قالت جدتي.. في حكايتها الجديدة.. عن ليلة الثامن والعشرون من نيسان:
في زمن مضى.. ما زلت أتذكر فصوله العجاف.. واتذكر الساعة والوقت.. لا بلْ تلك اللحظة بالقرب من بيت عمتي.. حينما رأيت رهطاً من الفئران تتراكض نحو كوخ قديم بجوار بيت المختار..
كانت الفئران قد قررت أنْ تجتمع في ذلك المساء.. لتحيي وتحتفل بذكرى ميلاد الجرذ الكبير.. ذلك النغل الذي ولد من تكاثر فأرة صحراوية وسنجاب اعور ذميم.. سرعان ما كبر.. وأخذ يلتهم كل شيء حوله.. يقال:
كان يأكل الحشائش والدبابير.. ويلتهم الجيف والقاذورات.. وكان يتجنب شرب المياه.. ويفضل احتساء الدماء والتهام لحم البشر.. بعد ان استطعم الموت والقتل والذبح.. وأصبحت انيابه الطويلة تطقطق.. كلما ارتعش من نشوة الفتك بمن يصبح فريسة له بين وجبات الفطور والعشاء.. التي يصعب التحكم بمواقيتها ومعرفة لحظة جوعه ورغبته في التهام أي شيء يصادف وجوده بالقرب منه..
وحينما كبر وانتفخ.. أخذ يمنح نفسه النياشين والرتب ولقب نفسه بالمهيب الركن.. واختار لنفسه يوم ولادة ومعرف ميلاد.. لا يعرف لماذا جرى تحديده بهذا التوقيت.. الذي يصادف الثامن والعشرون من نيسان.. وفرض على اتباعه في الغابة المشاركة في طقوس الاحتفال تيمناً بميلاده الميمون..
ومن ذلك العهد.. أصبحت مجاميع الفئران.. تمارس هذا التقليد.. وأخذت تتجهز وتتحضر للمشاركة والرقص في هذه المناسبة كأنه يوم عيد.. لحين حدوث عاصفة قوية.. اقتلعت مساحات واسعة من أشجار الغابة.. ترافقت مع امطار غزيرة وسيول جرفت العديد من البيوت والجسور.. ومن يومها تغيرت معالم الكثير من الأشياء.. واختفى في لجة الأحداث الجرذ القبيح.. الذي كانت تجرى له الاحتفالات الكبرى في هذا التوقيت لعدة سنوات مضت بشكل متكرر..
ويقال..
والعهدة على الراوي.. كما تقول جدتي..
ان الجرذ كان قد اختفى في حفرة عميقة.. وساعدته غريزته الحيوانية على التأقلم مع القاذورات.. ومياه المجاري.. كان يستلذ برائحتها.. وأخذ يصبغ لحيته بالتقن الأسود المتساقط في قاعها.. و”يتعطر” بما يفوح منها من روائح.. كانت تفتح خيشومه.. فينتعش ويهدأ..
وبقي الجرذ في مكمنه لحين اصطياده.. من قبل هر.. من فصيلة بزون امريكي كان على معرفة به من أيام الجمهورية ورافقه صبيحة شباط الدامي عام 1963..
واستمر في رصده وتعقبه بمساعدة من تواجد في تلك الديرة.. وتضرر من أفعال الجرذ واتباعه بعد حين..
وقالت جدتي.. موضحة تفاصيل تلك اللحظات..
حينما اقترب الهّر المذكور.. من الفتحة المطلة على حفرة الجرذ.. مسح شاربيه بكف يده.. وجلس ليشعل سيكارة روثمن بانشراح.. وبدأ يهمس..
ـ بسْ.. بسْ.. بسْ..
كررها ثلاث مرات..
وسرعان ما خرج الجرذ من مخبئه.. منفوث الشعر بلحية متسخة.. وكان السر في هذا الاستدراج للخروج من الحفرة.. كلمة السر..
بس.. بس..
التي كانت مختصراً متفق عليه.. من لقب أحد زبانيته.. ممنْ كانوا يحيطون ويحرسونه في ذلك الوقت العصيب.. وتم اختيار اسمه ليصبح كلمة السر المتداولة بينهم.. اثناء ذلك الاعصار الشديد.. بعد أن التقط الجرذ حرفين من لقب خادمه.. الحاجْ البرمكي ابو بسمان.. وهذا ما جعله يخرج ليقع في الفخ.. بعد ان انطلت عليه البسبسة في تلك اللحظات..
بس.. بس
كررتها جدتي وقالت.. مع نهاية الحكاية.. وهي تستخلص منها عبرة لتسوقها لنا..
ـ لا تهتموا يا اولادي بالفئران.. التي ما زالت تحتفل بذكرى ميلاد الجرذ..
اضحكوا.. اضحكوا عليهم.. بسبسوا لهم.. كلموهم بلغة البس التي يفهمونها..
فهذا زمن الضحك على الأغبياء.. من رهط الفئران.. وغيرهم.. ممن عبثوا.. وما زالوا يعبثون.. ويحنون للمجاري والحفر النتنة.. وأيام الجرذ وعهده المقبور..
ـــــــــــــــــــــــــ
صباح كنجي
12/5/2022
ـ اهداء ـ على مضض ـ مفروض على الكاتب.. بكل سخرية.. للذين شاركوا في الاحتفاء بميلاد الدكتاصور في احدى قرى سهل نينوى ليلة 28 من نيسان من عام 2022
ـ لدى الكاتب توثيق كامل مصور.. مع الأسماء التي حضرت.. سنعلنها لمن يرغب بالمزيد من الضحك في هذا الزمن الملتبس الذي يكاد يخلو من الفرح والمرح
السيد صباح كنجي المحترم
تحية
للاطلاع
“عن ليلة الثامن والعشرون من نيسان:”
عنْ ليلةِ الثامنِ والعشرين من نيسان:
محمد توفيق علي