هل تعدد المراكز النقابية يخدم الشغيلة ووحدة العمل النقابي ؟    –  مصطفى محمد غريب

ان أهمية اول أيار يعني في المقدمة أهمية وحدة العمل والعمال ودفاعهم عن حقوقهم وبضمنها العمل النقابي، وايار يبقى نبراساً لنضال الحركة النقابية تحت شعار وحدة العمل والإرادة وهذا ما تحتاجه الحركة النقابية العراقية في الظرف الراهن والذي يخدم توجهات شغيلة اليد والفكر من اجل حرية العمل النقابي وبناء الدولة المدنية الوطنية .

أيار العيد الاممي الذي يُكرس لذكرى الحقوق المشروعة لشغيلة اليد والفكر حيث تحتفل به البشرية التقدمية، مازال الحافز في العمل والتفاني لخلق أوضاع إنسانية الشغيلة وأماكن العمل وللحقوق النقابية المشروعة المنصوص عليها في القوانين الدولية والمحلية ، قوانين انبثقت بفضل النضال الطويل الذي خاضه العمال مقدمين التضحيات الجسام مستقبلين الرصاص الرأسمالي الذي أطلق على صدورهم منذ اول حركة نقابية عمالية ، ولا يمكن أن ينسى شغيلة العالم قضية  (هايماركت ) والاضراب العام في شيكاغو في الولايات المتحدة الامريكية ، حيث الموقف الاممي المتضامن مع ضحايا شيكاغو الذي تجسد في اختيار الأول من أيار تخليداً لأولئك العمال وقياداتهم الذين سقطوا من اجل الحقوق والمطالب المشروعة، تحديد ساعات العمل بثماني ساعات يومياً وتحسين ظروف العمل ومطالب بسيطة إلا ان طغاة الرأسمال الأمريكي وجدوا في هذه المطالب العمالية خطراً على ماكنتهم الاستغلالية وخطراً على نظامهم الرأسمالي الجائر، فكانت لغة الرصاص ضد الإضرابات السلمية وإجراءات المحكمة التي حكمت بالإعدام على سبعة من العمال، والجريمة قامت بها الشرطة  وهي تفجير قنبلة موقوته ( تبين بعد 11 سنة أن من ألقى القنبلة أحد أفراد الشرطة)

ومنذ ذلك الحين اعتبر الأول من أيار عيداً اممياً لشغيلة اليد والفكر والبشرية التقدمية في العالم وهذا ما انعكس على الحركة العمالية والحركة النقابية في العراق التي ساهمت بجزء من نضالها من أجل إحياء هذه الذكري، وتجلت  قضية تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق عام 1933 في رسوخ العمل النقابي الذي تبلور في نضاله المطلبي والوطني خلال تلك الحقب منذ العهد الملكي  ثم كانت ثورة 14 تموز 1958 حيث حققت الطبقة العاملة والحركة النقابية مكاسب كثير في مقدمتها مشروعية الوجود العلني وقيام الاتحاد العام والنقابات المهنية وقانون العمل والضمان الاجتماعي وغير ذلك،  إلا ان قوى الردة بقيادة البعث العراقي والقوى القومية المتطرفة وبدعم من القوى الاستعمارية في إنجاح انقلاب شباط 1963 الدموي، فتم الاستيلاء على الاتحاد العام والنقابات.

لم تكن الحقب التي تلت الانقلاب الدموي في شباط 1963 إلا امتداد لسياسة الردة وإلغاء دور الطبقة العاملة والهيمنة على العمل النقابي إلا أن نضال الشغيلة بقي مستعراً على الرغم من الظروف القاهرة والتجاوز الكبير على حقوق العمال وبخاصة فترة الحكم الدكتاتوري في انقلاب 17 /تموز / 1968 وخلال 35 عاماَ كانت الحركة النقابية مهمشة بما أصدر النظام من قوانين جائرة في مقدمتها قانون رقم 150 لسنة 1987 الذي حول العمال الى موظفين كأجراء قمعي لأضعاف نضال الطبقة العاملة وحركتها النقابية التي هيمن عليها الذي انتهى بعد تاريخ 2003 حيث احتلال العراق وسقوط النظام.

لقد طرأت ظروف جديدة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما فيها ظروف شغيلة اليد والفكر  ومنظماتهم النقابية وفي هذه الظروف المستجدة  فقد تسنى للشغيلة إمكانيات علنية لتجديد وتأسيس النقابات والمركز العام ثم مراكز نقابية أخرى وعلى بالرغم من  التنوع الديمقراطي في الحياة النقابية  لكنها ساهمت في إضعاف قدرات ونضال الطبقة العاملة والحركة النقابية في قضايا عقدية منها الربط ما بين النضال السياسي والنضال المطلبي وهما شرطان في بلد مثل العراق لم تتبلور بشكل واضح حدود الطبقات المتواجدة  لأن العراق مازال يحبو تجاه النظام الرأسمالي والتخلص من التداخلات الطبقية لكي تحدد الطبقة العاملة والطبقات الأخرى وبخاصة الطبقة الرأسمالية، كما أن هنالك نماذج من العلاقات المتداخلة بين الطبقة العالمة والفئات البرجوازية الصغيرة لكننا نسعى لتأكيد الرؤيا الطبقية للنظام السياسي ونذهب للاستنتاج لكي نتوصل إلى فهم حقيقي لصراع الطبقات وجوهر النظام السياسي، إن وحدة نضال الطبقة العاملة دليل على استيعابها لمهماتها القريبة والبعيدة والحركة النقابية إحدى التنظيمات للطبقة العاملة فالنظام السياسي في العراق ليس نظام رأسمالي بل هو عبارة عن هجين من النماذج ولم يستقر على أسلوب رئيسي يجعلنا معرفة الرئيسي.

أن الحركة النقابية في العراق تمتلك تجربة غنية في العمل النقابي لكن ما تعرضت لها خلال حوالي 60 عاماً من تهميش وتزوير وإرهاب وهيمنة السلطات وبخاصة منذ الانقلاب الثاني في 17 تموز / 1968 لحزب البعث العراقي الذي تدخل بشكل سافر في شؤونها الخاصة والعامة وحرّف توجهاتها في قضية الديمقراطية النقابية وأخّر تطورها  وهمش دورها التاريخي، لقد تغيرت الأوضاع في العراق بعد عام 2003  فقد تخلصت الطبقة  العاملة من الاضطهاد والحكم الدكتاتوري لكنها واجهت اوضاعاً وظروفاً جديدة تتمثل في المهمات المستجدة ” احتلال البلاد والمهمات الوطنية ثم نضالها الاقتصادي المطلبي بالضد من الاستغلال والدفاع عن المطالب المشروعة للشغيلة ”   كذلك يتطلب استيعاب المرحلة في وحدة العمل والإرادة وتحديد مصالح شغيلة اليد والفكر، ومسالة تعدد المراكز النقابية  في هذه المرحلة يجعلها ضعيفة امام القوى الدينية السياسية التي تهدف إلى استغلالها وتشويه دورها وحرفها عن مسار الصراع ضد الاستغلال الطبقي، ان الظروف المعقدة في اتجاهاتها السياسية والدينية والتدخلات الخارجية يتحتم على القيادات النقابية ومراكزها المتعددة ان تعي أهمية وحدة العمل وتوحيد النضال المشترك المطلبي والسياسي لكي تصبح قوة مادية لا يمكن التجاوز عليها وعلى حقوقها المشروعة، ، أن الجانب المهني النقابي يجب أن يسود في التوعية والتخلص من النظرة الضيقة التي تعتمد على المصالح الذاتية البعيدة عن مفهوم وحدة النضال المشترك وأهمية الوقوف بالضد من الانقسامات والانشقاقات والخلافات الشخصية التي بعثرت الجهود المخلصة لقيام اتحاد نقابي عام قوى موحد لان عدم وحدة العمل والإرادة  أضر بالحركة النقابية وبقضية شغيلة اليد والفكر وجعلت من الحركة النقابية ذات التاريخ المشرق عبارة عن تكتلات ومراكز متفرقة وأصبحت مهماتها بدلاً من الدفاع عن العمل النقابي ووحدة نضالها الانشغال بالخلافات والانشقاقات الداخلية الذي عكست سلباً عن توجهات الحركة النقابية الوطنية الديمقراطية في وحدة العمل والإرادة وتغليب مصالح الشغيلة على المصالح والانشقاقات الشخصية لأنها مصالح كل الكادحين في العراق  لا يمكن  تكون الحركة النقابية الا حركة وطنية وطبقية وان تكون وفق مشروع نقابي واضح يهدف اول ما يهدف للاستقلالية في القرار ومنع أي تدخل في الشؤون الداخلية وليس من شك ان وحدة الحركة النقابية لها من الأهمية بمكان لكي تصبح أساس للوحدة الوطنية التي يحتاجها العراق في الظرف الراهن