عندما لا تصغي القيادة السياسية!!- عبدالله جعفر كوفلي/ باحث أكاديمي

٢٧/٣/٢٠٢٢
القادة والروؤساء وجدوا منذ وجود الانسان والعيش ضمن الجماعات، فلابد لأية جماعة مهما اختلفت تسمياتها ان تكون لها قيادة تستطيع التأثير على أفرادها، ويجعلهم يرغبون في تحقيق أهداف تلك الجماعة، القيادة قد تكون بشكل جماعي كالمجلس او فردي( قائد) ويتم الاتفاق على اُسلوب اتخاذ القرارات المصيرية، القائد الفعّال هو الشخص الذي يمتلك القدرة على التأثير في أفراده المروؤسين ويوجههم الى طريق تحقيق اهدافهم العامة المشتركة.
القيادة أمانة ومسؤولية، لانها تقرر مصير شعبها بتوفير الامن والاستقرار والازدهار والعيش السعيد او ادخالها في دوامة الصراعات والحروب والمتاهات والأنفاق المظلمة، اعتماداً على قدرتها في استعاب الأمور والأحداث والتأثير فيه وإبعاد شرورها من شعبها.
كم من شعبٍ كان ضحية عدم فهم قيادتها للأمور ولعبت بمصيره بقرارات مصيرية مؤثرة بالإعلان عن حربٍ او صراعٍ يكاد الخروج منه صعباً وشاقاً، ناهيك عما لهذه القرارات من تداعيات وأثار تبقى لفترات طويلة.
من المفترض ان تكون علاقة القيادة مع الشعب جيدة ومتواصلة وفق طرق معينة مبنية على أساس التعاون والحفاظ على وحدة البلاد وأمنه وتنميته، لانه لا يمكن تصور وجود شعب دون قيادة او قيادة بدون شعب، والشعب هو مصدر السلطة والقيادة، فعلى القيادة ان تعمل ما بوسعها في سبيل شعبها، وان تصغي الى ما يعانيه من نقص في الخدمات وما له من اقتراحات ومشاكل ومعوقات، وما يهدد البلد والقيادة من مصادر وقلاقل.
ان تعنت القيادة وإصرارها على موقفها تجاه القضايا المهمة دون الإصغاء الى ما يرد اليها من معلومات سرية والاهتمام بها وأخذها محمل الجد سواء من اجهزتها الامنية والاستخباراتية او من أفرادها المخلصين الذين يحصلون عليها بحكم عملهم وعلاقاتهم، دليل على عدم سلامة الاتصال وصحة العلاقة.
ان الكثير من الأنظمة السياسية أصبحت ضحية إصرارها على موقف وتشبثها بقرار دون الاهتمام بما يرد اليها من معلومات والانكى من ذلك تأكيدها على عدم صدق المعلومات المرسلة والتشكيك باخلاص أفرادها واجهزتها وان الوضع تحت السيطرة ولا يزال النظام بخير ونسبة ولاء شعبها له مرتفعاً وما يقال مجرد اقاويل ومحاولات لزرع الفتنة وعدم الثقة، كل واحدٍ منا يحمل في ذاكرته اسم اكثر من نظام ذهبوا ادراج الريح بعدما لم يصغوا الى قاعدتها الجماهيرية.
في العراق يبدو هذه الظاهرة اكثر وضوحاً وتأثيراً لكثرة التحولات السياسية فيها، ناهيك عن طريقة وصول اشخاص عسكريين الى دفة الحكم بالانقلابات، ومن طبيعة العسكري الصرامة والشدة وتنفيذ الأوامر الصادرة اليه دون مناقشة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فان المعلومات التى وصلت الى ملك العراق فيصل الثاني و وصييه عبدالإله ورئيس الوزراء نوري السعيد من الامن العام والناس العاديين كانت كافية لافشال انقلاب ( ثورة) ١٤ تموز ١٩٥٨ اذا استثمرتها وأخذتها بجدية، مثلاً يقول ( توفيق السويدي/ وزير خارجية العراق في العهد الملكي ورئيس الوزراء لمرات عديدة) يقول في مذكراته(إهمال قاتل، فان الحكومة الراهنة لم تكن مكترثة بما كان يهدّدها، إليك البيان:
– ذكر الملك حسين ملك الاردن في مذكراته ان اخبار موثوقة وصلته، دلت على وجود جماعة من الجيش العراقي يجري تنظيمها وتوضيب جهودها للقيام بانقلاب ضد النظام….
– ذكر عدنان مندريس بحضور سفير العراق في انقرة نجيب الراوي لنوري السعيد عندما كان الأخير موجوداً في إستانبول قبل انقلاب تموز بأكثر من شهر، ان معلوماتهم الموثوقة تبين بوضوح ان انقلاباً عسكرياً يجري إعداده بالجيش العراقي، بقصد ازالة النظام الراهن في العراق، فكان جواب نوري السعيد مشوباً بعصبية: ان هذه المعلومات غير صحيحة وانه لا يصدق اي شيءٍ منها.
– ذكر احمد مختار بابان رئيس وزراء العراق الى يوم ١٤/ تموز / ١٩٥٨، بان بهجت العطية مدير الامن العام، جاءه يوماً قبل ١٤/ تموز بثلاثة او أربعة ايام، وقدم له تقريراً مهماً ضمنه معلومات عن حركة بعض الضباط الأحرار، وقد سمّى بعض الأشخاص، وان انقلاباً عسكرياً قريب الوقوع، بعد مطالعته للتقرير ذهب مع مدير الامن العام الى البلاط الملكي وعند دخوله لمكتب رئيس الديوان فوراً، وجد نوري السعيد هناك وسلّمه التقرير وبعد قراءته…..
هذه الأدلة والتقارير وغيرها الكثير كانت كافية لاتخاذ الإجراءات والتحوطات اللازمة لمنع وقوع الانقلاب وما جرى من بعدها من احداث وقتل وسحل ودمار.
في الختام نقول بان القيادات السياسية الحالية، الى اي مدى تأخذ من الماضي الدروس والعبر، ام انها تصر على موقفها وقراراتها، لتصورها بان الانصياع الى الآخرين تعني الضعف والوهن وفقدانها لصرامتها وقوتها.
قبل سقوط مدينة الموصل بيد داعش الإرهابي عام ٢٠١٤ كانت المعلومات المتوفرة عن تحركاتها كافية اذا ما كانت محل اهتمام الحكومة الاتحادية، منها اتصال السيد( مسعود بارزاني) بالسيد( نوري المالكي) حول تحركات داعش وتخطيطها للهجوم على المدينة، لمنع وقوع الكارثة التي حلت بها من قتل وتشرد ودمار.
مصير الأنظمة الحالية لا تكون باحسن من سابقاتها اذا سلكت طريقتها في التعامل مع ما يرد اليها من معلومات تُهدّد وجودها، فإذا أشعلت النيران فانها تأكل الأخضر واليابس، فحينها لا تنفع الندم، خاصةً نحن في زمن التطور التكنولوجي الذي يسهل الوصول بالمعلومات الى القيادات العليا.