوكرانيا، ويطالبون بسحب القوات الروسية منها وأنا معهم، أن يدينوا وبنفس القوة والصلابة الغزو التركي الوحشي والبربري للمناطق الكردية في غرب كردستان قبل عدة سنوات، والضغط على تركيا لسحب قواتها والمجاميع الإرهابية الإسلامية التي جلبتها معها، وإعادة الكرد المهجرين لديارهم، حتى نصدق هؤلاء أنهم فعلآ مدافعين عن الحق وحرية الشعوب، وليسوا تجار حروب.
21 – 03 – 2022