من الشخصيات التي تركت أثراً لا ينسى في المسيرة النضالية للحزب الشيوعي العراقي في بابل الشهيد فاضل حسن علوان وتوت، الذي شغل العديد من المواقع القيادية في الحزب وعمل بدأب وجهد وتفان في كافة المفاصل التنظيمية والجماهيرية، وتميز بروح المقاومة والاندفاع والمجابهة في الظروف الحرجة، وكان صلبا في مواجهته ،عنيفا ملتزما إلى أقصى حدود الالتزام في تنفيذ ما يناط به من مهام وما يكلف به من واجبات ، وسنستعرض بعضا من مواقفه في ثنايا المقال.
ولد الشهيد عام 1943م في مدينة الحلة محلة الطاق لأسرة لها مكانتها الاجتماعية في مدينة الحلة، وكان منذ نعومة أظافره يتميز بروح التطلع لمعالي الأمور ، فلقد كان مميزا بين أقرانه الطلبة في المواظبة على الدوام والسعي للتعلم، لذلك كان بين الطلبة المميزين، وبعد أن انهى دراسته الاعدادية انتسب لكلية اللغات جامعة بغداد قسم اللغة الانكليزية وتخرج فيها عام 1964م ليعمل مدرسا في المدارس العراقية.
عمل في اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية بعد ثورة 14 تموز 1958 ونشط فيه، واكتسب عضوية الحزب الشيوعي العراقي عام 1961، ولنشاطه الحزبي في الكلية اعتقل بعد انقلاب شباط 1963 وأخذ نصيبه من التعذيب البدني والنفسي، وبعد اطلاق سراحه عاد لإكمال دراسته، واعتقل للمرة الثانية بعد تخرجه في الكلية وصدر أمر تعيينه وهو معتقل في السجن، وبعد خروجه من السجن عمل مدرسا للغة الانكليزية في الكفل ثم نقل الى مدرسة الاحرار ثم المتوسطة المركزية ، ونتيجة مضايقات السلطة اضطر إلى السفر إلى شمال الوطن لممارسة نشاطه الحزبي والسياسي، وعند اعلان الجبهة الوطنية عاد إلى محافظة بابل واصبح عضوا في اللجنة المحلية للحزب ، وممثل الحزب في لجنة الجبهة الى جانب الفقيد معن جواد، وبعد انهيار الجبهة نقلت خدماته إلى معمل البيبسي كولا.
في شباط 1971 بدأت التهيئة لانتخابات نقابة المعلمين على أساس جبهوي، فتقرر أن يمثل المنظمة إلى جانب حسين الأعرجي، وانتخبت الهيئة الإدارية، جرى بعد ذلك تبديل الاعرجي بالشهيد مهدي كامل الزبيدي، ثم كلف بتمثيل المنظمة للتنسيق مع البعث، ونسب ممثلا للحزب في لجنة الصمود والتصدي لدعم قرار تأميم النفط، وجرى تشكيل لجنة لجرد العناصر الديمقراطية في المركز والأقضية والنواحي، تكونت منه وحسين الاعرجي، وقاسم سلمان، وقسم العمل بينهم في صفوف الطلبة والشباب والمعلمين وتشكلت حلقات لإعادة علاقات الصداقة مع الكسبة وفئات الشعب الأخرى.
ولضرورات العمل الجبهوى ارتأت محلية بابل تنسيب ممثلين للحزب في لجنة الجبهة، فاختير معن جواد والشهيد فاضل وتوت، واتسم العمل بالصعوبة بسبب التعامل السيئ لممثلي البعث، وكان ممثلي الحزب يبذلون الجهد الكبير في التهيئة للاجتماعات ، وتدارس المواضيع التي يتم طرحها للنقاش، ومن أكثر الصعوبات التي واجهها ممثلي الحزب استمرار البعث في التضييق على الشيوعيين، وإلقاء القبض عليهم لأسباب مفتعلة، وتشديد الضغط على العاملين في الدوائر المختلفة، ما يعني أن التحالف منذ أيامه الأولى أخذ طريقه المعروف للانهيار لعدم التكافؤ بين الطرفين، واعتماد البعثيين على إفشاله ووضع العراقيل بوجهه لوجود نوايا مبيته كان يعرفها الأبعدين بله الأقربين، وكان ممثلي الحزب يعانون الأمرين في التوفيق بين طلبات الرفاق وما يتطلب العمل مع البعث، حيث يتصور البعض أن قيام الجبهة يعني العمل الواضح بين الطرفين، ولكن البعثيين كانوا يعملون منذ اليوم الأول لإفشال التجربة والتهيؤ للانقضاض على الحزب، لافتقارهم للنية الحسنة، والغريب أن البعث بعد توقيع ميثاق الجبهة بدء العمل جديا لإنهاء الشيوعيين وقمعهم، لعدم وجود ايمان حقيقي بالتحالف وبروز النزعة الدكتاتورية المقيتة لدى القيادات البعثية، وما توجد من تراكمات سابقة لن تمحوها الأيام، ومحاولتهم التفرد بالسلطة، وما جبل عليه البعث في الخديعة باتفاقاته مع كل الأطراف، لذلك كان ممثلي الحزب في الجبهة، في وضع لا يحسدون عليه، فالرفاق في الحزب ممن نالهم تعسف الجهات الأمنية وتجاوزاتهم يطالبون الحزب بالتحرك لإيقافها، في الوقت الذي تمعن السلطة بزيادة الضغط، وعدم سماع الشكاوى المقدمة في الاجتماعات لسماع هذه التجاوزات.
وكان الشهيد فاضل وتوت من الجناح الصدامي الذي يحاول الرد بقوة على التجاوزات الصادرة من قيادة البعث في زمن الجبهة، وحريص على متابعة قضايا المعتقلين، وكان في صراع وخلاف مع الرفاق الذين يقودون العمل الجبهوي، وخصوصا مع الفقيد معن بسبب السكوت عن تجاوزات السلطة، ويطالب باتخاذ اجراءات أكثر شدة وصلابة في مواجهة البعثيين وعدم السكوت عن أي خرق لقواعد العمل في الجبهة، وكان خير من يمثل المجموعة التي ترفض تصرفات البعثيين وتجاوزاتهم، وحصلت خلافات كثيرة بين فاضل وتوت ومعن جواد الذي كان على شيء من التساهل في تعامله مع البعث، لما يتسم به من دبلوماسية قد تبعده عن الصلابة المبدئية التي يتطلبها العمل الجبهوي، لذلك كان الشهيد فاضل وتوت من أوائل المعتقلين بعد الهجمة الشرسة وأعطى درسا رائعا عن كيفية الصمود الشيوعي بوجه الطغاة.
بعد توسع العمل التنظيمي وامتداد العمل في المجالات كافة، انتقلت المنظمة إلى بناية جديدة، اتخذ طابق منها للجنة الفرات الأوسط، والآخر للجنة محلية بابل، وشكلت مكاتب مهنية وأخرى للعلاقات الوطنية على مستوى المنطقة والمحافظة والاقضية والنواحي، وأنيطت مسؤولية المكتب بالراحل معن جواد وعضوية الرفاق رضا الظاهر وفاضل وتوت ومهدي كامل، ويتمحور عمل المكتب في متابعة أعمال الجبهة في محافظات الفرات.
اعتقل الشهيد عام1978م بعد انهيار الجبهة وكان في اول قائمة المستهدفين، ثم أطلق سراحه، لينسب الى معمل الكولا وهو اجراء اتخذته حكومة البعث بنقل التدريسيين الوطنيين إلى اعمال أخرى ليس لها تأثير على الجماهير، ووضع تحت مراقبة الأمن يحصون عليه حركاته وسكناته.
وذات يوم خرج كعادته إلى عمله صباحا، وكانت سيارة الأمن بانتظاره في مكان قريب فاعتقلته وأودعته غياهب السجون، وبعد سنوات على اعتقاله أبلغت عائلته بقرار اعدامه عام 1983 دون أن يعرفوا كيف اعدم وأين دفن، ورغم محاولات اسرته الاهتداء الى قبره ألا أن بحثهم دون جدوى ، وهكذا غيب هذا المناضل الصلب لتبقى ذكراه حية في قلوب عارفيه من رفاق وأصدقاء وأهل، ويذهب قاتليه الى مزبلة التاريخ تشيعهم لعنات الشعب.