عسكرة المجتمعات.. نهاية حكوماتها!!- عبدالله جعفر كوفلي/ باحث أكاديمي

٢٢/٣/٢٠٢٢
العسكرة تعني الباس المجتمع الزي العسكري، وهي عملية تحول فئات المجتمع الى وحدات عسكرية وتحويل وتنميط سلوكه الى سلوك عسكري يختلف عن الطابع المدني العادي الغالب، بعبارة اخرى هي إشاعة الروح العسكرية وأيديولوجيته وزيادة تاثير المؤسسات العسكرية على الحياة الاجتماعية والمدنية.
العسكرة ظاهرة قديمة لها جذورها التاريخية ونزعة غائرة، وما لجؤ حمورابي سادس الملوك البابليين الى فرض التجنيد الإلزامي، وكذلك اسبارطة اليونانيين الى تغليب الروح العسكرية على الجانب المدني، الا بداية لهذه الظاهرة وليكونوا قدوة للقادة والروؤساء الذين جعلوا من هذه الظاهرة مدخلاً الى نشر رعب وارهاب الأعداء في نفوس شعوبهم وبضرورة اتخاذ هذه الخطوة، بل انها تمثل الحل الأمثل لحماية البلاد وحفظ الاستقرار والأمن فيه، ويشعر الجميع بأهمية دور العسكر وان يلعب هو دوره ضمن هذا التحول وان يكون فخوراً بذلك.
فرض الطابع العسكري على المجتمع، تعني ضرب اخر مسمار في نعش العملية الديمقراطية وتضييق الخناق على الحريات وتعليق دور البرلمان وبقاءه اسماً دون معنى وهيكلاً دون فحوى وتحويل المجتمع الى سجن كبير لا رأي فيه ولا ابداع او تفكير سوى التسابق الى من يكون الاكفأ عسكرياً وأكثر انضباطاً والتزاماً ومنفذاً للأوامر وفرضاً له.
العسكرة عملية ممنهجة ذات أسس تبدا عمودياً من ادنى الفئات العمرية الى أعلاها وأفقياً تشمل كل الفئات من النساء والرجال ليكون مجتمعاً ذات طابع عسكري في تفكيره وسلوكه وتصرفاته وقراراته.
لكي لا نذهب بعيداً، فان المجتمع العراقي كان وما يزال مثالاً حياً في تبني هذه الظاهرة بعد ما فرض عليه من قبل أنظمة حكمها وخاصة النظام السابق الذي عمل وجاهد في سبيل العسكرة إبتداءً من طلاب المدارس كطلائع وبعدها الفتوة والجيش الشعبي، ناهيك عمن استدعوا للحروب غير المناهية، فأصبح أصوات الاطلاقات ودوي المدافع ومشاهدة الأرتال العسكرية من السيارات والدبابات والمدرعات وعمل السواتر وساحات التدريب المخططة وصرخات الجنود في اثناءه إعلاناً بجمهوريتهم للقتال والفداء حالة مألوفة ومشاهد يومية.
استكمالاً لهذه العملية ودليلاً على عدم الإيمان بالحياة المدنية والبناء الديمقراطي والحرية في التفكير والرأي، فان النظام السابق لجأ الى تعين العسكريين من الرتب العالية في المناصب المدنية منهم المحافظين والدوائر الحكومية والوزراء والمديرين العامين، لان الامر ينفذ ولا يناقش في الحياة العسكرية، وأنهم اكثر إخلاصاً و ولاءاً للسلطة، كون المنظومة العسكرية العراقية كانت ولا تزال تفتقر الى الروح الوطنية، بل كانت اداةً بيد السلطة لقمع كل من يعارضها ويقف في طريقها، لذا كانت فوهات بنادقها ومدافعها موجهة الى ابناء شعبها قبل غيرهم.
كان الأمل معقوداً ان ينتهي الشعب العراقي من هذه الآفة المميتة بعد عملية تحرير العراق في عام ٢٠٠٣، الا ان الحكومات التي تلتها عمّقتها وشملت كل مرافق الحياة، رغم المحاولات الجادة للبناء الديمقراطي ونشر الحريات العامة.
ان القراءة السريعة للأنظمة السياسية التي اعتمدت في بقاءها وديمومتها على عسكرة المجتمع وزرع الروح العسكرية بين ابناءها لا تدوم طويلاً بل تنهار وتنتهي عند ادنى اهتزاز وارتجاف لتنقلب الموازين ويتحول مخلصها الى منقلبٍ عليها سواء بالولاء لها او استخدام العنف ضدها، لتبدأ الترسانة العسكرية تنهار امام صرخات الشعب، لتنتهي النظام باكمله، خاصة تلك الشعوب التي ترى ان بناء المنظومة العسكرية وتطورها كانت على حساب حقوقه وأمواله وأمنه وحياته، وهذا يدل على ان القوة العسكرية ليست لوحدها كفيلة بحماية الدول وبقائها، بل لا بد من دعائم اخرى سياسية وعسكرية واجتماعية وثقافية.
والسؤال الذي يفرض نفسه، الى اي مدى اعتبرت الأنظمة الحالية وخاصة في العراق من اقصاه الى اقصاه من اسباب انهيار النظام السابق من عسكرة المجتمع وأخذت التجربة منه؟ وما هي الفائدة المرجوة من تبني هذه الظاهرة؟
أخيراً يمكننا ان نقول، بان الحكومات العراقية لا تزال تعتمد على هذه الظاهرة وان كانت تحت مسميات عديدة، فلا يزال المظاهر العسكرية قائمة في كل مكان من الأرتال وعرض القوة وحمل السلاح و وجود الميليشيات وإصدار البيانات من الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون و وجود الثكنات العسكرية داخل المدن وسيطرة العسكريين والأمنيين على مفاصل الحياة اليومية للمواطنين العزل بالرغم من اظفاء بعضعها الطابع السياسي على نفسها مع الاحتفاظ بسلاحه يرجع اليه عند الحاجة.
هذه الظاهرة خطيرة في أهدافها وسبل تحقيق مآربها، وقوة تأثيرها وردة فعل المواطن منها، وانها تمثل الحل الأخير والنهائي بيد الأنظمة الحاكمة لفرض سيطرتها ونفوذها، فكم من حكومة دفعت ضريبة إطلاق يد العسكريين ليفعلوا ما يريدون بالشعب وانهارت امام قوة الشعب المتكاتف والمتوحد للخلاص منهم.
وسؤالنا الأخير، أين نقف نحن في اقليم كوردستان حكومةً وشعباً من هذه الظاهرة؟ خاصةً ونحن من اكثر الشعوب في العالم ضحيةً لعسكرة المجتمع وذقنا مراراتها، بل كان العسكر شبحاً مخيفاً مرعباً ضارباً كل آمالنا وحقوقنا بأرجله وداساً عليه.
فالعبرة لمن يعتبر!!!