.ماذا سيحدث الآن ؟- نجاح محمد علي

كاتب وسياسي عراقي مستقل  –
في تقرير استقصائي اعتمد على آراء الكتلة الصدرية التي انسحبت من البرلمان بأمر من زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر ، واخذ بنظر الاعتبار الواقع الجديد بعد مظاهرات اكتوبر تشرين الأول عام 2019 ، استنتجت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية المقربة من إدارة الرئيس بايدن أن ترك البرلمان و النزول الى الشوارع ، ليس هو الخيار الأفضل بالنسبة للصدر.
كتبت الصحيفة تقول إن من أسمته رجل الدين الشعبوي العراقي مقتدى الصدر، أمر كتلته بالانسحاب من البرلمان الأسبوع الماضي ، ثم أعلن أنه ” لن يشارك في الانتخابات المقبلة إذا شارك الفاسدون”. بعد فوزه في انتخابات العام الماضي ، ورأت أن الصدر بدا في مقعد القيادة في السياسة العراقية – وادعى أنه يسير على طريق تشكيل حكومة أغلبية وتهميش منافسيه الرئيسيين ، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وأجزاء من المتحالفين مع إيران… قوات الحشد الشعبي.
وكعادة الكثيرين ممن أخذ منذ الاعلان تلك الاستقالات ، التهديد بالنزول الى الشارع ، قالت الصحيفة إنه وبعد ثمانية أشهر ، يبدو أن الصدر يبتعد عن عملية تشكيل الحكومة ، مما يلقي بالسياسة العراقية في أرض غامضة. وتساءلت : ما هي لعبته النهائية؟.
تشير المقابلات التي أجرتها صحيفة واشنطن بوست مع شخصيات بارزة في جماعة الصدر إلى أن السيد مقتدى قد يركز الآن على قيادة الاحتجاجات ضد المعارضين السياسيين، ذلك أن مساحة الاحتجاج هي المكان الذي كان فيه الصدر قويًا بشكل فريد كزعيم لواحدة من أكبر الحركات الإسلامية في المنطقة ، منظمًا حول سلطته الشخصية كرئيس صوري ديني يتمتع بشخصية كاريزمية.
وتبدأ الصحيفة بدراسة معمقة لهذا الخيار وتقول :
بالنسبة للعراق ، قد تكون النتيجة الآن المزيد من عدم الاستقرار السياسي – وربما انتخابات مبكرة أخرى. لكن الأهم من ذلك ، أن الصيف المقبل سيضع ضغوطًا إضافية على الحكومة العراقية وسط حرارة شديدة وغضب شعبي متزايد بسبب نقص الوظائف والخدمات الأساسية. قد يشهد هذا الصيف تكرارًا لانقطاع التيار الكهربائي في العام الماضي ، على سبيل المثال – والاحتجاجات. وقد تؤدي اضطرابات الإمدادات إلى تفاقم الاحتجاجات المستمرة على البطالة والأجور وظروف العمل في القطاع العام.
وتضيف : يبدو أن إعادة عرض فعل التوازن الدقيق الذي خدم الصدر جيدًا في الماضي أمر محتمل. وبحسب ما ورد سيحاول الآن الاحتفاظ بنفوذه عبر أقوى مؤسسات الحكومة بينما يحشد الاحتجاجات المناهضة للمؤسسة في الشوارع. لكن هل ستنجح هذه المرة؟
فشل الصدر في تشكيل حكومة أغلبية وفاز تحالف الصدر بـ 73 مقعدًا من أصل 329 مقعدًا في انتخابات أكتوبر 2021 العراقية ، بزيادة 19 مقعدًا عن التصويت السابق. ترك هذا حركته الأكبر في البرلمان. وقال بعض المراقبين إن الصدر عرض على العراق أفضل فرصة للتغيير السياسي – إذا تمكن من كسر مأزق السياسات القائمة على الإجماع .
في حين توقع أنصار الصدر أن الائتلاف سيشكل حكومة بسرعة ، رد خصومه داخل الكتلة الإسلامية الشيعية والكتلة المتحالفة مع إيران ، مستخدمين العنف السياسي ونفوذهم على القضاء. وأصدر الأخير أحكاماً انتقادية أوقفت التصويت على منصب الرئيس وامتصت الزخم من مسعى الصدر لتشكيل حكومة. لم يستطع الصدر ولا خصومه تشكيل حكومة أغلبية من مجموعات الأحزاب في البرلمان الجديد.
وتستمر الصحيفة في طرح السؤال : ماذا سيحدث الان؟ وتجيب : أخبرنا كبار الصدريين أنهم يعتقدون أن منافسيه الرئيسيين – المالكي وأجزاء من قوات الحشد الشعبي – من غير المرجح أن يحصلوا على الدعم الكافي من الفصائل الأخرى لتشكيل حكومة في غيابه. وحتى لو نجح خصوم الصدر ، فإنهم يقولون إن الصدريين يمكنهم الإطاحة بهذه الحكومة من خلال الاحتجاجات.
بعد 20 عامًا ، أصبحت لغة “الحرب على الإرهاب” الأمريكية عالمية
الصدر عالق في الوسط
صحيفة واشنطن بوست في اشارة لها مغزى عن دور السيد مقتدى الصدر في اخفاقات الحكومات السابقة أكدت أنه أصبح المهيمن على الحكومات السابقة والحالية وقالت : في السنوات الأخيرة ، أصبح الصدريون الحزب الحاكم المهيمن في العراق ، وتقلدوا مناصب قوية في الحكومة العراقية. لكن صعود الصدر جاء مع تزايد غضب المواطنين بشأن فشل حكومتهم في توفير الخدمات الأساسية والوظائف – واستيائهم من القمع الحكومي للجماعات والنشطاء الذين يضغطون من أجل تغييرات أوسع.
ومن هنا عالجت الصحيفة موقع الصدر كمعارض وكيف بدأ يتصدع وكتبت :
لطالما نظر الصدر إلى حركته على أنها مناهضة للمؤسسة ، وكذلك قاعدته. إن التركيز المتجدد على كونك القائد الواضح في الاحتجاجات العراقية المناهضة للحكومة سيعكس الأصول التاريخية للتيار الصدري كحركة معارضة ضد كل من النظام البعثي والاحتلال الأمريكي. يمكن القول إن ذروة شعبية الصدر في العراق كانت في عام 2016 ، عندما تولت الحركة مسؤولية الاحتجاجات من خلال توحيد صفوفها مع الناشطين اليساريين والليبراليين والجماعات الاحتجاجية.
أكدت صحيفة واشنطن بوست أن الصدر فقد قبضته على قادة الاحتجاج
وقالت (ومع ذلك ، فإن هذا الدور القيادي في الاحتجاجات هو أكثر إثارة للجدل اليوم. اجتاحت الاحتجاجات الضخمة المناهضة للمؤسسة في أكتوبر / تشرين الأول 2019 – المعروفة باسم تشرين – الجيل الأكبر من اليساريين والمثقفين الذين دعموا العمل مع الصدر لتنسيق الاحتجاجات. ووجد الصدر في النهاية أن الجيل الجديد من نشطاء تشرين يهدد قواعد سلطته. دفع الانهيار الجوهري في العلاقات مع النشطاء الجدد التيار الصدري إلى قمع عناصر حركات الاحتجاج بعنف في عام 2020. ولا شك أن هذا الاغتراب سيعقد جهود الصدر لقيادة العودة إلى سياسة الشارع). كما هو واضح فان صحيفة واشنطن بوست تحمل الصدر مسؤولية قمع المظاهرات والعاقل يفهم.
وأشارت بوضوح الى أن مساحة الاحتجاج في العراق أصبحت أكثر انقسامًا اليوم. وقالت : يتقدم معارضو الصدر لمنع الحشود الشبابية الجماهيرية وتقليل ميزة احتجاج الصدريين. على سبيل المثال ، عندما قُبض على عمار الزيدي ، زعيم أكبر مجموعة احتجاجية مرتبطة بالتوظيف في البصرة مؤخرًا ، كان خصوم الصدر في البرلمان من قوات الحشد الشعبي ، عصائب أهل الحق ومنظمة بدر ، هم الذين تفاوضوا على إطلاق سراحه. استخدم العديد من النواب “المستقلين” وأعضاء حركة تشرين ، مثل النائب باسم خشان ، البرلمان والمحاكم لمعارضة تحركات الصدر السياسية.
ترى واشنطن بوست أنه قد يجد الصدريون صعوبة في استمالة الاحتجاجات الاقتصادية الحالية. وكشفت أنه في الآونة الأخيرة ، أجرت الحركة الصدرية محادثات مع ممثلين عن واحدة من أكبر احتجاجات التوظيف في القطاع العام في العراق في قطاع التعليم. ومع ذلك ، أخبر المطلعون الصحيفة أن المحادثات انهارت بشكل حاد. كما تتنافس الفصائل الأخرى بشدة للاستفادة من هذه الجماعات.
ماذا سيحدث الان؟
قالت صحيفة واشنطن بوست: يمكن لخصوم الصدر محاولة تشكيل حكومة بدونه – وهي خطوة من شأنها أن تتركهم في وضع جيد لاستغلال المكاسب غير المتوقعة من ارتفاع أسعار النفط لمزيد من التعدي على مساحة الاحتجاج.
قد يكون على استعداد لتحمل هذه المخاطرة ، على أمل التغلب على التحدي الأكبر الذي يواجهه: القاعدة الاجتماعية المتدهورة.
وتستمر صحيفة واشنطن بوست لتستنتج أن فقدان مصداقية الاحتجاج أصبح مشكلة كبيرة للصدر ، الذي فاز تحالفه بمزيد من المقاعد لكنه كما قالت خسر مئات الآلاف من الأصوات في الانتخابات الأخيرة. وقد عزز هذا المخاوف داخل القيادة الصدرية من أن يفقد العديد من الشباب العراقيين الاهتمام بحركتهم. معظم هؤلاء الشباب – بما في ذلك القاعدة الصدرية – يتذكرون بلدهم فقط بعد عام 2003 ، والعقود الأخيرة عندما أصبحت النخبة بأكملها ، الصدر وخصومه على حد سواء ، أقوياء وأثرياء بشكل لا يصدق على حساب بقية المجتمع.
بالنسبة للصدر رأت الصحيفة ، ، فإن الاحتجاجات لا تتعلق فقط بالضغط على الخصوم السياسيين. قدمت احتجاجات الشوارع في الماضي وسيلة لتنشيط أتباعه وبناء حركة أكثر تماسكًا. لكن هذه المرة ، لا يميل نشطاء الشوارع بالضرورة إلى اتباع خطاه ويبدو أن منافسيه أكثر استعدادًا لمواجهة تكتيكاتهم الاحتجاجية.
بالنظر إلى الطبيعة المتصدعة للسياسات السياسية المناهضة للمؤسسة في العراق ، قد يشعر الصدر قريبًا أن هذا هو الوقت الخطأ للابتعاد عن البرلمان والعودة إلى الشوارع. ختمت واشنطن بوست التي لم تشر كما يفعل الكثيرون الى أن وسائل الإعلام (وبعض الإعلام المقاوم وقع في الفخ) ، عبر استضافة محللين، يُظهرون السيد مقتدى الصدر بأنه زعيم عصابة مارقة خارجة عن القانون عندما يتحدثون عن خيار النزول للشارع بديلاً عن البرلمان لاسقاط النظام السياسي.
و على القضاء التصدي بحزم لمن يقوض الأمن ويجر العراق للفوضى، فالمظاهرات والاحتجاجات التي تجري في إطار القانون وتحافظ على السلم الأهلي، هي التي يجب أن تتبع، والسيد الصدر قادر على البقاء في البرلمان، على ممارسة حقه في التغيير والاصلاح، تحت سقف القانون والنظام لا بالفوضى.