ظلت دراسات وابحاث كثيرة تناولت مفهوم المثقف من جوانب عدة وان تعددية التعريف لايزال يرافقه الاجتهاد في التفسير، وقداتسع ليشمل جميع ((الذين يشتغلون بالثقافة، ابداعا” وتوزيعا” وتنشيطا”، الثقافة بوصفها عالما” من الرموز يشمل الفن والعلم والدين)) والذين يمكن التمييز فيهم بين نواة تتكون من المبدعين والمنتجين من علماء وفنانين وفلاسفة وكتّاب وبعض الصحفيين يحيط بها أولئك الذين يقومون بنشر ماينتجه هولاء المبدعون مثل الممارسين لمختلف الفنون ومعظم المعلمين والاساتذة، يليهم ويحيط بهم جماعة تعمل على تطبيق الثقافة من خلال المهنة التي يمارسونها مثل الاطباء والمحامين وهذا هو المعنى العام السوسيولوجي للكلمة، فأن مقولة المثقفين يتحدد وضعه لابنوع علاقته بالفكر والثقافة ولا لكونه يكسب عيشه بالعمل بفكره وليس بيده، بل تتحدد وضعه بالدور الذى يقوم به في المجتمع كمشرّع ومعترض ومبشر بمشروع أو على الأقل كصاحب رأي وقضية يقول بول باران ((اني أقترح أنه، عندمايتعلق الأمربموقف إزاء القضايا التي تطرحها الصيرورة التاريخية بأكملها، يجب أن نبحث عن الخط الفاصل بين العمال الفكريين وبين المثقفين.. إن الرغبة في الكشف عن الحقيقة ليست إذا” سوى أحد الشرطين ليكون الشخص مثقفا” اما الشرط الأخر هو أن يكون شجاعا” أن يكون مستعدا”للذهاب بالبحث العقلاني إلى أبعد مدى، أن يقوم ((بنقد صارم لكل ماهو موجود، صرامة تحول دون تراجع النقد، لا أمام النتائج التي يقود إليها هو نفسه ولاأمام الصراع مع السلطة (ماركس) أيا كانت – ان المثقف اذا” هو في جوهره ناقد اجتماعي وجاء في كتاب المثقفون والثورة للدكتور نديم البيطار يقول في تعريفه للمثقف الحقيقي ليست الشهادة الجامعية العليا ليست الدكتوراه” التي أسميها شخصيا لقب الامية الحديثة ليست حتى عدد الكتب التي يكون قد قرأها بل هي استيعابه وتمثله وليس فقط إدراكه لهذا العقل العلمي الذى أشرنا إليه وقدرته بالتالي على ممارسته في المشاكل التي يدرسهاويعالجها وفي الحوار او النقاش الذى يدخل فيه حولها. إنها القدرة على الموضوعية العلمية والعقلانية العلمية والعقل النقدى في استيعاب المعرفة لهذا كان من الاسهل على المتعلم أو المثقف بان يكون نصف – مثقف على أن يكون مثقفا حقيقيا لان النصف الآخر لايتوفر عن طريق القرأة أو الشهادات الجامعية أو المعرفة فقط بل بادراك طبيعة المعرفة الحقيقية. وربما كان طه حسين)) يعتبر ان المسألة الثقافية أعمق في تأصيل التنوير والحداثة وهذا هو مايفسر اهتمامه الكبير بقضية التربية والتعليم لخلق عقل مستنير. ان الثقافة قضية ستراتيجية ومفهومها أنواري عنده وهو مايعبر عنه في حديثه عنهاحين يقول6 الثقافة من حيث هي ترقية العقل وتوسيع الأفق ((…)) ومصدر شعور الفرد بحقه وتقديره لواجبه ومن حيث هي مصدر شعور الجماعة بحقها وشعورها بواجبها وفي قدرتها على البقاء وقدرتها على المقاومة واستعدادها للرقي والثقافة هي التي هدت أوروبا إلى فلسفة القرن الثامن عشر وإلى ماأنتجت هذه الفلسفة من الاعتراف بحرية الفرد والجماعة وبحقوق الانسان في امريكا وفي فرنسا (…) وكان من الاولويات التي انتجتها الثقافة في عقول الاوربيين والامريكيين ان العلم حقا” للناس كالطعام والشراب والهواء وان من اوجب واجبات الدولة ان تمكن الناس من ان يتعلموا وقد اصبح هذا اصلا” من اصول الحياة الحديثة ان متابعة البحث عن مفهوم للمثقف وهنالك العشرات من التعريفات لكن تتفاعل مع بعض المفاهيم الواقعية قي هذا المجال كما يقال عن المثقف با لحذق – الفطن – مقوم الاعوجاج والمهذب المتعلم او الذي نمت لديه الملكات العقلية. والمثقف هو الرجل الحاذق المتعّلم من ذوق وحس انتقادي وجاء في تعريف اخر هو ((إن المثقف ليس صفة مهنية كالطبيب أو التاجر أو المهندس أو المدرس، وحتى أعلى الشهادات لاتمنح المرء صفة المثقف مالم يجاهد ليتجاوز دائرة اختصاصه بحسب تعريف سارتر له بأنه ((إنسان يتدّ خل فيما لايعنيه فلا يمكن القول إن كلّ مختص مثقف، بينما لابد أن يكون كل مثقف مختصا، لأنه ليس هناك عمل أو اختصاص اسمه (مثقف) ونحن نقول (مثقف) تماما كما لو قلنا (متدين) التدين ليس مهنة أو اختصاصا لذلك فأن الاختصاص لايكسب صفة الثقافة)) وهنالك اجتهادات في دور المثقف يقال ان فعالية المثقف تقاس بمدى قدرته على جذب الجماهير وهذا مايجعل الناس يكرهون المثقف القريب من السلطة ومراكز القوى، حيث كلما ابتعد عنها، كسب الناس وصار من ضمن الخط الجماهيرى حسب مفهوم بعض المنظرين رغم ان اكثر المثقفين حتى وان كانوا بعيدين عن مراكز القوى فتراهم ينبذون العلاقة مع العامة من الناس حسب اعتقادهم لامتيازهم الفكر والثقافة او هم في القياس اكثر وعيا من الاخرين، ممايجعلهم في حالة غرور يجرفهم التيار الى جهة بعيدة عن الاخرين، في حين ان الثقافة كما نعتقد ليست حكرا على احد لكن يجب ملاحظتها هو ان المثقف هو منتج للوعي، وقدرته على ايصال الحقيقة للعالم والدفاع عن الانسانية وهدفه هو توعية الجماهير، ففي حالة تباعده عن الجماهير سيكون هو الخاسر الاكبر لأنه لاتوجد ثقافة تعيش في الهواء الطلق وفي الابراج العاجية وتعيش في عقل شخص واحد وعند ذلك سنطلق عليها بسلبية الثقافة المجردة من الواقع.
تطرق (ادوارد سعيد) في كتابه صور المثقف – الذي اعتمد على انطونيو غرامشي المفكر الايطالي في تنظيراته ويحاول أن يظهر امكانية تصنيف الذين يؤدون الوظيفة الفكرية في المجتمع إلى نوعين، يضم أولهما المثقفين التقليدين مثل المعلمين ورجال الدين والاداريين، ممن يواصلون أداء العمل نفسه من جيل الى جيل ويشمل ثانيهما المثقفين العضويين الذين اعتبرهم غرامشي مرتبطين على نحو مباشر بطبقات أو بمؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح واكتساب المزيد من القوة وزيادة السيطرة ولذا يقول غرامشي في هذا الصدد عن المثقف العضوي ((ان منظم الاعمال الرأسمالي يخلق الى جانبه التقني الصناعي والاختصاصي في الاقتصاد السياسي ومسوؤلين لانشاء ثقافة جديدة أو نظام جديد الى ماهنالك. وفي عالم اليوم ووفقا لنظرية غرامشي يعتبر خبير الاعلان أو العلاقات العامة الذى يستنبط أساليب تضمن لمسحوق غسيل أو شركة طيران حصة أكبر من السوق، مثقفا عضويا. فهو إ نسان يحاول في مجتمع ديمقراطي لكسب موافقة الزبائن المحتملين ونيل الاستحسان وتوجيه رأى المستهلك أو الناخب. وكان غرامشي مؤمنا بأن المثقفين العضويين يشاركون في المجتمع بنشاط اى أنهم يناضلون باستمرار لتغيير الاراء وتوسيع الأسواق. فالمثقفون العضويون هم دائمو التنقل و دائمو التشكل، على عكس المعلمين والكهنة الذين يبدون وكأنهم باقون في اماكنهم يؤدون نوع العمل ذاته عاما بعدعام9 وكان ادوارد سعيد – في محاضرات ريث سنة 1993 – له ثقة متكاملة بدور المثقفون باعتبارهم هم آباء الحركات وامهاتها كما وصفهم .
والمثقف حسب مفهومي للكلمة، لاهو عنصر تهدئة ولاهوخالق إجماع وانما إنسان يراهن بكينونته كلها على حس نقدي وعلى الاحساس بأنه على غير استعداد للقبول بالصيغ السهلة، أو الافكار المبتذلة الجاهزة، أوالتأكيد ات المتملقة والدائمة لمجاملة لمايريده الأقوياء والتقليديون قوله، ولما يفعلونه. ويجب ألاّ يكون عدم الاستعداد هذا مجردّ رفض مستتر هامد، بل أن يكون رغبة تلقائية نشطة في الافصاح عن ذلك علنا. ولايعني هذا الامر دوما ان يكون المثقف ناقدا لسياسة الحكومة، بل أن يرى في المهنة الفكرية حفاظا على حالة من اليقظة المتواصلة ومن الرغبة الدائمة في عدم السماح لأنصاف الحقائق والافكار التقليدية بأن تسير المرء معها وينعت المثقف بالانغلاق، وان كتاباتهم مقتصرة على فئة قليلة او مايقصد به النخب المثقفة، ويصف جاكوبي المثقف، بأنه ((انسان عنيد في استقلاليته لايأتمر لاحد ويقول إن كل ماعندنا الآن هو جيل مفقود حل محله تقنيو غرف تدريس متحفظون لامبالون، مستخدمون لدى لجنة، تواقون الى إرضاء إصناف مختلفة من أولياء الآمر والوكالات، متفشون بشهادات أكاديمية واعتبارا جتماعي لايشجع الحوار وإنما يري السمعة ويرهب غير الخبير، إنها لصورة قاتمة جدا….))
ان النظرة السلبية للمثقف كما وصفه وشبهه ب ملك حكيم منطو على نفسه، وظلت أراء ووجهات نظر متعددةفي تناول المثقفين من قبل اكثر المفكرين والكتاّب وان مقاييس المجتمعات التي تريد ان يكون على شاكلتها او على شاكلة الروتين الاجتماعي، ومازال مجتمع اليوم كما يقال يحاصر الكاتب ويحيط به، احيانا بالجوائز والمكافأة وغالبا عبر الاستخفاف أو الاستهزاء بالعمل الفكرى بمجمله وأكثر من ذلك في الأغلب الأعم عن طريق القول إن المثقف الحقيقي يجب الا يكون سوى محترف متمهر في مجاله. ولاشى ء في نظري يستحق التوبيخ (أكثر من تلك الطباع الذهنية للمثقف التي تعزى بتجنب المخاطر، اي الابتعاد عن موقف صعب ومبدئي تدرك أنه الصحيح، لكنك تقرر الاتتخذه فأنت لاتريد الظهور في مظهر المنغمس جدا في السياسة وتخشى من أن تبدو مولعا بالجدل، وتحتاج إ لى موافقة مدير أو شخص ذى سلطة وتريد الاحتفاظ بسمعة حسنة كانسان متزن وموضوعي ومعتدل وتأمل أن تدعى مرة أخرى وأن تستشار وان تكون عضوا في مجلس إدارة أو في لجنة لها مقامها وبالتالي أن تظل في نطاق الاتجاه السائد الذى يعول عليه وتأمل أن تحصل يوما ما على شهادة فخرية أو غنيمة كبرى لابل حتى على منصب سفير ان هذه الطباع الذهنية هي العامل الأبرز دون منازع لافساد المثقف))